→ عودة إلى فن حسن الظن بالله

الحلقة 24 - لماذا لا نستمتع بالنعم

١٠ نوفمبر ٢٠١٢
النص الكامل للمقطع

لماذا لا نستمتع بالنعم؟

هل نحن سعداء؟ قد يأتي الجواب من أعماقنا: "لست متأكداً". هناك طموحات وتطلعات تشغل بالك لم تتحقق بعد، فتصبح هي محط تركيزك. أما ما اجتمع لديك من أسباب السعادة، فقد فتر في حسك وبهتت ألوانه، وأصبح كالخلفية الجامدة غير المهمة في الصورة التي ينقصها محط تركيز العدسة، وهو هذه الطموحات التي لم تتحقق بعد.

صدأ أدوات تذوق النعم

كما يصدأ الحديد، فإن أدوات تذوق النعم المركوزة في نفوسنا تصدأ. لذا، فإن الله عز وجل يذكرنا بها في مواضع كثيرة.

تذكير الله بالنعم

يقول الله تعالى: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ".

وآيات كثيرة عن السمع والبصر والمسكن والملبس والطعام والشراب والنار والمعادن والنوم والبعث بعد النوم والأزواج والأولاد وغيرها، آيات كثيرة حتى لا نزدري نعمة الله وننساها. لكننا مع هذا التذكير الإلهي قد لا نستمتع بهذه النعم.

الخلل الإدراكي (Cognitive Distortion)

ليس الحديث هنا عن الاغتمام لمشاكل المسلمين والتألم لألمهم وتنغص العيش برؤية معاناتهم. هذا الداء جزء من ظاهرة نفسية مرضية يعرفها المعالجون النفسيون بالـ "cognitive distortion"، والذي يترجم عادة إلى "التشويه المعرفي"، وقد يكون الأدق تسميته "الخلل الإدراكي".

وقد شرح الإخصائي ديفيد بيرنز هذه الظاهرة عام 1989 في كتابه "The Feeling Good Handbook".

ظاهرة الفلترة الذهنية

حيث ذكر من أعراض الخلل الإدراكي ظاهرة "الفلترة الذهنية". وهي عدم القدرة على ملاحظة النواحي الإيجابية في الحياة بسبب انشغال ذهن الفرد بمعكر بسيط نسبياً، كمن لا يرى إلا خللاً بسيطاً في ثوب جميل نافع.

هذه إخواني ظاهرة غير صحية تحتاج علاجاً، لكنها في الواقع قد تكون موجودة لدى أكثرنا.

البلاء كعلاج

إذا لم يفلح أحدنا في تذوق نعم الله عليه وقدرها حق قدرها، فقد يبتليه الله تعالى بفقدان أحد هذه النعم. يأتي البلاء ليزيل الصدأ عن أدوات استشعار النعم المركوزة في فطرتك، وينظفها ويعيد للحياة رونقها، ويضفي عليها ألواناً بهيجة من جديد، بعد أن كانت خلفية باهتة رتيبة لا لون فيها.

بعد أن كان الخلل الإدراكي يشغل الذهن عنها ويغض من قيمة هذه النعم ويعكر رونقها بالتطلع إلى ما لم يتحقق بعد من طموحات.

تعلم فن تذوق النعم

يأتي البلاء ليعلم الإنسان فن تذوق النعم. كانت النعم لديك وفيرة، لكن قدرتك على تذوقها كانت ضعيفة، فلم تحفل بها وتسعد كما يجب. قد تقل النعم بالبلاء الذي أفقدك مالاً أو جاهاً أو صحة أو غيرها.

لكن إن كنت من أهل الرضا وحسن الظن بالله وتأمل حكمته، فإنك ستتنبه بالبلاء إلى الكثير الذي بقي لديك، وتستحي من الله أن لم تقدر نعمته عليك من قبل، فتكتسب فن تذوق النعم وتسعد وتطمئن.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده الذين يرزقون العافية ويشكرون. والسلام عليكم ورحمة الله.