→ عودة إلى مرئيات

بين سلام الإسلام والسلام الغاندي-مناقشة الاعتراضات على لا تقولوا الإسلام دين السلام

٢٤ أبريل ٢٠١٩
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله أيها الكرام،

مقدمة وسياق الاعتراضات

بعد نشر كلمة بعنوان "لا تقولوا الإسلام دين السلام" تلقيت عددًا من الاعتراضات، وأرى أن في مناقشتها فائدة. بدايةً، لعلنا سنتقارب أكثر إذا وضعتكم في الجو الذي دفعني لإصدار الكلمة.

بعد أحداث نيوزيلندا وتزايد إقبال غير المسلمين عالميًا على السماع عن الإسلام، وهي فرصة تاريخية ينبغي استثمارها على أفضل ما يمكن، رأينا بعض إخواننا المسلمين في الغرب يطلقون هذه العبارة: "الإسلام دين السلام". ومن واقع حضوري لما كان يسمى "الحوار بين الأديان" في أمريكا، كانت هذه العبارة تتكرر أيضًا.

الآن أخي، لو قلت لي: سأعطي محاضرة لمجموعة من النصارى الغربيين مثلاً بعنوان "لماذا الإسلام دين السلام"، أشرح فيها بالتفصيل أن السلام في الإسلام لا يعني الخنوع والذلة، بل لا بد للسلام من قوة تحميه، وأن الإسلام لا يسالم الباغي المعتدي الذي يسعى في الأرض فسادًا، بل مجاهدة أمثال هؤلاء هي التي تحقق السلام الحقيقي، وبالتالي فعلينا أن نعيد تعريف السلام، وحينئذ فالإسلام دين السلام ولا يعارضه أمر الإسلام بالحرب في بعض المواطن، إلى آخره من المعاني التي تفضلتم بها في اعتراضاتكم.

لو كان هذا هو الطرح، أنك ستعطي محاضرة تعرف فيها السلام لمستمعيك وترسم لهم الصورة كاملة، لقلت لك: تمام جميل، لا اعتراض على تسميتها "لماذا الإسلام دين السلام". وقد ذكرت في ختام كلمتي أنه لا دين يحقق السلام العادل الحق إلا الإسلام.

الإشكالية في شعار "الإسلام دين السلام"

لكن إخواني، ليس هذا هو الذي يحصل في حوار المسلمين مع غيرهم بالغرب عادةً. "الإسلام دين السلام" أولاً: ما المعنى المتبادر إلى ذهنه؟ وهذا مهم جدًا أن نعرف ما المعنى الذي يفهمه السامعون عند إطلاق عبارة معينة. عادةً المعنى المتبادر هو أن الإسلام دين لا حرب فيه، دينٌ سلميٌّ في تحركاته وردود أفعاله على طريقة غاندي. هذا هو المعنى المتبادر للغربي، وهو المعنى الذي يُروَّج له عالميًا من النظام الدولي الذي يريد للناس أن ينشغلوا عن مدافعته بأساليب قليلة الجدوى.

إذن بدايةً إخواني، لا يعنينا أن تفصل لنا نحن المسلمين في معنى كلمة السلام لغويًا، فتقول: بل الإسلام دين السلام والنجاة في الآخرة والوصول إلى دار السلام لتثبت لنا أن الإسلام دين السلام. بل المهم: هل هذه المعاني التي تذكرها هي المعاني المتبادرة إلى ذهن السامع، خاصة من غير المسلمين؟ هل المقام يتسع عادةً لتوضيح هذه المعاني لغير المسلمين في مناسبات مثل توافدهم على المساجد ليتعرفوا على الإسلام في عجالة؟

هذا النصراني أو اللاديني الغربي سيذهب بعد ما تلقف منك هذه الكلمة، فيأتيه من يقول له: قالوا لك الإسلام دين السلام، انظر ماذا يقول القرآن، ويأتيه بالآيات التي فيها قتل وقتال. سيكون من السهل جدًا حينئذ أن يحس هذا الشخص بأنك تخادعه وتخفي حقائق دينك لتحمي نفسك منه، لا أنك يهمك دعوته إلى الحق الذي في دينك، خاصةً وأن كثيرًا من المسلمين في الغرب يسيطر عليهم بالفعل

بل هي تحتاج شرحًا وتفصيلاً وضوابط.

شعارات بديلة وأصول الإسلام

أما شعار "الإسلام دين الطاعة المطلقة لله"، "الإسلام دين الحق والعدل"، "دين العبودية لله وحده، لا للأهواء ولا للبشر ولا للنظام الدولي ولا لأصحاب رؤوس الأموال"، هذه تصلح شعارات لكل زمان ومكان، وتنطبق في الحال والمآل، ونقيمها مع كل أحد بلا استثناء، وليست مشروطة بشرط، لذلك فهي تصلح شعارات لأنها الغايات النهائية.

فالله تعالى قال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]. "ليقوم"، لا بالتعليل، إذن من أجل إقامة العدل، أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب. إقامة الحق والعدل، وأن تكون العبودية لله، أن يكون الدين كله لله، هذه هي الغايات النهائية. في سبيل تحقيق هذه الغايات، فإننا نحتاج للسلام أحيانًا، وللحرب أحيانًا.

ستجد أن القرآن ينهى عن الدعوة إلى السلام في بعض المواطن، فيقول الله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]. ولا ينهى ربنا عز وجل أبدًا عن الحق والعدل والطاعة المطلقة لله في أي موطن أبدًا، ولا في التعامل مع أي أحد. ستجد آيات تأمر بالجهاد بدل المسالمة في بعض المواطن، ولن تجد أي آية أو حديث طبعًا يأمر بالعبودية لغير الله أو بالباطل الذي هو ضد الحق، لأنه ربانيٌّ محفوظ، فليس مضطرًا لأن يجاري الشعارات المرفوعة في زمنٍ من الأزمنة ليغازل به الناس. وعندما تعرضه كما هو، فإنه سيجذب أصحاب الفطر السليمة، سوف يجذبهم أصحاب الفطر السليمة الصادقين مع أنفسهم، والذين ينفرون أصلاً من الخنوع والذل، الذي توحي لهم به دعاوى أنَّ الإسلام دين السلام هكذا بالمطلق، ودون تفصيل.

الخلاصة والتوصيات

لأجل هذا كله إخواني، أعيد فأقول: "الإسلام دين السلام" لا تصلح كشعار في دعوتنا لغير المسلمين، خاصةً عندما لا يتسع المقام للتبيين، بل ولا تصلح كشعارٍ مطلقٍ بين المسلمين ما لم يفهموا المقصود منه، خاصةً وأنه يُروَّج بين المسلمين لمفهوم السلمية في استرداد الحقوق ودفع الظلم، السلمية بدلاً عن مدافعة أهل الباطل ومواجهة القوة بالقوة.

وهذا كله لا يعني أبدًا أن نرضى بأن يحتكر غير المسلمين هذا المعنى "السلام"، وكأنهم أولى به منا، بل هم في دعواه كاذبون، ولا يشيع السلام مع من هو أهله إلا الإسلام. ومع هذا فقد عدلت عنوان الكلمة حتى لا يساء فهمها.

وأقول ختامًا: بعض الإخوة المؤيدين للكلمة كان يرد على المعترضين بطريقة جارحة، وأنا أعتب عليهم جدًا في ذلك. فيا إخواني، ما المشكلة إذا اعترض علي بعض الإخوة الكرام وتناقشنا وعدلنا؟ ليس أحد منا معصومًا من الخطأ، وأنا أستفيد منكم وأرجو أن تستفيدوا مني كذلك، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه. فالرفق الرفق يرحمكم الله. أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعًا أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين. والسلام عليكم ورحمة الله.