→ عودة إلى مرئيات

مش متدين لكنه طيب

٢٦ فبراير ٢٠٢٠
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله أيها الكرام.

تصحيح مفهوم التدين

من المفاهيم التي تحتاج تصحيحًا وبشدة قولهم: "فلان أو فلانة مش متدين لكنه طيب، محترم، مستقيم، جنتل، متقن لعمله". وكأن هذه الصفات ليست جزءًا من التدين. وهذا ناتج عن تصور التدين وكأنه محصور في شعائر معينة كالحجاب واللحية واجتناب العلاقات غير المنضبطة بين الجنسين وما إلى ذلك.

توسيع دائرة التدين

والصحيح أن علينا أن نوسع دائرة التدين في حسنا وتصورنا لتشمل كل خلق حسن وكل معنى من المعاني السامية كالخيرية والطيبة وحسن التعامل ومعونة الناس وإتقان العمل. ألم تسمع قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}؟

ورسولنا صلى الله عليه وسلم وسّع الدائرة في الحديث الذي صححه الألباني: "وإن خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياءً وتفاخرًا فهو في سبيل الشيطان".

الشرط الأساسي: الإسلام

لا شك أن المهم في هذا كله أن يكون الذي تكلموا عنه مسلمًا أو مسلمة، بحيث لم يفعل ما يُحبِط عمله أو يُخرِجه من دائرة الإسلام. المسلم الذي يعظِّم الله ويحبُّ الله ورسوله، ويُقرُّ بأن المرجعية هي لشرع الله عز وجل، ويعترف لله بأخطائه وذنوبه ولا يُبرِّرها.

المسلم الذي يقوم بأركان الإسلام لا يهدمها، فهو أو هي يصلي ويصوم ويزكي وإن استطاع حج، ولا يُقلِّل من شأن هذه الأمور بدعوى أن المهم حُسن التعامل مع الناس، بل هو معترف بحق رب الناس سبحانه وتعالى.

أمثلة سلبية ومغالطات

عواطلي يستدين من الآخرين ولا يهتم بسداد الدين أو حقود وما إلى ذلك من الصفات. أو فلانة متدينة لكنها تحسد زميلاتها، تغتاب زميلاتها، تعاملها سيء. وكأن هذه الذنوب لا تقدح في وصف التدين.

كما أن كبائر الجوارح تقدح في التدين، فكذلك كبائر القلوب تقدح في التدين، بل كثيرًا ما تكون أسوأ من كبائر الجوارح كما نص ابن القيم رحمه الله. فكم من شخص يوصف بأنه متدين وعنده حسد أو سوء ظن بالمسلمين أو عجب أو كبر. وكم من شخص لا يصنف بالتعريف الضيق ضمن دائرة المتدينين وعنده من خيرية القلب وسلامة الصدر وحسن الخلق ما يجعله يسبق المتدين في عرف الناس.

ففي الحديث الصحيح قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "حصر التدين في شعائر معينة خلل فكري كبير يكرس للعلمانية".

التحذير من التهوين والتضييق

وصحيح أن علينا الحذر من تهوين من أي تهوين من شأن المعاصي وإجراء المقارنات التي لا معنى لها مثل قولهم: "فلانة متبرجة وأحسن من كثير من المتحجبات". هذه المقارنة تذكر في سياق التهوين من شأن هذه المعاصي.

لكن في الوقت ذاته علينا الحذر يا كرام من تضييق دائرة التدين، فكل خير يجب أن يكون مشمولًا فيها، وكل صفة سيئة فإنها تنتقص منها وإن تمسك المسلم أو المسلمة ببعض شعائر الدين. قال الله تعالى:

التحذير من التهوين والتضييق (تكملة)

قال الله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

شمولية التدين

التدين ليس مجرد مظهر خارجي أو أداء لبعض الشعائر، بل هو منظومة متكاملة تشمل العقيدة، العبادات، الأخلاق، والمعاملات. فالمسلم الحق هو من يجمع بين صلاح الباطن والظاهر، ويحرص على تطبيق شرع الله في كل جوانب حياته.

إن من الخطأ الفادح أن نجزئ الدين، فنأخذ منه ما يوافق أهواءنا ونترك ما يخالفها، أو أن نركز على جانب ونهمل جوانب أخرى لا تقل أهمية. فالتدين الحقيقي هو الاستسلام التام لله تعالى في كل أمر ونهي، والحرص على اكتساب كل خلق حسن واجتناب كل خلق سيء.

أهمية الأخلاق في التدين

الأخلاق الحسنة جزء لا يتجزأ من التدين، بل هي من أهم مقاصد الرسالة النبوية. قال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". فكيف يمكن أن يكون المرء متدينًا وهو سيء الخلق، أو بخيل، أو حقود، أو كذاب؟ هذه الصفات تتنافى مع جوهر التدين الذي يدعو إلى الطهر والنقاء والخير.

لذلك، يجب أن نكون حذرين في أحكامنا على الناس، وأن لا نطلق الأوصاف جزافًا. فمن كان طيبًا ومحترمًا ومتقنًا لعمله، فهذه صفات حسنة يحبها الله ورسوله، ولكنها لا تغني عن أداء الفرائض واجتناب المحرمات. ومن كان يؤدي الفرائض ولكنه سيء الخلق، فإنه ينتقص من تدينه بقدر سوء خلقه.

نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يرزقنا الفهم الصحيح لدينه.

مفهوم يحتاج تصحيحا .. وهو قول أحدهم " فلان مش متدين ولكنه طيب محترم مستقيم "