السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي الكرام.
كشف التضليل الإعلامي
نشرت صحيفة التليغراف قبل أيام مقالاً يزعم أن المجاهدين في مالي متواطئون مع مهربي المخدرات في شمال إفريقيا بهدف تمويل عملياتهم. ثم تناقلت وسائل إعلام عربية هذا المقال على أنه خبر مؤكد دون إيراد أي دليل على صحة ما جاء فيه.
بدلاً من تصديق المقال أو تكذيبه، نود هنا أن نستعرض القصة الكاملة للإعلام العالمي مع منطقة أخرى من العالم هي أفغانستان، لنرى إن كان الإعلام يحترم عقول الشعوب أم لا. سناخذ معلوماتنا من المنظمات الرسمية العالمية لنرى مدى الانسجام أو التناقض فيها.
أفغانستان: نموذج لتضليل الإعلام
الموقع الرسمي للأمم المتحدة، قسم المخدرات والجريمة (United Nations Office on Drugs and Crime)، نص في تقريره لعام 2001 عن زراعة المخدرات في أفغانستان على أن حركة طالبان الأفغانية نجحت بشكل شبه كامل في القضاء على زراعة المخدرات في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها في أقل من عام.
ذلك أن الملا محمد عمر وعلماء طالبان أصدروا قراراً بتحريم زراعة المخدرات ووجوب القضاء عليها عام 2000، علماً بأنها كانت مصدر دخل رئيسياً لهذا البلد المصنف كواحد من أفقر عشر دول في العالم. لذا تجد في الويكيبيديا وصفاً لهذه الحملة بأنها كانت واحدة من أنجح حملات العالم في القضاء على المخدرات، وفي الواقع كانت الأنجح على الإطلاق.
قسم مكافحة المخدرات ينشر خرائط سنوية لكثافة زراعة المخدرات، فتظهر خارطة أفغانستان 2001 وقد خلت من زراعة المخدرات باستثناء المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف الشمالي المعادي لطالبان، والذي كان يتمتع بدعم دول كثيرة تريد إضعاف هذه الحركة الإسلامية.
وهذا رسم بياني من قسم مكافحة المخدرات يبين الانخفاض الشديد في زراعة المخدرات عام 2001، حيث لم يتبق إلا زراعتها في أراضي التحالف الشمالي. طبعاً إخواني، ليس هذا أمراً سهلاً أن يفرض نظام محارب من العالم على شعبه الفقير قراراً كهذا، لكنه الإيمان الراسخ والتسليم لأمر الله لدى هؤلاء الأبطال فيما نحسبهم والله حسبهم.
غزو أفغانستان وعودة المخدرات
بعد ما قضت طالبان على زراعة المخدرات مباشرة، وقعت أحداث سبتمبر وقام الأطلسي بغزو أفغانستان. كنت يومها أدرس في الولايات المتحدة، وأذكر أنه في الساعة الأولى للغزو خرج المتحدث الرسمي باسم البنتاغون على شاشات التلفاز ليتكلم عن عملياتهم ضد طالبان، فكان مما قال: "ومعلوم أن طالبان تعتمد في تمويلها على المخدرات، لذا فقد قمنا بقصف مخازن المخدرات".
هكذا تتعامل وسائل الإعلام يا إخواني مع العقول البشرية! طالبان الذين قضوا على زراعة المخدرات أصبحوا لدى الإعلام معتمدين على تجارة المخدرات. والجرائد ذاتها التي أبدت تعجبها قبل أشهر من نجاح طالبان في القضاء على المخدرات، مثل نيويورك تايمز، ساهمت بعد الحرب في نشر هذه الأكذوبة أن طالبان تروج المخدرات. حتى أن مواقع أجنبية مثل فورين بوليسي انتقدت تضليل نيويورك تايمز ونشرت مقالاً بعنوان "نيويورك تايمز تمارس التضليل بخصوص دور طالبان في زراعة المخدرات".
لم تقف القصة عند هذا الحد، فبمجرد سيطرة حلف الأطلسي وحلفائه من التحالف الشمالي على أفغانستان، انتعشت تجارة المخدرات من جديد تحت مرأى بل ورعاية الأطلسي. ففي عام 2003 نشرت البي بي سي تقريراً بعنوان "أفغانستان تستعيد تاج المخدرات"، ونص مطلع التقرير على أن أفغانستان في العام الماضي (يعني 2002، أي بعد انسحاب طالبان) أصبحت من جديد سيدة العالم في إنتاج المخدرات بعد أن أطاحت القوات التي تقودها الولايات المتحدة بنظام طالبان الذي حظر زراعة المخدرات.
هكذا كان نص التقرير. وهذه خارطة من قسم مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة توضح تغير زراعة المخدرات من عام 2002 إلى عام 2009، أي في السنوات السبع التي تلت سيطرة التحالف الشمالي والناتو على أفغانستان. اللون الرمادي يمثل المناطق التي انتعشت فيها زراعة المخدرات بشكل كبير.
وهذا الرسم البياني من الويكيبيديا يبين كيف أنه وبعد القضاء على زراعة المخدرات عام 2001، زادت من جديد في ظل الرعاية الدولية، فأصبحت أكثر مما كانت عليه قبل سيطرة طالبان. حتى أنه في عام 2007 أصبح 92% من المخدرات في العالم تنتج من أفغانستان.
العام الماضي نشرت النيويورك تايمز تقريراً بعنوان "فشل جهود الولايات المتحدة في منع زراعة المخدرات في أفغانستان". بفتوى من علماء طالبان تم القضاء على زراعة المخدرات بالكامل، بينما في ظل المجتمع الدولي زادت زراعتها عما كانت عليه حتى قبل طالبان.
الأجندة السياسية وراء المخدرات
لكن في الواقع إخواني، المسألة ليست فشلاً بقدر ما هي إرادة سياسية لإنعاش هذه الزراعة التي تستفيد منها الطغم الفاسدة المسيطرة في كثير من الدول. بالإضافة إلى أن تحطيم وتخدير شعوب ما يسمى بدول العالم الثالث هو مطلب في ذاته، كما يستنتج من الدراسة التي أمر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون بإعدادها بعنوان "Population and the American Future"، والتي بقيت سرية إلى أن أخرجها إلى الضوء مجموعة من المحامين في نهايات القرن الماضي.
الدراسة تعتبر زيادة الكثافة السكانية في العالم الإسلامي خطيرة، لأنها تجعل هذه الشعوب تنافس أمريكا على الموارد الموجودة في دول ما يسمى بالعالم الثالث، ولأن هذه الكثافة ترفد المجموعات الإرهابية (حسب تعبيرهم) بالزخم البشري. لذا فإن إلهاء وتخدير ومنع نسل هذه الشعوب هو مطلب في ذاته لدى الساسة الغربيين.
قضية مالي وتضليل الإعلام
بعد هذا كله، لا نستغرب إخواني عندما نرى أنه قبيل الحملة على مالي تناقلت وسائل الإعلام خبر تحريم جماعة أنصار الدين لتهريب المخدرات والسجائر في مناطق سيطرتها، ثم بعد أسابيع قليلة تتهمها هي وجماعات جهادية بالتواطؤ مع مهربي المخدرات.
الكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي له مقال بعنوان "الوسائل العشرة التي يستخدمها الإعلام في السيطرة على الشعوب"، ذكر من هذه الوسائل: "خاطب الجمهور كطفل صغير"، وأيضاً "أبقِ الجمهور في حالة الجهل والوضاعة". تلجم لسان من يعرف الحق وتجعله في حالة من الذهول وتزاحم الأفكار والصعق الشعوري من كذب الإعلام وسذاجة من يصدق الإعلام.
الرقابة الإعلامية
مع بدء الحملة على مالي، نشرت على صفحتي في الفيسبوك مقتطفات من مقابلة مع سند بو عمامة المتحدث الرسمي باسم أنصار الدين في مالي، ونشرت كلمة بعنوان "مالي وشعلة الحرية". وهذه المقابلة والكلمة إنما هي بيان للحقائق مع توثيق وأدلة، فقامت إدارة الفيسبوك بإغلاق صفحتي التي كانت نشيطة لقرابة الثمانية أشهر بلا مشاكل، ثم أغلقوا صفحتي البديلة كذلك بدعوى أني انتهكت قوانين الفيسبوك.
والمسألة ببساطة إخواني أن وسائل الإعلام والتواصل العالمية التي تمارس الكذب والتضليل تريد أن تكون الراوية الوحيدة للأحداث وتمنع الناس من معرفة الحقيقة، فمعرفتك قبحهم حتى أمام شعوبهم المضللة.
الخلاصة والواجب الشرعي
لذلك إخواني، لا يجوز شرعاً ولا يصح مروءة ولا عقلاً أن نصدق ما يقوله الإعلام ضد إخواننا في أي مكان. الإعلام الذي يملك اليهود كثيراً من مؤسساته، إن كان اليهود قد افتروا على أنبياء الله عليهم السلام ونسبوا في كتابهم المسمى بالمقدس زنا المحارم وشرب الخمر والتعري وخيانة الأتباع بالزنا بنسائهم، نسبوا ذلك كله إلى أنبيائهم أنبياء بني إسرائيل، فهل تتوقعون منهم الحيادية والصدق والشفافية والموضوعية مع من يكشف زيفهم ويفضح ابتزازهم واستعبادهم للشعوب؟
لذا فإن سمعنا من الإعلام شيئاً عن أي مسلم، فضلاً عن المجاهدين، فإن واجبنا هو ما أمرنا الله تعالى به إذ قال: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعتذر، يبدو أنني أخطأت في التقدير. النص السابق كان كاملاً ولم يتوقف عند نقطة تستدعي الاستكمال. لقد قدمت النص كاملاً في الرد الأول.
إذا كان لديك نص آخر ترغب في تنسيقه، يرجى تقديمه.