ما لنا إلا الله .. إنها لحظة
مفهوم "ما لنا إلا الله" بين الإفلاس والغنى
"ما لنا إلا الله" عبارة أصبحت في حس كثير منّا مرادفة لعبارة "ما باليد حيلة". عبارة من لم يجد غنيته عند البشر فاضطر أن يختار الله. أصبحت عبارة إشهار إفلاس، ذلك مع أن الأصل أن من لم يكن له إلا الله فما فقد شيئًا ولا احتاج إلى شيء، أليس الله بكافٍ عبده؟ وأن من كان معه كل شيء إلا الله فما معه إلا الباطل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
تبعات اللجوء الصادق إلى الله
إنما يحصل معنا عند نزول البلاء هو أننا نلجأ إلى الله بداية، لكننا ما نلبث أن ندرك أن هذا اللجوء، حتى يكون صادقًا مثمرًا، له تبعات. فمن تبعاته أن نبحث عن كل تفريط فرّطناه في جنب الله فنصلحه، وعن كل ثغر في حياتنا فنسده، وعن كل ذنب فنتوب منه.
ومن تبعات هذا اللجوء أن نقبل على قلوبنا ونفتش عن أمراضها لنعالجها. وسنجد حينئذ أننا كنا قد أهملنا قلوبنا لسنوات فعادت خرابًا بلقعًا خاوية غافلة، قد ضعفت فيها معاني محبة الله وصدق التوكل عليه والخشوع بين يديه والذل له والتعلق به والشوق إلى لقائه. فنجد أنه لا بد من إزالة أشواكها وتقليب أرضها وبذر آيات الله فيها وسقايتها بماء القيام والصيام والدعاء.
نعم، سنكتشف أن اللجوء إلى الله والفرار إليه والاعتصام بحبله، هذا كله له تبعاته وله ثمنه. لكننا نريد التخلص من البلاء بسرعة، وعملية ترك الذنوب وسد الثغور وقلع الأشواك وبذر البذور وسقيها وانتظار إنباتها عملية تحتاج إلى وقت، والوقت يمر وليس في صالحنا. فما الحل؟
الانحراف عن اللجوء الصادق: التعلق بالأسباب
الحل الذي نختاره عادة هو السعي في أسباب أرضية تبدو أسرع نتيجة وأخف حملًا من عملية اللجوء الصادق إلى الله. فننوي أن نسير في هذه الأسباب جنبًا إلى جنب مع عملية اللجوء إلى الله وتبعاتها، وأيتهما سبقت في رفع البلاء فبها ونعمت، وأما تبعات اللجوء إلى الله ففي العمر فسحة لاستكمالها.
وهنا يبدأ الانحراف، عندما نكسل عن تحمل تبعات اللجوء إلى الله فنبحث عن بديل. نخدع أنفسنا بأن هذا البديل سبب وأن الله أمرنا بالأخذ بالأسباب. نعم، الأخذ بالأسباب محمود عندما يصدق منّا اللجوء إلى الله ونصبر ونصابر لإصلاح أنفسنا، فلا يكون في القلب تعلق إلا به تعالى.
لكن عندما يكون سعينا في الأسباب نتيجة لاستطالتنا طريق اللجوء إلى الله ولكسلنا عن تحمل تبعاتها، فإن هذه الأسباب تصبح في حسنا بديلًا عن الله. فتزاحم هذه الأسباب اللجوء إلى الله في قلوبنا، وتحتل من مساحاته، وتصرف عنه وقتنا وجهدنا وعاطفتنا وتفكيرنا. فنصبح نفكر في هذه الأسباب المادية أثناء صلاتنا وقيامنا وتلاوتنا ودعائنا، فالظواهر مع الله والبواطن مع الأسباب وطرق تحصيلها واستكمالها وخوف فواتها وموانع تأثيرها وبدائلها في حال فشلها وآخر أخبارها.
وكلما اكتشفنا أن هذه الأسباب خربت عملية اللجوء إلى الله، خدّرنا أنفسنا بالمعاذير. فنقول لأنفسنا إن هذه الأسباب موقوتة بمواقيت تفوت بفواتها، أما باب التوبة فمفتوح لا يسد. إن كان يقلقني أني لا أبكي من خشية الله ولا أخشع في صلاتي، فهذا ليس بالجديد، عشت على ذلك سنوات طويلة ولا شيء يأتي دفعة واحدة. لدي تحسن وإن كان بطيئًا، والله رحيم يرى ما بي وهول الأمر الذي يشغلني فسيعذرني. ثم إنني لن أستطيع الإقبال على قلبي لأصلحه وأنا مشغول البال بالأسباب وتقصيري فيها، فلأركز الآن على الأسباب ليريح بالي منها حتى أتفرغ لإصلاح قلبي.
وكأننا بهذا نتخذ الأسباب ضمانات مع الله، بحيث إذا قصرنا في حق الله ولم نضمن من ثم الفرج من جهته، أسعفتنا الأسباب.
علامات التعلق الزائف بالأسباب
أتريد أن تعرف إن كان هذا الداء قد دب إلى قلبك؟ عندما تضع رأسك للنوم في هذه اللحظة التي تختزل تقلبات كيانك خلال يوم كامل، إن اضطرب قلبك وخاف وأنت تقولها متأملًا معناها، فاعلم أن القلب يضطرب ويخاف عند الكذب. لأنك لا تريد حقيقة أن تسلم نفسك بكليتها إلى الله، بل تريد ضمانات الأسباب مع الله. لن تشعر بالطمأنينة إذا أسلمت نفسك إلى الله وهي مشوبة، لم تنوِ بعد أن تقبل على الله بصدق وتؤدي حقه.
هذه هي الخطورة وهنا مكمن الزلل، عندما يكون التعلق بالأسباب الأرضية معوضًا عن استكمال اللجوء إلى الله الذي استثقلنا تبعاته. فنظن أن هذه الأسباب أسرع مفعولًا أو أضمن نتيجة أو أدفع لعتاب أنفسنا من اللجوء الصادق إلى الله تعالى. ستبقى تخرج من القلب أسباب لتحل أسباب، وستبقى تنتقل من سراب إلى سراب، تطلب الماء فلا ماء، وتنقلب جبال الأسباب إلى هباء. ولن تدعو الله بصدق خلال هذه المعمعة.
فاللجوء إلى الله مقام عزيز يأبى أن يزاحم أو يزاحم، فيبقى خارج القلب ينظر إلى هذه الأسباب التي خلت عن الله فاستحالت باطلًا. ويأبى اللجوء إلى الله أن يجتمع بالباطل في قلب واحد.
لحظة اليأس الحقيقي من كل شيء إلا الله
إنها اللحظة التي تلقن فيها الدرس وتستوعبه، وتدرك أنك في سعيك السابق كله لم تكن على شيء. وتيأس من الأسباب الأرضية كلها، وتيأس من نفسك ومن قدراتها وذكائها وتخطيطها، وتذوق مرارة ضعف قوتك وقلة حيلتك وهوانك على الناس. وتيأس من أهلك وعشيرتك وأصدقائك ومحبيك، وتعلم أنهم وإن أرادوا لك الخير لا يملكون بذواتهم لك نفعًا ولا ضرًا. وتيأس من كل الحبال الأرضية الممدودة إليك، وتوقن أن لا عاصم من أمر الله إلا من رحم. بل وتيأس من أعمالك الصالحة كلها، وتستحي أن تتوسل إلى الله بها لأنك تشك في قبولها وقد صدرت من قلبك الغافل.
إنها لحظة اليأس والقنوط والقحط والإمحال من كل شيء. لحظة خلو القلب من كل شيء. لحظة انهيار الأمل في كل شيء، كل شيء. هي اللحظة المناسبة لشعور اللجوء إلى الله أن ينقذف في القلب. لقد كان هذا الشعور بالانتظار يرى أسبابًا تحل وترتحل وتنسج في خراب القلب خيوط العنكبوت. فلما خلا القلب منها جميعًا انقذف فيه اللجوء إلى الله فملأه وعمر أرجاءه وأنبت خضراءه وجعله ينبض بقوة من جديد. فما يلبث الري أن يفيض على ساقية العينين لتنهمر دموعهما من جديد بعد طول جفاف، وتكتمل الحلقة بلسان يلهج بأدعية تتدفق عليه وتتهدج مع دقات القلب ودفقات الدمع.
إنها لحظة ستعرفها أنها هي عندما تعيشها كلحظة الثلاثة الذين خُلّفوا، حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ويئسوا من كل شيء وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، قذف الله في قلوبهم وألهمهم أن توبوا فإني أريد أن أتوب عليكم. إنها لحظة ستعرفها أنها هي، لحظة يقرع كيانك فيها قارع يقول: الآن يا قلب نبضك، يا عين دمعك، يا لسان دعائك، الآن الله يريد أن يستجيب دعاءك.
مكائد الشيطان في طريق اللجوء إلى الله
إن هي إلا لحظة. ستقول: ما دامت لحظة، أيعقل أن قلبي لم يتعرض طوال ما مضى من بلائي لنفحات تلك اللحظة؟ نعم، إنه الشيطان، عندما لمس منك تكاسلًا عن تحمل تبعات اللجوء إلى الله، هجم عليك ليجتالك عن طريق الله قائلًا: أين تذهب؟ أين تذهب؟ طريقك الذي تهم بسلوكه طويل، ها هنا خصب قريب فارتع. فأسلمته لجام قلبك فنقله بين مراتع الجد، ولو عصيته في أول الطريق لوصلت.
إنه الشيطان رآك تقرع باب الفرج الحقيقي، فلما لمس منك مللًا وفتورًا قال لك: ها هنا مخرج سهل فاتبعني. فقادك في دهليز الأسباب فأضعت فيه وقتك وجهدك. وكلما هممت بالرجوع إلى باب الفرج الحقيقي قال: رويدًا، أبصر آخر هذا النفق نورًا. ولا نور، إنما يصدك عن السبيل ويزعم أنه هديك. ولو عصيته أول الأمر ولزمت قرع الباب لفتح لك.
صحيح أن اللجوء إلى الله له تبعات، وصحيح أن قلع الأشواك من القلب وبذر البذور فيه يحتاج وقتًا وجهدًا. فلماذا إذن نبقى نعلق قلوبنا بالأسباب الأرضية وبالمخلوقين لينجونا من مضائقنا، وندفع تكاليف ذلك من وقت وجهد وتمزق نفس وتشتت فكر وغصة وهم وقهر وخيبة أمل في المخلوقين؟ لماذا لا نتعظ بغيرنا؟ لا بأس، إنه الطبع البشري، نصر على التجربة بأنفسنا حتى إذا عركتنا وذقنا مرارتها أصبحنا أكثر حزمًا وأقوى عزمًا في صد الشيطان إن حاول صرفنا عن باب الفرج الحقيقي وقلنا له: ورّ غيري.
لكن المصيبة إن لم يتعظ أحدنا من تجارب نفسه وأصر على خوض الدهليز، دهليز الأسباب الأرضية المنقطعة عن الله، دهليز التعلق بالمخلوقين في كل بلاء جديد. ولا ينبغي للمؤمن أن يُلدغ من جحر مرتين.
لحظة اليأس والرجاء
فاسأل الله تعالى أن يرزقك لحظة اليأس والرجاء هذه، اليأس من المخلوقين والرجاء في الخالق سبحانه. إنها لحظة، لكن ما أعزها من لحظة وأندرها. إنها لحظة إن عاشها القلب انتفض بجبال الهموم المتراكمة عليه فينسفها رب نسفًا. إنها لحظة لكنها تنقل القلب من وادي الضياع السحيق ليتعلق بالعرش. إنها لحظة تنقلك من حضيض الفشل إلى قمة الأمل، ومن وحشة اليأس إلى بهجة الأنس. إنها لحظة تنشلك من المخاوف التي تنهشك من كل جانب إلى كنف الله حيث الأمان. إنها لحظة ظننت قبلها أنك فقدت كل شيء لتكتشف بعدها أنك وجدت كل شيء. إنها لحظة وكأنها صيحة في مقبرة القلب أحيت مواته. إنها لحظة التعلق بالله، بالله لا غير، وهي هي والله لحظة الفرج. فرج على قلبك بإحيائه بعد موات، وفرج من كربك بالطريقة التي يشاءها الله ويرضيك عنها.
لحظات الأنبياء في اللجوء إلى الله
إنها لحظة كلحظات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. صحيح أن حياة الأنبياء كلها تعلق بالله، لكن هذا التعلق كان يتمحص ويصفو ويتجرد ويبلغ الذروة في لحظات فيأتي الفرج.
- كلحظة نوح إذ دعا ربه: "أني مغلوب فانتصر" فأنجاه الله ومن معه في الفلك.
- كلحظة إبراهيم إذ قال: "حسبي الله ونعم الوكيل" فجعل الله النار بردًا وسلامًا عليه.
- كلحظة يونس إذ قال: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فنجاه الله من الغم وأخرجه من بطن الحوت.
- كلحظة موسى إذ قال: "إن معي ربي سيهدين" فنجاه الله وقومه من بحر أمامه وعدو وراءه.
- كلحظة أيوب إذ نادى ربه: "أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" فكشف الله ما به من ضر وآتاه أهله ومثلهم معهم.
- كلحظة يوسف إذ خلا قلبه من التعلق بالملك وبالخروج المشوب من السجن فقال: "ارجع إلى ربك فاسأله" فأنجاه الله من السجن وآتاه ملكًا.
- كلحظة يعقوب إذ قال لبنيه: "ولا تيأسوا من روح الله" فرد الله عليه أبناءه وبصره.
- كلحظة محمد صلى الله عليه وسلم إذ قال: "لا تحزن إن الله معنا" فأنجاه الله من سيوف المشركين التي كانت فوق رأسه في صحراء لا قرابة فيها يدفعون عن رسول الله ولا أتباع.
إنها لحظة اليأس من المخلوقين فلا يبقى إلا الرجاء في الخالق فيأتي الفرج سريعًا: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين". إن فرج الله قريب قريب جدًا لأنه لا يحول بيننا وبينه إلا هذه اللحظة. إنما نحن الذين نبتعد عنه بالدخول في دهاليز الأسباب الخالية عن الله والتنقل بين مراتعها عندما نستثقل بضعف بصائرنا وقلة صبرنا تبعات اللجوء إلى الله.
لذا فالصبر المطلوب في البلاء ليس صبر التجلد أمام الهم فقط، بل الأهم منه الصبر في أداء تبعات اللجوء إلى الله سبحانه. إنها لحظة اليقين الخالص بصدق الله والثقة المطلقة بقدرته على تمجيتنا مهما أمحلت الأسباب، وبأن من لزم قرع الباب يوشك أن يفتح. لحظة اليقين بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. لحظة تنشلك من الدهليز لتضعك أمام باب الفرج من جديد.
تجربة شخصية: لحظة اليأس في السجن
لقد عشت شخصيًا هذه اللحظة عندما حُبست ظلمًا. كان يؤرقني أثناء حبسي خوفي على والديّ أن يصيب أحدهما شر في غيابي. والمشكلة أنني كنت قد قصرت معهما من قبل في تكريس الوقت والجهد الكافيين لإسعادهما. كثيرًا ما كان شغالي بالدعوة وأمور نافعة، لكن عدم الالتزام بالأولويات هو في حد ذاته خطأ ينبغي للإنسان أن يستغفر منه. فالله عز وجل فرض علينا بر الوالدين والتفنن في ذلك: "وبالوالدين إحسانًا"، فلا عذر لك في أن تنشغل عن بر والديك بأمور أخرى هي محبوبة إلى الله عز وجل. فالشيطان قد يقنع منك بأن يلهيك بالمفضول عن الفاضل.
لذلك في حبسي كانت تراودني المخاوف أن لا أدرك أحد والديّ أو كليهما. تعلق قلبي بالأسباب الأرضية، كان يبدو هناك حبال كثيرة ممدودة ستنجيني من بلائي، لكن هذه الحبال قطعت فجأة والأسباب انهارت فجأة. فوجدت نفسي في لحظة من اليأس من كل شيء، كل شيء أرضي، كل شيء مادي. وفي هذه اللحظة تعلق قلبي بالله عز وجل تعلقًا صحيحًا.
كتبت في أثناء السجن قصيدة تعبر عن هذه اللحظة:
يكدّر صفو نفسي طول أسري ويخنقني الأسى ويضيق صدري أحن إلى عيالي أن أراهم ألاعبهم أضمهم لحجري ولي أبوان قد بلغا مشيبًا من الأمراض قد بليا بضرّ فهذا والدي مضنى قعيد تضاءل جسمه بخريف عمري ولي أم تكابد ما أعاني تكاد تذوب من كمد وقهر وأم عيالي التاعت لفقدي كسير بالها والدمع يجري يسائلها صغاري عن غيابي فيغلي قلبها في مثل جمر وقد أصبحت عند عداي رهنًا قد اجتهدوا ليرموني بشرّ كأني مت قبل بلوغ حتفي فواروني وبرمقي بقبري وإني ما سلكت سبيل ربي وأحسبه خلا من كل مرّ ولم أحسبه محفوفًا بورد ومفروشًا بياقوت ودرّ ولست بجاهل سنن البلايا ولا متذمر إن جاء دوري ولست أخاف من فقدان جاه ولست أخاف أن أبلى بفقر ولكني أخاف من المنايا على أبويّ أن تهوي بعقر وقد قصرت عندهما بحق ولست معاذِرًا أبدًا بعذري فإن ماتا ومكتنف ببرّي فيال ندامتي وضياع أمري سيبقى ذكرهم جرحًا عميقًا وكسرًا في الفؤاد بغير جبر وكنت أبا لأطفالي محبًا ولكني شغلت بنيل فخري فلم أغدق عليهم من حناني بل استقبلتهم بكثير زجر أقلب ناظري وأجيل فكري لعلي أستعين لرفع جوري لجأت إلى العباد لينقذوني فما ألفيت من سند لظهري سوى إخوان قد جهدوا بجهدي ولكن ما استطاعوا فك أسري ورسل من تسبب لي بحبس أسائله حُبست لأي ثأر؟ فلم يردد علي بنصف سطر ولم يرجع إلي بأي خير وإن تبغي العدالة من لئيم فأنت كمرتجٍ نجسًا لطهر حسيرًا خاسئًا قد عاد بصري فلم يرجع بما عني يسردوي فلما أوصد الأبواب دوني وكاد اليأس يسحق كل بشري أنخت ببابكم يا رب رحلي وأرجو عندكم جبرًا لكسري وقد فتشت في عملي لعلي ذخرت لمثل ضيقي أي ذخر بفعل خالص ترضاه ربي فيشفع عندكم في كشف ضري فلم أبصر سوى صحراء جدب ولم أقبل عليك سوى بوزري وإني نادم يا رب حقًا وأنوي توبة ما عشت عمري وإني قد وعدتك قبل هذا فجدت تكرمًا ونشرت غدري ولكني أحبك يا إلهي وصوت بودكم نثري وشعري ولم أمدد إليك يدًا إلهي فعادت دون مطلبها بصفري ظننت بعفوكم يا رب خيرًا فإني لم ألذ إلا ببرّ ألا فارحم ضعيفك يا إلهي وأسعده بيسر بعد عسر وأرجعني إلى أبويّ مشيب لتنظر كيف إحساني وبرّي أجبني إن علمت بصدق قولي فلا يخفاك إعلاني على الرحمن أقسم كل جهدي وأعلم أنه سيفي ببرّ أزل عني وعن أخويّ غمًا وبدد ليلنا بطلوع فجر
دعوة للمسلمين
لقد عشت شخصيًا هذه اللحظة، ولكن ما أحوج العالم الإسلامي أن يعيشها! ما أحوج العالم الإسلامي اليوم أن يقطع الأمل في كل شيء، أن يقطع الأمل في المخلوقين، في مجلس الأمن، في هيئة الأمم، في الدول الغربية! ما أحوج هذا الشعور عندما ترفع الشعارات، شعار "ما لنا إلا الله"، أن تدرك معنا هذا الشعار. فوالله لئن آمنت به إيمانًا حقًا وقامت بتبعاته وعلقت قلبها بالله فحسب، والله ليجعلن الله لها فرجًا ومخرجًا.
يا مسلمون، يا مسلمون، توكلوا على ربكم، علقوا قلوبكم برحمته، لا تعلقوا قلوبكم بالمخلوقين، لا تلجأوا إلى غير ربكم سبحانه وتعالى. أصدقوا في اللجوء إلى الله، اطرحوا أنفسكم على عتباته سبحانه. "إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده". والله تعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.