السلام عليكم أيها الكرام.
مقدمة: ظهور الفئران من جحورها
لما حُبِسَ العلماء وتمَّ الإعلان عن منع الناس من حجِّ بيت الله الحرام من خارج بلاد الحرمين، ومُنعت مكبِّرات المساجد من بثِّ الصلاة حتى في صلاة الجمعة، بحيث ما عادَ الناس يسمعون الخُطبة. وفي المقابل ارتفعت أصوات الرَّقص والغناء، وجيء بكل متردِّية ونطيحة وشاذٍّ ومغنٍّ ورقَّاصة لتقام لهم الحفلات.
لما حصل هذا كله، خرجت الفئران من جحورها وظنوا أن الأمة ماتت، وأن بإمكانهم الطعن في الله تعالى ودينه ورسوله صلى الله عليه وسلم. كما سأستعرض معكم مما حدث في الأيام الأخيرة، والذي يخرس هؤلاء الطاعنين في الدين ويرجعهم إلى جحورهم هو تفاعلكم أنتم أيها المسلمون.
أمثلة على الطعن في الدين
مكتبة تبيع كتب نوال السعداوي
مكتبة من أكبر مكتبات بلاد الحرمين نشرت إعلاناً عن بيع كتب الهالكة نوال السعداوي. أهلنا ببلاد الحرمين من عامة المسلمين جزاهم الله خيراً نشروا عن الموضوع بنشاط وقاطعوا المكتبة استنكاراً، فشطبت المكتبة هذا الإعلان وحذفت الكتب من موقعها.
كاتب يطعن في الدين والسنة
جاء بعدها أحد المجرمين الذين لا أذكر اسمهم تحقيراً، وهو كاتب معروف في بلاد الحرمين، يُعلِّق على غضب المسلمين من فيديو سبِّ الصهاينة للنبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة الأعلام عند باب العمود، فيقول عن اليهود: "عندنا وعندهم خير". تصوَّر كيف يسبون نبينا بأبشع الألفاظ ويقول لك عندهم خير!
ثم يقول: "أليس عندنا من يقول بأنهم سيتوارون خلف شجر الغردق؟" يقصد الجاهل شجر الغرقد وليس الغردق طبعاً، الذي قال أنهم يتوارون خلف الغرقد هو نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم. ويقول الكاتب: "الكراهية لا تولد إلا الكراهية سواء من العرب أو اليهود". فأصبح كلام النبي عليه الصلاة والسلام عند هذا المجرم خطاب كراهية، هو سبب المشكلة، وإلا فالجماعة فيهم خير! وكأنهم هم الذين بيّن القرآن غدرهم وقتلهم الأنبياء ونقضهم المواثيق وإرادتهم الشر بالمسلمين.
ويقول هذا الكاتب: "أليس عندنا من يقول بأنهم أحفاد القردة والخنازير؟ أليس منا من يقول أنهم ملعونون إلى يوم الدين؟" وهذا تعريض بآيات وأحاديث كقول الله تعالى فيهم: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}.
ولم يشارك فيه عامة المشاهير والعلماء والمؤثرين للأسف، فمرت التغريدة أو بالأصح هذا النباح. علماً بأن هذا المجرم الكاتب نفسه كان قد طعن في صحيح البخاري من شهور، فثار الناس فشطب كلامه واعتذر وتظاهر باحترام البخاري، وأن "أنا ما عندي مشكلة مع البخاري"، ليحول المسألة للبخاري وشخصه ويغطي على أن المسألة في حقيقتها طعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا المجرم ومن مكانه في بلاد الحرمين كتب من قبل يقول: "جاء رسولنا الكريم ليصحح عقيدة إبراهيم الخليل، وجاء زمن نحتاج فيه إلى من يصحح عقيدة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم". طبعاً لم يصحح نبينا عليه الصلاة والسلام عقيدة إبراهيم عليه السلام بل جاء مصدقاً لها ومؤكداً. ويقول لك هذا المجرم: "نحتاج من يصحح عقيدة محمد"! مين لم يصحح عقيدة محمد؟ أشكالك أيها المجرم؟ أشكالك؟ ألم يقل الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}؟
الآن أحس هذا المجرم أن الأمور مهيئة فعاد يطعن في كتاب الله وسنة رسوله ومن بلاد الحرمين، ومر طعنه.
صحفي ينتقد أحكام الشريعة
وهذا شجع شخصاً آخر وهو صحفي في صحيفة الشرق لينتقد علناً تعدد الزوجات وأن ميراث المرأة على النصف من الرجل، ويقول: "إذا كان هذا بالموروث" - شوف كيف التعبير عن الدين وعن القرآن والسنة "موروث"، موروثات مثل أي موروثات أخرى - "إذا كان هذا بالموروث ما هو المانع أن نصححه في الألفية الثانية؟" يعني خلاص هذا كلام قديم متخلف ونحن الآن في عصر تقدم. يقول هذا حقها.
ويقول في أخرى عن تعدد الزوجات: "هذا كافي أن نقول للمسيحيين أنتم تفوقتم علينا باحترام المرأة، تتزوجون بامرأة واحدة طول العمر ونحن مثنى وثلاثاً إلخ". طبعاً الآية تقول: {مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} مش ثلاثاً كما يقول هذا الجاهل. وشوف كيف "مثنى وثلاث إلخ" استهزاء بالآية. ويتابع ليقول: "المسيحيون احترموا المرأة ونحن نتاجر بها". مؤسف حقاً.
انتشر وسم استنكار كلام هذا الكاتب فحذفه وأظهر الاعتذار وأنه لا يقصد الإساءة للإسلام، ولكن حتى في اعتذاره يسخر من التعدد على أنه من عادات قبائل أولية بدائية. الشيخ محسن أو عبد المحسن الأحمد فك الله أسره قال في أمثال هؤلاء: "يضرب لك مثلاً بتطور الغرب في الصناعة".
تصور أن هذا التطاول على الله وكتابه ورسوله يحدث في نفس الوقت الذي يغني فيه المغني في بلاد الحرمين قائلاً لشخص، قائلاً لبشر يقول له: "لك يسجد القاف، لك يسجد القاف غصب وتركع أوزاني، يا قبلة المدح اللي صلت قوافي الناس، غرق بحر وكفوفك المينة وبدمع أو يدمح سجود السهو زلت قوافينا". شوف كيف صلاة وركوع وسجود وقبلة في تقديس بشر! بينما طعن واستهزاء بدين الله ورسوله.
خطورة الوضع الحالي
تذكروني إخواني لما تفاعل المسلمون لإساءة فرنسا، هذا الذي نشهده هذه الأيام أخطر. ففرنسا بلد كفر في الأصل وبعيدة، وهؤلاء ينبحون في مهبط الوحي من بيننا. طبعاً إخواني لا يجيء أحد ويقول: "طيب تعال نناقشهم، تعال نقنعهم، تعال نرد عليهم فيما يقولون". كل ما يقولونه كلام مجتر مردود عليه ألف مرة.
خطأ النقاش مع الطاعنين
طرح المواضيع للنقاش في هذا السياق يحقق لهم ما يريدون من نزع القداسة عن دين الله عز وجل، وجعل الكفر بالله والطعن في دينه رأياً ووجهة نظر ومسألة مطروحة للنقاش الهادئ. نحن نطرح قضايا المرأة ونرد الشبهات المثارة عليها في سلاسل بالساعات كما يعلم من يتابعني، لكن هذا مقام آخر. الذي نحن فيه مقام آخر، مقام إخراس أعداء الله ورسوله وإرجاع الفئران إلى جحورها.
إسقاط القداسة عن الدين
إسقاط القداسة عن الدين هو ما يريدون، لأنها الخطوة الأهم في محاربة دين الله تعالى. طوال سنوات كانوا عادة يستخدمون لحن القول واللف والدوران للطعن في الدين من خلال انتقاد سلوك بعض المطوعة وكلام بعض الدعاة ليلتبس الأمر على الناس ويقولوا: "بصراحة معهم شيء من الحق". أما الآن لا، هجوم مباشر على الدين دون تورية، وحرب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، وطعن في تشريعة الدين.
الهجوم المباشر على الدين
بما أنه ليس هناك دولة تقوم في هؤلاء بأمر الله للأسف، فليس أقل من أن نعلن البراءة منهم ونجاهدهم بألسنتنا وننبه الناس على خبثهم ومكرهم. تغريداتهم أو نعيبهم هذا هو جس نبض ليروا كم فينا نحن المسلمين من بقية حياة. إن سكت الناس، فالخطوة التالية توسيع الاستهزاء بالله ورسوله ودينه والهجوم على شرائع الإسلام.
وكأن هؤلاء المجرمين قد ساءهم ما رأوا من ذلة الصهاينة بعد أحداث الأقصى وغزة، وساءهم ما اجتمعه المسلمون من أنسام العزة والنصر. هم يطعنون في دين الله من خلال مسائل متعلقة بالمرأة، لنرد عليهم فيها. فيرد علينا بعض المتأثرين والمتأثرات بالشبهات، فينشب الخلاف بيننا وبين هؤلاء المتأثرين، والمجرمون يتفرجون. يتكلمون عن النصارى، لنتكلم عن النصارى، فتصبح المسألة بيننا وبين النصارى.
موضوعنا الآن لا النصارى ولا النسويين ولا النسويات، موضوعنا هو الطعن في الدين والاستهزاء بأحكامه.
واجب المسلمين
واجب كل مسلم أن ينكر هذا الطعن في الدين. هذه ليست حرباً بين الشيوخ وغير الشيوخ، هذه حرب بين الإسلام وأهله وفي المقابل أعداء الإسلام. حتى أنت يا من حضرت حفلات الرقص والغناء هداك الله في بلاد الحرمين، حتى أنت يا من حضرت هذه الحفلات في بلاد الحرمين، ألستما مسلمين في النهاية؟ قفوا وقفةً لله ضد هؤلاء المجرمين، وتبرأوا منهم، وأروا الله منكم ما يحب.
أنت يا مسلمة حتى لو كنت متبرجة، وعندك تقصير في جنب الله، ألا تحبين الله ورسوله؟ ألا تغارين على كتاب الله ودينه؟ ليتك تقولين لأمثال هؤلاء المجرمين: "اخرسوا ولا تتكلموا باسمنا نحن النساء، فنحن مهما قصرنا نحبّ الله ورسوله، ولا نسمح لكم أن تتطاولوا على ديننا". وهذا بإذن الله لك عليه من الله الأجر العظيم.
هذا يوم ينتصر فيه المسلمون، كل المسلمين، لله ورسوله، وإلا فهذا الذي يفعلونه له ما بعده من محاربة دين الله والاستهزاء به. مطلوب من الدعاة والمؤثرين والمشاهير أن يغضبوا لله وينكروا هذا الطعن في الدين، وأن يكونوا ظهراً لعامة الناس ممن قد تفتر هممهم إذا لم يروا الدعاة يتقدمونهم في الغضب والإنكار والغيرة على دين الله عز وجل.
الجبناء الطاعنون في الدين يتأثرون بالضغط، فلا تستهينوا بالاستنكار حتى يرجعوا إلى جحورهم ويخرس من تسوّل له نفسه أن يفعل مثلهم.
خاتمة ودعاء
وختاماً أتساءل حقيقةً: أين هؤلاء الذين كلما أنكرنا منكراً طلعوا علينا بإسطوانة "الفتنة، لا تهيج الناس، الفتنة، ألا في الفتنة سقطتم"؟ لماذا يخرس هؤلاء في مثل هذا المقام ولا نسمع لهم ركزاً؟
اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير. اللهم لا ترفع للكافرين والمنافقين راية، ولا تحقق لهم غاية، وفرج كرب المستضعفين من عبادك، وأعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين والمنافقين. والسلام عليكم ورحمة الله.
كلمة عن طعن بعض المجرمين في دين الله في بلاد الحرمين، وليس فرنسا هذه المرة!