السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مقدمة: تقييم السياسات لا الأشخاص
نستعرض السياسات المطبقة خلالها. لن نتكلم عن إقالة قيادات الجيش والنائب العام وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، فهذه التحركات لا تمدح أو تذم لذاتها، بل بحسب الحكم الذي تمكن له والذي سنستعرض الآن سياساته. ولنسأل أنفسنا ونحن نستعرض هذه السياسات: إن كانت ترضي الله عز وجل، أو حتى تحترم إرادة الشعب، حتى نقول أن أصحابها كانوا منسجمين مع تسييد الشعب.
سياسات الإدارة الجديدة: لا الشريعة أقمتم ولا الشعب سودتم
1. حملة سيناء
أولاً: حملة سيناء التي أثبتت الوقائع أكثر فأكثر أنها انطلقت لاستهداف جماعات مجاهدة لا علاقة لها مطلقاً بحادثة قتل الجنود، وأن هدفها القضاء على المجاهدين في سيناء وتأمين حدود ما يسمى بإسرائيل وخطوط الغاز إليها، وأنها حظيت بدعم الكيان الصهيوني وأمريكا، مما جعل ساسة غربيين يثنون على الرئيس الجديد وقدرته على حماية حدود ما يسمى إسرائيل وحربه لمن يسمونهم الإرهابيين.
وكانت المكافأة على هذه الحملة ضغط بريطانيا على الاتحاد الأوروبي ليعيد بعض الأصول المنهوبة من عائلة مبارك إلى مصر. وقد تكلمنا عن الحملة في كلمتي: "الحملة العسكرية في سيناء: حرمة تصديق الافتراءات" و "الحملة على سيناء: ما عذركم أمام الله؟".
والمؤلم حقيقة أن بعض الناس لا يتابع تفاصيل الحملة ولم يكلف نفسه أن يسمع الكلمات التي أصدرناها في بيان حقيقتها، ثم يأتي بعد ذلك ليدافع عن سياسات الرئاسة الجديدة لمجرد الدفاع. يريد أن يبقى في أحلامه الوردية ويشغب علينا إن صحنا في الناس أن هلموا إلينا عن النار. جهل بالواقع ثم تشغيب على من يعرف الواقع ويتابعه. والله المستعان.
2. التغاضي عن الطائرات الصهيونية بلا طيار
ثانياً: التغاضي عن الطائرات الصهيونية بلا طيار التي استهدفت مجاهدين في سيناء غير آبهة بسيادة ولا غيرها.
3. التأكيد على عدم المساس بمعاهدة كامب ديفيد
ثالثاً: التأكيد على عدم المساس بمعاهدة كامب ديفيد قبل الإقدام عليه.
4. تعيين نصراني في مؤسسة الرئاسة
خامساً: تعيين نصراني في مؤسسة الرئاسة لشؤون الانتقال الديمقراطي، في الوقت الذي تمارس فيه الكنيسة القبطية الإرهاب على أخواتنا المحتجزات لديها، وتعتقل حتى من أسلم منهن بعد الثورة مثل كريستين عزة ونانسي مجدي. ولم تحرك الرئاسة الجديدة التي استأسدت على مجاهدي سيناء ساكناً لوقف الإرهاب الكنسي وإنقاذ أخواتنا المحتجزات حتى اللحظة. فهل هذا ما يريده الشعب المسلم في أغلبيته العظمى؟
5. تدريس مناهج ملوثة
سادساً: تدريس مناهج ملوثة بنصوص مما يسمى بالكتاب المقدس، ونصوص توحي بتفضيل النصرانية على الإسلام في حقوق المرأة، ونصوص تصادم الأحاديث والإجماع كقولهم: "من بدل دينه فاحترموه". وقد بينا خطورة هذه المناهج في كلمة "ماذا تعني إضافة نصوص من الإنجيل إلى المناهج بمصر؟". هل لو أجري استفتاء سيقبل الشعب المسلم في أغلبه هذه المناهج؟
6. زيارة إيران ومعانقة رئيسها
سابعاً: زيارة إيران ومعانقة رئيسها وتبرئتها من المشاركة في الجرائم ضد الشعب السوري المسلم بتعامٍ عجيب عن الواقع المشهود. هل هذا هو الموقف الذي ينتظره الشعب؟
7. تشجيع الممثلين الفساق المفسدين
ثامناً: تشجيع الممثلين الفساق المفسدين على أن ينتشروا ويمارسوا فنهم، والتأكيد على احترام كل دور يقومون به، والتأكيد لهم على مدنية الدولة.
8. الإعلان عن تدريب الجيش والشرطة الصوماليين
تاسعاً: الإعلان في الأمم المتحدة عن أن مصر ستدرب الجيش والشرطة الصوماليين المعروفين بتبعيتهما للنظام الدولي ضد الشباب المجاهدين. هل تم ذلك بمشورة الشعب المصري المسلم؟
9. الرسالة الحميمة إلى بيريز
عاشراً: الرسالة الحميمة إلى بيريز المعنونة بـ "إلى صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل، عزيزي وصديقي العظيم"، والمتضمنة للرغبة في علاقات المحبة والصداقة واعتماد السفير الجديد، والمختومة بـ "صديقكم الوفي". هل كانت هذه الرسالة بمشورة من الشعب؟ وإن كانت كذلك، فلماذا كذبتها الرئاسة في البداية ثم اعترفت بها بعد شهرين؟ ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر"؟
10. تبرئة ولدي الرئيس المخلوع
طبعاً هذا كله غير تبرئة ولدي الرئيس المخلوع والمجرمين الضالعين في معركة الجمل. عاجز عن وقف هذه المهازل.
11. التدريبات العسكرية مع أمريكا
هذا كله غير التدريبات العسكرية مع أمريكا في ذات الوقت الذي نشرت فيلماً تتهجم فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، واعتبار دم سفيرها الجاسوس أعظم حرمة من الكعبة.
نقد السلبية والنشاط في المعصية
وطبعاً في هذا كله لم نذكر ما كان من المتوقع أن تنجزه الرئاسة الجديدة ولم تنجزه. لم نتحدث عن السلبية أو البطء في الخير، بل عن المسارعة والنشاط في معصية الله ونقض عرى الشريعة.
ملاحظات هامة حول سيادة الشعب
ونلاحظ هنا إخواني ملحظين مهمين:
1. سيادة الشعب: مبدأ نظري يصعب تطبيقه
أولهما: أن سيادة الشعب، عدا عن مناقضتها للشريعة، فهي مبدأ نظري يصعب تطبيقه. سيطرة أيادٍ غير أمينة على الإعلام بحيث تصنع الرأي العام وتوجه إرادة الشعب بناء على عرض مبتور مشوه للوقائع لتنفذ في النهاية إرادة أعداء الأمة لا إرادة الشعب. أعداء الأمة ممن يمسكون خيوط الإعلام. مثال ذلك ما رأيناه من تدليس وتزوير إعلامي رافق حملة سيناء ليخفي حقيقتها البشعة، وإلا فلو عرضت على حقيقتها لعارضها الشعب بشدة.
2. تغيير إرادة الشعب لتوافق إرادة أعداء الشريعة
النقطة الثانية الخطيرة: كان مؤسلمو الديمقراطية يحتجون علينا بأن تسييد الشعب المريد للشريعة طريق إلى تسييد الشريعة في النهاية. ثم إذا بهم يعملون ما من شأنه تغيير إرادة الشعب لتوافق إرادة أعداء الشريعة، وذلك بتدريس المناهج الملوثة التي لها أثر خطير على الأجيال القادمة.
هل هذه خطوات تطبيق الشريعة؟
ثم نقول بعد استعراض هذه السياسات المشؤومة: هل هذه هي الخطوات على طريق تطبيق الشريعة؟ يا مؤسلمي الديمقراطية، يا من تقولون: "أمهلوا الرئيس الجديد، أعطوه فرصة، لن يغير كل شيء في شهر وشهرين". هل سار رئيسكم خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح حتى نقول أن المسألة مسألة وقت؟ أم أنه في الواقع غير في شهر وشهرين لكن باتجاه إسخاط الله تعالى وإرضاء أعدائه؟
يا من تبررون، أفي كل موطن لا تعقلون؟ أي دين أقمتم؟ وأين التدرج الذي وعدتم؟ أين الخطوات على طريق تطبيق الشريعة ونحن لا نرى إلا نقض عرى الإسلام عروة عروة؟ بل أي شعب سودتم أو أرضيتم؟
من أرضت هذه السياسات؟
إذا استعرضنا هذه السياسات المذكورة فمن أرضت في الحقيقة؟ هل أرضت الله تعالى؟ هل أي من هذه السياسات واجب شرعاً أو مستحب أو جائز ينقلب من نية صالحة إلى عبادة؟ هل يتقرب بأي منها إلى الله تعالى؟ الجواب الواضح: لا. إذن لا شرعية لها من الله عز وجل. إن لم يكن سند شرعي من الله تعالى، ولا مما سميتموه الشرعية الشعبية، فما سندكم ومن أرضيتم؟
إنما نرى سياساتكم قد أرضت:
- الكيان الصهيوني بحملة سيناء وتأمين خطوط الغاز والمحافظة على كامب ديفيد ورسالة الموادة والوفاء لبيريز.
- وأرضت النصارى بتدريس المناهج الملوثة وإشراكهم في مؤسسة الرئاسة وخذلان أخواتنا المحتجزات لديهم.
- وأرضت المنافقين بالاستعداد لتدريب قواتهم الموالية للغرب ولإثيوبيا وكينيا ضد الشباب المجاهدين.
- وأرضت روافض إيران بتبرئة خناجرهم التي تقطر من دماء السوريين.
- وأرضت الجاهليين المسمين بالعلمانيين في نصوص الدستور.
- وأرضت الفساق المفسدين من الممثلين.
- وأرضت الدول الغربية بما سبق جميعاً وبالتدريبات المشتركة وقتل المسلمين ممن هاجم السفارة احتجاجاً على الفيلم.
- وأرضت في ذلك كله الشيطان.
ولم يكن رضى الله في حسبانكم، بل ولا رضى الشعب المسلم الذي ادعيتم أن السيادة له. وستبوؤون إن بقيتم على هذا الطريق بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس".
وها هي بوادر ذلك في هجمة العلمانيين الذين لم تكفهم تنازلاتكم المخزية في الدستور. ما عدنا نرى مكاناً للحديث عن المادة الثانية من أن مبادئ الشريعة لا تكفي، وقد صادمتم لا أحكامها فحسب بل ومبادئها. ولا عدنا نرى مكاناً للحديث عن أن السيادة لله لا للشعب، وأنتم لا اعترفتم بسيادة الله ولا بسيادة الشعب. ولم يكن لمناداتكم بسيادة الشعب أثر في الواقع إلا تنحية الشريعة وإقصاؤها وإسكات الأصوات المطالبة بها بحجة أنكم لا تفرضونها على الشعب بل تدعونه يختار ما يشاء. حتى إذا أقصيت الشريعة اخترتم السياسات التي يريدها أعداء الشعب. هذه ثمار الحنظل التي يجنيها فقه المصلحة والمفسدة المتحلل من النصوص الشرعية.
نصيحة ودعاء
فنقول لمنتسبي الأحزاب: والله لقد استقام الميسم وانقشع الغبار ورأيتم ما تحت ظهوركم، أما آن لكم أن تقدموا دينكم على حزبيتكم وتتخذوا موقفاً يبرئ ذمتكم أمام ربكم سبحانه؟
نسأل الله عز وجل أن يهدي المسلمين ويصلح أحوال الأمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.