→ عودة إلى مرئيات

مهاجمة الثوابت - الأضاحي نموذجا

٢٤ يوليو ٢٠٢١
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

مهاجمة الثوابت: الأضاحي نموذجًا

انتشرت مؤخراً موضة أن من يريد أن يطعن في شعائر الإسلام يبدأ بقوله: "الإسلام بريء من كذا"، حتى يشعرك بأن مشكلته ليست مع الإسلام بل مع شعيرة من الشعائر لا يراها -حسب رأيه- من الإسلام.

أمثلة حديثة على الطعن في الشعائر

من آخر ذلك امرأة في لجنة، الأصل أنها موكلة بإصلاحات سياسية، تقول هذه العضو عن أضاحي العيد: "الإسلام بريء من هذا الطقس". وآخر في اللجنة ذاتها أيضاً يعترض على نص أن الإسلام دين الدولة، ويشتكي من العذاب الذي يتسبب به أذان الفجر، ويقول أنه ناشد وزير الأوقاف للتدخل في وقف هذا العذاب.

ومن أيام، كاتب لا يكف عن الطعن في الدين، ومن أرض الحرمين يستنكر وجود مواسم للعبادة كموسم الحج، ويبدأ استنكاره ذلك بقوله: "الله سبحانه وتعالى أقرب إلينا من حبل الوريد"، ليشعر بأن ما سيأتي كلام شخص مؤمن بالله.

تحليل الظاهرة وتداعياتها

رد كثيرون بالاستنكار خاصة على موضوع الأضاحي، فالأمة فيها حياة والحمد لله. لكن أحب أن أتذاكر معكم إخواني بعض النقاط المهمة بعيداً عن شخص تلك المرأة أو العضو الآخر أو ذاك الكاتب. وحتى لا ندخل في أنها تراجعت أو لم تتراجع، وهل تراجعها صادق أم لا. نحن أمام ظاهرة متكررة، وهي ظاهرة الطعن في شعائر إسلامية بعد مقدمات خلاصتها: "نحن لا مشكلة لدينا مع الإسلام".

الأهداف الحقيقية للمهاجمين

أولاً: ما الذي يريده هؤلاء بالضبط؟ هم يريدون ضرب ثوابت الإسلام تحديداً، وإسقاط القداسة عن المقدسات الحقيقية. بالنسبة لهؤلاء، مجرد نزول المقدسات إلى طاولة النقاش مكسب، بحيث تظهر المسألة وكأنهم عبروا عن رأيهم بأدب وهدوء، فرد عليهم المسلمون بعصبية وعاطفة. فيأتي بعض المسلمين الغافلين ليقول: "يا أخي لماذا لا تناقشون هؤلاء بأسلوب حضاري وبحوار هادئ وأدلة؟"

ثم بعد أن تُصبح خلافية يتم فرضها فرضاً على من يستنكرها، ويعتبر من يستنكرها هو المنبوذ والمجرم بالقانون. لاحظ كيف بعد تصريحات هذه المرأة يأتي مسؤول آخر ليدعو إلى عدم الخوض في القضايا الخلافية في المجتمع. يعني أصبحت مسألة الأضحية التي نزلت فيها آيات من القرآن وفيها أحاديث ثابتة، وهي شعيرة نفاخر بها ونتأسى فيها بإبراهيم عليه السلام، أصبحت مسألة خلافية في المجتمع. تصور لما تمر هذه الكلمة الكارثية بهدوء.

وللعلم فمجرد إقالة أمثال هؤلاء من لجنة من اللجان لا يعني الكثير، بل هم كثيراً ما يحرصون على الظهور بمظهر المظلومين الذين عانوا الاضطهاد لمجرد إبداء رأيهم، فترتفع أرصدتهم في عيون المغفلين، وإلا فالمناصب البديلة موجودة، وهم يدورون عليها، وقد يلمعون في الغرب، وتمنح لهم الجوائز على نضالهم الفكري.

نفس هذه المرأة هي عضو في مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، وعضو سابق في المجلس التنفيذي الوطني لتطوير المناهج الدراسية لأبنائنا. وهي نفسها كانت علقت على صورة معنونة بمؤازرة الرسول عليه الصلاة والسلام بقولها: "هكذا يتعلم طلبة الصف الثاني الفكرة الداعشية في مناهجهم". قال يعني المناهج تعلم الفعل مؤازرة الرسول، لكن مع ذلك هم يريدون طمس آثار الإسلام من المناهج بالكلية.

مشكلة التلون والنفاق

ثانياً يا كرام: ما مشكلتنا مع هؤلاء الطاعنين في الشعائر بالضبط؟ مشكلتنا معهم أنهم متلونون يكذبون على الناس. قال الله تعالى في المنافقين: {ولتعرفنهم في لحن القول}. إذا أنكرتم شعيرة من شعائر الإسلام فالإسلام بريء منكم أنتم لا من هذه الشعيرة. فقد أجمعت الأمة على براءة الإسلام ممن ينكر معلوماً من الدين بالضرورة، حتى يقطع الطريق على أمثالكم ممن يحاولون هدم الإسلام من الداخل.

تصور لو أن هؤلاء عاشوا أيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم كان ينزل عليه: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير}، ويسمعون النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في الأضحية ويضحي بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده كما روى البخاري ومسلم. تصور لو أنهم قالوا وقتها: "هذه طقوس تفتقر للرحمة والرأفة، ذبح الأغنام وتقديم الأضحية غير مبرر في الإسلام، والإسلام سيكون بريئاً من هذا الطقس في عصر تطورت وتغيرت فيه السياقات المعيشية ومفاهيم التوازن البيئي والطقوس الحقوقية والعقد البيئي". هل كانوا سيجرؤون على قول ذلك؟ وكيف كانوا سيصنفون لو قالوها؟

لا تتظاهروا أيها الطاعنون في شعائر الإسلام أن مشكلتنا هي مع كونكم مثقفين تعبرون عن رأيكم. فلو أن أحداً عبر عن رأيه المخالف لسياسات بلد من بلاد المسلمين فإن محاكم أمن الدولة تنتظره والتجريم والسجن ينتظره. في هذه الحالة لا حرية تعبير. تريدون الحرية مفتوحة على مصراعيها للطعن في ثوابت الإسلام فقط.

أعضاء لجنة الإصلاح السياسي هؤلاء لا يعنيهم انتقاد الكبت لحرية التعبير السياسي، وإنما مشكلتهم مع الأضاحي والأذان. لم نسمع لكم صوتاً تجاه نحر روسيا للمسلمين في سوريا أثناء العيد، إنما حنيتكم تظهر على الخراف فقط.

هذه المرأة لا تعترض على طقوس قتل عشرات ملايين الديك الرومي سنوياً في أمريكا. فمثلاً في 2018 نشرت أخبار عن توقع قتل 46 مليون ديك رومي بمناسبة عيد الشكر في أمريكا، والذي يتكرر سنوياً فيهجمون عليها بالسكاكين، ويتلذذون بتعذيبها بطعنات متتالية، ويتركون الكثير منها ليموت ويتعفن. لا اعتراض على هذا كله، وإنما الاعتراض هو على الأضاحي الإسلامية التي أمر الله بها ورسوله.

فتقول هذه المرأة عنها: "العيد يستحق الاحتفال عندما نصنع شكلاً من أشكال الحياة أو ننقذها من العبث وفوضى البقاء، وليس بالضرورة عندما نخطف حياة أو نبيدها ونضحي فيها بسبب طقوس تفتقر للرحمة والرأفة". فلما تكون المسألة بهذا الشكل فالقضية ليست حواراً حضارياً بل نفاق وتلون والتحدث باسم الشيطان.

قال الله تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم}. هذه الآية نزلت في شأن الذين كانوا يجادلون المسلمين في شأن الذبح أيضاً سبحان الله. فالشريعة حرمت أكل الميتة وأمرت بالذبح وذكر اسم الله على الذبيحة. فكان المشركون يقولون: "ما ذبح الله" يعني الميتة "فلا تأكلون، وأما ما ذبحتم بأيديكم فحلال". والآن نشهد اجتراراً لبث وحي الشيطان في شأن الذبائح من جديد.

فمرة أخرى مشكلتنا معكم أنكم تريدون ضرب الثوابت. هذا الطريق نحن نشهد نهايته في أنحاء العالم. لما تصبح المجتمعات بلا ثوابت، فالنتيجة أن يفرض على أولادك في المدرسة تعلم الفاحشة والشذوذ والتحول الجنسي، وتظهر أصوات للمطالبة بشرعنة ممارسة الفاحشة مع الأطفال، ويفرض ذلك فرضاً، وتصبح هذه هي المقدسات بينما يستهزأ بالله ورسله ويمنع المسلمات من الحجاب.

وأمس، أمس، خلال ساعات يعني، أقرت فرنسا قانون مكافحة الانفصالية بحيث يأخذ الأبناء من آبائهم المسلمين إذا رفضوا هذه الممارسات. هذه نهاية طريقكم يا من تضربون الثوابت. فلا تتلونوا ولا تخفوا أجنداتكم. قولوها صريحة للناس ولا تتدسسوا بسمومكم. نسأل الله أن يلطف بالمسلمين ويهيئ لهم من أمرهم رشداً.

والسلام عليكم ورحمة الله.