السلام عليكم أيها الكرام. لا شك أن الأهوال التي تحدث في غزة تعتصر كل قلب حي، خاصة إذا انضم إليها ألم القهر من الخذلان المطبق، بل والتآمر المخزي عبر أكثر من 20 شهرًا. بحيث أصبح أحدنا يتعطش إلى أي شيء يشفي غليله من هؤلاء المجرمين الذين يسومون إخواننا سوء العذاب.
ولا شك أيضًا أننا لا نريد للمشروع الصهيوني ومن يدعمه أن يحسوا بنشوة الانتصار، ويبقوا يسددون الضربات ويعربدون دون أن يجدوا من يردعهم. ولذلك نفرح بكل شدة وألم تصيب أعداء الله ليذوقوا من الكأس الذي يسقون منه المسلمين.
هذا الألم والقهر والتعطش لشفاء الغليل قد يخرج بعضنا عن توازنه، فنحتاج حينئذ أن نتواصى بالحق وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
وقفات مع حلقة "اللهم انصر أعداء الدين" لعبد الله الشريف
الأخ عبد الله الشريف خرج علينا في حلقة بعنوان "اللهم انصر أعداء الدين"، خلاصتها أن إيران ليست كما كان يظن، وأن بعض الشيوخ افتروا عليها وشوهوها، وأنها فيما يبدو المقصودة بقول الله تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]. يعني أن إيران ستكون هي البديل عنا نحن العرب المسلمين.
وأنه ينطبق على رجال إيران حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كان الإيمان في الثريا لتناوله رجال من فارس". وأنهم أحسن منا نحن السنة الذين ندعي أننا الفرقة الناجية، وأحسن من علمائنا اللي ما حد منهم لابس اللبس المموه يعني الفوتيك العسكري، ولا عمال بيدعو للحرب ضد الصهاينة وأعوانهم.
ملاحظات أولية قبل التعليق
طبعًا قبل التعليق لابد من بيان أمور:
أولًا: ما كنت أحب أن أرد على عبد الله الشريف، لأن له مواقف جيدة ويظهر من كلامه الحرقة الصادقة على الدين وعلى المسلمين. لكن حلقته هذه حقيقة فيها أخطاء كبيرة، فلا بد من البيان. وقد أخرنا الرد على أمل أن يتراجع فلم يحصل. وقد حصل أكثر من مرة أن يخرج الأخ عبد الله الشريف ويتراجع عن أخطاء وقع فيها، ونسأل الله أن يشرح صدره للحق هذه المرة أيضًا. كما أنه هو شخصيًا طلب في حلقته المذكورة أن يرد عليه ويبين إن كان في كلامه خطأ.
ثانيًا: متوقع يأتي صنف من الناس يقول: "أنتم مشغولون بالرد بينما أهل غزة يجوعون ويقتلون ويحاصرون و و...". المشكلة أن هؤلاء الإخوة لا يشغلون هذه الأسطوانة إلا لما يقال كلام يخالف أهواءهم، بينما إذا قيل ما يوافق هواهم يصفقون له وينشرونه ويصبح هذا هو الحق المبين. تشوش المفاهيم إخواني هو من أهم أسباب استمرار ضعفنا. فليسمع إخواننا هؤلاء هداهم الله أو يتركونا نبين ما نراه حقًا.
ثالثًا: ضروري نعرف الهدف من هذه الكلمة قبل الدخول في التفاصيل. أهم هدف إخواني، أهم هدف هو محاربة التطبيع مع العقائد الفاسدة والذي يبدأ بالثناء على المشروع الرافضي المتمثل بإيران. هذا الأمر الذي نخشى أن حلقة عبد الله الشريف تقترب منه، بعدما كان للأخ في السابق جهد مشكور في التبرؤ من هذا المشروع وفساده العقدي وولوغه في دماء المسلمين.
ومرة أخرى الذي سيطل علينا ليقول: "لماذا لا تتكلمون عن التطبيع مع إسرائيل ومع من يدعمها من الحكومات العربية قبل ما تحارب التطبيع مع العقائد الفاسدة؟" نقول: "روح يا ابني اقرأ ما ننشره وتابعه عبر الـ 18 سنة الماضية على منصات التواصل، وكذلك ما ننشره منذ بداية الحرب الحالية، واطلع على ما تعرضنا له أنا وغيري ممن يبين في هذا المقام في سبيل قول الحق وإنكار المنكر، ويهون علينا ذلك في سبيل الله. فاطلع يا هداك الله قبل التشغيب لمجرد التشغيب".
ايش يعني إخواني التطبيع مع العقائد الفاسدة؟ يعني أخطر ما يحصل الآن هو أنه شيئًا فشيئًا رح يطلع لك جيل يقول لك: "إيران ومن تسمونهم رافضة، إيران ومن تسمونهم الرافضة أحسن منا نحن سنة". يا ابني هؤلاء عندهم شركيات ويكفرون الصحابة، يلعنون أبا بكر وعمر، يسبون أمهات المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهم جميعًا. "ماشي وأنا أختلف معهم في ذلك، لكني معجب بجهادهم ونصرتهم للقضية الفلسطينية وبظلوا أحسن منا".
شيئًا فشيئًا تصبح الشركيات وسب الصحابة وتكفير الصحابة أخطاء ثانوية، وكأننا نتكلم في مسألة خلافية أو صغائر المعاصي والمنكرات. الصديق أبو بكر أحب الأصحاب إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، قدوة المسلمين العظمى بعد رسول الله، من حمى الله به الإسلام عند ظهور الردة. الفاروق عمر رمز العدالة والقوة في الحق. عائشة بنت الصديق المطهرة من فوق سبع سماوات أمنا أم المؤمنين، أحب الناس إلى نبينا وناقلة كثير من سنته. وكذلك أمنا حفصة بنت عمر رضي الله عنها.
هؤلاء العظماء القدوات يصبح سبهم ولعنهم وتكفيرهم وجهة نظر لا نتفق معها، لكن لا تلغي إعجابنا ومحبتنا للاعنيهم وسابيهم. أنت الآن مش حاس بخطورة هذا الأمر لأنك تعظم الصحابة وأمهات المؤمنين ومش متصور أن مثل هذه المسلمات ستصبح محل نقاش. لكن مع السيولة العقدية والجهل بأصول الدين وضغط العاطفة الجارفة، فالأجيال تتأثر أكثر مما تتصور. ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله". المحبة والإعجاب غير المنضبط بالمنحرفين تطبع شيئًا فشيئًا مع معتقداتهم.
الهدف الثاني من هذه الكلمة هو أن ننبه الأخ عبد الله الشريف ومن يتابعه على تبعات هذه النبرة التي ظهرت في حلقته، والتي تطعن في علماء أهل السنة هكذا بشكل عام، فتفقد الناس الثقة بالعلماء جملة وتفصيلًا بلا تفريق، وتجعلهم تجعل الناس في حالة من الضياع والشك في كل ما سمعوه من مسلمات، ولا تزيد المسلمين إلا ضعفًا وحيرة.
وأيضًا التنبيه على جلد الذات التي مثلته حلقته هذه، بحيث نحس نحن أهل السنة أننا أسوأ الناس، "كخة" لا قيمة لنا، لم نقدم شيئًا ولا فينا نماذج بطولية، فنصفق لأي أحد يظهر لأن الكل أحسن منا، ونحمل أنفسنا أوزار المتسلطين على الرقاب، فنزداد ضياعًا وفقدانًا هوية، وينطمس تمامًا إحساسنا بخيريتنا كأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
كانت هذه مقدمات لا بد منها، ندخل بعدها على حلقة أخينا عبد الله الشريف لنرى أين وقع الخلل بالضبط، رجاء أن نسهم في تصحيح المفاهيم.
المشكلة الأولى: إسقاط خاطئ للآية والحديث
أول مشكلة هي طريقة الأخ في التعامل مع الآية والحديث اللذين بنى عليهما حلقته، وإسقاطهما على ساسة إيران ليجعلهم مؤهلين لحديث القوم الذين سيستبدلهم الله بنا إذا تولينا، وأنهم يتناولون الإيمان ولو كان في الثريا، وأنهم أصحاب سلمان الفارسي رضي الله عنه المقصودون في الحديث.
ويقول أخونا: "كنا نسمع أن الشيعة بيسبوا الصحابة وأمهات المؤمنين وقالوا بتحريف القرآن، في منهم مجرمين كده بس مش كلهم زي ما بيفهموك، وزي ما فينا ناس بيعبدوا القبور فما بينفعش تقول أهل السنة كلهم كده، فبرضه الشيعة مش كلهم كده".
قبل ما نرد على هذه النقطة لابد من التذكير بأن إيران ليست كلها شيعة، ففيها ملايين من أهل السنة المقهورين، وفيها أعداد من الذين مالوا للعلمانية نفورًا من نظام الملالي واتكائه على بث الكراهية العمياء، وفيها أعداد من عوام الشيعة البسطاء الذين يهمنا أن تصلهم دعوة الحق ويمكن أن يتأثروا بها إذا لم تحل بينهم وبينها الحواجز.
لكن يا عبد الله الشريف، الذين تمدحهم ممن اتخذوا قرار الرد على إسرائيل هم ليسوا أيًا من الأصناف المذكورة، ولا هم بياعين الكعك والخضار وسائقوا التاكسي في إيران حتى تقول "مش كلهم كده". يا أخي أصحاب القرار في إيران هم الملالي وقادة الجيش والحرس الثوري، هم مسؤولو إيران الذين حاربوا أهل السنة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان، بل وفي الأحواز داخل إيران، وهدموا كثيرًا من مساجدهم وأعدموا كثيرًا من علمائهم، وهذا كله امتد في العراق مثلًا عبر أكثر من 25 عامًا.
الذين تمدحهم هم الذين أعانوا بشارًا وجنده على انتهاك أعراض المسلمين في سوريا وتعذيبهم وحبسهم وكبسهم بالمكابس البشرية، وإجبارهم على أن يقولوا "لا إله إلا بشار". اللي أنت حاطط على غلاف حلقتك صورته هو خامنئي رأس هذا النظام المعادي بكل وضوح لأهل السنة. فهل هؤلاء ممكن يكونوا على شاكلة سلمان الفارسي رضي الله عنه؟ وممكن يكونوا ممن وصفهم النبي بقوله: "لو كان الإيمان في الثريا لتناوله رجال من فارس"؟
كمان أخي أنت بتحارب التعميم وتقول ما ينفعش تقول "كلهم كده"، تروح بعدها طوال الحلقة تقول: "إحنا أهل السنة منعنا أخواتنا في غزة من دخول أراضينا، إحنا أهل السنة خذلنا إخوتنا، إحنا إحنا". وتعمم كل جريمة يفعلها من السنة وأهلها منهم براء، تعممها على أهل السنة. لماذا تخطئ التعميم في حق إيران مع أننا لا نعمم بل نتكلم عن أفعال أشدهم عداوة للسنة، بينما مع أهل السنة تعمم أفعال أكابر المجرمين الذين لا علاقة لهم بسنة تعممها على أهل السنة؟
معنى الحديث الذي استدل به عبد الله الشريف
طيب ما معنى الحديث الذي استدل به عبد الله الشريف إذا؟ الحديث بالمناسبة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أبي هريرة الذي يطعن فيه الشيعة ويسبونه ويكذبونه، فعلى مذهب الشيعة هذا الحديث لا يصح. لكن حديث له رواية صحيحة بالفعل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم، يعني ما رد عليه حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثًا. قال: وفينا سلمان الفارسي. قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء". يعني من قوم سلمان.
بداية لاحظ أن الآية تقول: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} يعني يلحقوا بالصحابة في الإيمان والاتباع، مش يسبوهم ويكفروهم ويلعنوهم. قال أبو العباس القرطبي في تفسير الآية: "وأحسن ما قيل فيهم أنهم أبناء فارس بدليل نص هذا الحديث، وقد كثرت أقوال المفسرين في ذلك، وقد ظهر ذلك للعيان فإنهم ظهر فيهم الدين وكثر فيهم العلماء، فكان وجودهم كذلك دليلًا من أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن تيمية أيضًا في شرح الحديث: "ومصداق ذلك ما وجد في التابعين ومن بعدهم من أبناء فارس الأحرار والموالي مثل الحسن وبن سيرين وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم، إلى من وجد بعد ذلك فيهم من المبرزين في الإيمان والدين والعلم حتى صار هؤلاء المبرزون أفضل من أكثر العرب".
فمعنى الحديث أن الإسلام سينتشر بالفرس المسلمين ويكثر فيهم العلم في كل فنونه. في الحديث النبوي مثلًا البخاري ومسلم وأصحاب السنن أبو داوود الترمذي النسائي ابن ماجه من أئمة الحديث المعروفين، هم كلهم من أصول غير عربية من منطقة إيران بالذات وأوزبكستان وتركمانستان. منطقة إيران سيطر عليها الشيعة في العهد الصفوي عام 907 هجري، يعني 900 عام والسنة هي الغالبة فيها.
تروح يا عبد الله الشريف الله يهديك تترك كل هذه الفترة وكل العلماء الذين يصح أن ينطبق عليهم الحديث لتنزل الحديث على من خالفوا كل هؤلاء العلماء وحاربوا الدين الحق الذي حمله مسلمو فارس عبر القرون. مش شايف أن إسقاط الحديث على شيعة إيران هو تمامًا مثل تسمية من يضيقون على أهل غزة "خير أجناد الأرض"، وتسمية جند بشار الكفرة المغتصبين للحرائر تسميتهم "جند في الشام" إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في مدح جند الشام.
هذه الطريقة أن تقتطع الحديث من سياقه وتخرج بتفسير وتنزيل له لم يقل به أحد من علماء الأمة سلفًا ولا خلفًا، وتقول إنه أنا رح أستخدم عقلي ولا علاقة لذلك باستخدام العقل. ألا ترى أن هذا يشبه ما يفعله أمثال شحرور والكيالي؟ وأنا أربأ بك أن تكون مثلهما. هل من العلم أن تنزل آية وحديثًا على أحداث سياسية عابرة هكذا بلا قواعد ولا تأمل؟ ويفتح الباب باب لكل من شاء أن يفسر كما شاء.
المشكلة الثانية: جلد علماء أهل السنة
وقفة ثانية مع حلقة عبد الله الشريف. أخونا بيجلد في علماء أهل السنة اللي ما حد منهم لابس مموه يعني زي الفوتيك العسكري، وما حد منهم عمال بيدعو الجماهير إلى الجهاد. جد والله علماء أهل السنة طالع بإيدهم يدعوا للجهاد ويقودوا الجماهير لحرب الصهاينة بس ما بيعملوا هذا الشيء حرصًا على البقاء في الفتة والكبسة؟
يعني أنت يا عبد الله الشريف مش عايش معنا في نفس الكوكب وشايف كيف أن هناك آلافًا من علماء أهل السنة اعتقلوا لمجرد أن الواحد فيهم أنكر إقامة حفل في أقدس بلاد الله، أو لأنه طالب مجرد مطالبة بوقف بعض المنكرات. صفت المشكلة أن العلماء مش لابسين فوتيك ومعلنين الجهاد؟ يعني كأنهم لو فعلوا شيئًا من ذلك أو هيأوا له سيتاح لهم ولن يرمى بهم في السجون.
ثم لماذا أخي تأتي في حلقتك بأسوأ النماذج كممثلين عن علماء السنة؟ أليس هذا من الضرب على وتر العاطفة بطريقة غير موضوعية؟ هناك علماء السلاطين أي نعم، يستخدمون النصوص الشرعية بتحريف ليطوعوا الناس لأسيادهم الذين يساعدون في نحر غزة من الوريد إلى الوريد. هؤلاء نحن براء منهم، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159].
لكن هل كل العلماء كذلك؟ مش إيران نفسها أشرفت على تصفية العلماء الثقات في العراق وسوريا واليمن والأحواز؟ تروح أخي تعير العلماء بأنهم مش شجعان مثل إيران التي اعتقلتهم وقتلتهم؟ العلماء وطلاب العلم الذين ناصرت قضيتهم أنت نفسك يا عبد الله الشريف والمعتقلون بالآلاف هم من أشد الناس بيانًا لضلال شيعة إيران، كان لهم مواقف مشرفة وجهد عظيم وخير كثير منتشر، ثم اعتقلوا فحزن عليهم من يعرفهم زمنًا ثم نسوهم إلا من رحم ربي.
ومع ذلك كل ما واحدة أجنبية تقف موقفًا نصرة لغزة ولا إيران تضرب صاروخ يصيح الصائحون: "أين أنتم يا علماء السنة؟" الكثير من علماء السنة اللاجئين خارج بلادهم فيمكنهم التكلم، أصدروا فتاوى عديدة بوجوب الجهاد ومناصرة أهل غزة، بل وبعضهم في بلادهم. ماذا حصل بعدها؟ هل تحركت الجماهير؟ هل المشكلة فعلًا هي في أن يبينوا الحكم للناس؟
البيان المعروف بـ "بيان علماء الطوفان" دعا فيه عشرات العلماء والدعاة إلى النفير بشكل واضح وصريح. ماذا حصل بعده؟ هل تحركت الجماهير؟ والذي يريد منها أن يتحرك هل يستطيع النفير بالفعل؟ الأمة فيها علماء ودعاة يتحرقون لما يحصل في غزة ويناصرونها ضمن استطاعتهم ويحيون قضيتها في النفوس ويذكرون الناس بواجبهم تجاهها ويردون على المبطلين المطبلين لأسيادهم ويحاولون بناء جيل يرفع الذل عن هذه الأمة.
ومع ذلك ترى من الناس من يقول لهم: "أين أنتم يا علماء؟ لماذا لا تصرحون بأن فلانًا عميل وفلان خائن؟ هيا تكلموا ليش خايفين؟" ثم إذا تكلم فحبس وسودت أبواب الخير التي كان قائمًا عليها، تباكى عليه هؤلاء المحرضون له ونشروا وسم "كلنا فلان" "الحرية لفلان" يومين أو ثلاثة مش أكثر، ثم نسوا أمره وذهبوا لعالم أو داعية آخر ليقولوا له: "أين أنت؟ لماذا لا تصرح؟ خائف جبان؟" وإذا سجن تباكى عليه وانتقلوا لغيره. وبهذا تترك الأجواء للجهال والسفهاء. الطعن في علماء السنة هكذا بإجمال معناه إفقاد الناس الثقة في كل العلماء، بل وفي كل ما سمعوه منهم حتى من محكمات الدين، ثم يترك الناس بلا سد لهذا الفراغ والنتيجة مزيد من الضياع والسيولة العقدية.
المشكلة الثالثة: مساواة الشعوب السنية بحكامها
وقفة ثالثة مع حلقة عبد الله الشريف، أنه يتكلم عن مواقف الزعماء وكأنها تمثل الشعوب السنية، وهذا حقيقة حقيقة من الخلط الشديد المستنكر. يقارن بين ما يسميه "الدول السنية" وإيران ليقول لك: "الشيعة أحسن منا نحن الدول السنية". هذا الخطاب يسوي بين الشعوب المسلمة المستضعفة المقهورة والمسلطين على رقابها.
أين هي الدول التي تحكم بالسنة يا عبد الله الشريف؟ بل أين هي الدول التي لا تحارب السنة وأهلها؟ هل نسيت أخي حقيقة أن المسلمين في سجون كبيرة، وأن جلاديهم يمنعونهم من نصرة بعضهم البعض؟ هل نسيت أن أهل السنة فيهم عشرات الآلاف من أصحاب النخوة ممن اكتظت بهم السجون، وممن له مواقف شريفة محمودة، بل ومن الذي يقوم الآن في غزة بمدافعة المجرمين؟ أليسوا من أهل السنة؟
لدينا شعوب سنية لكن قوى العالم الخبيثة مستعدة لتحارب بكل شراسة حتى تمنع قيام دولة تحكم بالكتاب والسنة. فبلاش يا أخي جلد للذات وتحميل المسلمين وزر جلاديهم. يا رجل أهل السنة فيهم من حاول أو فكر أن يحاول، حاول أن ينصر أهله في غزة فكان مصيرهم الحكم بالمؤبدات أو قريب من المؤبدات، ويبقون بعيدين عن أبنائهم وأزواجهم وأحبابهم، وقل من يتفقد هذه العوائل.
أهل السنة فيهم من فصل من عمله وعذب ودعس في بطنه لموقفه من غزة. يا رجل أهل السنة في العراق يعدمون حتى اليوم بالمئات، وهناك آلاف المسجونين منهم على قائمة الانتظار للإعدام وسط صمت إعلامي مخز ومطبق، ويصطاد علماؤهم ودعاتهم في اليمن واحدًا بعد الآخر، والفضل في ذلك لإيران التي تفضلها علينا هداك الله. تيجي بعدها تعير أهل السنة بضعفهم والذي إيران من أسبابه بلا شك. هناك تقصير شديد من كثير من المسلمين يستحقون عليه البهدلة والجلد والتقريع، لكن لا تعمم بل تذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال هلك الناس فهو أهلكهم".
طبعًا في كلامي المتقدم كله إخواني لم أناقش حقيقة أن إيران لم تقف مع غزة موقف نصرة عقدية، لم تقف مع غزة موقف نصرة عقدية. فلو كانت نصرة على أساس العقيدة لما حاربت السنة وأهلها في البلدان الأخرى ولا زالت. وإنما هي حساب مصالح، ومن أدل الأمور على ذلك أن إخواننا في غزة يطحنون عبر 20 شهرًا ولم تقم إيران بتسديد ضربات موجعة لقاتليهم إلا عندما غزيت في عقر دارها، ولم تتجرأ على ضرب مصالح أمريكية إلا بإخبار مسبق أكثر من مرة كما صرح ترامب أكثر من مرة، بينما مع أهل السنة قتل وتعذيب بلا هوادة.
ثم في النهاية بعد هذه المعركة الحالية هدنة ليس لغزة فيها أي نصيب ولا اشترطت شيئًا في الهدنة لصالح غزة. فجدير بالمسلمين أن يتلمسوا طريق مشروعهم بعيدًا عن التعلق بأوهام المشاريع الأخرى.
خاتمة
ختامًا، أنا أسأل الله تعالى أن يشرح صدر أخينا عبد الله الشريف ليصح موقفه ويضبط ما ينشره في الحلقات القادمة، وأن يهيئ لنا أهل السنة من أمرنا رشدًا ويستعملنا في إعزاز دينه ونصرة بعضنا البعض، وأن يهدي من في قلبه خير من الشيعة ومن سائر الطوائف ومن سائر أهل الملل، وأن يستعملنا في إرشادهم وفي هدايتهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
There is no continuation needed. The previous response completed the entire transcript.