→ عودة إلى نصرة للشريعة

الحلقة 24 - التقليد الأعمى للعلماء

٣ أغسطس ٢٠١٢
النص الكامل للمقطع

التقليد الأعمى للعلماء

تلبيس العقدي يزيد التلبيس والتشوش العقدي، فهذا عكس الدور المتوقع منهم. وأخذنا مثالاً على ذلك كلام الدكتور محمد إسماعيل المقدم قبل الثورة ومقارنته بما بعد الثورة.

دعونا اليوم نأخذ مثالاً من العلماء الذين كانوا مرجعية كبيرة لدى الإخوان المسلمين، الشيخ عبد المجيد الشاذلي حفظه الله، والذي كان قد انتسب إلى جماعة الإخوان ثم تأثر بفكر سيد قطب رحمه الله، وكان أحد مؤسسي ما يعرف الآن باسم دعوة أهل السنة والجماعة في مصر.

موقف الشيخ عبد المجيد الشاذلي من التلبيس العقدي

قال حفظه الله في مقاله "الخطاب الديني والخطاب السياسي": "إن شرط أي تحرك سياسي أن لا يكون على حساب الوضوح العقدي ولا على حساب بيانه، بل ورفع اللبس فيه". يعني يجب أن يخلو التحرك السياسي من التلبيس في قضايا العقيدة، بل ولا بد أن يقترن ببيان عقيدتنا وتصحيح المفاهيم الخاطئة في أذهان الناس.

ثم قال: "هذا الخطاب وهذا التحرك خادم لانطلاق الدعوة وترسيخ المفاهيم العقدية الصحيحة". يعني ينبغي أن يكون هدف الحراك السياسي هو ترسيخ المفاهيم العقدية الصحيحة، لا أن نبيع الهدف من أجل الوسيلة فنشوش المفاهيم من أجل الحراك السياسي.

ثم قال: "ولهذا يشترط لأي تحرك سياسي للمسلمين وضوح البعد العقدي، وعدم إقرار شرعية الأنظمة العلمانية، وأن لا يمثل هذا التحرك خصماً من الرصيد العقدي، بل يكون المسلمون وحركاتهم الإحيائية على وضوح في العقيدة والتوجه، يكون واضحاً للعدو المخالف كما للصديق الموافق".

ركز في هذا الكلام، سأحتاجه عندما نرى أن هناك تصريحات يطلقها الديمقراطيون في غاية الضلال والتلبيس في أخطر قضايا العبودية والحاكمية والدساتير الوضعية وشرعيتها، ومع ذلك يدافع عنها المدافعون بأنها تصريحات سياسية، يعني وكأنها معفاة من الضوابط الشرعية لأنه يراد بها مراوغة العدو، لأن التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس.

ثم قال الشاذلي: "إن تجربة التيارات الإسلامية المعروفة التي أخذت الحركة السياسية طريقاً لها على حساب معتقداتها وثوابت العقيدة، بل لم تلتفت للثوابت الشرعية، بل وتنكرت لها في بعض الأحيان" إلى أن قال عن هذه التيارات: "ضيعت من المفاهيم الواجب بلاغها، وأوجدت فيها من اللبس والخلل مما سبب معوقاً لحركة إحياء الأمة".

إذن هو يؤكد أن هذه التيارات لبست في الثوابت العقدية وأحدثت فيها خللاً، وبالتالي أعاقت حركة إحياء الأمة. وأنا لا أدري إن لم يكن هذا الكلام عن الأحزاب التي خاضت العمل البرلماني فعمن يكون يا ترى؟

ثم قال: "إن الواجب الآن للمسلمين ليس أن يذهبوا لانتخابات مزورة مع لبس عقدي وضياع للمفاهيم الشرعية وضعف شديد للمسلمين وعدم وضوح لا لقضاياهم ولا لمواقفهم، إنما الواجب بيان الحق وتوضيح المفهوم الصحيح للتوحيد ورفع الالتباس في المفاهيم والتوجهات والعقيدة عموماً، والجد في مشروع إحياء الأمة".

موقف الدكتور محمد إسماعيل المقدم

وهذا الكلام منه هو ككلام الدكتور المقدم إذ قال: "إن تطبيق الشريعة الذي يعتد به في هذا المجال لا يبدأ من اختيار بعض الأحكام الشرعية وتقنينها وفرضها على الناس" يعني العمل البرلماني، "ولكنه يبدأ من إصلاح هذا الخلل الأكبر الذي تفشى روحه الدنسة في كل مرابط الأمة وهو مبدأ سيادة الأمة بالمصطلح الغربي".

إذن فالنقولات عن الشيخين حفظهما الله تتفق على أن أوجب الواجبات في هذا الزمان بيان الحق وتوضيح المفهوم الصحيح للتوحيد ورفع الالتباس في المفاهيم، وإصلاح هذا الخلل الأكبر الذي تفشى روحه الدنسة في كل مرابط الأمة وهو مبدأ سيادة الأمة. وهذا هو الواجب الذي نزعم أننا نمارسه بهذه السلسلة بإذن الله، سلسلة نصرة للشريعة.

التناقض بين الأقوال والأفعال

العجيب والعجيب جداً في الأمر أن الشيخ الشاذلي حفظه الله أصبح الآن يؤيد العمل البرلماني الرئاسي في مصر، وحشد الناس لانتخاب الرئيس على اعتبار أن الدعوة -يعني جماعته دعوة أهل السنة والجماعة- تؤكد على احترام القضاء والقانون الوضعيين. ورأينا أن الشريعة لم تعد تذكر في الخطابات، ورأينا وعوداً للأحزاب بإشراكها في كتابة الدستور دين الدولة مقابل انتخاب المرشح الإسلامي.

كنت أيها الشيخ قد عبت على مرشحين من قبل لأنهما يقولان: "نريد الشريعة مبادئ لا أحكاماً ولا نصوصاً". وها قد رأينا الفشل الذريع بإبقاء مصطلح مبادئ الشريعة الإسلامية، بينما ضمن اليهود والنصارى لأنفسهم الاحتكام إلى شرائعهم. ورأينا الرئيس الحالي عندما كان يواجه أثناء حملته الانتخابية بالسؤال عن الشريعة يؤكد على أنه إنما يتمسك بمبادئ الشريعة. فأين الإنكار أيها الشيخ الجليل؟ أين التوضيح؟ أين بيان الحق ورفع الالتباس في المفاهيم والتوجهات والعقيدة الذي نصصت عليه؟

أين إنكاركم أيها الدكتور المقدم والشيخ الشاذلي لما اعتبرتموه من قبل جريمة وتنكرًا للثوابت الشرعية؟ أين رفع اللبس والخلل ومحاربة المفاهيم التي تفشت روحها الدنسة في مرابط الأمة؟ لماذا أيها الشيخ الشاذلي حفظك الله نرى مقالاتك الحديثة فليس فيها أي إنكار بل تأييد مطلق وحديث عن حل المحكمة الدستورية العليا وإعادة البرلمان وغيرها من الخطوات التي لن تجدي ما دامت المفاهيم الأساسية مشوهة كما علمتنا عندما وضحت أن الواجب ليس الانتخاب مع لبس عقدي وضياع للمفاهيم.

التعامل مع أخطاء العلماء

إخواني، كلام العلماء السابق حول تحريم التلبيس العقدي واضح، وحصول هذا التلبيس واقعاً واضح بالنسبة لنا كما سنرى بإذن الله من متابعاتنا ومناقشاتنا ورصدنا للخلل الحاصل في مفاهيم الناس.

هنا أمامنا أحد خيارين: إما أن نقول: "علماؤنا أدرى"، ولا شك أنهم مطلعون على الواقع، حتى لو قادنا كلامهم السابق المؤيد بالأدلة إلى استنتاج أنهم مخطئون في تأييدهم للعمل الديمقراطي وسكوتهم عن الممارسات المشوشة للعقيدة، فلربما بان لهم ما لم يبل لنا، ولن نكون أورع ولا أحرص على الدين منهم، خاصة وأن أحدهم أمضى في الدعوة أكثر من عمر الواحد منا كله، فمن نحن حتى نستدرك عليهم؟

وهذه الطريقة إخواني هي التي كنا نعيبها على الصوفية الذين يقولون: "الشيخ حدثه قلبه عن ربه"، والذين يؤجرون عقولهم لشيوخهم ويعتقدون بالفتوحات التي تفتح عليهم. فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر. فجعل سبحانه الطاعة المطلقة لله ورسوله فحسب: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، ثم لم يقل: "وأطيعوا أولي الأمر منكم" بل "وأولي الأمر منكم"، فجعل طاعة أولي الأمر الذين يدخل فيهم العلماء دخولاً أولياً، جعلها تابعة لطاعة الله ورسوله.

ثم أكد سبحانه هذا المعنى ووضح ما ينبغي عمله إن تنازعنا مع العلماء أو تنازع العلماء فيما بينهم: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول". فالمطلوب إذن هو اتباع الدليل، فبهذا نختلف عن اليهود والنصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله بأن أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم. ولذلك علق سبحانه الإيمان على هذا الرد لله ورسوله: "فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً". وإلا كان مآل أمرنا كما لأمر اليهود والنصارى.

فكيف ونحن نأتي لهؤلاء العلماء بكلام من كلامهم، وأخطاؤهم هذه ليست محل إجماع بل يشارك نظرتنا عدد من العلماء الثقات. إذن فليس أمامنا إلا الخيار الثاني وهو أن نقول أن علماءنا أخطأوا بدعمهم من ثبت واقعاً أن ممارساته تلبس على الناس أمر عقيدتهم، ثم بسكوتهم عن هذه الممارسات المستمرة أخطأوا أيضاً. فنحن لنا عيون تبصر وآذان تسمع وعقول تعد دليل والواقع.

سؤال الحلقة القادمة

بقيت مسألة واحدة نريد أن نفرغ منها، قد يقول قائل: لماذا لا تعتبر أن هؤلاء العلماء كانوا مبالغين في فتواهم السابقة عندما حرموا قليل التلبيس العقدي وكثيره وعدوه من الجرائم؟ أليس من الممكن أن يكون بعض التلبيس والتمويه على الناس وبعض التصريحات السياسية الفاسدة شرعاً، أليس من الممكن أن تكون هذه المفاسد مقبولة مقابل مصالح عظيمة، خاصة إذا كان في نيتنا العمل في المستقبل على إصلاح هذا التلبيس؟

فهذا هو السؤال الذي سنجيب عنه في الحلقة القادمة بإذن الله، لننتهي من الناحية النظرية في الحكم على التلبيس على الناس، وننتقل بعدها إلى قراءة الواقع وتطبيق القواعد النظرية عليها بإذن الله تعالى.

خلاصة الحلقة

خلاصة الحلقة هي عبارة الشيخ الشاذلي بنصها: "إن شرط أي تحرك سياسي ألا يكون على حساب الوضوح العقدي ولا على حساب بيانه بل ورفع اللبس فيه". والسلام عليكم ورحمة الله.