→ عودة إلى مرئيات

وقفة مع حادثة إطلاق النار في تكساس

٢٩ مايو ٢٠٢٢
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله، أيها الكرام.

مقدمة

أظنكم سمعتم بحادثة تكساس في أمريكا قبل أيام، حيث قام شخصٌ في الثامنة عشرة من عمره بقتل جدته، ثم دخل مدرسة ابتدائية، فقتل فيها واحدًا وعشرين شخصًا، تسعة عشر منهم أطفال. وقبلها بحوالي عشرة أيام، شابٌ في الثامنة عشرة أيضًا يدخل سوبرماركت في بافلو في أمريكا، ويقتل عشرة أشخاص بسلاحه الناري. نحتاج أن نقف مع هذين الحادثين ثلاث وقفات سريعة.

الوقفة الأولى: فشل التشريع الوضعي البشري

سن الأهلية لاقتناء السلاح

أولاً، هذان الشخصان يقتنيان السلاح بشكل قانوني؛ لأنه في أمريكا اقتناء السلاح مسموح به على سن الثامنة عشرة. "صرت ثمانية عشر سنة يا حبيبي، إذن أنت مؤهل لحمل السلاح". كل منهما في الثامنة عشرة، امتلكا السلاح وقام كل منهما بجريمته البشعة. وطبعاً هذه الجرائم تتكرر كثيراً في أمريكا.

حسب موقع، حصلت 216 حالة إطلاق نار جماعي في أمريكا من بداية عام 2022. وحسب موقع آخر، فإنه في عام 2020 وحده قُتل 4522 شخصاً بالأسلحة، سواء في حوادث إطلاق نار جماعية أو جرائم فردية أو بالانتحار (أكثر من نصف هذا العدد بالانتحار). والمصادر كلها في وصف الفيديو.

انظر هنا إلى القوالب الجامدة والفشل الذريع في التشريع الوضعي البشري المعاصر، حيث يحدد سن افتراضي للأهلية لاقتناء السلاح، تماماً كما يحددون سناً معيناً للزواج، دون النظر إلى المقومات الذاتية لكل فرد، وهل يا ترى تتحقق فيه الأهلية أم لا.

مقارنة بالتشريع الإسلامي

قارن ذلك بالتشريع الإسلامي وبقول الله تعالى: طفل أو طفلة مات عنه أبوه وترك له مالاً، يقوم وليه في المجتمع المسلم المتماسك بابتلائه، يعني اختباره، بأن يعطيه جزءاً من المال ويرى كيف يتصرف به. فإن آنس منه رشداً (عقلاً واتزاناً وصلاحاً في دينه) أعطاه ماله. هذا الشيء قد يحصل على سن العاشرة.

قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}. طيب، إذا كان هذا الولي (العم أو الجد مثلاً) يتعمد عدم دفع المال للولد صاحب المال مع أنه راشد، هنا لصاحب المال أن يلجأ إلى القضاء في المنظومة الإسلامية المتكاملة.

فشل القوالب الجامدة

محل الشاهد أن التشريع الإسلامي ليس فيه هذه القوالب الغبية الجامدة، والتي تكلمنا عنها في حلقة "وقفة على الماشي مع نيكولاس خوري". تلك القوالب التي تريد المنظمات الغربية أن تفرضها على المجتمعات المسلمة بتحديد سن معين للزواج وتجريم الزواج قبل هذا السن وتسميته "زواج القاصرات". وكما قلنا، هم يفرضون سن الثامنة عشرة على مجتمعاتنا مع أنهم لا يعملون به عندهم، ففي أمريكا الزواج مسموح به قبل هذا السن.

استهداف المجتمعات المسلمة

لكن المجتمعات المسلمة مستهدفة لتقليل الإنجاب ودفع اليافعين واليافعات باتجاه الفساد عن طريق تأجيج الشهوة وفتح أبواب الحرام وإغلاق أبواب الحلال لسنوات عديدة بعد البلوغ. في التشريع الإسلامي، المسألة ليست بالسن وإنما بالتأهل. المجتمعات الغربية فاشلة في قوانينها، تتيح السلاح لمن هم في سن الثامنة عشرة بغض النظر هل هذا الشخص مؤهل أم لا لاقتناء السلاح، هل هو عدل في أخلاقه، راشد، صاحب دين يضبطه؟ كل هذه المصطلحات لا قيمة لها أبداً في التشريع الغربي، بل كل العمل عندهم على إطلاق الحرية لممارسة كل أشكال الفسوق والفاحشة والتشوه النفسي ومعاكسة الفطرة، لا الرشد ولا الاتزان ولا الديانة. فهذه أول نقطة: فشل التشريع الوضعي المعاصر وجموده وسخفه وسفاهته مقابل حكمة التشريع الإسلامي.

الوقفة الثانية: تأثير المال واللوبيات على التشريع

دعم قانون حيازة الأسلحة

ثانياً يا كرام، ما الذي يدعم قانون حيازة الأسلحة في أمريكا؟ حتى تعرف الجواب، ارجع إلى تقرير صادم في البي بي سي بعنوان "America's gun culture in seven charts" يعني "ثقافة السلاح في أمريكا ملخصةً في سبع رسمات بيانية".

يؤثر على مواقف أعضاء الكونغرس الأمريكي، وهذه النفقات أعلى مما أنفقته الجماعات المنادية بضبط حيازة الأسلحة. إذن الذي معه مال أكثر يؤثر على الإعلام وعلى قرارات صناع القانون، والذي يدفع الثمن هم عموم الناس من دمائهم وأرواحهم وأمنهم وحياة أطفالهم.

شهادة ستيف كير

الآن من الترندات على مواقع التواصل كلمة للاعب ومدرب لكرة السلة، هو اللاعب الشهير ستيف كير، كلمة مؤثرة بعد الحوادث الأخيرة يقول فيها: "هل يعقل أن يتحكم بنا خمسون سيناتور أمريكي فيفسدون علينا عيشنا في مدارسنا ومولاتنا وكنائسنا بإصرارهم على عدم السماح حتى بالتصويت على عمل (يعني تحقق من خلفية الشخص قبل السماح له باقتناء الأسلحة)؟ هل يعقل أن ندع هؤلاء الخمسين يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة شعب أمريكا بأكمله، مع أن عامة الأمريكيين حسب الاستطلاعات يريدون تشديد قوانين حيازة الأسلحة؟ حتى متى نبقى نكتفي بالوقوف لدقيقة صمت بعد كل حادثة ثم تستمر حوادث القتل بعدها؟"

مقارنة بالتشريع الإسلامي

قارنوا هذا إخواني بالتشريع الإسلامي الذي فيه فصلٌ بين الحق والباطل، مش ديمقراطية خرقاء تتلاعب بها أهواء الناس وأموال حيتان الرأسمالية واللوبيات السياسية. في المنظومة الغربية لا وجود لمفردات الحق والباطل وعمارة الأرض بما يرضي الله ويحقق العبودية التي من أجلها خلقنا ربنا.

في التشريع الإسلامي هناك ضروراتٌ يحافظ عليها ولا يحل لأحدٍ المساس بها، لا أكثرية ولا أقلية ولا حاكم ولا محكوم ولا لوبيات سياسية: ضرورة الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وهي محفوظة من نص الشرعي ومنظمة به أدق تنظيم. أما في المنظومة الغربية الفاشلة فهذا كله يضيع: الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

دعوة الحرية المطلقة كذب

صحيفة The Washington Post نشرت مقالاً قبل ثلاثة أيام بعنوان: "بايدن يقول: التعديل الثاني على الدستور (يعني المتعلق بحيازة الأسلحة) ليس مطلقاً. يعني لابد من وضع محددات. دعوة الحرية المطلقة كذب."

"Politicians pleaded for common sense gun laws after at least 19 students and 2 adults were killed." يعني: "سياسيون يناشدون بسن قوانين حيازة سلاح توافق البديهة العقلية، يعني قوانين مقبولة ومنطقية لحيازة الأسلحة بعد مقتل تسعة عشر طالباً واثنين بالغين."

صح النوم أيتها الحضارة الغربية! "Common sense" هو ما أتى به التشريع الإسلامي الذي يسن ما به صلاح الفطرة والعقل، لا ما يوافق أهواء الجهال والمغرضين ومصالح اللوبيات.

الوقفة الثالثة: عبيد الغرب وتدخل المنظمات

وقفة ثالثة وأخيرة. عندما تكلمنا في حلقة "وقفة مع نيكولاس" عن تدخل المنظمات الغربية فيما يسمونه "زواج القاصر" في مجتمعاتنا المسلمة، قام بعض عبيد الغرب من بني جلدتنا بالدفاع عن أسيادهم. حتى قالت إحداهن ما معناه: "دعوا هؤلاء الذين يرفضون تدخل المنظمات الحقوقية يرفضون كما يشاءون، هذا لن يزيد المنظمات الحقوقية إلا إدراكاً لضرورة التدخل وسن قوانين للحفاظ على حقوق المرأة."

يعني الأمم المتحدة وما يتفرع عنها واتفاقياتها مثل "سيداو"، هؤلاء أوصياء علينا معاشر المسلمين في مقام بابا وماما، وهم يعرفون مصلحتنا، بينما هؤلاء الشيوخ الذين يتكلمون بقال الله وقال رسوله لا تعبؤوا بهم ولا بمتابعيهم مهما كثروا. الغرب سيأتي وينقذ مجتمعاتنا والنساء فيها. ويصدر مثل هذا الكلام عن محجبة!

طبعاً هؤلاء الغربان لا تسمع لهم صوتاً عندما تحدث مثل حادثة تكساس هذه، لأن هذه الحوادث في بلاد أسيادهم. وإنما مهمتهم هي تسليط الضوء على مشاكل مجتمعاتنا وتضخيمها، بل وافتعال الحروب بين الذكر والأنثى، ثم المناداة على سوبرمان المنظمات الغربية لتنقذ مجتمعاتنا.

الأنظمة الغربية فاشلة فشلاً مخزياً ذريعاً في بلادها، فمن أين لها أن تأتي بالخير لبلادنا؟ فما بالكم ونحن نسمع قول الله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}.

نسأل الله أن يكفينا شر المنافقين وشر أسيادهم، وأن يمتع المسلمين والبشرية بأيام تكون فيها السيادة للإسلام وأحكامه. والسلام عليكم ورحمة الله.