لا تدعه يعكر علاقتك بالله!
السلام عليكم ورحمة الله أيها الكرام. كنت أمس في زيارة لأحد الإخوة ابتلي مؤخراً ببلايا كثيرة، منها فقده لولديه حديثي الولادة وليس عنده غيرهما. الأخ ما شاء الله عليه كان يقول: "صابرين وراضين والحمد لله رب العالمين". فقلت له: "أنت تحزن نعم، ولكن يحق لك أن تجد لذة مع هذا الحزن، لذة لأن الله عز وجل يصبرك، وهذا يعني أن الله أراد بك خيراً". فقال: "بصراحة، أما هذه اللذة فلا أجدها".
أسباب الشك في رحمة الله
قلت: "طيب لماذا يا فلان؟" قال: "لأني أشك أن مثل هذا البلاء سيدخلني الجنة". قلت: "لماذا؟" قال: "أنا أحياناً أشك في أن الله عز وجل سيرحمني". قلت له: "لحظة، هذا يأس من رحمة الله سبحانه وتعالى". قال: "لا أعوذ بالله، أنا يأس من نفسي، ليس من ربي سبحانه وتعالى، يعني المشكلة في طرفي أنا".
قلت له: "طيب أنت تحب الله ورسوله؟" قال: "طبعاً". "تعظم الله ورسوله؟" قال: "طبعاً". "هل تقول كلاماً فيه كفر؟" قال: "أعوذ بالله". "هل تعين أعداء الأمة عليها؟" قال: "أعوذ بالله، بل أنا أصلي الفجر حاضراً، وأنا في الدورات التي أعطيها أذكر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم". يعني الأخ عنده عزة إسلامية.
قال: "ولكني بصراحة أعمل هذه الأعمال دون لذة. صحيح أن خوفي من معاصي لم يؤثر على أعمالي هذه وعلى طاعاتي، ولكن أعملها دون لذة". قلت: "طب معلش، معاصي مثل ماذا؟" قال: "أنا أدخن مثلاً، ومش قادر أترك هذه العادة". قلت: "طيب أنت معترف بخطئك في هذا؟" قال: "نعم معترف".
الاعتراف بالذنب ومغفرة الله
إذن أين تذهب من قول الله عز وجل: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 102].
شوفوا يا إخوانا نقطة مهمة جداً: الإنسان قد ينعم الله عليه بنعم دنيوية، وهذا يكون استدراج، وإذا لم يؤدِ شكرها فتكون وبالاً عليه في الآخرة. هذه نعمة عظيمة لازم نفرح بها، نجد لذة لها. هذا ليس له معنى إلا أن الله أراد بك خيراً. لما الله يبتليك ويصبرك، ماذا تعني إلا أن الله أراد بك خيراً؟ لما الله يحبب إليك ذاته سبحانه وتعالى، ويحبب إليك رسوله صلى الله عليه وسلم، يحبب إليك دينه وقرآنه، هذه ما لها تفسير إلا أن الله أراد بك خيراً.
الشيطان ومقام الشكر
فلما أنت تقول: "والله معاصي بتخليني أحس أنه لا أنا ما بستحق الرحمة"، خذوا بالكم هذا ليس حساباً للنفس، محاسبة النفس محمودة. هذا صوت الشيطان. لماذا؟ الشيطان يريد أن يحرمك من مقام الشكر.
مقام الشكر، ابن القيم رحمه الله عليه في كتابه العظيم "مدارج السالكين" ذكر أعظم مرتبة، إيش هي أعظم مرتبة؟ مرتبة الشاكرين، مرتبة الشكر. فأنت عندما ينعم الله عليك بنعم دينية مثل الصبر والرضا ومحبة الله ورسوله وتعظيم الله ورسوله، ينبغي لك أن تشكر. لكن لما تظل تشك بنفسك تحت مسمى أني أنا بكره معاصي وأنا مقصر في جنب الله، فتبالغ إلى حد أنك تشك في محبة الله لك وتشك في أن الله أراد بك خيراً، أنت بذلك تحرم من مقام الشكر. الشيطان يخليك ما تشكر هذه النعمة.
بل هل تعلمون ماذا يحصل؟ تظن حينئذ أن الله يستدرجك بكثرة هذه النعم، أن هناك استدراجاً، وبالتالي كل ما جاءتك هدية من هدايا الله سبحانه وتعالى تحسها مسمومة. لماذا؟ لأنها استدراج مش إنعام. لا، الله أبر وأرحم وأعظم وأكرم من أن تكون هداياه مسمومة. لما ينعم عليك نعم دينية فهذا يعني أنه أراد بك خيراً. فإياك أن يحرمك الشيطان من مقام الشكر على نعم الله عز وجل.
شوفوا أخونا هذا، لأن المسألة مش واضحة عنده، حرم من مقام الشكر ولم يجد لذة في العبادات. إخواني، نعم الله عز وجل شديد العقاب، ولكن لاحظوا التوازن في القرآن العظيم: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 98]. ترى كثير من الناس عنده متناقضات، ممكن في بعض الأفعال بتلاقي يأمن من مكر الله ويغلب جانب الرجاء، وهو في الوقت ذاته شاك أنه ليس مرحوماً.
اليأس من رحمة الله والأمن من مكره
هذا الأخ قلت له حديثاً أو أثراً عن ابن مسعود رضي الله عنه استغربه. قال ابن مسعود رضي الله عنه: "الكبائر: الإشراك بالله، والإياس من روح الله، والأمن والشك في رحمة الله، أو القنوط في رحمة الله، والقنوط في رحمة الله، والأمن من مكر الله". قال: "القنوط من رحمة الله كبيرة". نعم كبيرة، لأنك تحجم أو تقلل من شأن صفة من صفات الله سبحانه وتعالى. أنت بتقول: "من طرفي أنا، ألوم نفسي". لا يا أخي، هذه طريقة مدخل للشيطان يقول لك: "طبعاً طبعاً الله رحيم بس أنت ما بتستحق رحمته، الله غفور لكن أشكالك لن يوفقوا لتوبة نصوحة ليغفر الله لهم". هذه مصيدة شيطانية خبيثة دير بالك منها.
وبالتالي، شوف التوازن: من الكبائر، من أكبر الكبائر القنوط من رحمة الله، وفي الوقت الذاتي الأمن من مكر الله. كيف يعني الأمن من مكر الله؟ أن تعمل المعاصي وأنت تأمن من أثرها في الدنيا والآخرة، أن الله مش رح يتمصع لقلبك بهذه المعاصي، وتكون يعني فيه نوع من عدم المؤاخذة، بعض الناس من نوع من الوقاحة يقال له: "هذه معصية"، يقول: "يعني هي وقفت على هذه المسألة؟ أنا أنا بعمل أعمال من الخير". يستهين بمعصيته.
لكن ما دام أنك تكره المعصية وتنفر منها فأنت على خير. وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن". أو وفقك للصبر والرضا على قضائه سبحانه وتعالى.
إذن يا كرام، لا نريد للشيطان أن يحرمنا من مقام الشكر. طيب المعاصي اللي بعملها، هذه المعاصي أنا أدافعها وأحاربها وأنا في كنف الله، وأنا في كنف الله يعني في ظهري الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، مش أنه تكون في جفوة بيني وبين رب العزة سبحانه وتعالى، بل أحس أن الله يريد بي خيراً وأن الله يحبني كلما وفقني للطاعات. وهذه المعصية مش أنا، مش أني أنا إياد العاصي وأنا فلان العاصي لأني أعمل هذه المعصية. لا، إذا أنا بالفعل معظم لله بالجملة ومحب لله بالجملة وقائم بفرائضه، ولكن عندي معصية معينة، هذه ليست جزءاً من شخصيتي، أستعين بالله على تركها، مش أنها تشوش على علاقتي بالله.
لا تسمح لشيء يشوش على علاقتكم بالله سبحانه وتعالى أو يحرمكم من لذة الاستمتاع بالنعم الدينية ووصول مقام الشكر لأجلها. فهذا المعنى الذي أحببت أن أؤكد عليه يا كرام.
الخلاصة والتوصيات
وفي التلخيص وفي الختام نقول: إذا رأيت أن الله ينعم عليك في دينك: محبة، تعظيماً، صبراً، رضا، فاشكر الله وعلم أنه أراد بك خيراً. وأما المعاصي فتستعين بالله عليها، تنظر لنفسك نظرة إيجابية: "الله أراد بي خيراً، الله وفقني لكل هذا الخير، فعيب عليّ، عيب عليّ أني أبقى مقيماً على هذه المعصية".
طيب وبقيت مقيماً عليها؟ {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}. أنت لا تستهين بها وتحاول وتجاهدها ما استطعت وأنت في كنف الله، مش وأنت بعيد عن الله سبحانه وتعالى أو علاقتك معه سبحانه وتعالى معكرة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في ديننا ويعلمنا وينفعنا. والسلام عليكم.