السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الاستهانة بالحياة البشرية
الحقيقة الواحد يا كرام يعز عليه أن يسمع أن الصين نجحت في احتواء وباء كورونا، بينما بعض المسلمين يتهاونون فيه وينشرونه فيما بينهم. والحقيقة أن مثل هذه الحوادث توقفنا على إشكاليات في تفكير بعض المسلمين، منها الاستهانة بالحياة البشرية.
طرحنا يا إخواننا فاهمين الزهد في الدنيا غلط. منا من يظن أن الزهد يعني ألا تهتم بالدنيا وحفظ الأنفس فيها. منا من تأثر بالإعلام الذي هون من شأن المسلمين، لما كل يوم تسمع عن مقتل خمسين ومقتل مئة حتى هانت قيمة المسلم في نفوسنا. ومنا من استهان بالنفس الإنسانية عموما، وممكن يقول: "إيش يعني إذا كورونا قتل ملايين الناس؟ البشرية قربت على العشر مليارات، خلي ملايين يموتوا، إيش يعني؟".
وكأنك نسيت يا مسلم أن الله خلق هؤلاء لحكمه. فلنتذكر أن كل إنسان حي هو مشروع مؤمن، كل إنسان حي هو مشروع مؤمن، كل إنسان هو هدف لدعوتنا وهدايتنا. فإذا آمن أصبح عظيم القدر. المؤمن يذكره الله في الملأ الأعلى، المؤمن مرشح لأن يكون ولياً لله تعالى، القائل: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب". سعد بن معاذ مؤمن اهتز لموته عرش الرحمن.
لما تتكلم عن الناس اللي بتموت، تذكر أن كل واحد فيهم لما كان حي كان مشروع مؤمن يكون له قدر عظيم عند الله عز وجل. فنحن المسلمين أولى الناس أن تكون نظرتنا للنفس البشرية نظرة حفاوة واهتمام وتكريم ومحاولة إنقاذ. ننقذ النفوس من أوبئة الدنيا وفتكها، طمعاً في أن ننقذها بعدها من نار الآخرة بهدايتها ودعوتها. ما بطلع لك تقول: "خليهم ينقصوا مش مهم". لا، مهم. بل كل نفس تموت هي نفس أثلتت منا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نجح في استنقاذه ففرح بذلك.
الحرص على الحياة الطيبة
نحن المسلمين نحرص على الحياة الطيبة النافعة. نعم، نحرص. الحرص على الحياة الدنيا بحد ذاته ليس مذموماً، وإنما ذم الله الحرص على حياة أي حياة، حرص اليهود والمشركين على حياة أي حياة، فقال: "عيش أي عيشة مش هامو يعيش العيشة النافعة التي تقربه من الآخرة ومن رضى الله عز وجل".
مفهوم الدنيا في الإسلام
ابن القيم له كلام جميل في كتابه "عدة الصابرين". احنا متعودين يا جماعة ابن القيم وغيره من العلماء بيتكلموا عن ذم الدنيا وعدم التعلق في الدنيا، لكن ابن القيم له نقلات تعمل توازن جميل جداً. قال: "فالدنيا في الحقيقة لا تذم، فالدنيا في الحقيقة لا تذم، وإنما يتوجه الذم إلى فعل العبد فيها. وهي قنطرة. الدنيا قنطرة أو معبر إلى الجنة أو إلى النار". إلى أن قال: "وإلا فهي -يعني الدنيا- مبنى الآخرة ومزرعتها، ومنها زاد الجنة، وفيها اكتسبت النفوس الإيمان ومعرفة الله ومحبته وذكره وابتغاء مرضاته. وخير عيش ناله أهل الجنة في الجنة، إنما كان بما زرعوه فيها -يعني في الدنيا-". إلى آخر كلامه الجميل.
احنا أصلاً شو بدخلنا الجنة إلا العمل في هذه الدنيا؟ لازم نحب الدنيا، لكن أن نحب الدنيا نعيب، نحب العيشة أن نعيش عيشة يرضاها الله عز وجل. ويروى عن علي رضي الله عنه فيما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتابه "إصلاح المال" أن علي سمع رجلاً يسب الدنيا فقال -يعني زي اللي بينكر عليه-: "إنها لدار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها. مسجد أحباء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة".
فالدنيا يا جماعة احنا بنحب الدنيا، آه بنحب الدنيا. "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين". الصديقون ذكروا قبل الشهداء، قال الله تعالى: "فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا". مات الصديق أبو بكر على فراشه، لكن منزلته من أعلى المنازل إذ عاش في سبيل الله.
الانتحار الإيماني
المسلم الذي تهاون في إجراءات الوقاية من الأوبئة وبطنش مش مهتم لا في حاله ولا في المسلمين، عليه أن يتذكر هذا كله. لا تخلي المجرمين والظالمين يكرهوك في الدنيا ويدفعوك أنك تنتحر انتحاراً إيمانياً. كيف يعني انتحار إيماني؟ هذا مصطلح معبر سمعته من أخي الدكتور عبد الرحمن ذاكر. الانتحار الإيماني هو أن تستهين بالموت ليس في سبيل غاية عظمى، بل لأنك مستثقل للقيام بواجبك في عمارة الأرض ودعوة البشرية والصبر والمصابرة على الأذى في ذلك، فتستهين بالموت باسم الدين والزهد في الدنيا. بل قل للظالمين: "لن ندع الدنيا لكم ولإفسادكم، وسنعمل على إنقاذها وأهلها منكم".
إذا يا جماعة إذا هان المسلمون على الظالمين المتسلطين، فلازم ما يهونوا على بعضهم البعض. إذا قيمتك عند الظالمين ولا شيء، فلازم تكون قيمتك في نفسك عظيمة، وتكون قيمة إخوانك المسلمين عندك عظيمة.
أهمية المسلمين لبعضهم البعض
النبي صلى الله عليه وسلم حرم أذية المسلمين بأدنى شيء. حرم جرح شعور أخيك المسلم بأن يتناجى اثنان دون الثالث. حرم ترويعه ولو مزاحاً في حديث: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً". حرم تضييق الطريق على المسلمين. أمر من دخل سوق المسلمين أو مسجدهم أن يغطي رؤوس النبل -يعني الأسهم- لئلا يجرح مسلماً ولو جرحاً خفيفاً.
وترى يا إخواني مما دفعني لنشر هذه الكلمة مراسلة لأخ حبيب عزيز علي من مصر يتخوف فيها على أبناء بلده من إهمالهم في تعاملهم مع الوباء، وهذا موجود في كثير من البلدان للأسف، بل في عامة بلاد المسلمين.
المسلمون أولى بقيادة البشرية
حسن تعاملنا نحن المسلمين مع موضوع الأوبئة وحرصنا على حياة بعضنا البعض، بل وعلى إنقاذ البشرية، هذا نموذج عملي أمام الناس، أمام الأمم، أننا أهل لقيادة البشرية. ترى يا إخواني الدول العظمى لن يطول بقاؤها، ويظهر أن الأرض تتهيأ لتغيرات كبرى. فهل معقول نرضى لأنفسنا وللبشرية أن تتلقف من يد ظالم ليد ظالم؟ تهبط أمريكا وأوروبا. حتى لو نجحت الصين في احتواء الوباء، بل ومساعدة الدول على احتوائه، وحتى إن وجدت الصين علاجات ناجعة، ماذا لدى الصين لتقدمه للناس بعد ذلك؟ على صعيد الرقي الروحي؟ على صعيد القيم؟ على صعيد الإنسانية؟ على صعيد العمل في الدنيا لأجل الآخرة؟
ماذا لدى الصين لتقدمه؟
ماذا لدى الصين؟ تحويل الناس إلى آلات إنتاجية صماء؟ حرق الموتى؟ هدم المساجد؟ وإكراه الناس في دينهم؟ واختطاف الأبناء من آبائهم ليربوا على الكفر؟ إجبار الناس على أكل الخنزير وشرب الخمر؟ ماذا لدى الصين لتقدمه؟ ماذا لدى بعض الدول العظمى التي تتصرف بطريقة تشعر برغبتها في ترك الوباء يفتك في كبار السن والمرضى ليخلصها منهم إذ ما عادوا منتجين مادياً وأصبحوا عبئاً على الدولة؟
دور المسلمين في إنقاذ البشرية
نحن أولى من الصين ومن الأمم كلها، أولى بالعمل على إنقاذ البشرية محتسبين الأجر، مستعينين بالله، متعلقين به سبحانه، ودافعنا في ذلك: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.