→ عودة إلى مرئيات

(لن تجتمع الأمة على رجل فلا بد من إعلان خليفة)-مناقشة لهذا الطرح

١٨ يوليو ٢٠١٤
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مناقشة طرح: "لن تجتمع الأمة على رجل فلا بد من إعلان خليفة"

في هذه الكلمة نجيب عن تساؤل لبعض الإخوة إذ يقولون: لا بد من إقامة الخلافة، وبما أن المسلمين لن يتفقوا على رجل واحد، وبما أنهم مستضعفون مسلوبو السلطان أصلاً، أفلا يحق لجماعة من الجماعات أن تنصب خليفة وتمد سلطانها ولو بالتغلب جمعاً لكلمة المسلمين؟

فنقول بداية: أما قولهم لا بد من إقامة الخلافة، فإن إقامتها لا تكون بالإعلان عنها دون وجود مقوماتها. ومن مقوماتها أن يكون المسلمون أصحاب سلطان على أراضيهم وكلمتهم مجتمعة. وبما أن أياً من هذا غير موجود، فواجب الوقت هو استرداد سلطان المسلمين وجمع كلمتهم بالدعوة والجهاد، وليس المشاركة في اغتصاب حق المسلمين في السلطان على أرضهم، ولا الدعاء بالخلافة لشخص، فيؤدي ذلك إلى تنازع لا يزيدنا عن استرداد السلطان وجمع الكلمة إلا بُعداً.

وجوب إقامة الخلافة لا يعني إطلاق التسمية

وجوب إقامة الخلافة لا يعني إطلاق تسمية الخلافة على أي جهة أو كيان، فيصبح هذا الكيان بمجرد هذه التسمية خلافة. فإنها حينئذ كصلاة من قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع فصل فإنك لم تصل"؛ لأنه لم يتم أركانها.

وإذا لم يمكن العاملين لنصرة الدين أن يقيموا الخلافة في زمن من الأزمان، فهذا شيء لا يضرهم ولا يأثمون عليه، وليسوا مكلفين بتعجل إعلان شيء لا توجد مقوماته. فهم مأمورون بإقامة الدين على كل حال، وإقامتهم للدين وتحريهم للحق في عملهم مؤداه حتماً تحقق واقع مناسب للخلافة.

فإن معهم وعداً أن العاقبة لهم، وأن التمكين سيحصل لهم إذا استقاموا على أمر الله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}. هذا وعد من الله عز وجل.

وهناك وعد نبوي بأنه ستكون خلافة على منهاج نبوة. هذه بشرى ووعد، وليست تكليفاً بتعجل شيء غير موجود ولا نملك إيجاده في لحظتنا هذه. فالواجب أن ينشغل العاملون لنصرة الدين بما كلفهم الله به، لا ما تكفل هو لهم به. وعليهم أن ينقحوا أفعالهم من كل ما يخالف الحق والعدل، وأن يستقيموا على أمر الله بكل ما يملكون، ومن ذلك الأخذ بسنن التمكين الشرعية والسعي لإقامة الخلافة على وجهها الشرعي.

الرد على "الأمة لن تجتمع على رجل"

سيقال: إن الأمة لن تجتمع على خليفة بطريقتكم هذه، فكيف تجتمع على رجل وهي لا تكاد تجتمع على شيء؟

فالجواب أن هذا تألٍّ على الله. فهناك وعد من النبي صلى الله عليه وسلم بعودة الخلافة على منهاج نبوة، ومنهاج النبوة إنما هو بأخذ البيعة عن رضا من المسلمين لرجل تشاور فيه المسلمون وأهل حلهم وعقدهم، ولا يشمل ذلك طبعاً المحاربين لإقامة الشريعة الكارهين لها.

قد يسبق تحقيق الوعد المبشر به قيام كيانات وإمارات إسلامية متباعدة وجماعات مجاهدة، والصالحة منها ستسهم في تحقيق هذه البشرى ولو بعد حين، لكن ليس لأي منها الحق في ادعاء الخلافة وإبطال الإمارات أو حل ألوية الجماعات.

الخلط بين التغلب وبيعة أهل الحل والعقد

سيقال: ومن قال لكم أن خلافتنا لم تقم على بيعة أهل الحل والعقد؟ وتارة يقال: بل كان لا بد من التغلب في ظل فرقة المسلمين.

العجيب أن بعض الجماعات يخلط بين التغلب وبيعة أهل الحل والعقد، ثم تتخبط في تعريف أهل الحل والعقد، وتخرج ثوباً مرقعاً من هذه المصطلحات لتخلع به لقب الخلافة على من عينته خليفة. فحتى تكون الصورة صورة بيعة أهل الحل والعقد، ترى هذه الجماعة تعين من أفرادها من تدعيهم أهل حل وعقد ممثلين عن الأمة.

وحتى تبرر عدم استشارة أحد من الأمة، ولا حتى مجاهديها وعلمائها، تراها توزع هذه الأمة ما بين خاذل وخائن ومحارب وديمقراطي وسروري وإخواني ومرجئي وغيرهم. فأصبحت هذه الجماعة في المحصلة هي الأمة، ومن دونها ليسوا أهلاً أن يستشاروا أو يكون منهم أهل حل وعقد، بل لا ينفع معهم إلا التغلب والقهر بالقوة.

ولا ندري هل الأمة عند هؤلاء أمة إسلام فتستشار أم أمة كفر فتقهر؟ فمنهج النبوة لا يقوم على قهر المسلمين. وإن لم يكن في الأمة الإسلامية بعلمائها وجماعاتها الإسلامية والمجاهدة من أفغانستان شرقاً إلى مالي غرباً من يستشار، فكبر على الأمة أربعاً ولا داعي لإقامة الخلافة، بل انتظر قيام الساعة!

إن لم يكن الملا عمر الذي بايعه الشيخ أسامة، والطالبان التي ضحت بإمارة إسلامية حقيقية رفضاً لتسليم بعض المجاهدين، أهلاً أن يستشاروا. وإن لم يكن من أنضى عمره في الجهاد وقتل في ذلك أبناؤه جميعاً أهلاً أن يستشار. التي أقامت الشريعة وحاربها العالم على ذلك. وإن لم تكن فروع القاعدة والجماعات المجاهدة لإقامة الشريعة في اليمن وسيناء وليبيا والمغرب العربي والصومال. وإن لم يكن العلماء الذين أمضوا أعمارهم في السجون نصرة للجهاد والمجاهدين ودفاعاً عن شريعة رب العالمين. إن لم يكن هؤلاء جميعاً أهلاً أن يستشاروا، واختزلتم الأمة في مجلس من بضعة أشخاص لا يعرف حال واحد منهم ولا عدالته ولا علمه ولا من وثقه من أهل العلم والجهاد، فعن أي خلافة على منهاج نبوة تتحدثون؟ وبأي عقل ودين يقال: كيف نستشير من تبرأ منا وعادانا؟

هل تبرؤه ومعاداته لكم بحد ذاتها مسقطة له من الاعتبار كأنه تبرأ من دين الله، أم موجبة عليكم أن تنظروا في أنفسكم لمخالفكم هذا؟ ونحن لم نذكر باقي الأمة ممن ليس لديه ما يقدح في كونه مسلماً عاملاً لنصرة الدين أو عالماً يستشار، ولم نعرض عنهم تهميشاً لهم، لكن ذكرنا من يتفق معكم اتفاقاً مجملاً في أصل المنهج. فإن كانت الخلافة المدعاة لا تتسع لهؤلاء أن يدخلوها إلا راغمين تابعين دون مشاركة أو مشورة، فما حال سائر أهل القبلة؟

الإمارة الإسلامية والتغلب

هذا من حيث الخلافة على منهاج النبوة. أما إن كان الحديث عن إمارة إسلامية في رقعة من بلاد المسلمين، فلا بد لمدعي الإمارة أن يحدد هل حقق إمارته بالغلبة أم ببيعة أهل الحل والعقد في هذا البلد؟ فإن الأمرين لا يجتمعان. فإن أهل الحل والعقد لو بايعوا إماماً فعلاً لما احتاج للقهر والغلبة، لأن أهل الحل والعقد يحلون الأمور ويعقدونها ويسير الناس بسيرهم، فمبايعتهم رجلاً على الإمامة تغنيه عن التغلب على الناس بالقوة. والخلط بين بيعة أهل الحل والعقد والتغلب هو اضطراب وتخبط.

ثم عند الحديث عن إعلان إمارة إسلامية، فلا بد أن تطرح تساؤلات: هل سلطان المسلمين مستقر على هذه الأرض بالفعل؟ وهل المقدار المحرر فيه مقومات إمارة بالفعل؟ وهل تشغل إقامة الإمارة وإدارتها عن الاستمرار في دفع الصائل وتحرير المسلمين في سائر البلد؟ وهل إقامة الإمارة تسهم في تجزئة البلد من بلاد المسلمين بما يزيد تمكن الكفرة من سائر البلد؟ وهذه الأسئلة مطروحة على أي مشروع إمارة إسلامية وليس على مدعي الخلافة فحسب.

إنما نود هنا بيان أنه من التضليل استخدام لفظ التغلب كأنه لفظ شرعي لتبرير صورة في غاية الفساد. فالفقهاء الذين تكلموا عن الإمام المتغلب كانوا يناقشون حالة صراع على السلطة في دار الإسلام حيث المسلمون في عزة ومنعة. ومن صحح منهم إمامة المتغلب صححها بشروط منها أن يرضاه المسلمون ويحكمهم هو بشرع الله تعالى، فصححوا إمامته بعد رضى المسلمين به لا قبلها. ولم يكن قولهم هذا تجويزاً للتغلب ابتداء بأي وجه، بل هو حرام حتى عندما نصحح إمامة المتغلب بشروط كحل لوضع قائم.

أما أن يكون المسلمون في حالة حرب مع عدو كافر، وقد حرروا بعض الأراضي من هذا الكافر، فيأتي من يتغلب على المسلمين ويغالبهم على ما حرروا من أراضٍ ويشغلهم وينشغل هو عن حرب العدو الكافر، فهذا إفساد في الأرض وليس ولا حتى التغلب المذموم شرعاً والذي لا بد من شروط لتقبل إمامة صاحبه، بل هو إفساد. وليس لمن يفعلون ذلك أن يستدلوا باتساع رقعة سيطرتهم بعد ذلك على أنهم حصراً أهل الحل والعقد، وليس لهم أن يتكلموا عن إمارة إسلامية صحيحة في أرض فعلوا فيها مثل ذلك، فضلاً عن إعلان خلافة تحل الإمارات والجماعات وتلزم المسلمين في أقاصي الأرض بالولاء لها.

هذا ناهيك عن مصداقية الحكم بشرع الله ممن دعي مراراً إلى التحاكم، وناهيك عن عدالة أو جهالة الجهاز القضائي الموكل إليه الحكم بما أنزل الله في هذه الخلافة المدعاة.

خاتمة

ختاماً، نعجب من سطحية تفكير البعض عندما يظنون أن الدعاء بالخلافة يجمع كلمة المسلمين، وأن على كل الحريصين على جمع الكلمة تأييدها ومبايعتها. إن كانت الخلافة المدعاة لم تنل تأييد العلماء، علماء الجهاد وقادته، وإن كانت لم تنل تأييد من سبقها من جماعات الجهاد في العالم، وإنما يؤيدها صغار السن وقليلو العلم ممن تغرهم الشعارات وتسلب عقولهم المسميات والخطابات الرنانة، فهل نتيجة ذلك الاجتماع أم مزيد تمزيق للمسلمين وجماعاتهم المجاهدة؟

وما الذي يجعلك ترى نفسك الجماعة وليس معك من علماء الأمة وجماعات جهادها أحد؟ فمن أراد من سائر المسلمين جمع الكلمة فعليه أن يلحق بك، ومن لم يفعل فهو حسود مفرق للجماعة. نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله.