السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني وأخواتي، لازلنا نبني حبنا لله عز وجل على تأمل أسمائه وصفاته، ولا زلنا مع اسم "الودود".
الودود: محبة الله التي لا تشوبها المصالح
تصور معي أنك لقيت رجلاً فتبسمت في وجهه ونسيت الموقف، ثم إذا بهذا الشخص يهديك سيارة ويقول لك: "لن أنسى بسمتك ما حييت، لقد أحسست فيها بمحبتك الصادقة لي". ثم بقي يتصل بك يشكرك على ابتسامتك. وقعت في مأزق فساعدك وسعى معك بوقته وجهده وماله. مرضت فزارك وأطعمك بيده. استحييت منه وقلت له: "أنا لا أستحق منك كل هذا". فقال لك: "لا، لن أنسى لك تبسمك في وجهي". وبقي يظهر لك المحبة الصادقة التي لا تشوبها المصالح الدنيوية.
ماذا تسمي إنساناً كهذا؟ ودود، أليس كذلك؟ ألا تحس بالحياء الشديد من تودد مثل هذا الإنسان، خاصة إن لم تستطع سداد معروفه وجميله؟ ولله المثل الأعلى.
أعمال بسيطة، أجور عظيمة
الله سبحانه وتعالى الودود يرضى عن عبده ويكرمه على أفعال بسيطة جداً لا يلقي لها العبد بالاً، بشرط واحد: أن يكون هذا الفعل أو القول أو الشعور خالصاً لوجه الله الكريم.
انظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي: "إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه". كلمة لعل العبد نسيها وما تصور أن تبلغ هذا المبلغ عند الله، لكنه تعالى يرضى بها عن عبده إلى الأبد، لأنه تعالى الودود.
في الحديث الصحيح: "كان على الطريق غصن شجرة يؤذي الناس، فأماطها رجل فأدخل الجنة". عمل بسيط جداً، لكننا نتعامل مع الودود سبحانه وتعالى.
كرم الله الودود
الله تعالى يضاعف الحسنة إلى عشرة أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، لأنه تعالى الودود.
دمعة تنزل منك في لحظة تأملت فيها لطف الله وكرم الله وعظمة الله وحلم الله، دمعة يظلك الله بها في ظله ويحرم بها عينك على النار، لأنه تعالى الودود.
في الحديث الذي رواه البخاري عن الرجل الذي أشفق على كلب فسقاه، فشكر الله له فغفر له. أعمال بسيطة جداً، لكن الله تعالى يشكرها لأنه الشكور، يتودد إلينا إذا فعلناها لأنه تعالى الودود.
"واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود". قد يمحو الله لك جبالاً من الخطايا، لكنه لا يمحو لك حسنة واحدة. "إن الله لا يضيع أجر المحسنين" لأنه تعالى الودود.
في الحديث الذي رواه مسلم يقول تعالى: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفر. ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة. ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيتها بقرابها مغفرة". نعم، لأنه تعالى الودود.
الحياء من كرم الله
الذي يجعلك تستحيي من الله مع كرمه وتودده أنك لا تستطيع نفعه تعالى بشيء، لا تستطيع أن ترد جميله تعالى. وفوق ذلك هو سبحانه وتعالى الذي وفقك للعمل. الله يوفقك لعمل الخير، ثم الله إذا ابتلاك صبرك، ثم الله يثيبك على الخير الذي وفقك هو له، يثيبك على الصبر الذي وفقك هو له. يثيبك ثواباً عاجلاً في الدنيا ولابد، ولو بنعيم القلب وأنسه، ثم يثيبك في الآخرة. ما هذا الكرم؟ ما هذا الكرم والود؟ لا عجب، فهو تعالى الودود.
تجربة شخصية: حلم ولطف الله
أثناء تجربة الأسر، رأيت من ربي عز وجل حلماً ولطفاً وكرماً وستراً وإعانة ورأفة أكثر مما تصورت. بحثت في ماضي وحاضري لأرى لماذا ينعم الله علي بهذا الشكل، لم أجد شيئاً. لم أجد إلا أعمالاً بسيطة جداً: أعطيت فيها فأعطاني الله أضعافاً، عفوت فيها فرأيت آثار عفو الله أضعافاً، سترت فيها فسترني الله أضعافاً، أعنت فيها فأعانني الله أضعافاً. وهو تعالى هو تعالى الذي وفقني لهذه الأعمال، ثم هو تعالى يكافئني عليها في الدنيا أضعافاً، وأسأله تعالى أن يكافئني في الآخرة، لأنه سبحانه وتعالى الودود.
في لحظة من اللحظات أثناء الأسر بكيت من الحياء من ربي تعالى عندما رأيت منه هذا اللطف والرحمة والحلم والكرم والإعانة، وقلت له: "والله يا ربي ما بستاهل، والله يا ربي ما بستاهل". نعم، أي والله إني لا أستحق، لا أستاهل، ولكنه تعالى الودود.
فلنحب الله لأنه الودود
ألا يكفي هذا كله في أن نحب ربنا سبحانه وتعالى بلا شروط؟ ألا يكفي هذا كله في أن نحبه في رحم المعاناة والبلاء، وأن نأنس به ونكتفي بقربه مهما كانت الظروف؟
إخواني أخواتي، إذاً فلنحب الله تعالى لأنه الودود.
والسلام عليكم.