السلام عليكم ورحمة الله.
الصيام ومقاومة وباء كورونا
أيها الكرام، يتناقل الناس تساؤلاً: هل من الممكن أن يكون الأفضل ألا نصوم هذا الرمضان، لأن الصوم قد يضعفنا عن مقاومة وباء فيروس كورونا؟
فنقول وبالله التوفيق: ديننا دين العلم والبرهان، والحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره. وبالتالي، فحتى نعرف إن كان هذا يمكن أن يزيد عرضتنا للوباء، وإن كان صوم رمضان يمكن أن يزيد عرضتنا للوباء، فتعالوا نرى ماذا يقول العلم الرصدي التجريبي.
أبحاث الدكتور معز الإسلام فارس
أفضل ما اطلعت عليه في هذا المجال هو مقال علمي رصين لدكتور التغذية معز الإسلام فارس، وهو أستاذ مشارك (Associate Professor) وباحث من الطراز الرفيع، وله كثير من الأبحاث في مجال الصيام وتأثيره على صحة الإنسان ومناعته ومقاومته للأمراض.
نشر الدكتور معز الإسلام مقاله قبل أسبوع بعنوان "الصوم ومناعة الجسم ضد العدوى: ماذا يقول العلم؟" وذكر فيه أبحاثاً محكمة نشرها الدكتور معز الإسلام في دوريات من أرقى الدوريات العالمية، مثلاً: المجلة البريطانية للتغذية (British Journal of Nutrition)، والمجلة الأوروبية للتغذية (European Journal of Nutrition)، والمجلة الرسمية للاتحاد العالمي للسكري، وغيرها من المجلات المرموقة والمعروفة للأكاديميين.
وبعض أبحاثه استشهدت به الأبحاث العلمية أكثر من مئة مرة، يعني أكثر من مئة (citations). كما أن الدكتور معز الإسلام أجرى مراجعات مع فريقه لعشرات الأبحاث الأخرى ضمن ما يعرف بـ (Meta-analysis).
وذكر الدكتور في مقاله أبحاثاً لفرق بحثية أخرى غير فريقه، يعني ذكر في مقاله هذا عن صيام رمضان وتأثيره على المناعة ما مجموعه عشرون بحثاً علمياً محكماً له ولغيره، معمولة بطرق بحثية محكمة. خاصة وأن مقاله الذي ذكر فيه أبحاثه هذه يدل على إيمان وبصيرة في الدين فيما نحسبه والله حسبه.
سنضع لكم مقاله في أول تعليق على الفيسبوك واليوتيوب، ثم نعيد نشره في منشور منفصل على الفيس والمنتدى (Community) في اليوتيوب بإذن الله تعالى. راجين من إخواننا الأكاديميين أن يحذوا حذوه في كتابة المقالات النافعة للناس، حتى لا تبقى المكتشفات العلمية حبيسة الدوائر الأكاديمية والدوريات الأجنبية، وأن يعمل الأكاديميون المسلمون الأبحاث فيما ينفع الناس ويلمس واقعهم بشكل مباشر.
نتائج الأبحاث حول الصيام والمناعة
في هذا المقال، عرض الدكتور معز الإسلام نتائجه بشكل موضوعي، وبين أن الصيام ليس له أثر سلبي على المناعة، بل وله أثر إيجابي على مكونات مناعية معينة، وأنه يعين الجسم على مقاومة أنواع من البكتيريا، بل وأن للصيام آثاراً إيجابية في بعض أنواع الأمراض كأمراض المناعة الذاتية مثل التصلب اللويحي (Multiple Sclerosis)، وكذلك المتلازمة الأيضية وغيرها من الأمراض. وذلك بعد استقصاء لما نشر في مجال الصيام وتأثيراته الصحية، وليس صيام رمضان فحسب، بل أنواع مختلفة من الصيام.
الآن إخوتي، هناك موقع معروف للباحثين في المجال الصحي اسمه (PubMed)، يعني (Medical Publications) تابع للمكتب الصحي الوطني الأمريكي. لو كتبتم (PubMed.com) ثم كتبتم عبارات مفتاحية مثل (Intermittent Fasting) يعني الصوم المتقطع، أو (Time Restricted Feeding) يعني الأكل المقيد بالوقت، أو (Alternate Day Fasting) صيام الأيام المتناوبة، أو (Fasting Mimicking Diet) الحمية المحاكية للصيام، ستجدون هناك أبحاثاً كثيرة. تجدون أبحاثاً لأناس غير مسلمين عن هذه الأنواع من الصيام الدينية وغير الدينية.
خلاصة الأدلة العلمية
فالخلاصة يا كرام، خلاصة ما خلص إليه الدكتور معز الإسلام فارس أنه -وطبعاً بالأدلة وبالتوثيق وبالأبحاث والـ (citations) المحترمة- أنه بالعلم الرصدي التجريبي ليس هناك دليل على أن الصيام يزيد من عرضة الجسم للأمراض والأوبئة والعدوى الفيروسية، بل الأدلة على عكس ذلك.
وما قد يدعيه البعض من آليات نظرية غير مجربة لا يرقى لمستوى التجارب التي أجراها الدكتور أو تحدث عنها. كما بينت في كلمة "كورونا وكثرة الادعاءات"، من تابع منكم هذه الكلمة؟ ذكرت فيها مراتب الأدلة العلمية في العلم الرصدي التجريبي: الـ (Randomized Clinical Trials)، (Cohort Studies)، (Case Control) إلى آخره. وبينت أن أدنى المراتب هي التجارب على الخلايا أو الـ (Expert Opinion) يعني رأي الخبير. حتى لو صدر مثل هذا الكلام من خبير، يعني خبير في المجال الصحي، من طبيب كبير، ولم يكن عنده أدلة علمية كالأبحاث التي ذكرنا، فإنها لا ترقى لمستوى هذه الأدلة المذكورة في بحث الدكتور معز الإسلام فارس. وبالتالي كل ما يذكر ليس عليه دليل محترم أبداً ولا حتى دليل ضعيف إطلاقاً.
فنقول لمن يطرح فكرة ترك الصيام للوقاية من الوباء، نقول له ما قال ربنا: "قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا". ذكرنا لك أدلة علمية وديننا يحترم هذا العلم، فهل عندك في المقابل علم فتخرجه لنا؟ "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين". والله إذا ما في علم ولا في برهان لا نسمع لكلامكم ولا يحمل أي وزن.
طبعاً الدكتور معز الإسلام قال أن كلامه هذا عن الأصحاء، وقال أن المريض له أحكامه. وقبل ذلك، الله عز وجل قال -معز الإسلام لحيايته وموضوعيته- عن أن تجاربه لم تشمل تجارب على الكورونا، هذا موضوع جديد. لكن دلالات هذه الأبحاث أن المناعة تزيد قوة بعض مكوناتها، وأنها لا تتأثر سلباً بأي شكل مؤثر، وأن الجسم تزداد قدرته على مقاومة بكتيريا من أنواع معينة. وبالتالي ليس هناك أي دليل يمكن الاستناد عليه حتى نتنبأ بأن الصيام يمكن أن يؤثر سلباً في الإصابة بفيروس كورونا.
الصيام والعادات الرمضانية
وتكلم الدكتور أيضاً في مقاله النفيس عن عادات في رمضان ليست من الصيام، ككثرة أكل النشويات وكثرة أكل الحلويات والدهنيات. نعم، هذه لها آثار سلبية لكنها ليست من الصيام، هي عادات للأسف مارسناها.
طبعاً يا إخواننا، يعني نفصل الصيام عن العادات الخاطئة، ونفصله عن أشياء ليست عادات خاطئة بل هي من الشعائر الطيبة، لكننا قد لا نتمكن في هذا الرمضان للأسف، قد لا نتمكن منها مثل شهود الجماعات وشهود صلاة التراويح. لكن هذا شيء، عدم قدرتك على الاجتماع على صلاة التراويح شيء، والكلام عن الصيام ذاته شيء آخر.
دعوة للصيام والختام
يبقى الصيام شعيرة وركناً من أركان الإسلام، لن تؤثر سلباً في هذا الوباء بإذن الله تعالى. وأحث كل أخ وكل أخت قادراً وقادرة على الصيام أن يصوموا ابتغاء وجه الله الكريم.
أنا إخواني لن أقول لكم كل ما في مقال الدكتور معز الإسلام فارس، المقال نفيس يعني يستحق القراءة. اقرأ واستمتع أن هناك في أمتنا من يصوغ هذه الأبحاث ومن يجريها بهذه الطريقة الجميلة. نسأل الله أن ينفع به وبالمسلمين أجمعين، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يحل علينا رمضان ونحن في حال خير من هذا الحال، وأن يرفع عنا الوباء والبلاء، وأن نجتمع في بيوت الله مجدداً نتلو كتاب الله ونصلي ونحتفل برمضان وبالعيد.
والله تعالى أعلى وأعلم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.