رصاصة دارون على الإنسانية 2
الداروينية وحقوق المرأة
الحرية، المساواة، حقوق الإنسان، حقوق المرأة. تعالوا نرى وضع المرأة حسب الأسس العلمية الداروينية. كان تشارلز داروين قد بذر بذور وصف المرأة بالدونية تطوريًا، ففي كتابه (أصل الإنسان) عقد فصلًا بعنوان (القدرات الذهنية للرجل والمرأة) وقال فيه عن بعض خصائص المرأة: "هي خواص الأعراق الأدنى".
ثم جاء العالم الفرنسي المعروف غوستاف لوبون ليقول في منشور علمي في المجلة العلمية "Revue d'Anthropologie" عام 1879، المجلد الثاني العدد الثاني - وما سأقوله هنا غريب صادم لذلك أضع لك المرجع فراجعه، وقد راعيت الترجمة الحرفية لما ورد في النسخة الإنجليزية من المجلة مع اختصار فقط، وهو نقل طويل سأقول في آخره انتهى لتعرف أنه انتهى - يقول غوستاف لوبون: "في أكثر العرقيات الذكية كما في الباريسيين، هناك عدد كبير من النساء اللواتي حجم أدمغتهن أقرب إلى الغوريلات من الرجال الأكثر تطورًا، وهذه الدونية واضحة جدًا. كل علماء النفس الذين درسوا ذكاء النساء يدركون اليوم أنهن يمثلن الأشكال الأكثر تدنيًا من تطور الإنسان، وأنهن أقرب للأطفال والسذج منهن للرجال البالغين المتحضرين. بلا شك هناك نساء متميزات أرقى بكثير من الرجل المتوسط، ولكنهن استثناء كولادة أي مخلوق مشوه، على سبيل المثال: غوريلا برأسين، وبالتالي فيمكننا أن نهمل وجود هؤلاء النساء تمامًا". انتهى كلام لوبون.
وأعتذر لأخواتي المتابعات، لكن كما يقال ناقل الكفر ليس بكافر. وللدكتور جيري بيرغمان عدة مقالات تبين دونية المرأة في النظرة الداروينية، وهي مترجمة في كتاب (المرأة بين الداروينية والإلحاد). مما سبق أظنه أصبح واضحًا أنه على أساس التطور الدارويني الذي يتبناه الملحدون لا مساواة، ولا حرية، ولا حقوق إنسان، ولا حقوق امرأة، فهذه القيم التي ينادون بها تهدمها داروينيَّتهم.
تناقض الملحدين مع الداروينية
تعالوا الآن يا إخواني إلى مناقشات مع الملحد. سيقول لك بعض الملحدين: نحن لا نتفق مع كل هذه التصرفات التي تمت باسم الداروينية والإلحاد، بل نؤمن بقيم المساواة بين البشر. لكن السؤال لهم حينئذ: ألا تخونون داروينيَّتكم بهذا؟ أنتم بهذا تحيدون عن النتائج العلمية لنظرية داروين في نظركم تحت وطأة انتشار شعارات حقوق الإنسان وحقوق المرأة. فحسب داروينيَّتكم عليكم أن تكونوا أوفياء للصراع - قانون الطبيعة الذي جاء بكم إلى هذه الدنيا - وأن لا تخونوا الطبيعة العمياء التي جاءت بكم، وأن لا تمنعوها من السير قدمًا في مشروع الانتخاب الطبيعي للأقوى.
في الداروينية ليس هناك أي مبرر للتحلي بأي من الأخلاق، بل إن الصراع الدارويني يتطلب من العرقيات التي ترى نفسها أرقى تطوريًا أن تتحلى بأخلاق الأنانية، والطمع، والاستئثار، والاعتداء على العرقيات الأحط منها لتبيدها وتتكاثر على حسابها. أنت أيها الملحد أمام أحد خيارين: إما أن تتبع أسلافك هؤلاء وتتبع نهجهم الإجرامي، عفوًا الأخلاقي حسب داروينيَّتكم، أو أن تقر بالقيم الأخلاقية وقيم المساواة بين البشر من حيث الأصل وترفض الممارسات الداروينية المذكورة. وحينئذ فأنت تناقض نفسك، لأن تفسيرك المادي للكون لا يصلح كأساس للقيم المعنوية كما بينا في الحلقة الماضية، ولأن اقتراضك لأخلاق من خارج منظومتك الفكرية المادية هو اعتراف ضمني منك بفشل منظومتك المادية الداروينية وعدم كفايتها في تلبية حاجات الإنسان.
إنك أيها الملحد حين تتبنى قيمًا إنسانية في التعامل مع كافة الأجناس دون تفرقة، وعندما تتبنى قيمة الرحمة بالضعفاء، تكون قد مارست ممارسات لا أخلاقية حسب داروينيَّتِكَ. تكون قد فعلت كما في المثال الذي ضربناه أول الحلقة، سمحت لكائنات أدنى في السلم التطوري بالتكاثر على حساب الكائنات الأرقى. نحن إن اعتنينا بالقرود على حساب الإنسان لم يكن ذلك سلوكًا أخلاقيًا. داروينيَّتُكَ تجعل رحمتك بالأجناس الأخرى والضعفاء والمعاقين تبدو مثل هذا السلوك.
الداروينية والأخلاق
انظر إلى علمائك الذين انسجموا مع داروينيَّتهم ولم يناقضوا أنفسهم. يقول ألكسندر تيلا: "من الخطأ الشديد مجرد محاولة منع الفقر أو الإفلاس أو مساعدة الضعفاء أو محدودي الإنتاج، مجرد مساعدة هؤلاء خطأ جوهري في النظرية الداروينية لأنه يتعارض أساسًا مع الانتخاب الطبيعي". وطبقًا لهربرت سبنسر، فإن فكرة وسائل الوقاية الصحية وتدخل الدولة في الحماية الصحية وتلقيح المواطنين تعارض أبسط بديهيات الانتخاب الطبيعي، وكذلك مساندة الضعفاء أو محاولة حماية المرضى والحرص على بقائهم. هؤلاء علماؤك انسجموا مع نظريتهم، بماذا ترد عليهم؟ وبأي حق تخطئهم؟ وعلى أي أساس علمي تبني تحليك بالأخلاق الحميدة؟
وقد وصف ريتشارد ويكارت مثل هذا التفكير بقوله: "لقد نجحت الداروينية أو تأويلاتها الطبيعية في قلب ميزان الأخلاق رأسًا على عقب، ووفرت الأساس العلمي لهتلر وأتباعه لإقناع أنفسهم ومن تعاون معهم بأن أبشع الجرائم العالمية كانت في الحقيقة فضيلة أخلاقية مشكورة".
الداروينية والمساواة
ثم إذا ساويتم أيها الداروينيون بين الإنسان السليم والمعاق، والذكي والغبي، والذكر والأنثى، فبأي مبرر عقلي وقفتم عند هذا الحد؟! لماذا لا تتابعون فتساوون الإنسان بالشمبانزي والغوريلا وسائر الكائنات القريبة من الإنسان تطوريًا حسب معتقدكم؟! خاصة وأنكم لا تؤمنون بقيمة روحية مميزة للإنسان تميزه عن الحيوانات. يقول فرانسيس فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ) ما خلاصته: إننا لو كنا نؤمن حقًا أن الإنسان مجرد كائن في سلسلة حيوانية يخضع لقوانين الطبيعة ليست له قيم متجاوزة، فإنه لابد أن تتساوى الكائنات جميعًا في الحقوق، وبالتالي لا يسمح لنا بالدفاع عن الحقوق المساواتية، فإما طبقية متوحشة أو مساواتية مستحيلة.
الإلحاد والأخلاق الحسنة
يقولون لك: هناك ملحدون أخلاقهم حسنة. فنقول ليس سؤالنا عن إمكانية أن يكون الملحد حسن الأخلاق أو المؤمن سيئ الأخلاق، بل السؤال العقلاني هو هل الإلحاد يؤدي إلى الأخلاق الحسنة؟ لا شك أن ما لدى بعض الملحدين من أخلاق حسنة ليس سببه إلحادهم، فالاعتقاد بأننا في هذه الحياة بلا هدف، بلا رقيب، بلا جزاء على أعمالنا خيرها وشرها، هذا الاعتقاد لا يمكن أن يكون دافعًا نحو الأخلاق الحسنة. لكن الإنسان في النهاية يتأثر بمجموعة عوامل كالتريبة في الصغر والبيئة المحيطة، وليست القناعة الإلحادية هي العامل الوحيد في صياغة الأخلاق. أما الإيمان بوجود الله إيمانًا صحيحًا ضمن التصور الإسلامي فإنه يدفع نحو مكارم الأخلاق، وإذا كان لدى المؤمن سوء خلق فهذا لنقص في إيمانه، لا أن الإيمان هو الذي تسبب في سوء الخلق أو أدى إليه. الملحد ينسجم مع إلحاده إذا تحلى بأسوأ الأخلاق، ويمارس فصامًا نفسيًا ويخون ماديته إذا تحلى بمكارم الأخلاق.
يقول لك الملحد: العلم الحديث يساعدنا في إبطال أخطاء نظرية داروين التي أدت إلى تفرقة وطبقية دون هدم النظرية من أساسها. أعود وأؤكد أن هذا ليس مقام تفنيد التطور الدارويني، لكن كجواب على هذه النقطة نقول: التطور الدارويني يؤكد على أن كل الكائنات بما فيها الإنسان هي في تطور مستمر؛ وهذا يلزم منه وجود أعلى وأدنى في أعراق الإنسان الموجودة حاليًا. هذا لا خلاف عليه بين الداروينيين، قد يقع الخلاف بينهم على معيار هذا التفاضل التطوري، هل هو حسب حجم الجمجمة؟ أو لون العينين؟ أو بروز الجبهة؟ أو حجم الأنف؟ أو الذكاء؟ أو المهارات؟ أو البنية النفسية؟ إلى آخره... لكن من حيث المبدأ لابد من وجود أدنى وأرقى في الأعراق البشرية حسب الداروينية مما يؤدي حتمًا إلى التفرقة البغيضة التي رأيناها.
الإسلام وقيم المساواة والأخلاق
تفهم بعد هذا كله نعمة تأكيد الإسلام على مساواة البشر بعضهم ببعض من حيث الأصل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]. أتقاكم، فجعل مجال التنافس أمرًا يملك الإنسان أن يسعى لتحصيله، التقوى، لا لون البشرة ولا حجم الشفتين ولا تفلطح الأنف. وتدرك بعد هذا كله نعمة الإسلام الذي يقول نبيه عليه الصلاة والسلام: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى» (المحدث: الألباني). ويقول: «إنما النساء شقائق الرجال» (أخرجه أبو داود في سننه).
فالحمد لله الذي هدانا إلى أننا لم نوجد في هذه الأرض من أجل الصراع، بل لعبادة الله الذي جعل من أهم وسائل عبادته إحسان الإنسان للناس والرحمة بضعفائهم وإيثارهم على نفسه. والسلام عليكم ورحمة الله.
There is no continuation needed. The previous response completed the entire transcript as per the initial request.