→ عودة إلى مرئيات

مناقشة علمية لمنهجية الشيخ بسام جرار

١٩ يونيو ٢٠٢٢
النص الكامل للمقطع

الشيخ بسام جرار مؤخراً، والذي كان في بداية الأمر متعلقاً بموضوع الترحم على موت الكفار بنية تخفيف العدد. لكن الأمر تطور بعد ذلك عندما أراد الشيخ بسام أن يدافع عن رأيه ويرد على من خطأوه في موضوع الترحم، فأتى بأقوال تخالف ثوابت إسلامية، فنرى التنبيه على عدم صحتها أهم من موضوع الترحم.

فالذي لم يتابع ما قاله الشيخ ننصحه بألا يكمل هذا المقطع، لكن لا يعترض وهو لا يعرف موضوع الإشكال.

مقدمة وتوضيح الموقف

دعوني أقول لكم شيئاً يا كرام: أنا عندما أرد على شخص يشكك في الإسلام أو يستهزئ به، فإني أكون منشرحاً ومستمتعاً وأنا أرد عليه. أما اليوم وأنا أرد على الشيخ بسام، فإني أفعل ذلك كارهاً من قبيل تأدية واجب شرعي. وقد حاولت تجنب هذا الرد وأخرته كثيراً، وعلقت للشيخ بسام على إحدى كلماته على قناته على يوتيوب بطلب أن نتناقش فيما بيننا رجاء أن يصحح أخطاءه. فهذا أحب إلينا، نحب جداً أن يكون الدعاة متآلفين صفاً واحداً متحدين على الحق.

لكن الشيخ رد أن من حق الناس أن يسمعوا أدلة الطرفين. هذا طلب الشيخ ونحن نجيبه اليوم إلى طلبه. ويمكن كثير منكم يتذكر أني نقدت كلامه سابقاً في موضوع تحديد تاريخ من القرآن لزوال ما يسمى بدولة إسرائيل، وأنه جرى بيننا معاتبات لطيفة أثنى عليها الناس واعتبروها مثالاً يحتذى لأدب التعامل بين الدعاة. وأنا أحب أن تبقى مثل هذه الذكرى الجميلة.

كما أن الشيخ بسام لم يسئ لي شخصياً بشكل مباشر، وإنما لمح تلميحات لا نقف عندها، بل وقّرنا الشيخ سابقاً على العبد الفقير. ومع هذا كله فالحق أحب إلينا من هذه الصورة الجميلة.

وإذا قال قائل: يعني أنت تحتكر الحقيقة وترى نفسك تملك الحق المطلق؟ فالرد أني سأعرض أدلة فناقشني فيها إذا كنت تراني خالفت فيها الصواب، ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾.

وأما إن كنت من الذين يظنون أن الدين بلا حقائق مطلقة، إذا كنت من أصحاب الهلامية في كل شيء والميوعة في كل شيء، فنقاشي اليوم ليس معك، وإنما مع الناس الذين يعتقدون بأن هناك حقاً مطلقاً وإجماعات وثوابت إسلامية لا يجوز الخلاف فيها، وأن الله تعالى جعلها واضحة. وقد بينت ذلك في كلمة بعنوان "المسلم والمواقف المنسجمة".

نحتاج معالجة الأخطاء إخواني من الفكر الرمادي الذي يردم الفجوة بين الإيمان والكفر. وبدأنا فيها بقول الله تعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾. هكذا الفرق بين الإيمان والشرك. ويراد لهذا الفرق أن يضمحل في نفوس المسلمين.

بيطلع لك مجموعة تطبع مع عبادة القبور، واحد بيعمل لك مقابلة بعنوان "الإلحاد وجهة نظر"، وعدنان إبراهيم يلمّع الكفرة والملحدين ويشكك في كل ثوابت الدين، وآخرون يدعون إلى ما يسمونه الديانة الإبراهيمية. الشيخ بسام يخالف هؤلاء جميعاً، ولسنا نضعه في كفة هؤلاء ولا نتعامل معه كما نعامل هؤلاء. لكن كلماته الأخيرة فيها أخطاء شرعية ومنهجية كبيرة جاءت للأسف في خضم محاولته إثبات صحة خطئه في موضوع الترحم بأي شكل.

هذه الأخطاء يخشى أن تخرج بعض المسلمين من حالة الوضوح في مسائل عقدية ثابتة إلى حالة من التردد والتشوش. وهذه قنطرة وحالة تجعلهم عرضة للتأثر بفكر أمثال عبد الله إبراهيم وشحرور ممن لا يرتضيهم الشيخ بسام نفسه. وقد لمسنا هذا التشوش وهذا التأثر في تعليقات بعض المتابعين عندنا، والذين بدأوا يشككون في بعض الثوابت مستندين إلى ما قاله الشيخ بسام.

الدين لا مجاملات فيه يا كرام. إذا رأيتم إياد في يوم من الأيام يخالف إجماعات أو يخالف صريح القرآن وصحيح السنة، فاضربوا بكلامه عرض الحائط. وأنا أزعم أن الذي أفعله اليوم هو نصرة للشيخ بسام، عاملاً بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً". قيل: يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: "تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره".

نحن ننصر إخواننا الدعاة على أهوائهم وأنفسهم الأمارة، وننتظر منهم أن ينصرونا على أهوائنا وأنفسنا الأمارة كذلك. والذي يقول أنت تنصر الشيخ الجليل فلان، نقول له إن كنت ممن يقدس الأشخاص ويرى بعصمتهم فهذا شأنك. نحن عندما نرى أن كلام الشيخ بسام يؤثر سلباً على العقيدة في بعض الجوانب، فنحاول علاج الآثار السلبية لكلامه. فإننا ننصر الشيخ بسام لأننا نساعده على التخفف من وزرها يوم المحشر.

وللعلم، فالكلام الذي سأذكره اليوم ناقشته أخذاً ورداً وأحكاماً مع مجموعة من الإخوة أحسبهم جميعاً من الغيورين على دينهم. ثانياً: تجنب إحداث المزيد من الفرقة بين المسلمين ودعاتهم، وضبط العبارات بما لا يكون فيه تجريح، لكن في الوقت ذاته لا يكون فيه تلطف يوهم المستمعين أن المسألة هيّنة خلافية، فيقولون: ما شاء الله انظر إلى الدعاة كيف يناقشون المسائل الخلافية، ويغلق الملف على هذا أن هذه مسائل خلافية بينما هي ليست كذلك أبداً. فنقع في الطبطبة ومراعاة المشاعر على حساب وضوح محكمات الدين، وهذا من خيانة العلم.

وأعود فأقول: إذا رأيتم العبد الفقير يوماً يمس أمراً محكماً من محكمات الإسلام، فجاء من ينقده بشدة، فإياكم والتعصب والدفاع عن شخصي، فبئست النصرة هذه. بل النصرة أن تأخذ على يدي وتقول: اسمع للحق يا إياد وأذعن له، فديننا أولى منك ونحن نخاف عليك من يوم المحشر.

إشكالية المنهجية عند الشيخ بسام جرار

مشكلتنا مع الشيخ بسام ليست في قول واحد، وإنما هي مشكلة منهجية، منهجية يسلكها الشيخ وينقلها للناس. هذه المنهجية ليست موجودة لدى الشيخ بسام فحسب، بل ولدى آخرين وعلى درجات. لكن الخطورة في حالة الشيخ بسام هي في أن موثوقيته التي اكتسبها من بعض مواقفه السياسية واهتمامه بأمور المسلمين تجعل بعض المتابعين يأخذون عنه دون تمييز وتمحيص، فيتأثرون بأخطائه.

الأخطاء المنهجية

هذه الأخطاء المنهجية تتلخص في عدة أمور سنذكر أمثلة عليها من محاضرات الشيخ:

  1. جمع الأقوال الشاذة والمخالفة للإجماع: أنه يجمع أقوالاً شاذة مخالفة للإجماع في أمور عقدية فيتبناها وينشرها، بل ويأتي بأقوال باطلة جديدة من عنده مخالفة للقرآن والإجماع.
  2. الخوض في القرآن بتفسيرات متكلفة باطلة: كادعائه أن آدم عليه السلام كانت له أم من جنس آخر غير البشر، ومحاولته التوفيق بين الآيات وخرافة تطور الإنسان من كائنات أدنى.
  3. تسخيف إجماع العلماء: أنه في إنكاره لبعض المحكمات يسخّف من إجماع العلماء عبر العصور، ويظهر العلماء من كلامه وكأنهم سطحيون قليلوا الفهم، ما قدروا الله حق قدره، وأنهم يقولون بأقوال تعارض حكمة الله ورحمته وعدله. ويلزم من قوله أن الأمة كانت وما زالت على ضلالة في أمور عقدية.
  4. ضرب المحكمات بالمتشابهات: والاجتزاء من كلام أهل العلم بما يوافق موقفه المسبق، واللجوء إلى مغالطات في منطق النقاش، واستعمال المعنى القاموسي للألفاظ المفردة منزوعة من التراكيب الواردة فيها دون مراعاة لخصوصية استعمالها في التراكيب الشرعية.
  5. التأثر بخرافات العلم الزائف: كخرافات العلم الزائف كنظرية التطور، والنزعة التي لا ترى الكفر والشرك بالله تعالى جريمة كافية لحجم العذاب المنصوص عليه في الكتاب والسنة، على طريقة "اعتقد ثم استدل".
  6. توقيت الأخطاء: أن هذه الأخطاء تأتي في وقت حرج جداً من حياة المسلمين يواجهون فيه حملة شرسة ممنهجة لتمييع ثوابت الإسلام كلها وإزالة الفوارق بين الإيمان والكفر. وأخطاء الشيخ تصب من حيث لا يدري في هذا المشروع كما سنرى.

السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا كله: هل الشيخ يفعل هذا قاصداً ضرب الإسلام كما يفعل آخرون ممن رددنا عليهم سابقاً؟ معاذ الله أن ندعي ذلك. ومع ذلك فالخلل المنهجي كثيراً ما يؤدي إلى نفس الضرر الذي يؤدي إليه تعمد الإفساد.

تقييم دروس الشيخ بسام

طيب، هل الشيخ ليس له في دروسه خير؟ للدقة أقول: لم أسمع للشيخ إلا في المواضيع التي تتقاطع اهتماماتي مع اهتماماته فيها، مما علمت أن له فيها موقفاً مختلفاً يحتج الناس به علينا، كموضوع الترحم هذا، وموضوع تطور الإنسان من كائنات أدنى، وموضوع نبوءة زوال ما يسمى بدولة إسرائيل بناء على حسابات عددية منسوبة إلى القرآن. وأستطيع القول أن هذا الخلل المنهجي موجود بدرجات فيما سمعته في هذه المواضيع الثلاثة.

أما فيما عدا ذلك، فأسمع أن الشيخ له مواقف طيبة في نصرة قضايا الأمة وجهاد الكفار والمنافقين بالكلمة، لكني لم أسمع له فيما عدا المواضيع المذكورة، فلا أستطيع أن أمدح كلامه في هذه المواضيع الأخرى فأكون مجاملاً، ولا أذمه فأكون ظالماً.

بعد هذه المقدمة، دعونا نقف على مواضع من كلام الشيخ بسام رجاء أن نمحو آثار خطئه من نفوس الناس الذين التبس عليهم الأمر. ولنرى مصداقاً لقول أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري: "مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل". وأيضاً حتى نرى ماذا يحصل عندما يصر أحدهم على مخالفة إجماع أئمة الإسلام عبر العصور ويأتي بتفسير خاص للآيات يخالف تفاسيرهم. سنرى اليوم إن كانت هذه المخالفة محمودة العواقب ودليل عمق وذكاء وسعة أفق بالفعل، أم أنها مجازفات توقع في التناقض والتخبط في مقابل علم الأئمة المحكم.

مناقشة أقوال الشيخ بسام جرار

1. مسألة مغفرة الكفر

أولاً: الشيخ بسام أراد أن يقول لا أحد يحتج علي بالإجماع في موضوع الترحم على الكافر الميت، لأن العلماء لم يجمعوا حتى على ما هو أوضح من ذلك. ولما أراد أن يأتي بمثال على ذلك جاء بمثال في منتهى العجب.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "الأشياء القضية التي لا نختلف عليها وفيها إجماع مشان نتجاوز الكلام. الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية، أقصد آيتين، والآيتين في سورة النساء. الآية الأولى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾. والعجيب أنه في بعض الناس، وممكن خصوصاً أنه في ناس بقولوا أنه أجمعوا العلماء، يعني عم بيواجهوني في موضوع إجماع العلماء. وهذه قضية القول بإجماع العلماء انسوا هذا غير صحيح. ومن ذلك مثلاً هذه الآية: بعض العلماء بقول أن الله لا يغفر أي يشرك به ويغفر ما دون ذلك. طب ما دون ذلك نفرض أنه كفر ليس بشرك، مش هو دون ذلك؟ قال: طالما أنه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، إذن نستغفر له للكافر دون الشرك، أنه المقصود هو لا تستغفره في قضية الشرك. هذا ليس معناه أنه أوافق على هالكلام. هذول اللي بقولوا أجمع العلماء هم ليس فقط أجمعوا في التفريق بين استغفار والاسترحام، هم أيضاً يقولون بكلام لا نقبله منهم من كبار العلماء." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

دعونا نقف عند قول الشيخ: "بعض العلماء بقول إن الله لا يغفر أي يشرك به ويغفر ما دون ذلك. طب ما دون ذلك نفرض أنه كفر ليس بالشرك، شو دون ذلك؟" هنا يفهم من كلام الشيخ بسام أن علماء كباراً قالوا أن الله لا يغفر الشرك لكن قد يغفر الكفر لأنه دون الشرك، يعني أقل من الشرك. هذا مع أن الشيخ بعدها مباشرة ينتقل لقول آخر فيما يبدو وهو مغفرة ذنوب الكافر فيما دون الشرك. وهذه المسألة لن أناقشها. وإنما أناقش المسألة الأخطر والأهم وهي احتمالية أن يغفر الله الكفر لأنه دون الشرك حسب قول الشيخ. والشيخ يكرر في مواضع عديدة هذا التفريق بين مغفرة الكفر والشرك.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "بس إيش الفرق بين عفكرة إنه يدعي لكافر مات على الكفر وبين لمشرك؟ في المشرك الآية صريحة: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾. ممكن واحد بقول لك أما هون ما نهانيش، هو قال هو بدهش يغفر. طيب احنا من كلك عبث؟ لا بترد عليه بتقول: بل كالمسألة زي لما الله قال في حق المنافقين: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾. هاي للمنافقين عفواً كمان. والرسول شقاً صلى الله عليه وسلم لو علم يعني أنه باستغفر أكثر من سبعين. ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

علماً بأنه في كل هذه المواضع الشيخ يخلص في النهاية إلى أن الله تعالى لا يغفر الكفر كما لا يغفر الشرك. طيب تمام، أين المشكلة؟ المشكلة هي في دعوى أن عدم مغفرة الكفر ليس إجماعاً لأن علماء كباراً قالوا بخلافه، يعني قالوا بأن الله قد يغفر الكفر حسب دعوى الشيخ. ممكن يا شيخ بسام تقول لنا من هؤلاء العلماء الكبار؟ هذا القول باطل بل أبطل الباطل، فلا يمكن أن يقول به أي عالم يا شيخ بسام لأنه يصادم صريح القرآن.

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾. فلا يصح أبداً أن نوقع في نفس السامع أن هناك قولاً لعلماء كبار أن الكفر قد يغفر، وأنه إن كان هذا القول مرجوحاً وليس صحيحاً لكنه قول لبعض كبار العلماء. واحدة من أكبر الحقائق القرآنية تصبح محل شك، وهذا بداية التردي. تحويل القطعيات إلى خلافيات، والقول الباطل إلى قول مرجوح، ثم يصبح وجهة نظر. من يقول ببطلانها يوصف بأنه يدعي احتكار الحقيقة ويحجر على الآخرين استخدام العقل. وفي المحصلة لا يبقى يقين بشيء.

مجرد أن يدخل في النفوس أن مسألة غفران الكفر مسألة خلافية هو أمر عظيم الخطورة جداً، لأنه يشوش على المسلمين تمسكهم بدينهم، فهو يفتح باب النجاة في الآخرة لمن يكفر بالله ولا يعود الإسلام شرطاً في هذه النجاة. هذا القول إن قال به أحد فالأصل ألا يذكر، وإذا ذكر فيكون في معرض تقبيح القول لا الاستدلال به على وقوع الخلاف، مش يقال أن المسألة ما عادت إجماعاً.

تصور العبثية إذا كل إجماع مستقر قائم على نصوص قرآنية صريحة عبر القرون من زمن الصحابة ومن بعدهم يأتي شخص فيحدث قولاً مخالفاً فينتقض الإجماع هكذا بكل بساطة، وتصبح المسألة بزلة غافل أو سقطة منتسب إلى العلم مسألة خلافية. هذا عبث يجعل الإسلام بلا ثوابت. فسقوط شخص في مسألة لا يعني انخرام الإجماع، بل يكون قوله مردوداً عليه ولا يؤبه به.

2. إبادة الكافرين في النار

بعد طرح الشيخ للأقوال المشوشة ذكر آية صريحة في أن الكفر وحده كافٍ في وقوع لعنة الله على الكافر، ونبه إلى أن كل الأفكار التي طرحها من قبل تعارض هذه الآية. هل انحلت المشكلة وأغلق الملف؟ لا للأسف، لأن الشيخ سيناقشنا في مفردات هذه الآية ويقترح علينا أن اللعنة المذكورة في الآية لا تعني بالضرورة الطرد من رحمة الله، وأن الخلود لا يعني الخلود الدائم، وأن الكافرين ليس فقط يمكن أن يخفف عنهم العذاب بل وقد يبادون وينتهي العذاب، وبالتالي لم يبق من مدلول الآية شيء والله المستعان.

المشكلة هي في الخروج إلى حالة من الهلامية، فأصبح موضوعنا ليس أن دعوى الإجماع غير دقيق أحياناً، بل حتى مسائل كبرى كهذه لا إجماع فيها، وهذا غير صحيح ويفتح الباب للعبث بالقطعيات كلها.

تعالوا إلى وقفة منهجية أخرى مع كلام الشيخ بسام.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "ما حدا قال إنه الكافر بيطلع على الجنة، بس ممكن آه. ما حدا قال إنه الكافر هو المشرك بيطلع من الجنة، بس ممكن الكافر بيطلع إلى الجنة، بيطلع من النار إلى الجنة. بس الآن راح نفاجئهم، لا ممكن كمان خلص يباد وبالتالي يرحم. ممكن يباد." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

هذا القول باطل لا يصح، لأنه يعارض آيات محكمات كقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾. لاحظ: ﴿لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾. كيف يباد الكافر يا شيخ بسام والله تعالى قال: ﴿لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾؟ كيف يباد الكفار وقد بيّن نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أن الموت يجاء به يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح ثم يقال: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت".

انظر هنا إلى الفرق بين اتباع علماء الأمة عبر أربعة عشر قرناً والذين فهموا القرآن فهماً منسجماً راسخاً، وكلما طرأ عليهم إشكال ردوا المتشابهة إلى المحكم وتناقشوا في المسائل أخذاً ورداً إلى أن وصلوا إلى أقوال ناضجة مرت عليها قرون دون أن يطرأ عليها أي مطعن لأنها تستند إلى محكم التنزيل وصحيح السنة. في المقابل الذي يأتي بقول يظن أنه فاق به علماء الأمة عبر القرون فهماً ودقة، فإن ما يحصل حقيقة هو أنه يقع في تناقض ويوقع من يستمع إليه في تناقض وتخبط.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "وين إحنا؟ إحنا الآن عندنا علومهم ومنعيد النظر والتفاصيل. أما إنه تقول لي قالوا، طب يا ما قالوا أشياء مضحكة وتفاصيل طويلة." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

وبالمناسبة إخواني، قد يقول قائل أن الشيخ بسام لم يخالف الإجماع بادعائه أن الكافر قد يباد في جهنم وأن ابن القيم سبقه إلى ذلك. فنقول: لا، الشيخ بسام أكد على أن قوله هذا مختلف عن القول بفناء النار.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "مش فناء النار، مش حديث فناء، مش كلام في فناء النار." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

علماً بأنه حتى القول بفناء النار تردد فيه ابن القيم وهو قول يخالف الإجماع فلا يؤخذ عن ابن القيم ولا عن غيره. ومع ذلك، فالقول بإبادة بعض أهل النار مع بقاء النار لم يقل به ابن القيم ولا أي عالم من علماء المسلمين الثقات. بل عندما أجرى ابن القيم مناظرة مفترضة بين القائلين بأبدية النار والقائلين بفنائها في كتابه "حادي الأرواح"، ذكر ابن القيم ضمن ردود القائلين بفنائها ما يبين تبرؤهم من دعوى موت الكفار أو إبادتهم في النار. فقال ابن القيم على لسانهم: "وأما كون الكفار لا يخرجون منها ولا يفتر عنهم من عذابها ولا يقضى عليهم فيموتوا ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، فلم يختلف في ذلك الصحابة ولا التابعون ولا أهل السنة، وإنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود والاتحادية وبعض أهل البدع. وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية ولا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها." محل الشاهد: "ولا يقضى عليهم فيموتوا". يعني حتى عندما يورد ابن القيم ما يراه أدلة لفناء النار ينفي القول بموت أو إبادة من فيها وهي قائمة.

قد يقول قائل: طيب سواء أفنيت النار كما رجح ابن القيم في أحد المواضع أو أبيد من فيها كما يقول الشيخ بسام، فالنتيجة واحدة: انتهاء عذاب الكافرين. تمام، هذا القول لا يحتج به علينا، فهما قولان شاذان مؤداهما واحد معارض للآيات المحكمات. وإذا شذ عالم فهذا لا يبرر لغيره أن يشذ هو أيضاً بقول جديد بحجة أن نتيجة قوله مثل نتيجة القول الآخر الشاذ أيضاً.

الشيخ بسام يدافع عن هذا القول الشاذ الجديد وينكر بشدة على من يخالفه ويعتبر القول بخلافه معارضاً لرحمة الله وعدله.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "يعني القول بأبدية النار شو؟ هذا الرحمن الرحيم؟ يعني أنتوا بتفهموا يعني أنتوا بهذا الشكل يعني أنتوا قدرتوا الله حق قدره؟ قدرتوا حق قدره؟" [ينتهي كلام الشيخ بسام]

يعني القول بأبدية النار يتعارض مع كون الله الرحمن الرحيم حسب كلام الشيخ. لذلك فقد يقول البعض: يا أخي لماذا تنكر على الشيخ قوله بجواز الترحم أو بإبادة الكافرين مثلاً مع أن العالم الفلان الجليل قال بمثل قوله؟ فالجواب أن العديد من الأقوال التي نرفضها من الشيخ هي أخطاء جديدة غير التي وقع فيها من قبله. بالإضافة إلى ذلك، فهؤلاء العلماء كانت لديهم بالمجمل منهجية علمية متناسقة، وكانوا ينطلقون في عموم مواقفهم من استعراض الأدلة كلها دون مقررات سابقة ولا تأثر بثقافات غالبة، ولم يجمعوا شواذ الأقوال ولا سخفوا الإجماعات ولا انتقصوا من علماء الأمة كما يفعل الشيخ. ومع هذا كله فالخطأ يبقى خطأ ننكره حتى على علمائنا الأجلة الذين خالفوا الإجماع من قبل، ولا يصح أن تمشى الأخطاء وشواذ الآراء الباطلة بحجة أن عالماً مشهوراً سبقه بهذا الرأي الشاذ أو شبيه به.

طيب ما دليلك يا شيخ بسام على أن الكفار يمكن أن يبادوا؟

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "ممكن يبادوا. دليلك يا شيخ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾. يفتح الباب سبحانه وتعالى. إذن منقدر بقول بغفرش نستغفرش، بقول ممكن أرحم حتى بعد ما أعاقب أرحم. طيب منسترحم ليش ما نسترحمش؟ وهو بقول سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

إذن الشيخ بسام قال لك ممكن الكافر يباد بدليل أن الله قال: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾. منهج أهل العلم هو تفسير هذه الآية على ضوء الآيات المحكمات. الآيات التي ذكرناها في أن الكفار لا يموتون محكمة لا تحتمل أكثر من معنى، وغيرها الكثير من الآيات. بينما ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ آية متشابهة لها تفسيرات عديدة محتملة، وسنضع لك في التعليقات سبعة وجوه لتفسيرها من "زاد المسير" لابن الجوزي، كلها منسجمة مع ما دلت عليه الآيات المحكمات، وليس أي منها أن الكافر يباد. فابن الجوزي والعلماء قبله وبعده لا يخالفون صريح القرآن، بل يحذرون كل الحذر من أن يقعوا في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾.

الشيخ بسام ترك الآيات المحكمات البينات في أن العذاب لا يتوقف، وترك الوجوه السبعة التي ذكرها ابن الجوزي، وفسر ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ بتفسير يعارض دلالة الآيات المحكمات على أن الكافر لا يباد في النار. وفي ثنايا تفسيره لآية ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ أتى الشيخ بمغالطة لغوية واجتزاء مخل بالمعنى من كلام المفسرين.

أما المغالطة اللغوية: فالشيخ بسام يستنكر قول من يقول أن "ما" في الآية قد تكون بمعنى "من"، وأن ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ قد تكون بمعنى "إلا من شاء الله" كعصاة الموحدين، فإنهم لا يخلدون في جهنم.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "في بعضهم حاول يقول: ما هذه بمعنى من. شو ما بمعنى من؟ وهو من للعاقل وهون الكلام عن مدة." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

الشيخ بسام يرى هذا مرفوضاً مباشرة لأن "ما" في اللغة العربية لا تستخدم للعاقل حسب كلامه. طيب أين تذهب يا شيخ بسام من قول الله تعالى: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾؟ وهل آدم عليه السلام الذي خلقه الله بيديه هل هو عاقل أم غير عاقل؟ كون "ما" تستعمل للعاقل وغير العاقل هو أمر نصت عليه معاجم اللغة ومنها "لسان العرب" لابن منظور والذي استدللت به يا شيخ بسام، وكذلك التفاسير ومنها تفسير ابن عاشور والذي أشدت به يا شيخ بسام، مع التذكير بأن تفسير "ما" بـ "من" هو وجه من الوجوه السبعة المحتملة في تفسير الآية.

وأما الاجتزاء المخل: فأخونا حسام عبد العزيز بيّن كيف أن الشيخ بسام قطع كلام أبو زهرة وابن عاشور بشكل يتعارض تماماً مع دقة النقل، وأن كل من المفسرين نصوا في نفس الموضع الذي بتره الشيخ بسام على عدم توقف العذاب. ومع أن الشيخ بسام حاول أن ينكر وقوع هذا الاجتزاء المخل بالمعنى في كلمته الأخيرة إلا أنه لا يخفى على من سيبذل وقتاً للتحقق. ومش كونه رد على ما نُسب إليه، فيعني أن رده هذا كان صحيحاً ومقنعاً.

على الحقيقة: يستدل بآية متشابهة، ويأتي في ذلك بمغالطة لغوية، واجتزاءات مخلة، ليقول بقول باطل غير مسبوق إليه من أهل السنة. ما نحتاج أن نفهمه إخواني هو أن الإجماع عبارة عن وعاء يحفظ الله به دينه من مثل هذه التخبطات. الإجماع حصن يمنع حالة التفلت والخربطة والفوضى. العصمة في الإجماع ليست للأفراد وإنما للاجتماع على حكم معين. فلو تطرق إلى الإجماع الخطأ فمعنى ذلك أن علماء المسلمين اجتمعوا على نسبة شيء إلى الشريعة ليس منها، فتقع الأمة في الضلالة وخاصة في مسائل الاعتقادات.

قال الله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾. وهذه الآية استدل بها الشافعي رحمه الله على حجية الإجماع. الإجماع حماية لعموم الناس من مغامرات المغامرين. إيش درى عموم الناس بمشاكل ما يقوم به الشيخ بسام جرار؟ ما درايتهم باللغة وقواعدها التي يخالفها الشيخ؟ ما درايتهم برد المتشابه إلى المحكم؟ ما درايتهم بالبتر من كلام العلماء؟ هم يسمعون منه كلاماً يبدو لهم مقنعاً فيغترون به. لذلك نقول لكل مسلم: اتبع الإجماع واحذر ممن يخالفه فإنه يضلك. ولا يكفي أبداً أن يأتي لك أحد بآية ويوهمك أنها دليل لما يقول إذا علمت أن العلماء أجمعوا على خلافه.

3. أبدية عذاب الكافرين

لماذا يفعل الشيخ بسام هذا؟ هل لأنه يتعمد نقض عرى الإسلام؟ مرة أخرى نقول معاذ الله أن ندعي هذا. لكن ما يحصل مع كثير من المسلمين هو أنهم يأتون إلى أمر فلا يوافق عقولهم وطريقة تفكيرهم فيحاولون إقناع أنفسهم والناس أن هذا الأمر ليس من الإسلام. لذلك ترى الشيخ بسام يتساءل باستنكار عن كون عذاب الكافرين أبدياً.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "شو؟ هذا الرحمن الرحيم؟ يعني أنتوا بتفهموا يعني أنتوا بهذا الشكل يعني أنتوا قدرتوا الله حق قدره؟ قدرتوا حق قدره؟" [ينتهي كلام الشيخ بسام]

لاحظ أن هذا القول بعذاب الكافرين إلى ما لا نهاية هو قول المسلمين وعلمائهم بناء على كتابه والسنة عبر أربعة عشر قرناً إلا من شذ من أفراد. والشيخ بسام مع ذلك يرى أن هذا القول يتعارض مع الإيمان بأن الله سبحانه هو الرحمن الرحيم، ويرى أنهم بذلك ما قدروا الله حق قدره. يعني الأمة عبر أربعة عشر قرناً أجمعت على ضلالة وعلى عدم قدر الله حق قدره. هل هذا تجديد وفتوحات أم فوضى ونسف لخيرية الأمة عبر القرون وادعاء لضلالها وإبطال لشعور المسلم بأن له جذوراً يعتمد عليها؟

الشيخ يحتج علينا بسورة الفاتحة التي نقرأها في كل صلاة ونقرأ فيها وصف الله بالرحمن الرحيم. طيب تابع يا شيخ بسام في الفاتحة نفسها: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾. من الذين أنعم الله عليهم؟ أليس النبيين والصديقين والشهداء والعلماء والصالحين عبر القرون من إخواننا الذين سبقونا بالإيمان؟ نحن عندما نفهم القرآن والسنة بفهم علمائنا عبر القرون فإننا نطلب بذلك صراط الذين أنعم الله عليهم.

الشيخ بسام يعتبر أنه عندما يفعل هذا الذي يفعله لإنكار أبدية عذاب الكافر أنه بذلك يمنع فتنة الناس وإلحادهم.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "الشيء اللي بدي يسمعوه ناس اللي قاعدين بضبوا وبيحكوا للناس غير هيك وبيفتنوا ناس وممكن ناس بتلحد من أجلهم. شو بقولوا؟ بقولوا إنه الكافر اللي دي مات على الكفر تصور أنت حط في ذهنك كثير اللي بموتوا على الكفر أشكال وألوان منهم الناس الهيينين كذا ومنهم كمان قلوبهم رقيقة ومنهم اللي بساعدوا الناس ومنهم ومنهم ومنهم ومنهم ومنهم ومنهم أبو طالب اللي نافع عن الإسلام بعصبية في ناس اللي بنافع عنك مبدأ ما هي أصلاً هذه المرأة اللي جت من الغرب ووقفت أمام الجرافة الإسرائيلي. هون بقولوا إنه الكافر لمجرد أنه مات على الكافر على الكفر بغض النظر عن جرائمه آه بقول لك لا مين قال لك بغض بتتفاوت الدركات النار المهم يبقى في النار إلى ما لا نهاية." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

إذن فحسب الشيخ بسام مش معقول أن الكافر اللي قلبه رقيق وبيساعد الناس لمجرد أنه مات على الكفر فقط مش معقول يبقى في النار إلى ما لا نهاية. بداية هذا الذي قصدناه بتأثر الشيخ بالثقافة الغالبة والنزعة التي لا ترى الكفر والشرك قساة قلوب جامدة أفهام. سؤالنا يا شيخ بسام: لماذا لم يستشكل الصحابة أبدية عذاب أبي طالب كما استشكلتها؟ بل ولا أبدية عذاب من أصر على الكفر من آبائهم وأمهاتهم. أم أن الصحابة أيضاً ما قدروا الله حق قدره ولا فهموا معنى أنه تعالى الرحمن الرحيم؟ مش ممكن يا شيخ بسام تكون المشكلة ليست فيما أجمعت عليه الأمة بل في ضعف إحساس البعض بفداحة جريمة الكفر بالله؟

وإذا كنت تقول أقوالك هذه كلها يا شيخ بسام حتى لا يلحد الناس ويفتنوا، فهل يا ترى هم سيؤمنون ويسلمون إذا قلت لهم أن الكافر الهيّن رقيق القلب كما تقول سيعذب مليارات السنوات كما اقترحت أنت نفسك؟ أو إذا قلت لهم أن علماءهم عبر القرون اجتمعوا على ضلالة؟ هل الناس الذين تحاولوا الإتيان بقول يتقبلونه عن حجم عذاب الكافر في الآخرة يحسون أن نسبة الولد إلى الله هي بالفعل كما وصفه الله: ﴿قَوْلًا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾؟

إذا جعلنا أهواء الناس وأحاسيسهم المستخفة بجريمة الكفر هي المعيار، فهل تراهم سيقبلون إذا قيل لهم أن الكافر الهيّن رقيق القلب الذي يساعد الناس كما تقول، وكل مشكلته هي فقط أنه كفر أو أشرك، هل سيقبلون إذا قيل لهم أنه سيعذب أصلاً في نار جهنم؟ ألا ترى يا شيخ بسام أن قولك هذا يقترب مما حكاه الله عن بني إسرائيل؟ ﴿وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً﴾. يعني ادعوا أنه ليس هناك أبدية للعذاب. بماذا رد الله عليهم؟ هل قال تعالى إنكم ستعذبون ملايين أو مليارات السنوات؟ بل قال تعالى رداً عليهم: ﴿قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

كما أن هناك خلوداً في النار لمن يكفر، فهناك خلود في الجنة لمن يؤمن. ورحمة الرحمن الرحيم في ذلك كله ثابتة بأن أودع الفطرة ووهب العقل وأرسل الرسل وأنزل الكتب ورغب ورهب وأعطى الفرص، فمن كفر بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾. ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾.

لست هنا إخواني بصدد إثبات عدالة خلود الكافرين في النار فهذا مبحث منفصل، لكني بصدد إثبات أن هذا الخلود الدائم هو ما نص عليه الكتاب والسنة بالفعل، وأنه إجماع المسلمين عبر العصور، وأن الشيخ بسام يقول ما يخالف الإجماع، وأنه بدلاً من أن ننشغل بالتقليل من بشاعة مصير الكفار في الآخرة فإن علينا أن نحرص ألا يصلوا إلى هذا المصير وذلك بدعوتهم إلى الإسلام لينجوا من النار.

وهنا نقطة مهمة جداً إخواني، نقطة مهمة جداً: نحن لا نحذر من القول بتوقف عذاب الكافرين في النار لأننا حريصون على عذابهم مسرورون به، بل لأن طريقة الشيخ بسام في مخالفة هذا الأمر الثابت من الوحي وتطبيق هذه المنهجية بشكل عام مع ثوابت الإسلام تؤدي في النهاية إلى هدم محكمات الإسلام عموماً، وإخراج المسلمين من حالة التسليم والإذعان لحكم رب العالمين إلى حالة الانتقائية وجعل الوحي تابعاً للأهواء لا متبوعاً.

4. التأثر بنظرية التطور

هذه الطريقة ومعارضة محكمات القرآن والإجماعات بشكل يظهر فيه التأثر بالثقافة الغالبة ظاهرة كذلك في حديث الشيخ بسام عن الخرافة المسمى بنظرية التطور. فالشيخ يتكلف ويخوض في القرآن ليثبت أن آدم عليه السلام له أم قد تكون من إنسان نياندرتال الذي يتكلم عنهم علماء الأحافير، والذي قيل إنه أقل عقلاً من جنس البشر. ويرى الشيخ أنه بذلك أيضاً يمنع وقوع المسلمين في الإلحاد، لأنهم إذا ذهبوا لشيوخ تقليديين، وقال لهم هؤلاء الشيوخ إن هذا باطل، فسيرون أن الإسلام يتعارض مع العلم.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "نعم بتكلم ممكن. شو معنات ممكن؟ لأنه اللي بيزعمه باسم القرآن وباسم الإسلام، إنه لأ مباشرة من أتراب. إيش من إيش لك هات أشوف من قرآن ومن سنة ثابتة والسنة بتكون صريحة وواضحة في الموضوع حتى نقعد احنا لأنه هذا على فكرة هذا ممكن يؤدي إلى فتنة بعض المسلمين لما يشوفنا احنا أحياناً هيك من عندنا بنرفض ومنقبل مع أنه الدين طبعاً هو في الأصل فوق العلم." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

نفس المنطق ونفس الحل الباطل بالتخبط في تفسير الآيات لتطويعها لأفكار باطلة. وقد وضحنا بالتفصيل في سلسلة "رحلة اليقين" أن ما يسمى بنظرية التطور هي مجرد خرافة، وأن إنسان نياندرتال لا يقل عن الإنسان الذي نعرفه حالياً حسب الأبحاث الحديثة. عندما نحرص على عدم فتنة المسلمين يا شيخ بسام، فالحل ليس في أن نخرق الإجماعات ونغامر في تفسير الآيات المحكمات ونخرج المسلمين إلى حالة من الفوضى والعبثية التي يستغلها أمثال عدنان إبراهيم ومحمد شحرور، بل الحل هو في أن نفهم المسلمين مدى بشاعة الموت على الكفر ليعلموا أن الله لا يظلم في حكمه، لا يظلم في حكمه، ونحثهم لذلك على دعوة الأمم. والحل في أن نحصن الناس ضد خرافات العلم الزائف حتى لا يعارض بها القرآن. هنا التجديد الحقيقي في إحياء معاني الدين في وجه التيار الجارف الهادم لثوابته، ونحن نسير على صراط الذين أنعم الله عليهم دون خرق سياج الشريعة.

5. المغالطات اللغوية وتفسير صيغة الماضي

ومن الأمثلة على المغالطات اللغوية أيضاً أننا حين قلنا للشيخ بسام: قال الله تعالى: ﴿قَدْ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي﴾. أقر الشيخ بسام بأن صيغة الماضي قد تستخدم مع المستقبل للتحقيق، لكنه رجح أن يكون اليأس المذكور في الدنيا. لماذا؟ لأنه بالصيغة الماضي.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "وهذا المعنى على فكرة اللي لازم يبدو فيه ليش؟ لأنه يأس في الماضي ولا إيش؟ هذول سيأسوا ولا يأسوا؟" [ينتهي كلام الشيخ بسام]

والصحيح أنه لا وجه لترجيح الشيخ أن اليأس عن الماضي لأنه بصيغة الماضي. قال الله تعالى: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾. فهل هم أدخلوها في الدنيا؟ أم أن ذلك سيكون يوم القيامة؟ بل والشيخ نفسه ذكر بعد هذا الموضع قول الله تعالى: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا﴾. وغير ذلك كثير في القرآن. فصيغة الماضي كثيراً ما تستعمل في القرآن للحديث عن أمور مستقبلية من قبيل التحقيق. فمنهجية الشيخ بسام مضطربة، يستدل بالمعاني القاموسية للألفاظ التي لها دلالات شرعية، ومع ذلك يختار ويرجح دون دليل في مواضع أخرى ليثبت فكرته.

وعلى سيرة اللغة فنحن أحياناً نبسط المفردات تخفيفاً على أسماع الناس، يعني قد تسمعوني أقول: "ترى الشيخ بسام" والأصل "ترى الشيخ بساماً"، أو أقول: "تجد من يقول أن" والأصل "تجد من يقول إن". أعلم هذا لكن أتجنب الألفاظ الثقيلة على الأسماع.

6. فناء النار ورأي ابن القيم

ماذا عن موضوع فناء النار والذي هو مرة أخرى مختلف عن اقتراح الشيخ بسام أن الكافر قد يباد في النار؟ ابن القيم بالفعل ظهر منه ميل إلى القول بفناء النار في أحد المواضع من كتبه دون أن يصرح بهذا القول، بينما توقف في موضع آخر ووافق إجماع الأمة في القول بأبدية النار في موضع ثالث. أي هذه المواضع هو ما استقر عليه رأي ابن القيم لا يعنينا، لأن القول بأبدية النار هو من عقد عليه إجماع الأمة، وهذا الإجماع رواه ابن حزم وغيره. والإجماع لا يعني أبداً أن يكون كل علماء الأمة عبر العصور متفقين على المسألة، بل إذا كانت القرون الأولى قد أجمعت على قول فهذا كافٍ في الإجماع.

طيب والآثار التي ذكرها ابن القيم عن بعض الصحابة والتي حاول أن ينقض بها الإجماع؟ لا تصح هذه الآثار من حيث الإسناد كما بيّن العديد من علماء الحديث مثل محمد بن إسماعيل الصنعاني والألباني وسنضع لكم أسماء أبحاثهم في التعليقات. وإن صح من الآثار شيء فإنه يؤول بناء على الآيات المحكمات التي تبين أبدية النار. وسنضع لكم في التعليقات شرحاً محكماً للشنقيطي رحمه الله في كتابه "دفع إيهام الاضطراب" يبين فيه أن أبدية النار هي القول الذي به تتسق الآيات. فحتى لو كان ابن القيم يقول بفناء النار فإننا نخطئه ولا نقلده مع محبتنا وإجلالنا له ونقلنا كثيراً عنه.

المشكلة هي أن الشيخ بسام يقع في مغالطاته هذه كلها بوثوقية عالية ويسفّه من يخالفه فيقتنع من يسمعه بأنه على الحق المبين.

7. الاستدلال بحديث تشميت اليهود

استدل عليه المستدلون على تحريم الترحم على موت الكفار بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الذي قال: "كانت اليهود تعاطس عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لها يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم". ماذا يقول الشيخ بسام عن الذين يستدلون بهذا الحديث على تحريم الترحم على الكفار؟

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "هذول ناس هذول ناس أول يؤخذ عنهم برضو بدي أقول للناس اللي بقولوا إحنا بجدارسين شريعة ومنأخذ من اللي بكتبونا اللي بنشوفوا إنهم دارسين من كلهم برضو إذا جايبين هذا الحديث يفهموا إنهم يا بفهموش يا إخوانا." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

ويكرر الشيخ اتهامهم: "برضو هذول اللي بيستشهدوا بهذا الحديث هذول لا يؤخذ عنهم علم شرعي أو بخونوا." ليش؟ أيوة ليش يا شيخ بسام؟ "لأنه أولاً هزو الأحياء وإحنا مش موضوعنا موضوع مش موضوعنا موضوع إحنا موضوعنا اللي مات على الكفر اللي مات على الشرك." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

الذين استدلوا بحديث تعاطس اليهود هذا الاستدلال ليس خلطاً أبداً، وإنما هذا اسمه من باب أولى. يعني إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يترحم على الكافر الحي فمن باب أولى ألا يترحم على الكافر الميت، لأن الكافر الحي قد يهديه الله، فالذي يقول له يرحمكم الله ممكن يعني بها أن يهديه الله للإسلام فيصبح من أهل الرحمة في الدنيا والآخرة. فإذا النبي عليه الصلاة والسلام لم يقلها لهم وهم أحياء وترجى هدايتهم، فكيف يقولها لكافر بعد ما مات؟

بينما إذا أردت أن ترى الخلط بالفعل فاسمع كيف يستدل الشيخ بسام.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "جبوا لي دليل على أنه الكافر لما بيسترحموا له الناس بيسترحموا له الناس بمعنى بطلبوا التخفيف عنه، اه، أنه قبل ما يصدر الحكم. أنتوا بتجيبوا لي الآيات بعد صدور في النار قاعد بتقولوا لي: ﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾. احنا قلنا إيه؟ قلنا في الدنيا عم بقولوا بيسترحموا. ويوم القيامة بيجي في ميزانه. هذا الاسترحام. دللوا على أنه بيجيش في ميزانه. وهذا مش عمله. هذا مش عمله. هذا عمل غيره الآن. لأنه عارفين شو بتقولوا؟ ما هو الله سبحانه كل أعمالهم بيبطلها. لا يا أخوي هاي أعمالنا احنا. هاي أعمالنا احنا. استرحام له. طيب. ثم كيف يقع شيخ كبير بمثل هذا والرسول تشفع في أبي طالب." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

ونحن نسأل الشيخ: ما علاقة شفاعة النبي في عمه يوم القيامة بترحم المسلمين على موت الكافرين في الدنيا؟ طبعاً الشيخ بسام حاول أن يثبت أن شفاعة النبي في أبي طالب ستكون قبل دخول أبي طالب للنار. هذا يخالف رواية مسلم عن العباس رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح". وصيغة الماضي كما ذكرنا تستخدم للتحقيق، وإلا فأبو طالب لم يدخل غمرات النار ولا ضحضاحها بعد. فظاهر الحديث أن أبا طالب سيدخل غمرات النار ثم بعد ذلك يخرج إلى ضحضاح منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. وحتى وإن لم تسلم لنا يا شيخ بسام بأن هذه الشفاعة ستكون بعد دخول أبي طالب للنار، هل تخالف في أنها ستكون يوم القيامة؟ كما يظهر من حديث البخاري ومسلم: "لعله تنفعه شفاعة يوم القيامة؟" وإذا خالفت وقلت بل شفع النبي في الدنيا فما دليلك؟ وسنضع لكم نصوصهم في أنها خصوصية للرسول في التعليقات.

الشيخ بسام يرى هذا القول بالخصوصية مضحكاً.

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "طيب، آآ، في بعضهم شو بقول على فكرة؟ قال هذه خصوصية للرسول. وهذا منطق الشيخ في نفي أنها خصوصية للرسول. وين الدليل على خصوصية رسول؟ ثم نسيوا الآية اللي ذكرتكم فيها: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ﴾ خلصنا ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ﴾ شو خصوصية؟ وين الخصوصية؟" [ينتهي كلام الشيخ بسام]

يعني يرى الشيخ بسام أنه بما أن الله تعالى نهى النبي والذين آمنوا عن الاستغفار للمشركين فإن هذا يعني أنه لا يمكن أن يخص النبي بالشفاعة لأبي طالب. يعني إذا نهى الله النبي والذين آمنوا عن الاستغفار للمشركين في الدنيا ثم أذن للنبي أن يشفع يوم القيامة لعمه، فلابد أن يأذن للذين آمنوا أن يشفعوا لموت الكافرين في الدنيا. ما علاقة هذا بذاك يا شيخ بسام؟

إيش دليلك كمان يا شيخ بسام أن الذين يستدلون بالحديث لا يؤخذ عنهم أو بخونوا؟

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "بعدين منين منين عرفتوا أنه الرسول بدوش يقولهم يرحمكم الله؟ كيف كيف عرفتوا يعني؟ طب ما احنا شفنا الجواب اللي يجاوب فيه الرسول هو فيه أعظم فيه أعظم من رحمة الهداية وإصلاح البال شو بدهم الناس؟" [ينتهي كلام الشيخ بسام]

يعني النبي صلى الله عليه وسلم ما قصد ألا يقول لليهود يرحمكم الله بل دعا لهم بأعظم أشكال الرحمة. والذي يظن أن النبي تجنب لفظ الرحمة بالذات هم حسب وصفك "خونا ما بيفهموش ولا يؤخذ عنهم علم شرعي". طيب تعال شوف من هو أول من فهم أن النبي تعمد تجنب لفظ الرحمة؟ يا ترى هل هو الشيخ الددو ولا إياد ولا السلفية؟ تعالوا نقرأ نص الحديث: روى أبو داود والترمذي والإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن مين؟ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كانت اليهود تعاطس عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لها يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم". يعني الذي لاحظ هذه الملاحظة هو الصحابي أبو موسى الأشعري رضي الله عنه الذي فهم أن النبي تعمد تجنب لفظ الرحمة، مش ناس خوانا ما بيفهموش، بل صحابي جليل.

مش ملاحظ يا شيخ بسام أنك كلما أردت أن تدافع عن خطئك فإنك تستبيح مساحات معظمة وأنت لا تشعر؟ نذكرك يا شيخ بسام بوصية عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري الذين تحدثوا عنه. لما كتب له عمر وكان فيما كتب: "ولا يمنع عنك من قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه رأيك وهديت لرشدك أن تراجع الحق. فإن الحق قديم لا يبطل الحق شيء. ومراجعة الحق خير من..." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

ويستبيح المزيد من المعظمات. أنت تسأل يا شيخ بسام: هو في أعظم من الهداية وصلاح البال؟ ونحن نسألك: وهل هذا يخفى على أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وعلى من نقل عنه الحديث إلى يومنا هذا؟ فكأنك تقول له يا أبا موسى ملاحظتك مش في محلها، إيش يعني لو الرسول ما قال لهم يرحمكم الله؟ الهداية وصلاح البال من الرحمة بل أعظم الرحمة، فهذا يعني أنه دعا لهم بالرحمة.

الشيخ بسام نفسه في محاضرته الثانية فسر الحديث بطريقة مختلفة فقال:

[يبدأ الشيخ بسام بالحديث في المقطع الصوتي] "في دليل عندهم أنه اليهود كانوا يتعاطسوا ثم يقولون الحمد لله. لا ما قالوش. ما فيش في الحديث خلص يرسوا تعاطسوا مشان يقول لهم يرحمكم الله. ما قال لهم اشو أنا قلت لكم ليش ما قال لهم ما ما حمدوش الله." [ينتهي كلام الشيخ بسام]

إذن المسألة مش إن النبي تعمد عدم الدعاء لهم بالرحمة لأنهم كفار، بل فقط لأنهم لم يقولوا الحمد لله. يعني وكأن اليهود كانوا يرون المسلمين يعطسون ويحمدون الله فيقال لهم يرحمكم الله، فتعاطسوا عند النبي ونسوا أن يقولوا الحمد لله، والنبي كان فقط ينتظر منهم أن يقولوا الحمد لله حتى يدعو لهم بالرحمة، ولا فهو عليه الصلاة والسلام عندوش أي مانع يقول لهم يرحمكم الله. وبدل ما يعلمهم أن يقولوا الحمد لله عشان يدعو لهم بالرحمة قال لهم يهديكم الله ويصلحوا بالكم. واليهود لم يخطر ببالهم أن يتداركوا الوضع ويقولوا الحمد لله علشان النبي يقول لهم يرحمكم الله.

لماذا أنت يا شيخ حريص على التفريق الدقيق بين مصطلحي الرحمة والمغفرة حتى لا نستدل بالنصوص الناهية عن الاستغفار على حرمة الترحم، ثم نجدك تزيل الحواجز بين الرحمة وطلب الهداية وتجعلهما شيئاً واحداً، وتزيل الحواجز بين ترحم المسلمين على موت الكفار في الدنيا وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب في الآخرة؟ طيب أي من تفسيريك نأخذ يا شيخ بسام؟ هذا الفهم الذي أوردته في الحلقة الثانية أن النبي لم يقل لهم يرحمكم الله لأنهم لربما لم يقولوا الحمد لله؟ أم الفهم الأول في الحلقة الأولى أن دعاءه لهم بالهداية وصلاح البال هو نفس الدعاء بالرحمة؟ وأي الفهمين يعتبر مخالفوه عندك ما بيفهموش؟

من الذين قالوا بأن هذا الحديث يدل على المنع من تشميت اليهود بـ "يرحمكم الله" علماء أجلاء مثل ابن رشد الجد في كتابه "المقدمات الممهدات" وابن حجر في "فتح الباري" وابن رسلان في "شرح سنن أبي داود". هذا الحديث فيه دلالة على أن الإسلام جاء بضبط الألفاظ حفاظاً على المفاهيم والعقائد ومنعاً لوقوع الالتباس خاصة في القضايا الحساسة كقضية مصائر الكافرين والمؤمنين، وهو ما نحاول إقناعك به يا شيخ بسام.

لو دعا النبي لليهود بالرحمة في تلك الحالة بنية أن يهدوا فيرحموا، بنية أن يهدوا فيرحموا، فسيطير اليهود بها ويقولون: أرأيتم نحن ترجى لنا الرحمة. لا تعالوا. النبي لم يقصد أن ترحموا في الآخرة إذا بقيتم على كفركم. أن الإسلام شرط في رحمة الآخرة، وندخل بعدها في جدال. قواطع الإسلام تحفظ بسياج ومسافات أمان واسعة ومصطلحات شرعية دقيقة حتى لا يقع اللبس. "يرحمكم الله" هكذا بعموم يفهم منها في الدنيا والآخرة، تريدونها ليس لها طريق إلا الإسلام من دون لف ولا دوران. وهذا مع أنه بوجود النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان من الصعب عليهم حينها أن يلبسوا على الناس لوضوح قواطع الإسلام بشكل صارم وضرورة أنه لا نجاة إلا بالإسلام والوحي يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.

فما بالكم في هذه الأيام؟ أيامنا هذه لما الإعلام يعمل على تمييع قضية التوحيد وعلى محاربة مبدأي أنه لا نجاة إلا بالإسلام ومحادة الله تعالى في كلامه إذ قال: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. ولما تعمل قوى الكفر والنفاق على إحلال أي مفهوم بديلاً عن أنه لا نجاة إلا بالإسلام، مرة بالإنسانوية، مرة بالمواطنة، ومرة بما يسمى الدين الإبراهيمي. ويعلم الأبناء في المدارس في مناهج التربية الوطنية أنه لا فرق بين المواطنين على أساس الدين، بل وتغزى مناهج التربية الإسلامية بهذا المفهوم، ويعلم الأولاد أن الدين شيء هامشي فلا فرق بينك وبين الكافر، بل ما بيطلع لك أصلاً تقول عنه كافر هو الآخر، وأنت كمسلم ليس معك الحق المطلق. وإذا أي أستاذ في مدرسة خالف هذا التمييع وذكر طلابه أن لا نجاة إلا بالإسلام أو أي داعية أو خطيب ذكر بهذا فإن قوانين إثارة الفتنة الطائفية تنتظره.

فيخرج عندنا أجيال ترى الدين إكسسوارات، إكسسواريز. حاجة ثانوية. أنت مسلم مثل أنت تفضل فريق كرة قدم أو لون معين أو وجبة. وكل الأديان والأفرقة وأنواع الوجبات خير وبركة أيها الجيل. وتطلع لك أجيال تنصدم صدمة عنيفة وتردح وتلطم الخدود وتشق الجيوب إذا قلت لها لا يجوز الدعاء للميت الكافر بالجنة. تيجي حضرتك يا شيخ بسام. تبتر من كلام العلماء. وتتكلف وتتناقض وتعارض الآيات والإجماعات. كل هذا لماذا؟ عشان عشان تثبت أنه يجوز أن تقول عن الكافر الميت رحمه الله. هكذا على العموم. وأنت تضمر في قلبك معنى تخفيف العذاب. تمر الأسابيع والشهور. ويبقى في الذاكرة أن هناك علماء أجازوا الترحم على موت النصارى وغير المسلمين عموماً. وبنية تخفيف العذاب هذه بتكت على الطريق. تنسى وتمسح.

هناك ألف مغرض يريد أن يستغل كلامك يا شيخ بسام وكلام المتبوعين مثلك. ليزيد الدين تميعاً في نفوس الأجيال. فتصور لما يكتب في مناهج أبنائنا في يوم قد لا يكون بعيداً: "وقد حرم بعض المتشددين الترحم على من يتوفى من إخواننا شركاء الوطن من النصارى أو اليهود أو البوذيين أو الهندوس أو الملحدين، وهذا موقف إرهابي متشدد ينافي سماحة الدين، بينما أجاز المعتدلون من الشيوخ هذا الترحم ومنهم الشيخ بسام جرار والأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وفلان وفلان".

كان الأولى بك يا شيخ بسام تدخر أوصاف "ما بيفهموش" و"جهلة" للذين وصفوا الكافر بالشهادة ودعوا له بشتى أنواع الأدعية وطلبوا من الله أن يدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، بل وأدوا صلاة الجنازة عليه.

الخاتمة

كنت أرجو أن يقبل الشيخ بسام الحوار فيما بيني وبينه وأن يسمع الكلام الذي ذكرته اليوم أن يسمعه هو وحده مني ثم يخرج على الناس فيصحح، لكنه أبى للأسف. مشكلتنا مع الشيخ بسام ليست في أمر خلافي بل في جعله بعض الثوابت أموراً خلافية والاستدلال على ذلك بما ليس دليلاً ودون منهجية علمية. وكل هذا في كلمة يعنونها الشيخ بعنوان "إشكالات المنهجية في تناول مفهوم الترحم والمغفرة". هذه كانت أول كلمة من كلماته. لذلك فلا يصح أن تتحول المسائل القطعية إلى خلافية استناداً إلى ما قاله الشيخ بسام. فلا اجتهاد في مورد النص، لا اجتهاد في مورد النص.

وأنا أسأل الله أن يهديه وإيانا سواء السبيل، وأن يصلح نياتنا ويطهر قلوبنا، وأن يوفق عبده بسام جرار إلى الرجوع للحق ودلالة متابعيه عليه. وأقول ختاماً أنا أحل الشيخ بسام من حقي الشخصي فيما يمكن أن يكون قد بدر منه تجاهي في الماضي أو سيبدر في المستقبل، مسامح الدنيا والآخرة. وأما بيان أمر الدين فلا مجاملة فيه. وأدعو الإخوة الذين اقتنعوا بكلامنا اليوم ألا يزيدوا على ما ذكرنا في حق الشيخ وألا يسيئوا إليه، فالإساءات تثير الضغائن وتحرم الناس من التفكير الهادئ وتحجبهم عن اتباع الحق.

اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنا لمختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. والسلام عليكم ورحمة الله.

[Previous response ended with the closing prayer and salutation. This indicates the transcript has been fully formatted.]

It seems the previous response completed the entire transcript. There is no content left to continue.