→ عودة إلى مرئيات

لا للمساس بالأمن والأمان

٢١ نوفمبر ٢٠٢٣
النص الكامل للمقطع

مقدمة: الأمن والأمان خط أحمر

السلام عليكم. الأمن والأمان في بلاد المسلمين خط أحمر، ويجب ألا نسمح لأحد أن يعبث به تحت أية ذريعة. تعالوا نرى كيف نحمي بلادنا ونحصّل الأمن من كلام ربنا أصدق القائلين وأحكم الحاكمين.

قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}. وظلم هنا الشرك، كما عرفه نبينا صلى الله عليه وسلم. ومن أوضح أشكاله شرك الطاعة: أن تطيع أحداً بمعصية الله، وكأن نفعك وضرك ورزقك وأجلك بيده. وإنما الطاعة المطلقة لله تعالى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

الأمن الحقيقي: طاعة الله ونصرة المؤمنين

فإذا أردنا الأمن، فعلينا أن نطيع الله تعالى طاعة مطلقة. بماذا يأمرنا الله؟ قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}. يعني يأمرنا بموالاة المؤمنين، والموالاة نصرة ومحبة وتأييد. فإذا اعتُدي على مؤمن، وجب على المؤمنين إغاثته ونجدته ونصرته.

طيب، إذا ما عملنا هذا الشيء؟ قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}. هذا عن أناس قصروا ولم يهاجروا يوم كانت الهجرة واجبة، ومع ذلك يجب نصرتهم في الدين.

عواقب التخاذل: الفتنة والفساد الكبير

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}. وفساد كبير يعني أنتم ترون الكفار يوالون بعضهم البعض، فعليكم أيها المؤمنون أن توالوا بعضكم البعض. وإذا لم تفعلوا، فالنتيجة الحتمية فتنة وفساد كبير.

ومن ذلك ضياع بلادكم وأمنها وأمانها، تُستباح الحرمات وتُقتل النفوس وتُنتهك الأعراض. وهذا كله جزاء تخلفكم عن واجب نصرة إخوانكم.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. إلى أن قال تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

الذي يهدد في هذه الآيات مش أمريكا ولا الاتحاد الأوروبي، مش مخلوقات تأكل وتتغطى هذا الدود. الذي يهددنا هو رب العزة سبحانه، القائل مستفزاً إيانا لنصرة المستضعفين: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ}.

أي مجتمع يريد الأمن لا بد له من نصرة إخوانه، وإلا سنقول: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض. قوى الكفر أسقطت كل الأقنعة، استباحت كل المحرمات، رمت جانباً كل المواثيق، وأعلنت عداءها سافراً بلا مواربة.

إذا اختبرت تحملنا في فلسطين، فقصفت مساجدنا ودمرت مستشفياتنا وأحرقت أطفالنا ومزقت كبارنا أشلاء، ورأتنا بعد ذلك لا ننصرهم، فما الذي يمكن أن يمنعها من استباحة بلاد المسلمين قطعة قطعة؟

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً، وإذا افترقن تكسرت آحاداً.

لا للمساس بالحدود المصطنعة

قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم". تتكافأ دماؤهم، ما في حد دمه أغلى من حد، فالحدود تراب لا قيمة لها. {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.

المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يد واحدة. نبينا صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: "الدم الدم والهدم الهدم". يعني إن طُلب دمكم فقد طُلب دمي، وإن هُدر دمكم فقد هُدر دمي، لاستحكام الألفة والأخوة بيننا. ثم قال: "أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم".

هذه هي العلاقة بين المؤمنين: دماؤنا دماؤهم، هدمنا هدمهم، هم منا ونحن منهم. والشخابيط اللي وضعها المحتل بينا على الخريطة لا قيمة لها، وإعطاء قيمة لها هو تكذيب لله ورسوله. ويجب أن تُمسح الحدود من عقولنا وتُجتث من قلوبنا. هذا هو الأمن العزيز الذي تحلم به النفوس الشريفة، أمن لنا كمسلمين كتلة واحدة، حتى لو عانينا في سبيله بنكون مبسوطين ومطمئنين؛ لأننا بنحس بالونس والعزوة والمؤازرة.

تصور لو أن عدواً احتل جزءاً من بلدك، الجزء الشمالي أو الجنوبي أو الشرقي أو الغربي من بلدك، ومن حقنا الدفاع عن أنفسنا. وبالتالي احتلوا هذا الجزء وبدأوا ينكلون بأهله على الطريقة المعتادة منهم، وقالوا: أنتم يا باقي أهل هذا البلد ما لكم دخل، ما في مشكلة بينا وبينكم. سيكون هناك حاجز منصوب في المنطقة الفلانية، من تحت أنتم في أمان، وهذه هي الحدود الجديدة لبلدكم، ومن هذه الحدود وفوق بدنا نشوف شغلنا.

تصور إذا صرت تنظر لإخوانك الذين كانوا قبلها أهل بلدك، ثم الآن تنظر إلى قتلهم وتهديم مساجدهم وقصف مستشفياتهم وأنت تتفرج من الشاشات وتتحسر. مثل ما حصل تطبيع مع الحدود بين بلاد المسلمين، سوف تتقبل هذا التطبيع مع الحدود داخل البلد الواحد. إذا بتعطي لحدود يضعها المحتل قيمة، وتعصي الله الذي لم يجعل لها أي قيمة، فكل شيء ممكن يصير.

تصور لو قال قائل حينها: لن نضحي بأمان بلدنا من أجل هذا الجزء الذي لم يعد منا. هل سيعتبر ذلك حكمة وروية وتعقلاً؟ لازم يا إخوان يكون واضح لنا كمسلمين في كل الأقطار أننا حينما نناصر إخواننا في فلسطين، فليس لأنهم شعب آخر صديق، بل لأنهم منا وفينا، مثل ما ابن بلدي مني وفي بالضبط.

أنت في البيت الواحد ساكن مع إخوانك، هل يا ترى بتفرق بين أخيك الذي في الغرفة اللي بجنبك وأخيك الذي في الغرفة اللي بعده؟ إذا جاء عدو واعتدى على الأخ الأبعد وسكت، إيش راح يحركك إذا اعتدى على أخيك في الغرفة المجاورة تماماً؟ استحضر هذا المثال وأنت تقرأ قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}. إنما أداة حصر، يعني ما هم إلا إخوة.

سوء الظن بالله وعواقبه

إذا ظن مسلم أن بلده لن يتعرض لعدوان بفضل المسايسة وطاعة غير الله تعالى، فهذا سوء ظن بالله. الله يمهلك لطيعه، فبئس الظن أنك في أمان لأنك تعصيه ولا تنصر إخوانك. هذا سوء ظن بالله، وهو أكبر جرماً من المعصية نفسها.

وتذكروا حينئذ قول الله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ}. آية عظيمة مخيفة. تصور أناس متحصنين في حصن، آمنين من هجوم عدوهم عليهم ما داموا في هذا الحصن. فالله سبحانه وتعالى حرك قواعد هذا البنيان، البنيان اللي ظنوا أنه حاميهم، تخلخلت الأعمدة، تخلخلت الجدران، فخر عليهم السقف من فوقهم، انهار انهياراً سريعاً، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.

فالذي يظن أن الأمن والأمان يحصل بمعصية الله، فهذا سوء ظن بالله. الأمن هو بطاعة الله ونصرة المسلمين بعضهم بعضاً. ومن لم يفعل وهو قادر، فلينتظر أن تحل عليه دعوات المظلومين المضطهدين: "اللهم انصر من نصرنا، اللهم انصر من نصرنا واخذل من خذلنا". فلما يجي دوره راح يُخذل ولا يجد من ينصره.

دعوة للوحدة ونبذ الفرقة

عنوان المرحلة يا إخواننا لازم يكون قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة". من أول ما تتعرف به إلى الله في هذا الزمان هو أن تنصر إخوانك. وأي دعوة تفرق بين المسلمين فهي دعوة خبيثة لا مكان لها بينهم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي أو فاجر شقي". يعني هذه هي القسمة: مؤمن وفاجر. ما في مؤمن من الجنسية الفلانية درجة أولى أو العلانية درجة ثانية ليفرق بينهم في الولاء والنصرة.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: "أنتم بنو آدم، وآدم من تراب. ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن". يعني الذي يتخذ معياراً للمفاضلة على حساب الإيمان، فهو أحقر من الخنافس التي تدفع الفضلات بأنفها.

لذلك بلاد المسلمين واحدة، أمنها خط أحمر، أمانها خط أحمر، ولا أمن ولا أمان إلا بطاعة الله وهبتها لموالاة بعضها البعض ونصرة بعضها البعض. والسلام عليكم ورحمة الله.