→ عودة إلى مرئيات

مواساةً لأهلنا في غزة

٣ مارس ٢٠٢٤
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

إخواني الكرام، جاءتني رسالة مؤثرة من أخ في غزة يقول فيها: "ضاقت صدورنا بسبب الخذلان، وأصبح الهم كمثاقيل الجبال، فهل من وصية توصي بها إخوانك في غزة تصورها وتنشرها، تجمع فيها فضائل من ابتلاه الله؟"

ويعني صراحة: "لا سد المسلمون جوع الجوع، ولا أوقف الدم النازف، ولا ذاد عن حياض الدين وأعراض نسائنا في غزة. وأنا أطلب نصرتكم بالنصيحة وبالتثبيت لنا في موطن من نصرنا فيه نصره الله، ومن خذلنا خذله الله. كنت أريد التسلل مع بعض الشباب نحمل بعضاً من الدقيق لنوصله إلى أهلنا في المجاعة، فاستشهد أكثر من ثلاثة، وأخرنا الله لقدرنا فعدنا أدراجنا. ألف قلوبنا، ألف الله قلبك. والله يا شيخنا بعض الناس فتن في دينه بسبب جوع أطفاله وخذلان الأمة، وفي نفس الوقت تدخل البضائع إلى الكيان الغاصب يومياً من أكثر من ثمانية عشر دولة معظمها عربية متأسلمة." انتهت الرسالة.

الشعور بالخذلان وواقع الأمة

حقيقة إخواني، مع الإحساس بالقهر ما عاد الواحد متشجع يتكلم في الموضوع زيادة على ما قلناه سابقاً. لكن لما إخواننا يقولون لنا: "أسمعنا كلاماً يصبرنا"، فلا نستطيع إلا أن نجيبهم.

قبل كل شيء يا إخواني في غزة، من المهم أن نتذكر أن من يصبرونكم لا يحدثونكم كأحرار غير مكبّلين. لأنه لو كانوا أحراراً، فلن يُقبل منهم أن يقولوا لكم: "اصبروا لكم الأجر والجنة". وإنما حقيقة الأمر أن الشعوب المسلمة مكبّلة.

لما يكون المسلمون غير قادرين على نصرتكم كما ينبغي، بل ولواحد فيهم غير قادر على أن يدافع عن نفسه، لأنها شعوب منزوع منها كل أسباب الدفاع عن النفس. ولما يكون الذي ينكر المنكر مهدداً بالحبس، فهذه الشعوب ليست حرة. فلما تسمعوا من يصبركم فيا ريت تعلموا أنه معكم في السجن الكبير، وتسمعوا وهذه الحقيقة في أذهانكم.

ليس الجميع قد خذلكم

شعوركم بالخذلان من الجميع يدفعكم نحو فقدان الصبر، فاعلموا أنه لا والله ما خذلكم الجميع. والله إن في الأمة كثيراً ممن يتحرقون لنصرتكم، وهم مستعدون للتضحية بأنفسهم وأموالهم لإنقاذكم. رأيت شباباً يقول أحدهم: "إيش أعمل؟" وينفجر في البكاء. فلما أقول له: "عسى الله أن يفتح لنا باباً للجهاد"، كما تتمزق عندكم أجساد، هناك أناس نفوسهم تتمزق ويتمنون لو كانوا معكم.

في حديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة وهو عائد من تبوك: "إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم". قالوا: "يا رسول الله وهم بالمدينة؟" قال: "وهم بالمدينة حبسهم العذر".

الناس إخواني ليسوا كما يروج الإعلام، وهناك مسيرات واحتجاجات وكثيرون يضحون بأنفسهم ويعرضونها للضرب والحبس لأجلكم. أول أمس خرج الآلاف في الأردن محتجين على شاحنات العار، وحسب الأخبار تم اعتقال خمسة وثلاثين شاباً منهم. الأمة فيها خير كثير يتعرض للكبت أولاً بأول. هناك بلاد اعتقل فيها عشرات الآلاف من الدعاة والعلماء، واعتقل ولا يزال يعتقل فيها الآلاف بالجملة ممن يفكر في عمل مؤثر لإنقاذكم وإنقاذ المستضعفين من المسلمين.

أثر تضحياتكم ومخططات العدو

لا تنسوا نشاط الصهاينة المجرمين على مواقع التواصل، فلا يستغرب أن تخصص حسابات متسوسة لإشعاركم بالخيبة من الشعوب المسلمة، لإشعاركم بأنكم منسيون. علشان لما يقال لكم: "أحييتم أمة الإسلام"، تقولوا: "لا ولا أحيينا أحداً ولا أثرنا في أحد، كانت حماسة وانطفأت". لا يا إخواني لا.

"لولا إذ سمعتموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين". التشكيك في ثمار تضحياتكم مدمر، وعدوكم يعرف ذلك جيداً. لذلك يا إخواني، فكل إشعار لكم بقلة جدوى تضحياتكم إنما هو من شياطين الإنس والجن ليحطموا نفسياتكم ويجعلوكم متسخطين متشككين، بدل أن تكونوا صابرين ثابتين محتسبين تبثون في الأمة معاني الصبر والثبات.

الصبر والثبات في البلاء

تذكروا حديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي مريض يعوده وقال له: "لا بأس طهور إن شاء الله". فقال المريض: "قلت طهور؟ كلا، بل هي حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فنعم إذن". يعني ما دمت لا تريدها طهوراً لذنوبك، فلتكن كما تقول حمى تفور عليك حتى تزيرك القبر. مات الرجل، لكن بدل أن يكسب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ويوافي ربه مطهراً من الذنوب مستعداً لدخول الجنة.

إما أن تثبتوا الآن وتصبروا وترضوا عن قضاء ربكم سبحانه فيكون ما تلقونه طهوراً، أو تجزعوا وتسخطوا فلا دنيا حينئذ ولا آخرة.

لما نشرت الاستبيان عن مدى حصول تغير جذري بعد الأحداث، عشرات الآلاف ما نسبته أكثر من خمسين بالمئة من المستجيبين اختاروا أنه نعم حصل تغير جذري لديهم في حياتهم وسلوكياتهم. ويا ريت لما تفتر هممكم يا إخواني روحوا اقرأوا التعليقات على ذلك الاستبيان وشوفوا كم غيرتم في الناس، وسنضع لكم رابطه في وصف الفيديو إن شاء الله.

إيقاظ البشرية وتغيير الوعي

حالة الأسر لكل الأمة أنتم تخلخلونها، بل أنتم توقظون البشرية من سباتها وتكسرون أغلالها. ملايين الناس عبر العالم بدأوا يستيقظون على حقيقة أنهم مستعبدون مضحوك عليهم. والمجرمون في كل بلد كل تركيزهم الآن أن تحسم هذه المعركة لصالح الصهاينة، ومش حاسبين حساب أثر استفاقة الشعوب على المدى البعيد.

لما جندي بسلاح الجو الأمريكي يحرق نفسه احتجاجاً على الظلم الذي تتعرضون له، لما جنود يحرقوا زيهم العسكري لأنهم خزيانين فيه، هذا كله سيكون له أثر كبير بإذن الله. الصهاينة المجرمون يبكون كما تبكون ويتألمون كما تتألمون، لكن شتان في المصير. وكل جيوش الأرض مجتمعة ما أبكتهم كما أبكيتموهم يا أبطال غزة.

كل يوم تمتد فيه الحرب عماله بيحصل فيه تغير عميق في وعي الشعوب، بحيث لما يجي تغير باتجاه تحرر الناس ما يكون تغير هش وسريع الزوال، بل تغيير عميق طويل الأثر بإذن الله.

الرضا بقضاء الله وعظيم الأجر

سهل جداً تقولوا: "يا أخي لا بدنا الشعوب تستفيق ولا المسلمين يستفيقوا، بدنا نسد جوع أبنائنا ونرجع لبيوتنا ونشعر بالأمان وما تظل الصواريخ تنهال على رؤوسنا". هذه مطالب مشروعة يبحث عنها كل إنسان، لكن المهم ألا تصلوا إلى مرحلة الاعتراض على ربكم الحكيم سبحانه. المهم ألا تستقلوا أثر صبركم. المهم إنكم ما تنكسروا وينجح المجرمون في أن يجعلوكم عبرة لمن يعتبر.

هذه دنيا تافهة لا تساوي عند الله جناح بعوضة. صبركم هنا يعني الخلود في النعيم المقيم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: إنا لله وإنا إليه راجعون. فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد".

الذي فقد منكم عينيه يا إخواني بشراك ما أخبرك به نبينا صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه يعني عينيه فصبر عوضته منهما الجنة".

من أشدكم بؤساً ومعاناة الآن يا أهل غزة؟ في حديث مسلم قال سيد الصابرين صلى الله عليه وسلم: "ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط". غمسة نسته كل بؤس الدنيا.

كلمة للقائمين على المساعدات وخاتمة

ولأنه طلب مني أيضاً من أخ في غزة، فإني أقول كلمة لمن يملك شيئاً من السلع وكذلك للقائمين على توزيع المساعدات: اتقوا الله في إخوانكم، عساه سبحانه أن يحفظكم في أنفسكم وأبنائكم وأعراضكم بتقواه. فأنتم تعلمون إخواني أن أحدكم الموت قد يأتيه في أي لحظة، ويعلم أن الذين ظلموا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معهم لافتدوا به من العذاب. فنسأل الله أن يوفقكم للرحمة والتكافل والعدل حتى لا تكونوا سبباً في فتنة الناس.

ومرة أخرى ما كنت لأخاطبكم يا أهل غزة بهذه الكلمة لولا أنه طلب مني أن أقولها، وإلا فإني أستحي منكم.

وأختم لكم بأبيات قلتها في محنة أقل من محنتكم طبعاً بكثير، لكن لعل فيها تصبيراً: كم دمعة في محنتي وريتها أغضي على جرحي وناري تضرم حتى أعلم من يراني راضياً أن المحبة عروة لا تفصم كم بسمة وسط العذا أظهرتها والخطب ينهش والرزايا تؤلم وأري بصبري من يريد شماتة أني وربي حافظ لا أهزم فاصبر فليسوا يرتجون وترتجي أجراً إذا هم يألمون وتألم إما يعزك لن تذوق مهانة أو إن يهنها ما لنفسك مكرم

أسأل الله يا أهل غزة أن ينجيكم وينصركم ويعيننا على نصرتكم ويهيئ لنا وللمسلمين سبل الجهاد في سبيله. والسلام عليكم ورحمة الله.

There is no continuation needed. The previous response completed the entire transcript.