→ عودة إلى مرئيات

"الإعجاز العددي" مرةً أخرى

١٠ نوفمبر ٢٠١٩
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله أيها الكرام.

مقدمة حول الإعجاز العددي

بعد كلمتي بعنوان "الإعجاز العددي حقيقة أم وهم"، رد بعض الإخوة الأحبة باعتراضات، ويراسلني إخوة بهذه الاعتراضات طالبين سماع رأيي حتى يرسوا على بر بالنسبة لموضوع الإعجاز العددي. وأنا هنا لن أفصل في الموضوع، لأنه من الواضح أننا نحتاج أن نتفق بداية مع إخواننا المعترضين على مقدمات أهمها: تعريف الإعجاز، وبماذا يقع التحدي في القرآن، ثم مناقشة المنهج العلمي وضرورة أن يكون مضطردًا لا انتقائيًا، ثم مناقشة الأمثلة التي يذكرونها مثالًا مثالًا. وليس هذا مقام تفصيل طويل كهذا.

إنما أقول في نقاط يا كرام: بداية، فإن الهدف الأهم من كلمة "الإعجاز العددي حقيقة أم وهم" هو نفي أن يكون ما يعرض من تناسبات عددية هو من قبيل الإعجاز، ونفي أن يُبنى عليه تنبؤات غيبية مستقبلية. ومع ذلك، قلت بوضوح أن هذا لا يمنع من تسمية ما يصح منها "لطائف"، فباب اللطائف أيسر من الإعجاز. فإذا اتفقنا على هذا، كان الخلاف فيما بعدها هيّنًا.

التمييز بين الصحيح وغير الصحيح في التناسبات العددية

الآن، ما الذي يصح من هذه التناسبات وما الذي لا يصح؟ هذا محل خلاف ولا يسهل أن ينضبط.

مثال كلمة "يوم"

أما كلمة "يوم"، فما فعله عدد من الإخوة في حسبتهم اليوم، أنا واعٍ به من قبل أصلًا: "365، 365 يا إياد يوم تكرر 365 مرة وتعال نثبت لك"، ويبقون بالحسابات. يا جماعة، أنا أصلًا في كلمتي كنت قد أحلت على مقال موقع الإسلام سؤال وجواب، والذي لم يُنكر أن كلمة "يوم" بشروطكم تتكرر 365 مرة، لكنني والموقع نعترض عليكم في إدخال أشكال من الكلمة واستثناء أخرى دون منهج واضح. يعني نعترض على الشروط التي وضعتموها حتى خرجتم بـ 365 مرة.

فإذا قلتم إن كلمة "يوم" تكررت 365 مرة في القرآن، قلنا لكم: لا، غير صحيح. أما عندما تضعون شروطًا انتقائية، فنعم، لكن هذه الشروط لا مبرر لها، نتيجة محددة سلفًا، وعلى أساسها تستثنون أشكالًا من الكلمة وتدخلون أشكالًا أخرى.

المقال الذي أحلت عليه يا كرام جاء فيه النص التالي: "وقد ذكر الدكتور فهد الرومي أمثلة على اختيار الدكتور عبد الرزاق نوفل الانتقائي للكلمات حتى يستقيم له التوازن العددي، ومن ذلك قوله: إن لفظ اليوم ورد في القرآن 365 مرة بعدد أيام السنة. وقد جمع في الإثبات هذا لفظي "اليوم" و"يومًا"، وترك "يومكم" و"يومهم" و"يومئذ". والسنة القمرية ليست 365 يومًا، بل 354 لا 355 يومًا. ولذلك قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ}. أي: قدر القمر منازل لتعلم به عدد السنين والحساب، ولم يقل ذلك في الشمس. ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره، كما أشار ابن القيم."

كل هذا يجعلني لا أتقبل اعتبار عدد تكرار كلمة "يوم" داخل باب اللطائف أصلًا، فضلًا عن أن تكون من باب الإعجاز. وبالمناسبة، فأنا أشكر الدكتور عادل صبور جزاه الله خيرًا على ملاحظته بخصوص برنامج "آيات". أنا كنت نصحت بهذا البرنامج، لكن دكتور عادل نبه على أنه مثلًا لما تبحث عن كلمة "يوم"، فإن البرنامج يحصي كلمة "قيوم" ضمن النتائج، فنحتاج ندقق قبل أن نقول للناس كلمة "يوم" تكررت كذا وكذا.

مثال كلمة "شهر"

12، 12. على أي أساس ندخل المثنى والجمع حينًا ونستثنيها حينًا؟ الذين يقولون بالإعجاز العددي حين أرادوا إظهار توافق بين عدد مرات "ملائكة" و"شياطين"، أدخلوا في الحساب "ملكين" و"ملك" و"ملكًا" و"ملائكته" أو "ملائكته"، بينما هنا في "شهر" استثنوا "شهرين" و"شهور" و"أشهر". فسؤالنا يا كرام: على أي أساس ندخل التصاريف حينًا ونستثنيها حينًا؟ بل وندخل بعض التصاريف ونستثني بعضها؟

تكررت كلمة "شهر" مفردةً اثنتي عشرة مرة، جميل. هل هذا من الإعجاز؟ هل هذا مما يتحدى البشر أن يأتوا بمثله؟

الخلاصة

لذلك ختامًا يا كرام، بغض النظر عن الأمثلة التفصيلية، تبقى الفكرة العامة أن تناسب التكرار يكون أحيانًا مبنيًا على اشتراطات ليس لها أساس مضطرد، وما يصح منه ليس مما يعجز البشر، بل لا يزيد على أن يكون من اللطائف. معجزات القرآن أوضح وأبهر وأمتن وأبلغ. أما باب اللطائف فالأمر فيه أسهل.

وختامًا، نسأل الله عز وجل أن يهدينا جميعًا لما يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.