بخصوص الجبهة الإسلامية
اشتركوا في القناة. فصائل متفرقة في كيان واحد هو خطوة في طريق هذا المطلب، شريطة أن تسير هذه الفصائل بسير أنقاها منهجاً وأبعدها عن مواطن الريبة، لا أن يدخل على أنقاها الخلل.
رابعاً: عضوية قيادات بعض الفصائل في المجلس العسكري
عضوية قيادات بعض الفصائل المكونة للجبهة في المجلس العسكري الذي يرأسه سليم إدريس إشكالية حقيقية، ولسنا هنا نحاكم النوايا ولا الأعذار فيما بينهم وبين الله تعالى، بل نعتمد على ما قدمنا به من الأخذ بالظاهر. ولو كان لنا من الأمر شيء لما ارتضينا تشكيل الجبهة إلا بعد أن تنسحب هذه القيادات من المجلس.
أما وقد تشكلت، فإنا نطالب هذه القيادات التي نحسبها محبة لله صادقة في إرادة إقامة دينه أن تلتزم بما ألزمت به نفسها في الميثاق من عدم التبعية ولا تلقي الإملاءات الخارجية. والمجلس العسكري يرأسه هذا الرجل المعلن التبعية للنظام الدولي، فانسحابها منه أدعى لالتزامها بوعدها الطيب ولنقاء جهادها. نسأل الله أن يرينا منهم ذلك.
وأحسب أن الجبهة حين وضعت هذه المادة تدرك أبعادها المهمة، ومع ذلك فسأشير إلى سيناريو خطير قد يحدث في الشام فتصبح عنده الحاجة إلى هذه المادة ملحة: إذا أطاح المجاهدون بالنظام النصيري ثم لم يحصل تمكين حقيقي للمجاهدين، وأبرزت في الصورة شخصيات وطنية تنادي بدولة مدنية وتحظى بدعم دولي وقوة عسكرية، وتعالت أصوات الناس أننا قد تعبنا من الحرب ونريد حلاً ينهي المعاناة ويحقن الدماء.
ماذا ستفعل الجبهة حينئذ؟ ماذا ستفعل إذا أفتى لها المفتون والدعاة بأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وأن هناك فرقاً بين المأمول والمتاح، وأن مصلحة حقن الدماء وتجنب مفسدة مجابهة المجتمع واستئصال المجاهدين تقتضي القبول بالمحاصصة السياسية والاشتراك في الحكم الجديد والعمل على بناء دولة العدل إن لم يمكن إقامة دولة الشرع، ثم تطبيق الشريعة بالتدريج وعدم ترك الساحة للعملاء والعلمانيين والفلول؟
إذا قبلت فصائل مجاهدة لا قدر الله بذلك، فإننا نراه أخطر مصير للجهاد الشامي، وستراها فصائل مجاهدة أخرى شريكة في حكم طاغوتي جديد ومثبتة له ومضفية للشرعية عليه في عيون الناس، مما يمكن أن يدفع إلى اقتتال عقدي بين الطرفين. وأهم عامل يمكن أن يسهم في الدفع باتجاه قبول مشاركة سياسية من هذا النوع هو عدم انضباط فقه المصلحة والمفسدة لدى جمع كبير من المشاهير والدعاة، كما بدا واضحاً أيام التجربة المصرية ومشاركة المنتسبين للأحزاب الإسلامية فيها وفتنة الدستور.
نص الجبهة في ميثاقها على رفض المشاركة السياسية
نص الجبهة في ميثاقها على رفض المشاركة في أي عملية سياسية تجعل السيادة لغير شرع الله، مهم حقاً لأنه يقتضي رفضها المشاركة في الحالة المذكورة. ونرجو من إخواننا في الجبهة أن يكون هذا الأمر واضحاً في أدبياتهم التي يلتزم بها قادتهم ورجال الصف الثاني، خاصة مع التخوف من استهداف الرعيل الأول من القادة في قابل الأيام، نسأل الله أن يقيهم مكر أعدائهم.
لكن إخواني الناصح الأمين للمجاهدين لا ينبغي أن يكون كالمتربص الذي ينتظر ليرى ماذا هم فاعلون في فتنة كهذه: أي يلتزمون ويصبرون ويثبتون فيصفق لهم ولم يصبه من الضر ما أصابهم، أم يزلون فيسلط عليهم سيفه ويسلقهم بألسنة حداد؟ بل دور الناصح الأمين هو أن يعين إخوانه بأن يعمل على جمع كلمتهم، ثم تحبيب قضيتهم الإسلامية إلى عوام الناس وجمع القلوب عليهم ليصطف الناس في فسطاطهم إذا وقع السيناريو المذكور، فيعين إخوانه بذلك على الصبر والثبات.
سابعاً: بخصوص المادة الرابعة عشرة (العلاقات الدولية)
سابعاً إخواني بخصوص المادة الرابعة عشرة: "تحرص الجبهة الإسلامية على أن تتمتع بعلاقات دولية جيدة مع جميع الدول التي لم تناصبها العداء بما يحقق المصلحة وفق الضوابط الشرعية". أقول هنا: ندرك أن إخواننا في الجبهة بمحدودية قدراتهم ليسوا مطالبين باستعداء العالم وإنذار أنظمة الجوار أنهم سيطالونها إن مكنوا. لكن في الوقت ذاته لا نريد أن يفهم هذا على أنه تنكب لمشروع الخلافة الإسلامية، فإقامة الشريعة تستلزم عدم الاعتراف بحدود مصطنعة ولا الإقرار بمفهوم دولة إسلامية قطرية، بل السعي إلى بسط سيادة الإسلام بحسب القدرة.
المادة الخامسة عشرة (المهاجرون)
كذلك ما ورد في المادة الخامسة عشرة أن المهاجرين إخوة ناصرون في الجهاد إلى أن قالت المادة: "فلهم ما لنا وعليهم ما علينا"، لا من باب الوفاء لجهادهم ونصرتهم، بل من أجل إسلامهم ابتداءً والذي يعطيه هذه الحقوق تلقائياً دون هبة من أحد، وهذا من لوازم كون الدولة إسلامية لا تعترف بالقطرية.
ثامناً وأخيراً: المادة العاشرة (قبول الدعم الخارجي)
ثامناً وأخيراً إخواني: رحبت الجبهة في المادة العاشرة بأي دعم يسهم في إسقاط النظام بشرط ألا يحتوي على إملاءات خارجية تصادر قرارها. هنا نلاحظ أن كثيرين يشككون ويخونون قائداً أو فصيلاً ما بسبب قبوله دعم أنظمة معروفة بأنها لا تريد بالإسلام والمسلمين خيراً. فنقول لهؤلاء: هل قبول الدعم في هذه الحالة محرم ونحن نرى اضطرارهم إليه والأطفال يذبحون والنساء تغتصب؟ هل من دليل على عدم جواز أخذ الدعم والسلاح في هذه الحالة؟ أم أن المحرم هو قبول شروط فيها تضييع للدين في مقابلة هذا الدعم؟
فما دام إخواننا ينصون على عدم قبول إملاء الشروط فليس لنا أن نتهمهم بغير ذلك ونسيء الظن بما يحدث في الغرف المغلقة أو بما قد يحصل مستقبلاً، بل لنا الظاهر الحاضر. لكن إن وقع ما يدل على الاستجابة لشروط فيها تضييع للدين فإننا حينئذ ننكر ولا نتعذر بأن النية قد تخالف الظاهر إذ لنا في ذلك الظاهر أيضاً.
نقول هذا ونحن نعلم حقيقة هذه الجهات التي تعطي الدعم وأنها كالحية في كم من يتعامل معها، ونعلم كذلك أن نظرية تقاطع المصالح كثيراً ما كانت مزلقاً خطراً، وأن هذه الجهات لا تقبل أبداً بقيام كيان إسلامي مستقل نقي ولا ترى في ذلك مصلحة يتقاطع معها. ونسأل الله أن يكفي المجاهدين شرها ومكرها ويغنيهم عنها وأن يوفقهم للثبات أمام أي شروط يمكن أن تمليها.
هذا وما كان في الكلام من صواب فمن الله وحده وله الحمد، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي وأستغفر منه الله. والسلام عليكم ورحمة الله.