→ عودة إلى كن عزيزا بإسلامك

الحلقة 3 - ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

٢١ أبريل ٢٠٢١
النص الكامل للمقطع

ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

السلام عليكم.

أنت موظَّفٌ في قسم الإنعاش بمستشفى، عشرات حالات الكورونا تدخل المستشفى، وأنت المسؤول عن تركيب الأكسوجين ومتابعة المرضى. اليوم مناوبتك، لكنك اخترت ألا تذهب. لماذا؟ مشغول بهمومك الشخصية، مش جاي على بالك، أو حتى نسيت أنك موظَّف. بدأ المرضى يختنقون ويموتون، وأنت جالسٌ في بيتك. جريمةٌ هذه أم لا؟ لماذا جريمة؟ أنا لم أقتل أحداً! بل قتلت لأنك تخليت عن مهمتك في إنقاذ الناس.

تماماً هكذا الأمر عندما نتخلى عن مهمتنا في إنقاذ الناس من الكفر. نحن المسلمين، نحن موظفون بأجرة: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة".

مهمتنا محددة: "كُنتُم خير أمةٍ أُخرِجَتْ للناس"، "الذين إن مكَّنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر". مهمتُنا أن نزيل العوائق في طريق الدعوة ونصنع أجواء نقيةً للبشرية. فلا تعاني البشرية من ظلم بعضها بعضًا، ولا تنشأ الأجيال على أشكالٍ من الانحراف الفطري والتضليل الإعلامي، وشغل الناس بقوت يومها والاستعباد لحيتان الرأسمالية.

بل نصنع أجواء نقية، ونقيم العدل في الأرض حتى لا تكون فتنة، حتى لا يفتن الناس عن فطرتهم، ولا يفتنوا بالتضليل عن الحق، وبتزيين الباطل، ولا يفتنوا بالإجبار على الباطل. نصنع هذه الأجواء ليختار الناس بعد ذلك عن بيّنه، ليهلك من هلك عن بيّنه، ويحيى من حيّ عن بيّنه، ويتبيّن الرشد من الغيّ بعيداً عن تضليل المضلّلين. "لا إكراه في الدين، قد تبيّن الرشد من الغيّ".

ما علاقة هذا كلِّه بالمثل الذي ذكرناه في البداية؟ الإيمان حياه، والكفر موت. وقد ضرب الله المثل لمن آمن بعد كفر: "وَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ، وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ". عندما تخلَّينا عن مهمتنا في إنقاذ البشرية، خسرنا وخسر العالم كثيرًا. تقدَّم العالم في الاختراعات، وانحطَّ إلى الدَّركات السُفلى روحًا وأخلاقًا، ولا يزال ينحط بتسارع.

تعالوا نرى نماذج لنحس بالمسؤولية. تعالوا نرى ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، عنوان كتاب للعالم الهندي المسلم أبي الحسن الندوي رحمه الله تعالى.

الخسائر الاقتصادية والاجتماعية

لما يكون تسعة وتسعون بالمئة من ثروات الأرض التي خلقها الله للناس بيد أقل من واحد بالمئة من الأغنياء، وثروة ستة وعشرين شخصاً تعادل ما يملكه نصف سكان الأرض، بينما يموت الآلاف يوميًّا جوعًا ومرضًا وفقرًا وبردًا وحرًّا وتشريدًا، ويعاني نصف سكان الأرض ليحصلوا على قوت يومهم. وشركات الأسلحة والنفط والبنوك وشركات إعادة الإعمار، وتغرق الدول عمداً بالديون وتفتعل فيها الصراعات الداخلية والمجازر بتنسيق بين الدول العظمى والبنك الدولي لتبقى مستعبدة، كما في كتاب "ما الذي يريده العم سام بالفعل" للأمريكي نعوم تشومسكي، وكما في كتاب "The Shock Doctrine" (عقيدة الصدمة) للكندية نعومي كلاين، والتي تبين بعشرات أو مئات الأمثلة استفادة الساسة الأمريكان وحيتان الرأسمالية من مآسي الشعوب.

عندما ترى كيف يستفيد رؤساء الدول العظمى ووزراء الخارجية والدفاع وأعضاء الكونغرس وديك تشيني وكونداليزا رايس ورامسفيلد وغيرهم من الحروب التي يزجون شعوبهم فيها، بخلاف ما يقال من أنهم يعملون لصالح شعوبهم، تعلم ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.

انتهاكات حقوق الإنسان والظلم العالمي

لما يتم تعذيب وتحريق وسجن واغتصاب وإذلال المستضعفين من البشرية من المسلمين وغيرهم، وسرقة ممتلكاتهم وإفقارهم وتشريدهم تحت رعاية النظام الدولي وعلى أيدي أدنابه المسلطين على الشعوب. والآن ملايين عبر العالم يعانون أشد المعاناة في السجون والمعتقلات، ودول عظمى تجري دراسات على الأساليب الفعالة للتعذيب وتدمير نفسية المعتقلين كما في كتاب "عقيدة الصدمة" أيضاً.

وبين أيدينا كتاب الله الذي جعل هدف الحرب "حتى لا تكون فتنة" حتى لا يفتن الناس، والقائل: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين"، والذي جعل من مصارف زكاة أموالنا "والمؤلفة قلوبهم"، فندفع من أموالنا لنتألف قلوب الناس للدين الحق. تعلم حينها ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.

التدهور الأخلاقي والانحراف الفطري

لما تصل البشرية إلى حد غير مسبوق من التردي الأخلاقي، فيقتلوا يومياً آلاف الأطفال بالإجهاض، ويحصل لفترة أن أجنة تم إجهاضها تتم معاملتها كنفايات سريرية وتحرق لتوليد الطاقة وتدفئة بعض المستشفيات البريطانية. لما يوضع أولاد الزنا عند حاويات القمامة أو فيما يسمى بـ "صناديق الأطفال"، لينشأوا ناقمين على من أنجبوهم، مشوهين نفسياً، ويصبح المواليد غير الشرعيين أغلبية في بعض المجتمعات، تعرف ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.

لما تُسن القوانين بتسارع لتدعم المنحرفين عن الفطرة، ويطالب الناس بألا يستخدموا كلمة أب وأم مراعاةً للعوائل المؤلفة من ذكرين أو أنثيين، ويُطلب بدلاً من ذلك أن يُقال "والِد رقم واحد" و "والِد رقم اثنين". بل وتسن دول قوانين لمنع علاج المثليين، وتجرِّم منظَّمة الصحَّة العالميَّة الحديثة عن علاجهم، وتسن قوانين لإعطاء دروس للأطفال في المدارس عن ثقافة الشذوذ والتحوُّل الجنسي رغم اعتراض كثير من الآباء والأمهات. "Let children be children" التي تشجع الأولاد والبنات أنه بإمكانكم أن تتحولوا للجنس الآخر بعمليات جراحية وهرمونات إن أردتم، ويسجن الآباء والأمهات إذا اعترضوا ويهددون بأخذ أبنائهم منهم، وهذا كله في الدول المتقدمة مثل كندا وبريطانيا أو اسكتلندا. وبين أيدينا وحيٌ محفوظ يرسم صراطًا مستقيماً ليمنع هذا الانحراف، تعلم حينئذٍ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟

تزوير العلم والأزمة الوجودية

لما يزوَّر العلم ويستخدم أداةً موظَّفةً للدعوات الإلحادية والانحراف الأخلاقي والأجندات الرأسمالية، وتنشر المجلات المرموقة أبحاثًا علمية خلاصتها ضرورة سن تشريعات تتيح قتل الأولاد حديثي الولادة إذا كانوا يعانون من تشوهات أو أمراضٍ شديدة، وأحياناً بهوى الوالدين أو الأم. وينتشر لذلك مصطلحات في هذه المجلات العلمية "إجهاض ما بعد الولادة" و "نيونيتل إيستنيجيا".

لما يكون عامة الشباب والفتيات ضائعين تائهين يعانون اضطرابات نفسية وفقدان الهدف، ويتفشى الانتحار ويفقد الأمل حتى يقدم البعض على حرق نفسه وهو في مقتبل الشباب. وحتى تقول منظمة الصحة العالمية أن ثمانمائة ألف إنسان يقدمون على الانتحار كل عام، وأن الانتحار ثالث سبب للوفاة في الشباب من 15 إلى 19 سنة، ويبلغ انتحار طلاب المدارس في اليابان ذروته عام 2020. وكما في هذا المعرض في مدينة فريزنو الأمريكية الذي وضعت فيه ألف ومائة حقيبة تمثل عدد المنتحرين في الجامعة الأمريكية سنوياً. وبين أيدينا نورٌ من الله وكتابٌ مُبين، يُحدِّد للناس هدفهم في الحياة، ويجعل لحياتهم معنى، ويربطهم بالآخرة، ويُصبِّرهم على المصائب، تعلم حينئذٍ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟

الاستعباد الرقمي وقمع الحريات

لما يتحوُّل البشر إلى أرقام برصيد رقمي كما في الصين، كاميرات مراقبة في كل مكان، ورصيدٌ لك ينقص بمقدار مخالفتك لتعليمات الدولة المستعبِدة، بحيث تُفرَض قيودٌ على حركة المخالف وسفره، بل وحتى على إنجابه، ويراد تعميم هذا النموذج لدولٍ أخرى، تعرف ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.

تدهور مكانة المرأة

لما تعاني المرأة من الاغتصاب والتحرُّش في كل مكان، وتعاني من الاستغلال الجنسي في الوظيفة، ومن التسليع وفرض كيف تلبس وتغري الزبائن ليستفيد أصحاب العمل، كما فصَّلنا في حلقة "تحرير المرأة الغربية"، وتتعرَّض للضرب والإهانة كما في حلقة "ضرب المرأة"، وتُصبح ألعوبةً بأيدي المجرمين، بينما في أيدينا كتاب يجعلها مكرمةً محفوظةً مصونة، يقوم الرجل عليها "الرجال قوامون على النساء"، تعلم ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.

عبادة غير الله

"وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون"، ويذهب الناس أو يدفعون للذهاب لتبجيل تماثيل كيم إيل سونغ في كوريا الشمالية، ولتماثيل السفاح المجرم ماو تسي تونغ في الصين وغيرها من الأصنام الحديثة. ونحن نعلم أن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. تعلم حينئذٍ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، وتعلم معنى قول الله تعالى: "وَلَوْ لَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ".

تساؤلات ومسؤولية

قد تقول: طيب ما هو كل الذي ذكرته من مشاكل موجود عندنا كمسلمين، بننتحر زي ما بنتحروا، بنظلم ونستعبد كما يظلمون ويستعبدون. قد تقول: ولماذا تفترض أن الإسلام حصراً هو القادر على إنقاذ البشرية؟ قد تقول: لكنك تحمل المسلمين بهذا أكثر مما يحتملون يا رجل! بشرية مين ونحن بحاجة إلى من ينقذنا؟ قد تقول: لكن البشرية التي تتكلم عنها لن تسمع كلامي وأنا في هذا الوضع المتردّي وأمتنا في وضعها هذا.

لن أجيبك عن هذه الأسئلة اليوم، بل في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى حتى لا أطيل عليكم. حلقة اليوم هي لتوقظنا ولتشعرنا بالمسؤولية والرحمة تجاه البشرية التي استؤمنا عليها.

ونختم بوقفة مع هذه الخالة الأمريكية التي اهتدت للإسلام بعد عمر طويل ومشوار مرير من التخبط والحيرة. شرحت ما حصل معها بعد أن جلست جلسة واحدة مع ابنتها التي كانت اعتنقت الإسلام سراً، ثم جلست ابنتها هذه معها في ليلة تقرأ لها آيات مترجمة. قالت الخالة سؤال مؤلم يجب أن يبقى يرن في آذاننا: "لماذا لم يخبرنا أحد بذلك؟" ربما أنت لا تشعر بأنك تملك كنزاً عظيماً، لكن من كان محروماً منه طوال حياته يشعر. والسلام عليكم ورحمة الله.