السلام عليكم ورحمة الله.
مقدمة ورسالة عامة
هذه الكلمة موجهة لإخواني من عموم الشعب المصري، متجاوزًا بها الحدود المصطنعة، إيمانًا بقول ربنا: "إن هذه أمتكم أمة واحدة"، ومتحررًا فيها من قيود الانتصار لحزب أو شخص. فإني من قديم أنادي أن الإسلام لم يدخل المعركة بعد، وأن من مارسوا العمل السياسي بمصر أساءوا تمثيل الإسلام، ولم يفلحوا في قيادة الثورة لتحقق للناس خير الدنيا والآخرة. ولقيت في سبيل هذا من بعضهم التهجم والتسفيه.
لست من أنصار محمد مرسي، بل من خصومه؛ لأنه قدم رضى الفلول والكنسيين وأمريكا على رضى الله ورضى المسلمين من شعبه. ولا يهمني بهذه الكلمة أيبقى مرسي رئيسًا أم لا، فما دام أن سكة القطار المصري تصب في الهاوية، فلا فرق بين أن يقودها مرسي أو غيره.
ولا أطمع في شيء منك أخي المصري ولا أخافك، فلا أنا أستطيع الترشح لأخذ منك صوتًا انتخابيًا، ولا أنا أخاف منك أذية وأنا في مكاني هنا في عمان. لكن مصر بحق أم العالم الإسلامي، بنجاتها تنجو أمتنا. ولذا فاسمحوا لي أن أتكلم كواحد منكم لأنادي إخواني وأحبابي من الشعب المصري: أيها المصريون الأحرار، كونوا أنصار الله، لا أنصار مرسي، ولا أنصار الأحزاب المنتسبة للإسلامية، ولا أنصار الفلول، ولا أنصار من يصورون لكم أن الإسلام فشل بفشل حامله، بل كونوا كما أمر الله أنصار الله.
تشخيص المشكلة وطريق الخلاص
تعالوا نعرف ما المشكلة من سببها، وكيف الخلاص منها، وما الأخطاء التي قد نفعلها في هذه الأيام فلا تزيدنا إلا خسارة وبعدًا عن الله.
نحن كلنا متفقون على وجود مشاكل معيشية دنيوية، ومن حقنا المطالبة بعيش كريم. لن أكرر لك اسطوانة "الإسلام هو الحل فانتخبوني لأحقق لكم رفاه الدنيا بالإسلام"، بل سأقول لك رغماً عني وعنك، شئت هذا أم أبيته: "لا عيش كريم إلا بدين الله تعالى".
لماذا لا ينطبق علينا ما ينطبق على غيرنا؟
طيب، ها هم الكفار مستمتعون بحياتهم. نحن قصة أخرى يا صديقي، وما ينطبق على غيرنا لن ينطبق علينا. لماذا؟ قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. نحن اتخذنا الله جنودًا لهداية الناس، إن لم نقم بهذه المهمة، فإن الله لن يعاملنا كما يعامل بقية الأمم، بل سيعذبنا في الدنيا لينقذنا. وهذا من رحمته تعالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ألا يتركها في غفلتها ويدخر لها العقوبة في الآخرة، بل يردها إليه ببلايا الدنيا. فالذل المسلط علينا هو لأن تخلينا عن مهمتنا، كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى..."
نقد أداء المنتسبين للإسلاميين والدولة العميقة
نحن عندما انتخبنا للإسلاميين، ألم نختر الدين؟ لا أبدًا. إنما الذي فعلناه أن وضعنا ملتحين في قمرة القيادة لقطار يسير على سكة رسمتها الدولة العميقة وقيادات العسكر الموالون لأمريكا والصهيونية. هذه السكة مسارها محدد من عشرات السنوات، تمر في صحارى طمس الهوية الإسلامية، وصحارى العبودية لأمريكا، وجعل بلادنا تشحد الخبز منها.
أخطأ المنتسبون للعمل الإسلامي خطأ فاحشًا، بل عصوا ربهم بأنهم قبلوا بقيادة هذا القطار. وأخطأنا نحن الشعب معهم، إذ لم نعمل على تغيير السكة. أخطأ المنتسبون للعمل الإسلامي إذ لم يقودوا الشعب إلى طريق المجد والتضحية في سبيل تفكيك الدولة العميقة وقيادات الجيش الفاسدة، لإعادة بناء البلاد على تقوى من الله ورضوان، مهما كلف ذلك من ثمن.
وأخطأنا نحن المصريين إذ أطعنا هؤلاء الإسلاميين خوفًا من تأدية ضريبة الكرامة. ورحمة الله على ابن مصر سيد قطب إذ قال: "شاهدت شعوبًا بأسرها تشفق من تكاليف الحرية مرة، فتظل تؤدي ضرائب العبودية مرات. إنه لا بد من ضريبة يؤديها الأفراد وتؤديها الجماعات وتؤديها الشعوب، فإما أن تؤدي تلك الضرائب للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تؤدي للذلة والمهانة والعبودية".
تشخيص المشكلة الحقيقية والحلول الخاطئة
إذن دعونا نشخص المشكلة أننا لم نضحِّ في سبيل الله بصدق لنستحق منه الحياة الطيبة التي وعد بها، وسكتنا عن تصالح القوى المنتسبة للإسلامية مع فلول النظام المجرم، والكل شركاء في هذا الخطأ.
ما ليس حلاً:
- ليس الحل في أن نستدعي الفلول لقيادة القطار من جديد.
- كما أن بقاء مرسي في قمرة القيادة لن يحل المشكلة أيضًا.
- ليس الحل في أن نتهم الإسلام بالفشل، فالإسلام النقي بريء مما حصل ولم يدخل المعركة، إنما نحن من ظننا أن بإمكاننا استخدام الإسلام ليخدمنا بدل أن نخدمه بصدق ونضحي في سبيله، مستعدين لدفع تكاليف الكرامة لتحصيل بركات الله الموعودة.
- ليس الحل في أن نعادي كل مظهر ديني، فما نعيشه هو نتيجة خذلاننا للإسلام، فليس علاجه بأن نحارب الإسلام.
- ليس الحل في أن نحالف أتباع الكنيسة الذين يريدون الركوب على ظهر الشعب المصري المسلم، فيصرحون بوقاحة أنه لا إسلام سياسي بعد ثلاثين ستة، ملبسين بذلك على الناس أن الإسلام فشل في الحكم. الذين يتاجرون بدماء وآلام الشعب المصري ويظهرون الحرص على تلبية مطالبه، وهم الذين عاشوا في ظل حسني مبارك عقودًا ينعمون بفساده ويشاركونه ظلمه، لم يقفوا يومًا مع شعبهم.
- ليس الحل في أن تجعل نفسك أيها المصري وقودًا لأحلامهم ومطامعهم الشخصية.
- ليس الحل في أن ترى راية الإسلام تسقط لأن حامليها أساءوا حملها، فتشارك في الدوس على الراية، بل الحل في أن تحملها أنت وتنفض الغبار عنها وتؤدي أمانتها بعد أن لم يؤدها حاملوها السابقون، وإلا لا عذر لك أمام الله يوم القيامة، وقد قال لك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}. ولن ينفعك أن تقول يومها: "يا ربي ما هم الإسلاميين فعلوا وفعلوا"، لما لم تقم أنت بالمهمة؟
تحذير من ظلم المسلمين:
إذن ليس الحل في أن تضرب أو تؤذي مسلمًا بغير حق يا أخي، وأنت تعلم أن في الملتحين أو في المنتقبات من هو بريء مما حصل، ولم يرضَ بدخول المنتسبين للإسلامية في قطار الهاوية أصلاً، أو انتخبهم مغترًا بهم، لكنه بعد ذلك لم يرضَ بأفعالهم. إنك يا أخي إن ظلمت مؤمنًا في هذه الأيام، فإنك تستجلب سخط الله على بلدك. في سورة ياسين عندما ظلم أصحاب القرية رجلاً مؤمنًا واحدًا وقتلوه، ماذا قال الله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}.
في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا". فلا تكن يرحمك الله في صف أناس يدعون إلى إيذاء كل صاحب مظهر إسلامي، {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا}.
أقول لك ذلك بعد أن نشرت كلمة بعنوان "ماذا نفعل في ثلاثين ستة" أقول فيها للمتدينين: "لا تذهبوا لنصرة مرسي إذ ليس حكمه حكمًا شرعيًا لتدافع عنه"، ولا زال بعض أنصاره يتهجمون علي لذلك.
العدو الحقيقي والحلول الناجعة
لا مرسي ولا أي من قيادات أخرى، مخلصة كانت أو غير مخلصة، ستنجو بالبلاد ما دام فيها نظام قضائي وضعي ظالم يبرئ بلطجية مبارك من دماء أبنائكم وإخوانكم. الدولة العميقة والنظام القضائي وكبار العسكر ومن ورائهم أمريكا والكيان الصهيوني والنظام الدولي، سينظرون إلى الشعب المصري يقتل بعضه بعضًا وهم في أمان، مع أنهم سبب المشكلة الحقيقي. كل ما يهمهم هو أن يقدم لهم الفائز في المعركة الولاء والطاعة وضمانات إخضاع رقاب المصريين لهم.
فإما أن نثور على الظلمة الحقيقيين، لا على إخوانكم وأبنائكم من الملتحين والمنقبات. أيعقل أيها الشعب المصري الأبي أن تخاف من الثورة على الدولة العميقة ثم تظهر شجاعتك على أبنائك وإخوانك؟ أيعقل أيها الشعب المصري الأبي أن تخاف من الثورة على الدولة العميقة ثم تظهر شجاعتك على أبنائك وإخوانك؟ أيها الشعب المصري المعروف بعاطفته الدينية القوية، أيعقل أن يتجرأ سفهاء في أرضك على تهديد كل ملتح وكل منتقبة؟ أهي ثورة على حكم مرسي أم تمرد على الله عز وجل؟ هل لو كان رسول الله بيننا فإنك ستقول: "يا رسول الله سنجعل تطبيق سنتك الظاهرة تهمة نعاقب عليها الناس"؟
أنا لا يهمني أن تثور على مرسي أو غير مرسي، لكني أخاف عليك أن تحارب دين الله وأنت لا تشعر. إن حدث عنف أخي الحبيب ومت، فعلى أي شيء يكون موتك؟ إن مت في معركة مع من هم سبب البلاء الحقيقيون كنت شهيدًا، وإن مت وأنت تثور على كل مظهر إسلامي فبماذا تلقى الله؟
إن كان مطلبك العيش بكرامة فهو حق مشروع. إن كان مطلبك التخلص من هيمنة النظام الدولي ومن يداهنه ويخضع البلاد له أيًا كان انتماؤه فهو مطلب مشروع أيضًا. هذه مطالب تحتاج قيادات نقية، وما عجزت أرحام المصريات الكريمات أن تنجب أبطالاً مؤمنين بربهم صادقين رافضين للظلم. مطالب تحتاج أن تتمايز عن صف أتباع الكنيسة والفلوليين، إذ لن تنزل من الله بركة ولا رحمة على صف فيه هؤلاء.
نداء أخير ودعاء
أيها المصري الحر، إن أردت النجاة لبلادك، إن أردت النجاة لبلادك، فاصطلح مع الله، واحمل راية الإسلام بعد أن خذلها حاملوها، وصل الأمانة بعد أن ضيعوها، واعرف عدوك الحقيقي، واعرف عدوك الحقيقي، وعظم الله، ولا تسمح أن ينتقص من دينه وأنت حي.
إن قال مغرض منافق: "فشل الإسلام في حكم مصر"، فقل له: "كذبت، بل فشل حاملوه". فوعد الله صدق وعد الله: {الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.
إن قال مغرض: "اضربوا كل ملتح"، فقل له: "خسئت، لا أجعل سنة حبيبي المصطفى صلى الله عليه وسلم تهمة أضرب عليها وأنا أرجو أن أرد على حوضه الشريف يوم القيامة". {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
أيها المصري المحب لله ورسوله، احرص على منع الظلم في هذه الأيام لتستحق بلادك الرحمة من الله تعالى. "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
اللهم نجِّ مصر وأهلها، وحكم فيها من يرحم الناس ولا تأخذه فيك لومة لائم. والسلام عليكم ورحمة الله.