→ عودة إلى كن عزيزا بإسلامك

الحلقة 5 - لا تدع الخلق .. بل ادعهم للخالق

٢٩ أبريل ٢٠٢١
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

مقدمة

ماذا أستفيد عندما أدرك حاجة البشرية إليك كمسلم؟ وعندما أدرك ماذا خسر العالم بانحدار المسلمين، وأن المسلمين هم الملاذ الأخير؟ كيف سينعكس هذا على نفسيتي وعلى حياتي وسلوكي؟ هذا موضوع حلقتنا اليوم، وسيكون فيها بعض القصص من تجارب شخصية ومن بعض الأصدقاء.

وهي ليست للدعاة فقط، ولا لمن يخالط غير المسلمين فقط، بل هي حلقة ضرورية لنا جميعاً. الإحساس بالمسؤولية يا كرام تجاه البشرية تكليف ليس بالسهل، إلا أنه أيضاً نعمة عظيمة، وأنا عن نفسي نفعني الله به جداً هذا الإحساس.

تعلم به أن الأمم المتفوقة علينا ليسوا أسياداً بل بحاجة إلينا. يرفع اهتماماتك ويجعل لحياتك معنى عظيماً، فتنظر لنفسك بتقدير. هذا الإحساس بالمسؤولية يعينك على الاجتهاد في العلوم الطبيعية والتخصصية، وترى في ذلك بركة من الله عظيمة. ويمنعك من التأثر بالشهوات المحرمة الواردة عليك من هذه الشعوب غير المسلمة.

أولاً: ليسوا أسياداً

الإحساس بالمسؤولية يحدد طبيعة العلاقة بينك وبين الشعوب من غير المسلمين، فلن تكون لديك عقدة نقص وشعور بالدونية تجاههم. وفي الوقت ذاته لا تنظر إليهم بكبر، بل أنت قدوة لهم. تعلم أنهم بحاجة إليك فترحمهم وتعينهم على نفوسهم الأمارة بالسوء وعلى شياطين الإنس الذين يغوونهم.

هذا هو الأصل في علاقة المسلمين بالشعوب الأخرى: الرحمة، كما علمنا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم فقال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". لاحظوا: "ارحموا من في الأرض" هكذا بعموم. وأعظم الرحمة هدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وقد جعل الله ذلك سبباً لأن يرحمنا نحن أنفسنا: "يرحمكم من في السماء".

وحتى ما شرعه الله من صراع مع بعضهم فليس لإفنائهم ولا التجبر عليهم، بل لكسر شوكة من يصدون عن سبيل الله والاستصلاح أحوال الشعوب. فالشدة مع هؤلاء الصادين عن سبيل الله هي في حقيقتها رحمة بهذه الشعوب. ولا تنس أنك من أمة أخرجت للناس، وكأن الله يستوصينا بالناس فهم أمانة في أعناقنا.

ثانياً: رفع الهمة

الإحساس بالمسؤولية تجاه البشرية يرفع اهتماماتك ويجعل لحياتك معنى عظيماً، ويجعلك تنظر لنفسك بتقدير وتقول لها: "إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم، وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام". فتعمل لترقى لمستوى أن تكون من أمة من قال الله له: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".

وترى لنفسك من هذه الآية نصيباً، بتصير لما تشوف معاناة البشرية تقول لنفسك: أنا المسؤول، أنا لازم أنقذ هؤلاء بما لدي من نور. بدل لما تصحى الصبح وأنت مش عارف إيش تعمل، تتذكر أن هناك أربعين شخصاً ينتحرون كل ثانية، وأن دواء هؤلاء وغيرهم بيدك أنت. الهداية شعلة نور يجب أن نسير بها وننشرها، وإلا احترقنا إذا لم نؤدِ أمانتها.

لاحظ معي يا أخي، رب العالمين يقول للبشرية: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً}. وقال لأهل الكتاب: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}. رب العالمين أنزل هذا النور فاعتبره وصل للناس، للناس لماذا؟ لأن هناك أمة محمدية مستأمنة على هذا النور.

كم منا نحن المسلمين من يذهب إلى الصين وغيرها شرقاً وغرباً للتجارة ولا يخطر بباله أصلاً أن يدعو هؤلاء إلى الإسلام؟ كم منا يذهب في السياحة لينظر للطبيعة الجميلة ويتفسح ولا يخطر بباله أن يأخذ معه مطويات دعوية بلغة أهل البلد، أو يحتسب الأجر في حسن تعامله معهم ليحبب إليهم الإسلام؟

قصص شخصية ودعوية

اثنان من أصدقائي كانت لهما زيارات عمل للصين. قال له: "لماذا لا تصبح مسلماً إذن؟" وشرحا له عن الإسلام في حوالي ربع ساعة فقبل الإسلام، وهذا مشهد ترديده للشهادتين. سألاه بعدها: "لماذا تحب المسلمين؟" فقال: "لي جار مسلم صاحب مطعم، كلما مر بي تبسم في وجهي وحياني حتى أحببت المسلمين وأحببت أن أصبح مثل جاري هذا".

تعامل صديقاي مع تاجر قطع إلكترونية، ثم تلايا عليه من القرآن فرق قلبه جداً وإن لم يفهم المعاني، فشرحا له عن الإسلام فأسلم وصلى معهما وبقي على علاقة بهما. أخونا هذا سمى نفسه عمر، وهذه صورته مع الأخ الآخر صاحب المحل الذي أسلم أيضاً. هذان الأخوان ليسا عالمين بالتعريف النمطي، لكنهما يحملان هم الإسلام.

كم منا له جار وزميل من غير المسلمين ولم يدعه يوماً إلى الإسلام؟ وقد كان من فضل الله علي أن أسلم ببيتي أحد النصارى ببلدي بعد حوار وحسن إسلامه وتزوج مسلمة. من فضل الله علي أن أول موقف لي في الدعوة كان وأنا في الصف الأول أو الثاني بجدائي، أذكر ملامح زميل لي في المدرسة نصراني، قلت له يوماً: "ليش ما تسلم؟" فقال: "رح أسأل ماما"، والتي بدورها لم تأذن.

وأنا أود هنا يا كرام أن أذكر بعض التجارب الشخصية من باب رفع الهمة والتأكيد على أن هذه المفاهيم قابلة للتطبيق، وإلا فإني والله مقصر وأستغفر الله من تقصيري هذا. وأطلب من الإخوة أن يضعوا في التعليقات تجاربهم الشخصية في دعوة غير المسلمين للإسلام لرفع الهمة.

في أسفار الخارجية حصل أن أفتح نقاشات دينية مع من بجانبي في الطائرة، وأذكر مرة هندياً ناقشته مطولاً مستعيناً في مناقشته بمفاهيم سورة الأنعام. وعندما تابعت دراسة الدكتوراه في أمريكا كان من فضل الله علي أن أحاطني بإخوة يحبون الدعوة. أذكر أحد إخواني المصريين في مدينة هيوستن كيف أتى مرة بقصة إسلام الداعية يوسف إستس؟ فلما سمعناها قررنا على الفور أن ندعوه لزيارة هيوستن وأن ننظم له أنشطة لدعوة غير المسلمين. وبالفعل تم ذلك، ودعوت إلى محاضراته من أتوسم فيه إمكانية التلبية من زملائي ودكاترتي، واستجاب بعضهم للدعوة، منهم فنية مختبر يهودية اسمها جاكولين فريدمان. وأذكر كيف أسلمت طالبة طب أو تمريض أمريكية بعد إحدى محاضراته، واللحظات البهيجة من بكائها وحفاوة المسلمين بها ومعانقة المسلمات لها.

كان من بين من درسوني دكاترة أحسنوا إلي ودعموني، فبعدما قُبلت أطروحة الدكتوراه التي قدمتها مع طلب تعديلات بسيطة، وما عاد بيني وبينهم مصلحة، دعوت بعضهم إلى طعام الغداء في مطعم كل على حدة، وكنت أقدم لهم بالكلام العام وأسمع منهم، ثم أقول لكل منهم: "أنت يا دكتور أحسنت لي خلال دراستي، وأنا أشكرك وأحب لك الخير، فأود أن أكلمك عن الإسلام". كان أحدهم يقول لي: "أنا أحترم دينك وليس عندي مشكلة مع المسلمين"، خاصة وأن هذا كله كان بعد أحداث سبتمبر. فأقول له: "لكني أريد أن أحدثك عن الإسلام من أجلك أنت، لخيرك أنت". صحيح أنهم كانوا يعتذرون بأنهم لا يفكرون في موضوع الدين حالياً، للأسف كان بعضهم يقول هذا، لكن على الأقل حاولت تأدية شيء مما علي تجاههم.

لذا فقد تساءل البعض: "أنت تتكلم بمفاهيم الإيمان والشرك وقد عشت بين مشركين حسب هذه التعريفات؟" أقول: نعم، وما كنت أداهنهم في أديانهم بل أدعوهم إلى دينهم، ولو عادت بي الأيام لما غيرت شيئاً إلا أن أنشط في دعوتهم أكثر، وأستغفر الله من تقصيري فيها. فأنا يا كرام لم أكن أتابع النقاشات معهم، خاصة وأنني كنت منشغلاً أكثر بدعوة المسلمين في الخطب والدروس، ومنشغلاً كذلك بدراسة العلم والأدوية والبحث العلمي، وبدراسة الشرعية التي بدأتها هناك في أمريكا، ويعني في الأردن كان هناك بعض الدراسات الأولية وقراءات في التفسير، لكن نشطت أكثر وأكثر في الدراسة الشرعية هناك. وكنت أنظم مع إخواني المسلمين فعاليات أسبوع الدعوة إلى الإسلام لتأدية جزء من واجبي تجاه غير المسلمين.

عرفت في أمريكا إخوة يحملون هم دعوة الآخرين، يتكلم بطريقة تحببك فيه رغماً عنك، وأسلم على يديه كثير من الناس. عرفت الأخ إبراهيم الذي كان يفتعل أي سبب ليحدث الناس عن الإسلام. إذا وقف في طابور ورأى من أمامه يلبس تي شيرت عليه "I love Jesus" يعني "أنا أحب المسيح"، نقر صاحب التي شيرت على كتفه وقال له: "أحب التي شيرت هذا لأنه مكتوب عليه أحب المسيح، وأنا أحب المسيح، أتعرف لماذا؟ لأني مسلم والإسلام يقول عن المسيح كذا وكذا وكذا".

كان إبراهيم يعمل في محل لتزيين السيارات يملكه مسلم. التقيت بصاحب المحل يوماً فقال لي: "جاء زبون مرة فجلس معه إبراهيم والزبون ينتظر تزيين سيارته، ولم يمر وقت طويل حتى خرج إبراهيم يكبر ويقول: The brother took شهادة" يعني "الأخ نطق الشهادتين". تعرفوا من أصدقائي من كانوا يذهبون أيام السبت إلى السجون ليدعوا السجناء إلى الإسلام فيما يعرف بـ "البريزن دعوة" يعني الدعوة في السجون، وبتنسيق مع إدارة السجن، وكان يسلم على أيديهما خلق كثير. رأيت من ذلك نماذج أغبطها، إخوة تعلمت منهم الكثير في حمل هم الدعوة.

وحتى بعد ما عدت إلى بلدي فأنا أعامل طلاباً من غير المسلمين، وأعلم أن هناك نصارى من طلابي وغيرهم يتابعون بعض السلاسل كـ "حسن ظن بالله" و "رحلة اليقين" ويستفيدون منها، ويسرني ذلك وأسأل الله لهم الهداية. ومن أجل إحساسنا بالمسؤولية تجاه البشرية أطلقنا أنا وعدد من الإخوة والأخوات مشروع ترجمة حلقات "رحلة اليقين" وسلسلة "المرأة" إلى اللغات العالمية، راجين من الله أن تكون سبباً في دخول من شاء في الإسلام، وقد بدأت لذلك بعض البوادر والحمد لله.

ثالثاً: حافز كبير للإتقان

الإحساس بالمسؤولية تجاه البشرية حافز كبير لتتقن دراستك وعملك وتسهم حضارياً حتى تكون سفيراً تمثل دينك تمثيلاً حسناً. ليس مطلوباً منا، وهذه ملاحظة مهمة، ليس مطلوباً منا أن نؤخر مهمتنا في إنقاذ البشرية ودعوتها إلى حين نتقدم اقتصادياً وصناعياً ونستعيد بلادنا كما يقول المخذلون. فمهما تقدمت الأمم في العلوم فليس لديهم ما ينقذون به الإنسان دنيا ولا آخرة ما داموا منقطعين عن الوحي المحفوظ، بينما أنت كمسلم لديك هذا الكنز العظيم.

حين فتح المسلمون البلاد ونشروا الهداية وأوقفوا استعباد العباد للعباد لم يكونوا متفوقين صناعياً وعمرانياً على الأمم الأخرى، لكن كان في صدورهم نور الوحي الذي يجعل للتقدم في العلوم نفعاً ومعنى بدل أن يكون وبالاً على البشرية. وفي الوقت ذاته فهذا لا يعني أن يركن المسلمون إلى تأخرهم في العلوم الطبيعية.

ولذلك فعلى المستوى الشخصي كنت في دراستي في أمريكا أحرص على إتقان دراستي وبحثي لأني أحد سفراء ديني لمن حولنا من غير المسلمين. وتفوقت على زملائي جميعاً دراسياً بفضل الله تعالى، وهم من جنسيات وأديان مختلفة، حتى لا أظهر كمن فشل في العلم والعمل فجاء يغطي فشله بإقناع نفسه ومن حوله بأن عنده ما يتميز به عنهم. ولم أكن أستحي من هويتي الإسلامية فأرى نفسي قزماً أمامهم غير صالح لدعوتهم كما يرى البعض نفسه للأسف، بل كان حرصي على حسن تمثيل الإسلام دافعاً عظيماً للنجاح وحسن العمل.

أذكر يوم مناقشة رسالة الدكتوراه في جامعة هيوستن، كان يوم جمعة في الصباح. قدمت أطروحة الدكتوراه بطريقة مميزة بشهادة اللجنة المحكمة بفضل الله. وفي ختامها في قسم يعني الإقرار بالفضل قلت: "أود أن أشكر الله"، لم أقل God، قلت: "الله الذي أعانني ويسر لي أموري بعد تعثرات في البحث". ثم شكرت من ساعدني من الدكاترة والزملاء. ثم ذهبت فخطبت في مسجد الفاروق بهيوستن عن عزة المسلم، وأذكر كيف جاء المسلمون بعد الخطبة يعانقونني قائلين: "أسمعتنا شيئاً كنا نود أن نسمعه من زمان، شيئاً دفيناً في نفوسنا حركته". ثم بعد الخطبة التقيت أحد المشرفين علي في الدكتوراه الدكتور ريتشارد بوند على دعوة للغداء لأحدثه عن الإسلام.

وأنا في هذا كله أسعى أن أكون سفيراً للإسلام، فأحرص على أن أحسن تمثيله. وصححت خطأ في بروتوكول كان يستخدمه مختبر الدكتور ريتشارد كلارك فشكرني على ذلك. وصححت أخطاء في أكثر كتب علم الأدوية تداولاً فوضع اسمي كأحد مراجعي وأسهمت في العلم بأبحاث في مجلات عالمية. وطلب مني باحثون في سويسرا نموذجاً استخدمته في أحد أبحاثي ليستفيدوا منه فأرسلته لهم. وتطلب مني مجلات غربية أن أحكم أبحاثاً مقدمة لها فأقبل إن أمكنني. وبدأت مع إخوة وأخوات مشروع أنيميشنز وصور توضيحية لمفاهيم دوائية وحيوية لننشرها لمن شاء عالمياً. وأنا أرى هذا كله عبادة، عبادة أتقرب إلى الله بها وأستعين بالله عليها، عبادة لأنها تسهم في قبول الناس للإسلام ومعرفة أنه دين الفلاح.

رابعاً: يمنعك من الوقوع في الفتن

الإحساس بالمسؤولية يمنعك من الوقوع في الفتن، ويعينك على التحلي بالأخلاق وأنت ترى نفسك سفيراً عن الإسلام. عشنا في أجواء فتن وشهوات، وما كنا نقبل لأنفسنا أن نتأثر بهم، ونرتع معهم فنخون الله والرسول ونخون أماناتنا، بل نتذكر أنهم مستهدفون بدعوتنا، وأنه ينبغي أن نكون مؤثرين فيهم لا متأثرين.

حصل أن يتقرب إلي بطريقة مريبة، فأسد الباب، وأرسل إلى من تفعل ذلك رسالة دعوة إلى الإسلام عبر الإيميل، وأتجنب التعامل بعدها. لما يكون عندك هدف بهذا المستوى: استنقاذ البشرية. ستستحي وأنت تراوح مكانك، وتشكو من عدم الصبر على الصلاة، أو عدم الصبر على ترك الأفلام المفسدة. يا بنت زبطي حجابك، يا أخي غض بصرك. وبعدين يا إخوانا؟ وبعدين؟ هناك مهمات عظيمة تنتظرك. وهذا ما قلناه في مقال "متى نحلق؟ متى نتكلم؟" فيما بعد.

لقد خلقت لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ

مع أنه حتى وهذه نقطة مهمة، حتى وإن بقيت تذنب بعدها، وحتى لو بقيت تذنبين، هذا يجب أن لا يمنعك من دعوة الآخرين. لا تضم إلى ذنوبك ذنب التقصير في مهمة إنقاذ البشرية، بل تستنزل رحمات الله عليك بالدعوة إلى الله.

كم من أبناء المسلمين من يذهب لدول أجنبية فتفسد أخلاقه ويكون بئس السفير عن الإسلام، حتى أن بعض أصحاب البيوت من غير المسلمين يرفض تأجير بيته للعربي كما أخبرني الإخوة في بعض تلك الدول للأسف. كم من مسلم استحل لنفسه أن يغش غيره من المسلمين ممن يعاملهم فيصدهم عن سبيل الله بدل دعوتهم إلى الله؟ لماذا نتكلم عن واجبنا تجاه البشرية؟ ليحس أمثال هؤلاء كم يخونون الله والرسول ويخونون أماناتهم وواجبهم في إنقاذ البشرية، بل كانوا وبالاً عليها وصادين عن سبيل الله بسلوكهم.

إحساسك بالمسؤولية يجعلك تحسب حساباً لكل تصرف تتصرفه لأنك تتذكر تحذير ربك عز وجل: {ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم}. قال ابن كثير: "لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به لم يبق له وثوق بالدين" يعني ما عاد يثق بالدين، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام، ولهذا قال: {وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم}.

خاتمة

هذه هي يا كرام نعمة الإحساس بالمسؤولية: تتحدد بها طبيعة العلاقة مع أهل الأديان الأخرى فتعلم أنهم ليسوا أسياداً لك بل بحاجة إلينا، ترفع اهتماماتك وتجعل لحياتك معنى عظيماً، تعينك على الاجتهاد في العلم والعمل لتحسن تمثيل دينك، وتجعلك تستحي من التأثر بالشهوات المحرمة.

تأمل بعد أن رأيت نعمة الإحساس بالمسؤولية كيف أن الله تعالى حين كلفنا بدعوة الأمم فهذا لنفعنا نحن في النهاية. تأمل قول الله تعالى: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}. فاعمل ولا يصبك الإحباط بواقع أمتك وإساءة من يسيئون منها، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.

قد تتساءل: طيب أين في كلامك هذا نصوص الجهاد والشدة والغلظة على الكفار؟ ألن نستحي إذا واجهنا غير المسلمين بها؟ سأجيبك في الحلقة القادمة بإذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله.

ليسوا أسيادا بل أمانة