قصة عَجلان وسليمة
اشتركوا في القناة.
بدل منه بصديقه برمان، وهو شاب محترم متدين، سيطلب عجلان فتاته من برمان بدلًا من أن يطلبها من أبيها، لأن برمان سيوافق على مهر أقل. وبالفعل ارتبط عجلان بسليمة، وقُرئ في حفلهما القرآن، وكان حفلًا إسلاميًا بامتياز، دُعي إليه المشايخ والفضلاء.
عاش عجلان وسليمة في بيت واحد، وكانا يقومان الليل ويصومان النهار. كان عجلان يحرص كلما أتى أهله أن يقول: "بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا". أصبح لديهما أولاد. أما المال الذي وفره عجلان عندما تجنب إعطاء المهر العالي لوالد سليمة، فقد أنفقه عجلان على تحفيظ الأولاد القرآن في المراكز الإسلامية.
كانت هذه باختصار قصة عجلان وسليمة. أسئلة تطرح نفسها، وأود منك أخي أن تجيبني عنها.
أسئلة وأجوبة
السؤال الأول: هل زواج عجلان بسليمة زواج شرعي؟
الجواب: في الحديث الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل". إذن فزواجهما غير شرعي.
السؤال الثاني: كون برمان شابًا محترمًا متدينًا، ألا يضفي هذا شرعية على زواج عجلان بسليمة؟
الجواب: ما دام أن سليمة طُلبت من غير وليها، فلا فرق بين أن يكون هذا البديل عن الولي شر الخلق أم رجلًا متدينًا. بل إن المتدين إن رضي أن يمارس هذا الدور الباطل، فلا خير فيه ولا في تدينه، إذ تدينه المزعوم يضفي شرعية موهومة على هذا الزواج الباطل.
السؤال الثالث: لكن ماذا عن حرص عجلان على إسلامية العرس، وعلى ذكر الله كلما غشي سليمة؟ ألا يستحق هذا كله من الثناء؟ أليس هذا أفضل مما لو جاء بالمغنيات في عرسه؟ أليس حرصه على قيام الليل معها أفضل من سهرهما على الأفلام الماجنة؟ أليس التقليل من شأن هذه الإيجابيات حدية وسلبية وعدم إنصاف وسوداوية؟ أليس لديكم أي اعتبار للجوانب الإسلامية من حياتهما؟
الجواب: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا". وبقاؤهما في خلوتهما غير الشرعية يأثمان عليه حتى لو قاما الليل فيه.
السؤال الرابع: ماذا عن الأولاد وإنفاق عجلان عليهم في دور تحفيظ القرآن؟
الجواب: بما أن النكاح باطل، فالأولاد الناتجون غير شرعيين. وعجلان بصرفه مال المهر إلى دور القرآن بدلًا من صرفه في مكانه ليكون نكاحه شرعيًا، عجلان في ذلك آثم غير مأجور.
السؤال الخامس: هل يعقل أن كل هذه التبعات الكارثية في علاقة عجلان بسليمة هو من خطأ واحد في البداية، وهو عدم طلبها من أبيها؟
الجواب: نعم، فهذا الخطأ الواحد في البداية هو فرق ما بين النكاح الشرعي المبارك والزواج الباطل. وكل ما بني على باطل فهو باطل.
الاحتكام إلى البرلمان
أحبتي في الله، فاستئذان البرلمان في تطبيق الشريعة معناه جعله حكمًا على شريعة الله. فإن طبق حكم من الأحكام، فلا يطبق لأنه واجب التطبيق من حيث هو حكم الله، بل لأن البرلمان أذن لهذا الحكم أن يطبق. فحتى لو افترضنا أن البرلمان اختار أن يطبق الأحكام الإسلامية كاملة، فإن هذه الأحكام لا تسمى إسلامية ولا تسمى تطبيقًا للشريعة أبدًا، لأنها طبقت باسم البرلمان لا باسم الله، كما طلب عجلان فتاته من برمان لا من وليها.
فالمسألة ليست هل سيوافق البرلمان وهل سيوافق الشعب على أحكام الشريعة، بل مجرد استئذان البرلمان في تطبيق هذه الأحكام يسقط عنها صفة أنها أحكام الشريعة، ويجعلها أحكام البرلمان. ولا فرق هنا أطبقت هذه الأحكام دفعة واحدة أم طبقت بالتدريج، فما دام أن تطبيقها مرتبط بإذن البرلمان وصادر باسم الشعب، فهي أحكام الطاغوت وإن كانت موافقة في الصورة لأحكام الله، إذ أن الطاغوت كل ما عُبد من دون الله بإذنه.
والدعاء حق التشريع وإلزام الناس بطاعته من صفات الطاغوت. والمسألة هنا ليست مسألة شكلية. إن قلت باسم الشعب أو باسم البرلمان على ذبيحتك كنت آثمًا مشركًا، لأنك تهل بها لغير الله، والذبيحة حينئذ ميتة ويحرم عليك أكلها.
المادة الرابعة والعشرون من الدستور المصري تقول: "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب"، أي لأن الشعب أذن بها وأرادها. هذا الفرق الذي يراه البعض بسيطًا، باسم الله أو باسم البرلمان، هو فرق ما بين التوحيد والشرك، هو فرق ما بين الاحتكام إلى الله والاحتكام إلى البشر من دون الله.
البعض يظن أن تطبيق الشريعة من خلال البرلمان فرق شكلي عن تطبيقها إذعانًا لله تعالى، ما دام أن الأحكام في المحصلة متفقة في صورتها. يعني يقول لك: "نحن نريد أن نطبق الشريعة بأي طريقة، المهم أن نصل إلى تطبيق الشريعة". والحق أن الاحتكام إلى البرلمان شرك. والفرق بعد ذلك بين أن تطبق أحكام موافقة للشريعة في الصورة أو مخالفة لها هو الفرق الشكلي.
الهدف من تطبيق الشريعة
إخواني، هنا نقطة مهمة جدًا: تطبيق الشرع بحد ذاته لا يعتبر غاية قصوى، بل هو وسيلة لتحقيق العبودية لله عز وجل. فليس الهدف الوصول إلى تطبيق الشريعة بشكل مجرد، بل الهدف الوصول إلى تطبيق الشرع المحقق للعبودية لله عز وجل. وإلا فأحكام الشريعة لنفعنا نحن معاشر البشر. الذي يريده الله منا أن يكون تطبيقنا لشريعته من باب الامتثال لأمره: "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم".
الهدف الأعظم من تطبيق شرع الله هو إظهار الخضوع والانقياد والاستسلام له تعالى. وحين يخلو تطبيق الشريعة من هذا الهدف الأعظم، فلا قيمة له عند الله عز وجل. وبالتالي فكل ما يريده الله منا هو هذه الكلمة: "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الله". أما إن كانت أحكام الشريعة تصدر وتنفذ باسم الشعب، فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم، ساء ما يحكمون. ليس لله في هذه الأحكام نصيب.
كل ما يريده الله منا أن نمتثل أوامره طاعة له تعالى له وحده. هذه هي الكلمة التي يريدها الله منا. وتطبيق أمر الله تعالى لأنه أمر الله لا لأن الأغلبية توافقت عليه. استئذان البرلمان في تطبيق أمر الله شرك بالله، بل إخضاع أمر الله لأمر البشر، ساء ما يحكمون.
فمن اللحظة التي تصدر فيها الأحكام باسم البرلمان، فقد انهار هذا المعنى العبودية انهيارًا تامًا. ولا ينفع بعد ذلك كون النواب محترمين كبرمان، ولا البسملة في بداية الجلسات كما كان يبسمل عجلان عندما يأتي أهله، ولا ينفع بعد ذلك المظهر الإسلامي لقرارات هذا المجلس كأولاد سليمة غير الشرعيين، ولا يثنى على نشاطات هذا المجلس ولا على ما قد ينتج عنه من مكافحة للفساد ورفع للظلم، كما لا يثنى على صرف عجلان مهر فتاته لتحفيظ القرآن عندما استغفل صرف هذا المهر وتبعات طلبها من وليها.
فطلب سليمة من برمان جعل العلاقة غير شرعية من أولها إلى آخرها، وجعلها باطلًا، وكل ما بني على الباطل فهو باطل. لذا فإني أتألم عندما يسألني البعض: "طيب يا شيخ، افترض أن البرلمان نجح فعلًا في تطبيق الشريعة، هل تغير رأيك في المشاركة فيه؟" وهذا السؤال منقوض من نفسه، كأنهم يقولون: "افترض أن برمان نجح في جعل عجلان بسليمة زواجًا شرعيًا، هل ستغير رأيك في علاقتهما وتعتبرها شرعية؟" حينئذ لن تكون علاقتهما شرعية إلا إذا طلب عجلان فتاته من وليها وتحمل تكاليف ذلك.
هذا المبدأ على وضوحه وبداهته أصبح للأسف الشديد موضع نقاش، وهذا من الثمار السلبية لمواقف الأحزاب الإسلامية من العملية الديمقراطية وتصريحاتهم المتخبطة بخصوص تطبيق الشريعة. في الواقع إخواني، أهم أهداف السير في هذه السلسلة كانت التنبيه على هذه الثمار المشؤومة لأخطاء الأحزاب الإسلامية، ومن ثم تشخيص هذه الأخطاء وتحديد أعراضها وعلاجها. هذا المحور سيكون موضوع الحلقات القادمة، يتبعها بإذن الله محاور أخرى مهمة فتابعوا معنا.
الدعاء والختام
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
خلاصة الحلقة
استئذان البرلمان في تطبيق الشريعة يجعلها حكم البشر لا حكم الله عز وجل.
والسلام عليكم ورحمة الله.