→ عودة إلى مرئيات

ماذا نفعل لأجل غزة؟

١٣ أكتوبر ٢٠٢٣
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هل الدعاء وحده يكفي؟

هل بالفعل ليس في أيدينا إلا الدعاء؟ من نحن الذين ليس في أيدينا أو في أيدينا؟ يعني هذه تعود على من بالضبط؟ لكي نعرف ماذا في أيدينا لنعمل. الكاتب الإسرائيلي رون كوفمان يقول: "قائد فلسطيني مبتور الأطراف ونصف أعمى اسمه محمد الضيف خطط بشكل دقيق لهذه الحرب ودفعنا إلى فوضى قد تستمر خمسين عاماً بواسطة السيطرة على عشرين مستوطنة وإحدى عشرة قاعدة عسكرية، فحتى لو تمكننا من جلب جثث قادة حماس الذين في الخارج وأولئك الذين يتواجدون حالياً في الأنفاق بغزة، فإن الكارثة التي وقعت في منطقة غلاف غزة لن تُنسى". كما ترجمها الدكتور صالح النعامي الذي وضع رابط المقال على حسابه.

فهل كل من ينتسبون إلى الإسلام ليس في أيديهم أن يعملوا شيئاً؟ بلى طبعاً، كل واحد منا لديه إمكانيات وقدرات مباشرة وإمكانيات وقدرات قابلة للاكتساب والتحصيل. فتكون مسؤولية كل منا بحسب هذه الإمكانيات الحالية والقابلة للاكتساب على أقصى ما يمكن له تحصيله.

مسؤولية القادرين على النصرة الكاملة

هناك من بإمكانهم أن ينصروا أهل غزة النصرة الكاملة بالدفاع عنهم عسكرياً وفك الحصار عنهم. هل هؤلاء يكفي منهم الدعاء؟ لا طبعاً، ودعاؤهم إذا دعوا مردود عليهم، ودماء أهل غزة لعنة عليهم. وكل ساعة تمر ويموت فيها أهلنا في غزة جوعاً أو عطشاً أو مرضاً أو حرقاً بالفسفور، فهي لعنة على هؤلاء. هذا إذا اكتفوا بالسلبية وعدم نصرة أهل غزة. فما بالك إذا شاركوا في القتل تسهيلاً أو تنسيقاً أو حصاراً أو غيره؟

مسؤولية من لا يستطيع النصرة الكاملة

طيب، الذي ليس في يده أن يناصر أهل غزة المناصرة الكاملة، هل يكفي منه الدعاء؟ لا. دوره التحريض على مناصرتهم والتبرؤ ممن يستطيعون ذلك ولا يفعلونه، وما ينافق لهم، بل يشعرهم بالخزي والبغض في الله.

الذين يستطيعون المناصرة الكاملة ولا يفعلون، بل ربما يشاركون في التضييق والحصار، هؤلاء ليسوا من كوكب خارجي، بل لهم آباء وإخوة وأبناء وأصدقاء وزوجات. يجب أن يصرخوا في وجوههم أن يفعلوا ما عليهم وأن لا يقاطعوهم.

المنطقة الرمادية في الأمة

مصيبتنا الكبرى يا كرام، مصيبتنا كأمة هي في المنطقة الرمادية، في الذين يصلون ويصومون ومع ذلك هم سبب استدامة حالة الذل والمهانة والعبودية للنظام الدولي. فلا هم يصرحون بالعداء للإسلام وأهله، ولا هم منا ينصروننا في مثل هذه المواقف. فلا هم منا ولا من ينافق لهم أو يبرر لهم. ولا واحد من هؤلاء دعاؤه لأهل غزة محمود ولا مشكور.

كسروا أصنام النظام الدولي والكيان الحقير التابع له. أهلنا الذين قدموا درساً عقدياً لأبنائنا، الذين لولا مثل هذه البطولات، لخشي عليهم أن يظنوا أن الكفار لا غالب لهم، وأنهم خارج قهر الله حاشا لله. أهلنا الذين ناصروا الأقصى من مكانهم الذي هم فيه محاصرون الآن. أهلنا في غزة أسدوا لنا ولأبنائنا معروفاً لا ينسى، طوقوا رقابنا بهذا الجميل.

وهم الآن لأجل هذا المعروف الذي قدموه لنا ولأبنائنا يتعرضون للحرق والتمزيق والتجويع والتعطيش والخيانة. ألا نقف معهم في محنتهم هذه وأن لا ننصرهم بكل ما نستطيع؟ هذه نذالة وانعدام وفاء. فيجب أن نفعل كل ما نستطيع لننصرهم المناصرة الكاملة.

بعد ذلك، إذا لم ينفع تحريضنا وصراخنا في وجه من يستطيعون نصرتهم، فواجبنا أن نتبرأ من هؤلاء. ثم بعد ذلك نلتفت إلى ماذا يمكننا أن نقدم. وليس لنا أن ندعو لأهلنا في غزة ونحن ننافق أو نسكت أو في حال التماهي مع من يخونهم ويشارك في التضييق عليهم.

ماذا يمكننا أن نقدم؟

بعدما نقدم كل ما نستطيع في ذلك، ماذا يمكننا أن نقدم أيضاً؟

1. تقوى الله وترك المعاصي

أول شيء نقدمه هو أن نتقي الله ونمتنع عما نحن قائمون عليه من معاصٍ. معاصينا سبب ذلنا وتحكم أعدائنا وأذيالهم فينا. "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".

أول معصية مذكورة في الحديث هي التبايع بالعينة، شكل من أشكال التحايل على الربا، فما بالك بالربا الصريح الذي كثير من المسلمين صار متورطاً فيه من خلال تعاملات كثيرة ربوية مع البنوك. قال: "إنما يتقبل الله من المتقين". قبل ما نتكلم عن الدعاء وعن أي شكل من أشكال نصرة إخواننا، أول شيء نعمله هو ترك المعاصي.

لأننا لا نكون كالرجل الذي تكلم عنه نبينا صلى الله عليه وسلم: "يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟" من أين سيستجاب له على الفاضي دعاؤه إذا كان غرقاناً في الحرام وأكل السحت؟ فأول شيء نعمله أن كل واحد فينا يرى المحرمات التي يمارسها وتبلد إحساسه تجاهها ويتخلص منها، وإذا وقع فيها مرة ثانية لا ييأس.

وأحسب أن هذه العملية العجيبة المجلجلة المزلزلة التي تمت السبت الماضي أن فيها كثيراً من بركات الدعاء، الدعاء المستجاب لأناس صالحين.

2. إظهار التعاطف والتأييد

أيضاً مطلوب إظهار التعاطف والتأييد لأهل غزة، ولا تستهين بذلك أبداً إخواني. لولا تأييد المسلمين لأهل غزة وفرحهم بانتصاراتهم بشكل عارم لا يمكن السيطرة عليه، لتم تجريم هذا التأييد والتعاطف والاستفراد بكل من يظهره واعتباره إرهاباً.

لكن على أي شيء يريدون أن يلحقوا؟ لو كان في يد الأذيال في عامة بلاد المسلمين، لأظهروا التعاطف مع الكيان الصهيوني وشاركوا في جوقة التحريض على مسح أهل غزة عن الأرض، وكانوا خلوا أهل غزة يموتون بصمت ويتأدبون على الذي عملوه، بينما الشعوب الإسلامية مخروسة، محدش مسترجئ يحاسبهم. ولنشأ أبناء المسلمين على هذا الوضع المشوه بحيث يتعاطفون مع الصهاينة ويرون إخوانهم المسلمين لا شيء.

جرأتكم في تأييد إخوانكم تمنع بإذن الله من الوصول إلى هذا الحال البائس، فإظهار التأييد ولو بالكلام له أثر كبير لا تستهين به.

3. التوعية الإعلامية

مما تنصر به أهلك في غزة التوعية الإعلامية بأن تبين حقيقة ما تعرضوا له عبر السنوات الماضية. أبناؤنا مغيبون عن ذلك، والأمم الأخرى تتعرض أيضاً للتضليل الإعلامي بحيث يكذب رؤساؤها ويدّعون أنهم رأوا أطفال الصهاينة تقطع رؤوسهم على يد كتائب القسام.

المناصرة الفجة من قبل الدول الغربية للكيان الصهيوني وتصريحاتهم الإجرامية المحرضة على مسح غزة عن الأرض، هذا كله يحتاج منهم أن يضللوا شعوبهم ويستحمروهم. فاعمل أنت على الإعلام المضاد وبين لهذه الشعوب كم هي مستغفلة. وهناك مقطعان ممتازان لقناة "جيو بوليتيكال إيكونومي ريبورت" يبينان حقائق عما تعرضت له غزة وعن التشويه الإعلامي وسنضعهما في وصف الفيديو إن شاء الله.

طيب، هل مشكلة الشعوب الغربية هي فقط في التضليل الإعلامي؟ لا طبعاً، كثير منهم حتى لو بانت له الحقائق فهو معادٍ للإسلام والمسلمين. لكن هناك في المقابل من سيغير موقفه أو يتردد إذا عرف الحقيقة. إحداث شرخ في صفوفهم مطلوب بدل ما يكونوا مجتمعين علينا.

4. إيقاظ عقيدة الولاء والبراء

مما تنصر به أهلك في غزة توظيف هذه الأحداث في إيقاظ عقيدة الولاء والبراء. كثير منا يتعاطف مع إخوانه ويغضب من تآمر الكفار عليهم، وبعدها بأكثر من شهر يرجع يتشكك في عدالة الإسلام حين شرع الجهاد لتكون كلمة الله العليا، ويستحي من بعض شرائع الإسلام التي لا توافق دين الإنسانوية كالرق والجزية.

وهو ليس رابطاً هذه بتلك ولا فاهماً أن شرائع الإسلام جاءت ليعم الحق والعدل ويمنع هذا الإجرام الذي نراه في الأرض. فتوظيف الأحداث لتكريس القناعات لدينا ولدى أبنائنا مهم جداً.

أهمية طول النفس والعمل المستمر

أهم ما في الموضوع إخواني هو طول النفس في هذا كله. نظام الهبات المؤقتة لا يجدي شيئاً. إخواننا في غزة علمونا درساً لا ينسى عن أهمية العمل طويل النفس. اشتغلوا بصبر وإصرار لسنوات ومحدش داري بهم، لا جمعوا لايكات ولا صورتهم الكاميرات ولا طلع لهم ضجيج. وكانوا يجمعون الماء شيئاً فشيئاً وراء السد نقطة نقطة، بحيث لما حانت الساعة انهار السد وكان طوفان الأقصى طوفاناً بمعنى الكلمة.

نحتاج أن نتعلم منهم هذا الدرس ونشتغل بنفس طويل. بس يا أخي شو الذي تتحدث عنه أنه نفس طويل، إخواننا يموتون ولا بد من تصرف عاجل؟ ارجع للذي تحدثنا عنه في أول الكلمة: الذي يستطيع مناصرتهم المناصرة الكاملة ولا يفعل فوراً فهو خائن، خائن لله ولرسوله وللإسلام والمسلمين، ويجب البراءة منه.

إذا لم تستطع مناصرتهم المناصرة الكاملة، هل تحبط؟ تدمر؟ لا. فهذا ما يريده أعداؤك أن يخيفوك ويكسروك ويحول فرحتك بالنصر إلى حزن وإحباط. وإنما المطلوب منك أن تحول ألمك إلى يقظة مستمرة وعمل طويل النفس وتتحين الفرصة للمناصرة الكاملة بالنفس والمال.

في الحديث الذي رواه مسلم قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه". وفي المقابل قال الله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}.

نسأل الله أن يلطف بأهلنا في غزة ويعيننا على نصرتهم ويبلغنا شرف مناصرتهم المناصرة الكاملة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.