→ عودة إلى نصرة للشريعة

الحلقة 26 - سيادة الشعب تعني ربوبية الشعب!

٢٠ سبتمبر ٢٠١٢
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سيادة الشعب تعني ربوبية الشعب

سيادة جهة ما تعني أنها لا تُسأل عما تفعل، لأنها هي التي تحاكم الأفراد. السيادة تعني أنه لا جهة تعلو هذه الجهة أو تخضعها لإرادتها. السيادة تعني الحاكمية العليا. والسيادة بهذا التعريف ربوبية، وهي لله وحده لا شريك له.

راجع ما تقدم لترى أن السيادة بهذا التعريف أصبحت تُنسب إلى الشعب، وعلى ألسنة من يُفترض أنهم إسلاميون. فسيادة الشعب دين جديد، الحكم فيه على الأفعال والمبادئ بالصحة والبطلان للشعب، ويُعاقب فيه من فعل فعلاً خطّأه الشعب. وإرادة الشعب فيه لا تُحاكم إلى إرادة الله، بل شرع الله يخضع فيه لإرادة الشعب. فالشعب السيد في هذا الدين هو الشعب الرب.

تعالوا نرى سيادة الله في دين الله، ثم نرى في المقابل سيادة الشعب في دين الديمقراطية.

سيادة الله في دين الله

عبارة "سيادة الله" ليست مبتدعة، ففي الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني أن وفد بني عامر قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت سيدنا"، فقال: "السيد الله، السيد الله تبارك وتعالى". إذن فالسيادة المطلقة لله عز وجل.

قارن سيادة الله تعالى القائل: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}. هذا أسلوب حصر، يعني ليس الحكم إلا لله. الحكم بكافة أشكاله هو لله وحده لا شريك له. هذا كله متضمن في قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}. ماذا قال رب العزة بعدها؟ قال حكاية عن يوسف عليه السلام: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}. إذن فرد الحكم في أي من هذه الأشياء إلى غير الله عز وجل هو عبادة لهذا الغير. إعطاء أي أحد أحقية الحكم على الأفعال بالصواب والخطأ هو عبادة له. إعطاء أي أحد أحقية العقاب لمخالف أحكامه هو عبادة له. {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}.

سيادة الشعب في دين الديمقراطية

قارن هذا بدين سيادة الشعب الذي تقول الآية الثالثة من آياته الشيطانية: "السيادة للشعب وحده، السيادة للشعب وحده". قارن هذا بالتصريحات التي تطفح بها مقولات المنتسبين للعمل الإسلامي ممن ارتضوا الديمقراطية مسلكاً. وأنا هنا لن أذكر أسماء ولا أحزاباً، ما يهمنا في النهاية أن نصحح المفاهيم. نريد أن ينتبه المسلمون إلى هذه التصريحات فيرفضوها ويرفضوا العمل بها أياً كان قائلها.

قارن {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} بقول أحدهم: "نحن مع الديمقراطية بكل أبعادها وبمعناها الكامل والشامل، ولا نعترض على تعدد الأحزاب، فالشعب هو الذي يحكم على الأفكار والأشخاص". نبرأ إلى الله عز وجل من قول كهذا.

قارن سيادة الله تعالى القائل: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}. فالفصل في الأمور كلها إلى الله، الفصل في الأمور كلها إلى الله. وهذا من مقتضيات الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً.

قارن ذلك بدين سيادة الشعب الذي قال أحد سدنته: "سيكون قرار شعبنا هو الفيصل الذي نرجع إليه، والشعب يقضي ما يشاء أو يرفض ما يشاء، فهو وفق كل الأعراف الدولية ووفق مبادئ الديمقراطية".

وفي المقابل دين سيادة الشعب الذي قال أحد معتنقيه: "فنحن دائماً وأبداً نبقى مع إرادة الشعب، وسنقبل بما تفرزه صناديق الاقتراع مهما كانت النتيجة، لأن صناديق الاقتراع والديمقراطية هي الطريق الصحيح والسليم". إذن لم تعد الديمقراطية مطية للوصول إلى تطبيق الشريعة في نظرهم، بل هي الطريق الصحيح والسليم، إذ لا يجوز أن يعقب أحد على حكم الشعب.

فيا من رضيتم بالله رباً وبالإسلام ديناً، ألا تحمل هذه التصريحات معنى واحداً: الرضا بالشعب حكماً وبالتالي رباً، وبالديمقراطية منهج حياة وبالتالي ديناً؟ {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}.

الرد على شبهات وتبريرات

قد يتعذر متعذر لهذه التصريحات بأن الشعب في عمومه مسلم ولن يختار غير الشريعة، فسيادة الشعب تؤدي إلى تطبيق الشريعة. يعني يريد أن يتوصل من تسييد الشعب إلى سيادة الله. وهذا يساوي عند التحقيق القول بالتوصل إلى ربوبية الله من خلال ربوبية الشعب. ويذكرنا بقول من قبلهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. وهؤلاء يقولون: "ما نحتكم إلى الشعب إلا ليقربنا إلى تحكيم دين الله". وقد بينا بطلان هذا الطرح في حلقة "قصة عجلان وسليمة" بياناً وافياً.

وقد يتذاكى علينا من اعتاد صياغة جمل هلامية يحفظ فيها خط الرجعة لنفسه أمام جميع الأطراف، فيقول: "أتقصد من كلامك أن الشعب ليس له سلطة في تولية وعزل الحاكم؟" فردنا عليه أننا نفرق جيداً بين السيادة التي لا حق لأحد من البشر فيها، وفي المقابل سلطة الشعب المسلم في اختيار الحاكم المسلم ليحكمه في ظل سيادة الشريعة. وهذه السلطة منضبطة بأحكام الشرع من حيث كيفية اختيار الأمة للحاكم، ومن حيث كيفية عزله إذا خرج على أحكام الشرع. فسيادة الشريعة في النظام الإسلامي هي العقد الملزم للطرفين. فالأمة تعزل الحاكم إن خرج عن هذه السيادة، والحاكم في المقابل لا يبايع من قبل الأمة كأجير عندها لينفذ لها ما تريد كما في الديمقراطية، وإنما يبايع من الأمة لينفذ الشرع. فلو خرج الناس الذين بايعوه عن الشرع قاتلهم حتى يرجعوا.

خطورة تسييد الشعب

نعود فنقول: نحن نعارض تسييد الشعب حتى مع اعتباره وسيلة مرحلية لنزع السيادة من السلطات الدكتاتورية المعادية للشريعة. نعارضه حتى لو قال قائل: "أنا لا أقر بسيادة الشعب، لكننا نتخذها وسيلة لتطبيق الشريعة". لكن الديمقراطيين ذهبوا إلى أبعد وأخطر من ذلك، فالتصريحات المذكورة تصحح مفهوم سيادة الشعب في ذاته، لا أنها تعتبره وسيلة فاسدة اضطرارية لغاية نبيلة، بل أصبح يروج لفكرة أن إرادة الشعب مقدسة في ذاتها حتى لو اختار غير شرع الله. أصبح يكرس في النفوس أن الشعب هو صاحب الحق في الحكم على الأشياء، وأن حكمه محترم أياً كان، إذ أنه يمثل الشرعية الشعبية. هذا المفهوم الفاسد وهذا الدين الجديد المسمى سيادة الشعب أفسد عقائد كثير من المسلمين وتصوراتهم، وأحدث اضطراباً في أحكامهم وتصرفاتهم. وسنرى أمثلة من ذلك في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

خلاصة الحلقة

سيادة الشعب تعني ربوبية الشعب. فالسيادة تعني الحق في الحكم على الأقوال والأفعال والمبادئ والأفكار، والحق في المكافأة والعقاب الدنيوي. وهذه كلها لله عز وجل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.