كيف تتخلص من الخوف من المجهول؟
صاحب المال قد يفتقر، صاحب الصحة قد يمرض مرضًا مزمنًا، الآمن قد يروع، المحب إنسانًا حبًا شديدًا قد يموت حبيبه. إذن، تريد أن تعرف كيف تتخلص من الخوف من مجهول المستقبل؟
الحل الأول: قرار الرضا بالقدر
ببساطة، اتخذ قرارًا بالرضا عن القدر مهما كان. الآن اتخذ هذا القرار وقل: "اللهم أسلمت نفسي إليك، فردني بقضائك أيًا كان، والطف بي يا رب العالمين". كلما جاءك هاجس الخوف من المجهول، جدد العهد والوعد بأن ترضى، وثق في معونة الله تعالى لك.
إذا فعلت ذلك، فلن تخاف من المستقبل، لأنه ما عاد مجهولًا، بل أصبح صفحة مكشوفة لك. كيف؟ ببساطة أنت الآن بعد اتخاذ هذا القرار على يقين بأن كل ما يحصل هو لخيرك ومصلحتك.
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن؟ إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن". والبعض الآخر جاء في غلاف قبيح. هل يهمك كثيرًا شكل الأغلفة إذا علمت أن الهدايا التي في الداخل هدايا ثمينة وقيمة وعظيمة؟ كذلك، إذا علمت أن كل ما سيحصل في المستقبل هو لمنفعتك، لن يهمك كثيرًا أن يكون في غلاف محنة أو في غلاف منحة.
إذن، فبعد أن تتخذ قرارًا بالشكر في السراء والصبر في الضراء، لا تقل: "لا أدري إن كان المستقبل يحمل لي خيرًا أم شرًا". فبنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن المستقبل لا يحمل لك في هذه الحالة إلا الخير.
المستقبل ليس مجهولاً
الجميل في الأمر أنك أنت الذي ترسم مستقبلك بإذن الله. ليست المسألة أقدارًا مجهولة تتقاذفك في وديان الضياع، بل أنت الذي تحدد مآلات ونتائج الأحداث المستقبلية. لم يعد مهمًا ظواهر الأمور: فقر أم غنى، صحة أم مرض، بقاء الأحباب أم وفاتهم. أنت من سيجعل هذا كله يؤول إلى مصلحتك وخيرك بإذن الله. ما عليك إلا اتخاذ قرار الرضا.
التعامل مع الشكوك
أظنني أعلم ما تقوله في نفسك الآن. ستقول: "حتى لو اتخذت قرارًا بالرضا، قد يقدر الله عليّ أن لا أرضى وأن لا أصبر". لن يعالج أنا لك هذا الخوف من هذه النقطة، بل سيعالجها الله سبحانه وتعالى. ومن أصدق من الله قيلًا؟ ألم يقل الله تعالى: "من يتخذ قرارًا بالرضا فإن الله تعالى سيهدي قلبه ويثبته ويعينه"؟
أيضًا يعالج لك هذا الخوف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم: "ومن يتصبر يصبره الله". إذن، بادر أنت واتخذ القرار، ولا تقل: "قد يقدر الله عليّ بعد ذلك ألا أصبر". فإن تصبرت، فالله تعالى أحلم وأرحم بأن لا يصبرك.
قد تقول: "أحاول أن أتخذ القرار بالرضا، لكن أحس بعدم الصدق في ذلك، لأني أخاف أن يكون البلاء شديدًا لا يمكنني تحمله". سنتعاون على التخلص من هذا الخوف أيضًا عندما نتأمل اسم الله الحكيم واسمه المعين في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى.
بناء المحبة لله
قد تقول: "أنا الآن أستطيع اتخاذ القرار لأني أحب الله تعالى، لكن إذا ابتلاني بلاءً عظيمًا فأخشى أن تتأثر محبتي لله". سنتعاون أيضًا إن شاء الله تعالى على إعادة بناء محبتنا لله عز وجل على أسس سليمة، كي يطمئن قلبنا إلى معية الله ومعونته مهما كانت الظروف.
الخطاب الإلهي للمؤمن
المطلوب منك الآن هو فقط أن تتخذ قرارًا بالرضا، أن تؤمن وتثق وتوقن بحكمة الله عز وجل ورحمته، فتتخذ بعد ذلك قرارًا بالرضا وتسليم تام، لتكون مشمولًا بالخطاب الذي وجهه الرحمن الرحيم إلى نبيه الكريم حيث قال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]. أي: لا تخف، أنت في حفظنا ورعايتنا، يكتنفك حلمنا ولطفنا.
اتخذ القرار بالرضا، وحينئذ ستلمس أن الله تعالى يحبك. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا لمن أحب"؟ فالرضا إيمان، إن حزته فاعلم أن الله يحبك. وحينئذ ستطمئن إلى أن الله تعالى يريد بك خيرًا مهما حصل معك في المستقبل. فهل من المعقول أنه يبتليك ويرضيك لأنه يريد بك شرًا؟ لا والله، بل ما صبرك ورضاك بالقدر إلا لأنه يريد بك خيرًا ويحبك.
انظر حينئذ كيف ستنظر بإيجابية إلى أقدار الله تعالى. فالذي يقدر عليك هذه الأمور هو حبيبك الذي يحبك، يقدر عليك الأمور والأقدار بمحبة. إن قدر عليك المرض فبمحبة، وإن قدر عليك الفقر فبمحبة. انظر إلى الطمأنينة والسعادة التي ستغمرك حينئذ وأنت صاحب القرار بإذن الله.
خلاصة وتوصية
خلاصة الحلقة: اتخذ قرارًا بالرضا لتتخلص من الخوف إلى الأبد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.