ابن حبك لله على أسس سليمة
السلام عليكم ورحمة الله.
بالمرض، بالحبس، ماذا سيحصل حينئذ؟ إذا ابتلي بفقد أحد هذه الأسس، سوف يميل البيت ويسقط وينهار. سوف تنهار محبة الله المشروطة في قلب هذا العبد، الحب الشرطي، لأنه أسسها على أسس قابلة للزوال في أية لحظة.
تشخيص الحب المشروط
إذا كيف أعرف أن كانت محبتي لله عز وجل مهددة بالزوال في أية لحظة؟ كيف أعرف إن كنت قد أسست محبتي لله على أسس دنيوية؟ حقيقة البلاء يساعدك في ذلك جداً. وهذه من نعم الله عليك في البلاء.
عندما تبتلى وتدعو الله عز وجل وتطلب منه أن يرفع عنك البلاء ويعيد عليك النعم، قد يقدر الله عليك أن يستمر بلائك ويطول ويشتد. وحينئذ سوف تعرف إن كان حبك لله مشروطاً بهذه المصالح الدنيوية. الآن وبعد حرمانك من هذه الأشياء، هل ما زلت في حب الله عز وجل؟ هذا السؤال يساعدك في تشخيص مقدار الحب الشرطي في نفسك لتعيد بناء محبة الله على الأسس السليمة الصحيحة.
أسألك بالله، هل أنت مستعد أن تشتري بيتاً لتسكنه إذا علمت أن هذا البيت مرتكز على دعائم، على أسس واهية قابلة للانهيار والزوال في أي لحظة؟ طبعاً لن تفعل ذلك. فما ظنك بمحبة الله عز وجل التي من أجلها نعيش، بل من أجلها خلقنا؟ فربنا خلقنا لنعبده، والعبادة محبة وطاعة. فهل أنت مستعد أن تغامر بمحبة الله عز وجل وتبنيها على أسس قابلة للزوال في أي لحظة؟
أسس بناء محبة الله الصحيحة
إذن لا بد لك أن تبني محبة الله في قلبك على أسس صحيحة. ترى ما هي هذه الأسس؟ كثيرة منها:
- التفكر في أسماء الله وصفاته وتأمل آثارها في الواقع.
- تعلق القلب بالآخرة ونعيمها.
- العرفان لله بنعمة الهداية.
- الامتنان لله بما أنعم عليك في الماضي بغض النظر عن الحاضر والمستقبل.
بإذن الله سوف نتكلم عن كل من هذه الأسس في حلقات قادمة. إذن هذه أشياء ثابتة لا تتغير: أسماء الله وصفاته وانتظار الآخرة. هذه أشياء لا تتغير، ليست مهددة بالزوال.
التألف القلبي والمحبة الدنيوية
قد يقال: لكن الله عز وجل شرع تألف قلوب الناس بعطائهم شيئاً من نعيم الدنيا. معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي قسماً كبيراً من الغنائم للمؤلفة قلوبهم، لكفار يريد رسول الله أن يستميلهم للإسلام. بل إن مصرفاً من مصارف الزكاة هو المؤلفة قلوبهم.
صحيح، لكن هذا التألف لقلوب الناس بمتاع دنيوي، بنعيم دنيوي، هو مرحلي مؤقت حتى ينهار الحاجز النفسي بين قلب الغافل والإسلام، حتى تزال الغشاوة عن بصره ليرى حقيقة الدين فتخالط بشاشة الإيمان قلبه، فلا يعود يأبه من ثم أعطي أمنع.
في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: "وقد كان الرجل يجير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا" يعني حب شرطي صرف، ما يريد إلا الدنيا. "فما يمسي بالنفس اليوم فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها". إذن تحول حبه لله إلى حب حقيقي مبني على أسس سليمة.
مخاطر الحب المشروط
أما أن يعيش الإنسان حياته كلها عيشة المؤلفة قلوبهم، فهذا وضع خطير غير مقبول، لأن محبته لله مهددة بالزوال في أي لحظة. عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت طوائف من الناس، ما الذي حصل؟ بينما ارتد من بقي حب شرطياً متعلقاً بالدنيا عندما واجه فتنة وفاة النبي وتمرد الزعماء.
إن استقرار هذا المفهوم في نفوسنا، محبة الله غير المشروطة، يمنحنا فهماً أعمق لكثير من حقائق ديننا. فمثلاً عندما نقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"، قد يكون من أسباب ذلك أن الطاعة الكثيرة المتقطعة كثيراً ما تكون مدافعة لبلاء حل أو ابتهاجاً مؤقتاً بنعمة جديدة، خاصة إذا تبعها فتور شديد في الطاعة. أما العمل المستمر من الطاعات فعادة ما يكون نابعاً من حب مستقر في القلب لا يتأثر بالحوادث السارة أو الحزينة.
العلاج والخلاصة
إذن أخي وأختي، إذا وجدت في نفسك هذا الداء الخطير، شرطية محبة الله، عليك أن تعترف به وتسعى إلى علاجه. فهو أخطر من أي مصيبة دنيوية، لأنه مصيبة في الدين، لأنه خلل فيما نعيش من أجله. تخلص حينئذ من مرض الحب الشرطي بإعادة بناء المحبة على أسس صحيحة سليمة لا تتأثر بالمتغيرات، وستكون حينئذ بصدق وحبك لله وأنت مقتدٍ ومعلم للناس معنى المحبة الصادقة.
خلاصة الحلقة: ابن حبك لله على أسس سليمة لا تزول. والسلام عليكم ورحمة الله.