تكفير المسلمين بهزيمتهم نفسياً
السلام عليكم.
التكفيريون هم أخطر الناس على البشرية، وهذه الحلقة هي للتحذير منهم. التكفيريون هم الذين يدفعون المسلمين دفعًا إلى الكفر. "ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء"؛ فكما أنهم لا يطيقون الطهارة، ويقولون في من يرفض رجسهم: "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"، فكذلك ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء.
التكفير الذي يحكم على مسلم بالكفر يبوء بالإثم، وإذا قتل هذا المسلم فإنه في النار والمسلم في الجنة. لكن التكفيري الأخطر هو الذي يدفع المسلمين إلى الكفر، فيخلعون من دينهم ويعانون في الدنيا من الضياع، ثم في الآخرة من الخلود في نار جهنم. لذلك قال الله تعالى: "وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ". أن تفتن إنسانًا عن دينه أكبر جرمًا من أن تقتله. فهؤلاء أولى الناس بوصف التكفيريين.
الموضوع خطير جدًا إخواني، ولذلك بيّن الله لنا مدى حرصهم على تكفيرنا، ثم حذرنا بعدها مباشرة فقال: "وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ".
لذلك تعالوا نستعرض أساليب التكفيريين في تكفير المسلمين. وقبل استعراضها، من هم التكفيريون؟ هم موجودون بين المتحكمين بالنظام الدولي، ممن يستعبدون الإنسان ويذلونه ويسرقون خيرات الأرض، ولا يقف في طريق جشعهم وبغيهم إلا الإسلام بوحيه المحفوظ، الإسلام الثائر على الظلم، غير القابل لمهادنة الباطل. فكان لا بد لهم من تحقير هذا الإسلام في نفوس أهله، للإسلام أن يوافق أهواءهم.
أساليب التكفيريين في تكفير المسلمين
ما هي أساليب التكفيريين على تنوع أشكالهم؟ تتلخص أساليبهم في نقطتين: تحقير الإسلام في نفوس المسلمين، وتزيين الشرك والكفر تحت مسميات مختلفة هي في حقيقتها كفر، لكن بمكياج حتى نشعر أن لا فرق بين الإسلام والكفر، بل وأن الكفر أفضل من الإسلام، فيكون سهلًا علينا أن نتخذ هذه الخطوة بالخروج من الإسلام، ولا نحس بأن المسافة هي كما وصفها الله: "وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ". بل نحس بأنه ما فيش فرق حقيقي، كل محصل بعضه، كل الطرق توصل إلى الله إن كان هناك الله حسب ما يشككون.
تحقير الإسلام في نفوس المسلمين
تعالوا أولًا نأخذ بعض أساليبهم في تحقير الإسلام في نفوس المسلمين. وبالمناسبة سنضع روابط لتفصيل النقاط في التعليقات.
تمجيد التافهين وتهجمهم على الإسلام
- يمجد الشخص التافه لمجرد أنه تهجم على الإسلام، ويعرضه الإعلام على أنه أيقونة النضال والثورة على الموروثات، نصيرة المرأة، حملت شعلة التنوير وسط عالم يموج بالظلام.
التعامل مع الإساءة للإسلام
- تعرض محاربة الله ورسوله على أنها سلبية بسيطة ممكن تضيع مع جوانب الخير في الإنسان، هذا إذا اعتبرت سلبية أصلًا.
- يستقبل دبلوماسي الدول التي تستهزئ رسميًا بالإسلام بحفاوة في بعض بلاد المسلمين، والرسالة الضمنية التي يراد توصيلها: دينكم يا مسلمون ولا شيء، والمصالح بين الساسة أهم منه.
- على مستوى القوانين، سب الله وأنبيائه وكتبه لا عقوبة له حقيقية في القانون، بل العقوبة أشبه ما تكون بالتجرئة عليه، واسم الجريمة "إيذاء المشاعر الدينية"، فإذا ما حد اشتكى من سب الله ورسوله فما فيش مشكلة ولا قضية، لأنه لا قداسة ولا تعظيم لله ودينه في القوانين. بينما من ينتقد المتنفذين في بلاد المسلمين أو يمتهن على مدونته يضرب بيد من حديد.
التشكيك في الإسلام وتشويه الشريعة
- قنوات وحسابات للتشكيك في الإسلام وتشويه أحكام الشريعة، ويقدم برامجها أناس من أبناء جلدتنا يتكلمون بلغتنا، وتنص هذه القنوات في ركن "من نحن" على أنها تمول من مؤسسات غربية.
- مراكز متخصصة مثل مركز راند للتخطيط الاستراتيجي تنشر دراسات ويتم تطبيقها عن استخدام الكوميديا في تشويه الإسلام تحت غطاء الاستهزاء برجال الدين وصولًا إلى الاستهزاء بالله ورسوله، كما في هذا المقال الذي طلبت من بعض الإخوة ترجمته من الألمانية.
- ساسة غربيون يصرحون صراحة مثل مستشار ترامب الجنرال السابق مايكل فلين الذي قال: "يجب أن يستأصل". واقترح وسيلة لذلك يعني إسقاط مصداقية الأيديولوجيا الإسلامية. فلا عجب أن يستخدموا كل الوسائل لذلك.
- جامعات تدرب الأشخاص على تشكيك المسلمين في دينهم. لا أقول على التنصير، بل على تشكيك المسلمين في دينهم، كما ينص طلبتها، مثل الجامعة المتحدة في الدين.
الهزيمة النفسية وتشويه الصورة
- حتى تذوق مرارة الهزيمة العسكرية تمهيدًا للهزيمة النفسية، كما يقول توفيق حميد، ونحس بهواننا على الناس. بينما دول تمنع بالقانون نشر صور مواطنيها لتحفظ هيبتها، نفس الدول التي تنشر صور تعذيبنا وقتلنا على أنها تسريبات، تمنع نشر ضحاياها لتحفظ هيبتها. والرسالة الضمنية: طول ما أنتم مسلمون فأنتم ولا شيء.
- عندما قتل المعلم المستهزئ بنبينا صلى الله عليه وسلم اشتعلت وسائل الإعلام بالحديث عن الموضوع، وأرسلت لفرنسا رسائل الاستنكار والتضامن من دول العالم. وعندما قتلت فرنسا أكثر من مئة مسلم في مالي بعدها بفترة قصيرة مر الخبر بلا تغطية إعلامية. والرسالة من هؤلاء جميعًا: أنتم يا مسلمون ولا شيء.
تشويه التاريخ الإسلامي وتغييب القدوات
- تشويه التاريخ الإسلامي وتجنب تعليمه في المدارس، وهذه أيضًا تنص عليها توصيات مركز راند، ليحس المسلمون أنه ليس لهم جذور تاريخية يعتزون بها ويقتدون بها، بل إمعات على هامش التاريخ.
- تغييب القدوات الحية بيننا وتهميشهم في مقابل تلميع غاندي ومانديلا وتريزا وجيفارا وغيرهم.
- التعتيم الكامل على دور المسلمين الحضاري في المكتشفات والمخترعات تاريخيًا وفي وقتنا الحاضر.
هذه وسائل وغيرها الكثير تتم بطريقة ممنهجة ومدروسة لتحقير الإسلام في نفوس المسلمين.
تزيين الشرك والكفر
في المقابل تزيين الكفر وعمل مكياج له من أساليب التكفيريين في ذلك:
تسمية الكفر بأسماء مزينة
- تسمية الكفر بأسماء مزينة: حرية التعبير، الثقافة، التنوير، العلمانية، الحداثة. بحيث الذي يسخر من الشريعة أو يقول صراحة: "نحن في دولة الدستور والقانون ومالناش علاقة بقرآن وآيات قرآنية" كما قال أحدهم، يوصف بأنه علماني وتنفر النفوس من وصفه بالكفر، ويترحم عليه عند هلاكه. ويقع في ذلك بعض الأحزاب التي توصف بأنها إسلامية للأسف.
دعم الإسلام المعتدل والإسلام المدني
- مراكز التخطيط الاستراتيجي تصدر دراسات كثيرة مثل دراسة "بناء شبكات إسلامية معتدلة" و"إسلام مدني ديمقراطي" توصي فيها بدعم المسلمين المعتدلين. من هم المسلمون المعتدلون؟ عندما تقرأوا أسماءهم تجدوا أنهم أناس ولدوا في عوائل مسلمة ثم اعترضوا على القرآن وهاجموا أحكامه. وتوصي مراكز التخطيط بدعم هؤلاء وتصديرهم في الإعلام وترجمة أعمالهم والوصول بها إلى الدول شرق آسيا، وكلها توصيات تنفذ إخواني. وفي المقابل يؤطر من يؤمن بوجوب إقامة الشريعة بإطار التطرف. وقد تحدثت عن هذه الدراسات ببعض التفصيل.
تغيير هوية الشعوب الإسلامية
- تغيير هوية الشعوب الإسلامية وربطها بالحضارات الجاهلية كالفرعونية. بحيث لما تقول شريعة يقال لك: "ترجعنا ألف وأربعمائة سنة للوراء". بينما يريدون إرجاع الشعوب آلاف السنوات إلى الوثنية وعبادة الآلهة المتنوعة واستعباد البشر من قبل الفراعنة.
- بناء المعابد الوثنية كالهندوسية في الوقت الذي يضيق فيه على دور تحفيظ القرآن، وتهدم مساجد بذريعة أنها غير حاصلة على ترخيص.
نشر مفهوم الديانة الإبراهيمية
- نشر مفهوم الديانة الإبراهيمية لتميع الحد الفاصل بين التوحيد والشرك.
تلميع الشخصيات المتزندقة
- استخراج الشخصيات المتزندقة من مذابل التاريخ أمثال الحلاج وتلميعها وعمل مسلسلات عنها ونشر تراثها.
تصدير الإلحاد كوجهة نظر محترمة
- إظهار الإلحاد على أنه وجهة نظر تحترم وله فلسفته العميقة، وتصدير الملحدين على أنهم مثقفون اتخذوا قرارهم بترك الإسلام بعد دراسة متأنية، بحيث تخاف أن تقول أنهم مرتدون. وكل هذا تهيئة لجعل الملحدين فئة في المجتمع مواطنين لهم ما لسائر المواطنين، وبالتالي اعتبار إبطال عقائدهم وتفنيد مزاعمهم والرد عليهم إيذاءً لمشاعرهم وتهديدًا للوحدة الوطنية وإثارةً للفتنة في المجتمع.
- نشر الإنسانوية التي تقيم الأشخاص بناءً على مركزية الإنسان، فالإساءة في حق الله بالدعوة إلى الإلحاد لا تعتبر منقصةً في دين الإنسانوية، لأن حق الله ليس معظمًا في النفوس، والمهم أن يكون الشخص لم يقتل أحدًا ولم يؤذِ إنسانًا في الدنيا.
- تعظيم دعاة الإلحاد التكفيريين الغربيين والعلم الزائف الموظف للإلحاد عبر برامج تحت ستار تبسيط العلوم.
توظيف النماذج الضالة من المسلمين
- التركيز على نماذج ضالة وقعت في تكفير المسلمين واستباحة حقوقهم ودمائهم، فيلعب الإعلام على توظيف إساءات هذه النماذج بحيث يتولد لدى سائر المسلمين ردة فعل من تصنيف كافر ومسلم، وكأن كل من وصف الكافر الحقيقي بأنه كافر صار واحدًا من هؤلاء الضالين.
وغيرها الكثير الكثير من الوسائل، كلها عبارة عن أساليب ممنهجة مدروسة لتزيين الكفر وعمل مكياج له، يحقرون الإسلام في نفوس أهله ويزينون لهم الكفر ليرتدوا عن دينهم.
المطلوب منا
أمام هذا كله يا كرام، نحن أمام حرب وجودية من الفكر التكفيري تستهدف استئصال ديننا والقضاء على آخر ما تبقى منه. ونحن بحاجة إلى أن نقدر أنفسنا كمسلمين ونتخلص من الهزيمة النفسية والإذلال الذي نجرعه صباح مساء، وأن نستعيد الاعتزاز بإسلامنا لأجلنا نحن ولأجل البشرية المحتاجة إلينا، لأجل البشرية التي أخرجنا الله لها: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ".
الدول الظالمة إذا تعرضت لعمل فردي فإنها تظلم وتقصف وتدمر دولًا بأكملها تحت شعار "من حقنا أن ندافع عن أنفسنا"، بينما المسلمون ليس من حقهم أن يدافعوا عن أنفسهم ودينهم ولا حتى بالكلام وتوضيح المفاهيم، فيؤطرهم التكفيريون بتأطيرات التشدد والتطرف وغيرها.
أمام هذا كله ما المطلوب؟ هل المطلوب أن نخاف من مكرهم؟ أبدًا، وإنما الوعي خطوةٌ أولى للوقاية، والمطلوب بعد ذلك أن ننتبه لهذه الوسائل كلما رأيناها، و"خذوا حذركم" كما قال الله تعالى، وأن نصبر ونتقي الله ليعصمنا من أن نقع فرائس لكيدهم. قال الله تعالى: "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ".
يبقى السؤال: هل بالفعل البشرية بحاجة إلينا أم أنها عبارة أدبية ندغدغ بها العواطف؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله فتابعونا.
والسلام عليكم ورحمة الله.