→ عودة إلى نصرة للشريعة

الحلقة 18 - هل المادة الثانية من دستور مصر تؤسلمه؟

٣١ مايو ٢٠١٢
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله

القسم على احترام الدستور الوضعي

من دعوة تطبيق الشريعة، الباب التالي هو القسم على احترام الدستور الوضعي. ففي مصر مثلاً، المادة الثانية والأربعون من الإعلان الدستوري تقول: "يقسم كل عضو من أعضاء مجلسي الشعب والشورى أمام مجلسه قبل أن يباشر عمله اليمين الآتية: أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على سلامة الوطن والنظام الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب، وأن أحترم الدستور والقانون".

طبعاً الدستور الأخير هو دستور 1971 الذي جرت عليه تعديلات عديدة، ومن ثم تبيعه الإعلان الدستوري ولواحقه. تعالوا الآن نرَ بنوداً من الإعلان بصيغته الأخيرة التي أقسم النواب الإسلاميون على احترامها.

تحليل بنود الدستور

المادة رقم 1: تقول: "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة". إذن فالنظام ديمقراطي يقوم على جعل التشريع للبرلمان لا لله، ويقوم على أساس المواطنة، إذن لا اعتبار للدين في حقوق وواجبات حكم الشرع بالتفريق فيها. وبالتالي فالدستور يمكن النصراني والمرتد أن يتولى الحكم أو القضاء مع الإجماع الشرعي على عدم جواز ذلك.

وهذه المخالفة الصارخة تؤكدها مرة أخرى المادة السابعة التي تقول: "المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة". لا تمييز.

نتجاوز المادة الثانية لنعود إليها بعد قليل، وننتقل إلى المادة الثالثة. المادة الثالثة تقول: "السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات"، أي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. هذه المادة تأكيد على أن السيادة ليست للشرع والخضوع ليس لله، بل الشعب هو الذي يشرع لنفسه واستقلاله بحق التشريع من دون الله عز وجل.

المادة 33 تقول: "يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع". إذن هذا تأكيد رابع لأن المشرع ليس رب الشعب سبحانه، بل الشعب ومن ينوب عنه.

إخواني، هذه المواد هي أحجار الأساس في النظام الديمقراطي، هي أركان دين الديمقراطية المصادمة لدين الله تعالى القائل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، والقائل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].

تحكيم الشعب والبرلمان هو اتباع لأهواء البشر الذين إن انقطعوا عن الوحي فهم لا يعلمون. وهذا هو الدستور الذي يقسم النائب الإسلامي على احترامه، يعني مؤدى قسمه: أقسم بالله العظيم أن أحترم جعل التشريع للشعب بدلاً من الله العظيم. قسم بالله على احترام دين غير دين الله، قسم بالله على احترام إشراك بشر مع الله في صفة من صفات ألوهيته وربوبيته وهي التشريع ووجوب الطاعة لهذا التشريع. هذا هو مؤدى القسم، بل قد أقر البرلمانيون الإسلاميون الإعلان الدستوري ووافقوا عليه بصورته هذه، والله المستعان.

وطلب القسم هذا من التناقض العجيب في دين الديمقراطية، فهي تمنع النائب من الانتساب لحزب ديني أو رفع شعار ديني في حملته، ثم لتضمن الديمقراطية لنفسها التزام النائب بها تجعله يقسم قسماً دينياً.

المادة الثانية من الدستور المصري: هل تؤسلم الدستور؟

سيقول قائل: لكن المادة الثانية من الدستور المصري ذاته، وكذلك من الإعلان الدستوري، تنص على أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". فنقول إخواني: هذه المادة ميتة موقودة متردية نطيحة. لماذا؟

دعونا بداية نتناول نص المادة فقرة فقرة بمعزل عن الدستور، ثم نضعها في سياق الدستور المصري لنرى هل هذه المادة موافقة لدين الله تعالى.

"الإسلام دين الدولة"

أولاً نص المادة، نبدأ بنص المادة: "الديانة الإسلام". لو تقدمنا بشكوى ضده في المحاكم، فهل تستطيع أن تقنعها ولو بحث في هذه العبارة من هويته لن تستطيع؟ إذا مات أبوه، فهل تستطيع أن تقنع المحاكم بأن لا تورثه لأن الكافر لا يرث المسلم؟ لا تستطيع. إذا أراد الزواج بمسلمة هل تمنعه الدولة؟ لا تمنعه. لماذا كل هذا؟ لأن دين هذا الرجل رسمياً عندها عند الدولة الإسلام. بل لعلك إن اتهمته بالكفر والردة وقدم ضدك دعوى التشهير فإنه يكسب القضية. فالدولة التي تصر على أن دين هذا الرجل رسمياً هو الإسلام هي ذاتها التي تكتب في دستورها "الإسلام دين الدولة". ومدلول كلمة "دين" في هوية هذا الرجل هو كمدلولها في الدستور. فهذه الفقرة لا تحمل أي أهمية تشريعية أو غير تشريعية.

"مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"

الشق الثاني من المادة: "ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". إذا علمنا أن رد التشريع إلى الله هو من توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية كما أسلفنا، فإن معنى هذه المادة بالضبط: الله هو الإله الرئيسي، أو لا إله رئيسي إلا الله. وهذا لا يختلف كثيراً عن منطق العرب في الجاهلية حيث كانوا يرون أن الله تعالى إله رئيسي لكن معه آلهة أخرى والعياذ بالله. قال تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12].

إذا دعي إلى تحكيم الشريعة فحسب رفضوا وقالوا بل لا بد من إشراك مصادر أخرى معها. وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون. هذا النص "المصدر الرئيسي" يعني أن مبادئ الشريعة معروضة ضمن تشريعات أخرى أمام البرلمان المشرع الذي ادعى لنفسه صفة من صفات الربوبية والألوهية، فينتقي البرلمان من الشريعة ما يعجبه ويرد ما لا يعجبه، وينتقي من غير الشريعة من قوانين البشر ما يراه أصلح من الشريعة في جانب من الجوانب. وهذا إشراك لمصادر أخرى مع الله في التشريع، والله أغنى الشركاء عن الشرك، وهو القائل: {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26].

فإن قال قائل: لماذا لا تحمل هذه العبارة على الاستفادة من مصادر أخرى فيما لم تحكم به الشريعة؟ كانوا يأخذون من أحكام الشريعة الإسلامية ضمن شرائع أخرى، فهل جعل ذلك حكمهم إسلامياً؟ كان هذا بالنسبة لعبارة "المصدر الرئيسي للتشريع".

هل انتهت القضية عند هذا الحد؟ لا، بل إمعاناً في الضلال تقول المادة: "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". ما هي مبادئ الشريعة عندهم؟ العدالة والرحمة والكرم والسماحة والتقدم والرقي والحضارة وحفظ النفس والمال. وهذه هي أيضاً المبادئ المعلنة للنصرانية والبوذية والهندوسية والكنفوشية والبهائية والقديانية، بل والاشتراكية والشيوعية. نص هلامي لا يسمن ولا يغني من جوع. وعندما اقترح تغيير النص إلى "أحكام الشريعة الإسلامية" اعترض بعض الإسلاميين المصرين على ترك الأمور هلامية مائعة مطاطة، وهو ذاته الفصيل الذي قال قائله: "إنما نسعى إلى تطبيق مبادئ الشريعة التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة".

إذن ففي هذه المادة: "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، لا كلمة "دين" لها دلالة ولا أثر، ولا كلمة "مبادئ" لها دلالة ولا أثر، ولا عبارة "المصدر الرئيسي للتشريع" تعني إفراد الله عز وجل بحق التشريع. إذن فقد بينا أن أرباب الدستور حبكوا المادة الثانية في مفاصلها الثلاثة لتمنع تطبيق الشريعة وتبقى مع ذلك زخرفاً من القول ترمي الرماد في العيون وتضحك على الذقون.

قرار المحكمة الدستورية العليا

سيقول قائل: لقد غابت عنك حقيقة مهمة جداً، ما هي؟ أن المحكمة الدستورية العليا قضت بقرار يجعل لهذه المادة أهميتها بحيث إذا أحسن الإسلاميون استغلالها فإنها تؤسلم الدستور والقانون بالفعل. ما هو هذا القرار؟ هذا القرار هو: "لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام التشريعية القطعية في ثبوتها ودلالتها".

أقول إخواني: لم يغب عنا ذلك، بل هذا القرار لا قيمة له مطلقاً. لماذا؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله عندما نضع المادة الثانية في سياق الدستور المصري لنرى أن هذه المادة لا تصلح متعلقاً لغريق أبداً، ولنرى مدى الغفلة أو التغافل الذي أصاب العمل الإسلامي البرلماني.

خلاصة

خلاصة الحلقة: نص المادة الثانية من الدستور المصري هلامي متضمن لإشراك البشر في التشريع مع الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله.