السلام عليكم ورحمة الله أحبة الكرام.
مقدمة السلسلة
لا زلنا في سلسلة "نصرة للشريعة"، ونحن اليوم على موعد مع موضوع في غاية الأهمية، والأضرار العقدية التي نتجت عن أخطاء الإسلاميين في عملهم السياسي.
منهج السلسلة
إخواني، في هذا المحور من السلسلة سنسير بإذن الله على النحو التالي، وهنا تفصيل دقيق فأرجو التركيز:
الخطوة الأولى: توضيح الأضرار العقدية
سنوضح بداية الأضرار العقدية والفكرية والمنهجية التي أصابت كثيراً من المسلمين جراء الممارسات السياسية الخاطئة لبعض الإسلاميين.
الخطوة الثانية: تطبيق قاعدة المصلحة والمفسدة
هذا سينقلنا إلى الخطوة التالية، حيث سنقول لهؤلاء الإسلاميين: أنتم بررتم ممارساتكم السياسية هذه باستخدام قاعدة المصلحة والمفسدة، وقلتم أن ممارساتكم السياسية تجلب مصالح أعظم من المفاسد الناتجة عنها. الآن وبعد أن بينا في الخطوة الأولى حجم المفاسد الناتجة عن ممارساتكم، تعالوا نطبق قاعدتكم التي ناديتم بها ونعيد الحساب لنرى أن المفاسد العقدية والمنهجية التي حصلت حتى الآن أكبر من كل مصلحة موهومة مظنونة تتمنونها. وبالتالي فقواعدكم النظرية نفسها تقود إلى تحريم ممارساتكم.
الخطوة الثالثة: بيان الانحراف في تطبيق القاعدة
ثم في الخطوة الثالثة سنبين أننا لا نقر أصلاً بطريقة الإسلاميين البرلمانيين في استخدام قاعدة المصلحة والمفسدة، وسنبين الانحراف الشديد في تطبيق هذه القاعدة بحيث هدمت قواعد الإسلام وأنتجت في النهاية ديناً جديداً ليس هو دين الإسلام.
الآثار السلبية لانخراط الإسلاميين في الديمقراطية
إذن، سنمهد اليوم للحديث عن الآثار السلبية لانخراط الإسلاميين في العملية الديمقراطية، ولموقفهم المتخبط من الشريعة، والتنازلات التي قدموها، وآثار ذلك كله على عقائد المسلمين وتصوراتهم.
ما المقصود بالآثار السلبية على العقيدة؟
نحن عندما نقول آثار سلبية وآثار ضارة على عقيدة المسلمين، ماذا نقصد؟ سأذكرها هنا على عجالة، والتفصيل يأتي في الحلقات القادمة لنعرف موطن الخلل ونعالجه بإذن الله. والمتابع للمواقف والتغيرات التي طرأت على فكر الناس ولغة خطابهم سيحتشد في ذهنه الكثير من الشواهد لكل أثر أذكره.
أمثلة على الآثار السلبية
من هذه الآثار:
- أن كثيراً ممن ينتسب إلى الإسلام راجت بينهم مبادئ أن الشعب هو صاحب السلطة التشريعية الذي له الحق في أن يشرع لنفسه ما يشاء، وأن إرادته محترمة وإن صادمت الشريعة، فالحق ما أحقه الشعب والباطل ما أبطله.
- ضياع عقيدة الولاء والبراء والتسوية بين المسلم والكافر على أساس المواطنة، حتى فيما فرق الشرع فيه من حيث المعاملات، بل والتسوية بينهما تسوية قيمية ذاتية.
- وضع الإسلام على قدم المساواة مع الأديان الأخرى ومع المناهج الوضعية.
- أنه تميعت في النفوس حقيقة أن الإسلام هو الحق المطلق وما دونه باطل وضلال، وقل شأن الشريعة في النفوس، فأصبحت بعض القيم المنادى بها كالحرية وتقوية الاقتصاد مقدمة على الشريعة عند بعض الناس.
- ضعفت الثقة في رصيد الفطرة الذي أودعه الله في نفوس عباده لينجذبوا إلى شرعه.
- أن ممارسات الإسلاميين الديمقراطيين جعلت كثيراً من المنتسبين إلى الإسلام يسوّغون ويبررون الحكم بغير ما أنزل الله، ويصفونه بالعقلانية والواقعية، ويقبلون بالاحتكام إلى القوانين الوضعية، ويكرهون أحكاماً هي في حقيقتها من الشريعة، بل ويستهزئون بها، ويرون شرع الله غير صالح للتطبيق في بعض الأمكنة والأزمنة، ويتخوفون من تطبيقه، ويتصورون أن أخلاق الناس وسلوكهم يمكن أن تصلح بقوانين وضعية بدلاً من الشريعة.
- ضياع معنى العبودية لله وضياع قضية أن الحكم لله، وهزلت صورة الشريعة بحيث راجت فكرة أن تُعرض أحكام الله سبحانه وتعالى على العبيد ليختاروا منها ما شاءوا، وتصور البعض أن الشريعة تقبل أن تكون ترقيعية ترميمية للأنظمة الجاهلية.
- أن الناس راجت بينهم افتراءات على أنبياء الله، منها فرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنازل في الحديبية، ومثل فرية أن يوسف عليه السلام حكم بغير ما أنزل الله.
- تعود الناس على عدم احترام الدليل الشرعي ومعارضته بالحجج العقلية، وشيوع علمانية مغلفة بغلاف سلفي.
- أن الإسلاميين أنفسهم بممارساتهم وتصريحاتهم ثبطوا المارد الإسلامي المنتفض، وفرّروا الشحنة الهائلة التي سرت في الشعوب الإسلامية إبان الثورات العربية، ونزلوا بسقف طموحاتها وحدوا من آمالها، وهو دور اعتدناه من أعداء الإسلام الصرحاء، لكنه هذه المرة وللأسف مارسه بعض الإسلاميين.
- تبرير التفلت من أوامر الله عز وجل ونواهيه تحت مسمى التدرج، بحيث أصبح التدرج شعاراً فكرياً ينادى به وتبرر به الممارسات على مستوى الفرد والعائلة والمؤسسة، وهذا من أخطر الآثار.
- أن ممارسات البرلمانيين أضفت شرعية في عيون الناس على الأنظمة الجاهلية بعدما تزلزلت أركانها، فأعطت لهذه الأنظمة قبلة الحياة.
- أنها هزت صورة الدعوة والدعاة في نفوس الناس، فظهر دعاة ميكافيليين، براغماتيين، نفعيين، متلونين، يمارسون التقية السياسية وينافسون أهل الباطل على دنياهم ومناصبهم، مما سيضرب دعوتهم في الصميم وينفر الناس عنها.
- أنها روجت للانهزامية النفسية بحيث يحسب ألف حساب للنصارى في بلاد المسلمين وللعلمانيين، فيصبح التفكير في رضاهم وسواساً قهرياً يحكم التصرفات والتصريحات، ويلتمس رضاهم أكثر مما يلتمس رضا الله عز وجل.
- ومن أهم الآثار للممارسات السلبية لبعض الإسلاميين الاستهانة بهذه الآثار المتقدم ذكرها جميعاً، وعدم إعطائها أي وزن عند مقارنة المصالح الموهومة بالمفاسد. وقد حصلت الاستهانة من كثير من العلماء والدعاة أنفسهم، وهذا يرسل للعقل الجمعي وللاشعور رسائل في غاية السلبية، حيث تقلل هذه الاستهانة من شأن العقيدة وسلامتها.
تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً. هذه الآثار الكارثية لو مزج أي منها ببحر من المصالح لأفسده. هذه الآثار السلبية يمكن تلخيصها بكلمتين: ضياع الدين. نعم، ضياع الدين.
لماذا النقد العلني؟
وبعد هذا كله يتساءل البعض: لماذا لا توجه نصائحك في هذه السلسلة بشكل شخصي إلى الأحزاب الإسلامية وقياداتها بدلاً من نشرها على العلن؟ وفي الواقع إخواني أن أهم ما دفعني إلى السير في هذه السلسلة هو هذه النتائج الكارثية على عقائد الناس وتصوراتهم وأفكارهم، والتي تتحملون أنتم يا بعض الإسلاميين القسط الأكبر منها جراء ممارساتكم الخاطئة. هذه الأخطاء تمت في العلن وكانت آثارها السلبية عامة كما رأينا، فلا يصلح معها الإسرار إلى الخاصة.
توضيح مصطلح "الإسلاميين"
وهنا لا بد من التأكيد على أننا إنما نستخدم مصطلح "الإسلاميين" في هذا المقام تجوزاً واختصاراً، فنحن نقصد بالمصطلح من يجوز التغيير من خلال البرلمانات والانتخابات الرئاسية ضمن المنظومة التشريعية الديمقراطية والدساتير الوضعية. وهذا الطرح لا نقر أبداً بأنه إسلامي أصلاً، خاصة بعد استعراض آثاره الكارثية الهادمة للإسلام، فكيف يكون إسلامياً؟ ولذا فسنميل إلى استخدام مصطلح "دعاة الديمقراطية" بدلاً من "إسلاميين".
ونذكر أيضاً بأننا نعي وجود أحزاب وتوجهات إسلامية وأفراد عاملين على تغيير الواقع بطرق نرى فيها صواباً وخطأً، لكنهم على الأقل سلموا من سلوك طريق الديمقراطية والتنازلات ومن التبرير لها، فليس النقد والتصويب في هذه السلسلة بالذات موجهاً لهؤلاء.
هل تنبه العلماء؟
نعود فنقول: هل تنبه العلماء من قبل باحتمالية حصول شيء من الآثار السلبية المذكورة؟ الجواب: نعم. لكن هل اتخذوا منها الموقف المناسب بعد ظهورها؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله.
خلاصة الحلقة
خلاصة الحلقة: مسلك دعاة الديمقراطية نتج عنه أضرار على عقائد الناس هي شر من كل مصلحة مرجوة.
والسلام عليكم ورحمة الله.