لا تسقط من السماء!
لا تسقط من السماء إلى وديان الكفر. قد تظن أن الكلام لا يعنيك، بل سترى أننا جميعاً في أمس الحاجة لهذا الكلام.
لماذا الحديث في هذا الموضوع؟
- لتقدير الذات ونعمة الإسلام: حتى تقدر نفسك وتدرك نعمة الله عليك بالإسلام، ويكون إسلامك مصدر بهجة واعتزاز.
- لإدراك المسافة بين الإيمان والكفر: حتى تدرك المسافة بين الإيمان والكفر، فتحذر كل الحذر من السقوط من قمم الإيمان العالية إلى وديان الكفر السحيقة وأنت لا تشعر. قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}. هذه هي المسافة الحقيقية. وهكذا نريد لك أن تراها قبل أن تغفل، فلا تبصر هذا الفارق إلا في الآخرة بعد فوات الأوان.
- لترى قبح الكفر وتذوق حلاوة الإيمان: نتكلم عن الفرق حتى ترى قبح الكفر فتذوق حلاوة الإيمان، وبضدها تتميز الأشياء. فنبينا صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" الثالثة: "وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
- لترى أساليب الأعداء: نتكلم عن الفرق لترى الأساليب التي يستخدمها أعداؤنا لتحقير نعمة الإسلام في نفوسنا، وفي المقابل تزيين الكفر وتسميته بأسماء مضللة ليدفعون دفعاً إلى الكفر. وستستغرب عندما نستعرض معك أساليبهم تلك في نسق واحد.
- لأن الفرق بين المؤمن والكافر من أكثر المعاني وروداً في القرآن: اخترنا هذا الموضوع لأن الفرق بين المؤمن والكافر والإيمان والكفر هو من أكثر المعاني وروداً في القرآن. فإذا لم تكن هذه المسألة واضحة ومتقبلة نفسياً عندنا، فنحن نحرم أنفسنا من هداية القرآن.
- توقيت رمضان: اخترنا رمضان توقيتاً لهذه السلسلة لنقرأ القرآن كله ونحن نتلمس هذه المعاني، فنحس وكأننا نقرأها لأول مرة.
- لإدراك حاجة البشرية إلى الإسلام: نتكلم عن الفرق لتدرك حاجة البشرية إلى الإسلام، فأنت ممن قال الله لهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} للناس، لأجل الناس، لأجل خيرهم في الدنيا والآخرة. أنت من أمة من أرسله الله رحمة للعالمين. وهم بذلك ينفرون الناس عن دين الله تعالى ولا يدركون كم أنكر الله عليهم وتوعد من يفعل فعلهم.
- لمواجهة من يحقر الإسلام من بني جلدتنا: نتكلم عن الفرق لأن من بني جلدتنا من يُصدر ويُلمّع في الإعلام ليدمرنا نفسياً ويحقرنا ويخلط الأوراق علينا ليخذلنا عن دعوة الأمم إلى الإسلام، بل ويدعونا إلى مجاملتهم في دينهم ودفع أولادنا لحضور شعائرهم. كهذا الذي يقول لسائلة مسلمة تعيش في بلد غربي: "فأنت أختي عايشة في بلادهم وماكلة من خيرهم ومأمنين عيالك ويدرسون عيالك، ثم تريدين تمنعي عيالك يذهبون الكنيسة؟ يهيئونهم ويوفرون تعليم والصحة وبيت وأمان ومعاش، ثم عيالنا لا ما يصلوا؟ ليه؟ لأنهم كفار؟ كفار! إحنا كفار! إحنا دمرنا بلادنا. ليس فقط الكفر هو من الدين، الكفر أن تكفر بالنعمة. إحنا دمرنا أوطاننا وأحرقنا أوطانا، إحنا قتلنا بعض، إحنا دمرنا مساجد بعض، إحنا لعننا بعض، إحنا كفرنا بعض. شوف إحنا يجب أن لا نتكلم في الدين وحكام الدين عشر سنين لقدام والله العظيم حتى ترجع بلادنا." والآخر حين يتكلم عن داعية الإلحاد مزور العلم ريتشارد دوكنز يقول: "عالم! سبحان الله، تختلف معاه تتفق معاه، الرجل عالم وعنده نفسية عالم ومشاعر عالم، يقدس العلم، مبتهج بالعلم، يفرح بالعلم، شيء مش طبيعي. هوكينغ عالم فذ، عالم استثنائي. وأين نحن من أرسطو؟ وأين نحن من هوكينغ؟ نحن ولا حاجة! ما نحن بالقياس إليهم إلا كبقل في أصول نخل طوال. يا أهبل روح ابحث عن رزقك، أنت أنت جعان، أنت عريان، أنت تعبان، أنت مش عارف تحكم حالك. شيء بتحدد لي في العالم؟ إيش قدمت للعالم أنت؟ قدمت لهم هذا السلخ والذبح والنفخ. وهم يقدموا إلا الميكروفون هذا اللي بتكلم فيه، واليوتيوب اللي حأحط عليه الخطبة هذه، والكاميرا هذه اللي بتسجل، والأنوار هذه، والتهوية اللي إحنا فيها. كل شيء، كل شيء إحنا فيه هم يقدموه."
- لمعالجة الإفراط والتفريط في التعامل مع الأمم الأخرى: نتكلم عن الفرق لأن موقفنا من الأمم الأخرى وقع فيه إفراط وتفريط. تفريط من مسلمين هُزموا نفسياً وحضارياً أمام الأمم الأخرى. وفي المقابل إفراط بحيث أن القهر الذي نعانيه جعل بعضنا يعامل باقي الأمم معاملة واحدة دون تفريق بين محارب خبيث ماكر يصد عن سبيل الله ويريد استعباد الشعوب من جهة، وفي المقابل جموع من غير المسلمين هم ضحايا لهؤلاء الخبثاء يعانون منهم كما نعاني. ونحن كمسلمين دورنا إنقاذهم وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. فينبغي أن نشعر بالرحمة والإشفاق عليهم.
- لتحقيق التوازن: نتكلم في الموضوع لنحقق التوازن، فلا نكون ممن وقعوا في الغلو وتكفير المسلمين بغير حق، وفي المقابل لا نكون ممن امتنعوا عن الحكم على الكافر الواضح الكفر بأنه كافر. والطرفان مذمومان متخبطان: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
- لأن الموضوع يتناول عاطفياً: نتكلم عن الفرق لأن هذا الموضوع يتناول عادةً، تناولاً عاطفياً، تحت تأثير الضغوطات والعقد النفسية والصور النمطية التي تكرست في أذهان المسلمين عبر عقودٍ طويلة. فتنشأ معارك كلامية يضيع فيها الحق بين الطرفين، ولا ينتبه كثيرون إلى أنهم يقولون كلاماً خطراً جداً على عقيدتهم، قد يخلعهم من دينهم، وهم لا يشعرون.
- لأن كثيراً من الناس أصبح يقول أقوالاً كفرية: نتكلم عن الفرق لأن كثيراً من الناس أصبح يقول أقوالاً كفرية، ويعتقد اعتقادات كفرية، ولا هو، ولا الناس من حوله، يقدرون حجم هذا الخطر وتبعاته. فترى من يسب الله تعالى عند الغضب أو الضجر، ومع ذلك تبقى زوجته المسلمة معه، وتعيش معه بالحرام، ووالدها، وإخوانها، وأهلها يعلمون، ولا يفرقونها عنه. وتُنجِب أولاداً منه يتسمَّون باسمه وهم من حرام.
- لتوضيح المفاهيم ومحبة القرآن كله: نتكلم عن الفرق بحيث بعدما تتضح لك المفاهيم تحب القرآن كله، ولا يعود في صدرك حرج من شيء منه، بينما كنت من قبل إذا قرأت آيات تأمر بالغلظة على الكفار يحيك في نفسك شيء.
- لمعالجة الأخطاء التربوية: نتكلم عن الفرق لأننا نمارس أخطاء تربوية تحقر الإسلام في نفوس أبنائنا ونحن لا نشعر، ولا نرى الرابط بين الأمرين أصلاً.
- لمعرفة عظمة كونك مسلماً: أخيراً، نتكلم في هذا الموضوع حتى تعلم عظمة كونك مسلماً، فلا ترضى لنفسك إلا بمعالي الأخلاق التي تناسب وصفك بالمسلم.
أهداف السلسلة الرمضانية
هذه أهداف سلسلتنا الرمضانية باختصار: أن تمتلئ عزة بإسلامك مع توازن وتواضع ورحمة بالناس، وتتحلى بالأخلاق التي تؤهلك للبقاء في قمة الإيمان العظيمة، ولأن تكون من خير أمة أخرجت للناس، وأن تكره الكفر وتدرك ما يوقعك فيه فتحذره أشد الحذر، وتحذر منه أهلك وأحبابك والناس أجمعين.
تجربة شخصية ودعوة
أتكلم لكم في هذا الموضوع إخواني بصفتي عشت في أمريكا وفي بلاد المسلمين، وتعاملت وأتعامل مع غير المسلمين، وكانوا لي معلمين وزملاء وجيراناً وطلاباً. وكنت في ذلك محافظاً على اعتزازي بإسلامي، منسجماً مع نفسي، وعاملهم باحترام ويعاملونني باحترام، أستفيد منهم ويستفيدون مني، واضحاً في موقفي منهم لا أجاملهم في أديانهم، بل وأدعوهم إلى دين الله تعالى.
وأنا أحب لكم إخواني وأخواتي ما أحب لنفسي، ولذلك أقدم لكم هذه السلسلة عبر رمضان. سنتناول بإذن الله هذه النقاط المذكورة، ثم نجري كل بضعة أيام لقاءً قصيراً على كلوب هاوس للإجابة عن تساؤلاتكم المتعلقة بالموضوع.
دعاء الختام
ونسأل الله السداد والقبول، وندعو بما علَّمنا نبينا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأطلب منكم أن تدعوا به: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم."
والسلام عليكم.