السلام عليكم، أيها الكرام.
مقدمة: التحذير من تداول الوباء كانتظام إلهي
كلمةٌ أقولها الآن وأظنكم ستدركون أهميتها بعد حين. علينا الحذر من كثرة الحديث عن الوباء وكأنه الانتقام الرباني المرتقب الذي سيمرغ أنوف الجبابرة. فالانطباع الذي يُبنى بهذا الخطاب في نفوس الناس أنه أخيراً ها هو الله تعالى يتدخل ليضع حداً للظلم الذي بلغ ذروته.
لك أن تتصور ماذا سيحصل إذا انحسر الوباء عن أنظمة عالمية عرفت كيف تستغله، فأحكمت قبضتها وأصبحت أكثر سيطرة وتسلطاً على الناس، ولم يزدد عامة الناس إلا رهقاً وفقراً. سيتساءل جماعة: "الله ينتقم لنا؟ أهكذا انتقام الله؟ أين الله؟" فهم كانوا ينتظرون أن يسحق الله الظالمين وينفس عن المقهورين. فإن لم يحقق الله أوهامهم، قالوا: "إنا به كافرون".
وهي نفسها النفسية التي ألحدت عندما لم ينصرنا الله في الثورات العربية. وكنا في بدايات الأمر نحذر من حصول هذه الانتكاسة وموجة سوء الظن بالله. ونحن وإن كنا نقول لهم: "إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد"، ونقول لهم: "فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارة". إن كنا نقول لهم ذلك، إلا أننا نحذر أنفسنا أيضاً والفضلاء والمتبوعين أن ننفخ اليوم في أوهام الناس بكثرة الحديث عن الوباء على أنه الانتقام الرباني المرتقب.
الوباء فرصة لا نهاية
نعم، هذا الوباء يُظهر ضعف الإنسان ويُظهر قدرة الله، لكنه ليس أكثر من فرصة. إما أن يستغلها المسلمون، ليس أكثر من فرصة لإبصار نهضة المجتمعات والأمم. لها سنن لا تتخلف. وتبوء الأمة مكانتها له سنن. فهي فرصة. وليس لنا أن ننتظر أن يكمل الله عنا المعركة ويأتينا بالنصر والفرج على طبق من ذهب. هي سنن لا تحابي أحداً.
ولم يشأ الله أن يجعل نصر الأمة المحمدية بصيحة ولا رجفة ولا طير، بل وضع لنا القاعدة الماضية إلى يوم الدين أن لابد أن تكون المبادرة من المسلمين. ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض.
أنفسنا وأهلينا وأبنائنا ونقول: "يعني إيش طالع بيدنا نعمل؟" بل بيدنا الكثير، لكن تعودنا أن نقصر ونؤجل ونتراخى، واستمرأت نفوسنا ذلك. ونطمع مع ذلك بفلتة من السنن لصالحنا وأن تُبدل لأجلنا، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
هذه الكلمة يا كرام احفظوها وخزنوها في ذاكرتكم وعلى أجهزتكم، حتى إذا ما رأيتم بوادر من أنفسكم أو من الناس أن: "لماذا لم ينصرنا الله؟ وهل هكذا انتقام الله؟ نزداد ضعفاً وقهراً ويزداد الظالمون تسلطاً"، فقولوا لهم: "قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير". نسأل الله أن يعيننا على إصلاح أنفسنا حتى نكون أهلاً لنصره. والسلام عليكم ورحمة الله.