السلام عليكم ورحمة الله أيها الكرام.
هل يهمنا أن تمدح جامعة هارفارد القرآن؟
انتشر اليوم خبر كالتالي: "جامعة هارفارد تصنف القرآن كأفضل كتاب للعدالة". يا ترى ما صحة هذا الخبر وما أهميته؟
حقيقة الخبر المضلل
بدايةً، الخبر غير صحيح. وإنما ببساطة، في مدخل جامعة هارفارد، هناك اقتباسات منوعة عن العدالة من النصرانية والإسلام وأقوال فلاسفة ومشاهير كنيلسون مانديلا وغيره. وكانت ترجمة آية من سورة النساء من ضمن هذه الاقتباسات. الآية هي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135].
وهذا الكلام، هذه الآية، مكتوبة من زمان ومعلقة في المدخل، في مدخل إحدى الكليات من زمان. نُشرت هذه الحقيقة تحت عنوان مضلل تماماً للأسف. العنوان: "تصنف القرآن كأفضل كتاب للعدالة". تدخل على الخبر تقرأه، فلا تجد أي إشارة إلى هذا التصنيف كأفضل كتاب للعدالة، وإنما حديث عن الاقتباس الذي ذكرناه عن آية سورة النساء.
ومع ذلك، فللأسف هذا الخبر الذي نُشر من أسبوع تلقفه عدد من الصحف العربية وبعض الشخصيات وبعض الإخوة الفضلاء الذين أخذوه ونشروه دون انتباه. والبعض نشره بعنوان: "دراسة جديدة من جامعة هارفارد تصنف القرآن كأفضل كتاب للعدالة".
القرآن لا يكتسب مصداقيته من مديح البشر
بدايةً يا إخواني، مؤلم جداً أن نصل نحن المسلمين إلى حد أننا نبحث عن من يقول لنا: "نعم كتابكم صحيح وهو كتاب عدالة". القرآن يا جماعة لا يكتسب مصداقيته من مديح البشر له. قال الله تعالى: {لَٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 166].
ستقول لي: "لكن غير المسلمين لا يصدقون أصلاً أنه كتاب الله، فكيف تقول لي خاطبهم بأن الله يشهد لكتابه؟" أقول لك: الله عز وجل لما يقول: {لَٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ} أيش معناها؟ يعني الله يشهد على صدق كتابه بما أودعه في هذا الكتاب من دلائل. يعني القرآن يحمل أدلة صدقه في طياته، ومش محتاج شهادة لا من جامعة هارفارد ولا من رايس ولا من كامبريدج ولا من أكسفورد ولا من غيرهم.
طبيعة اقتباس هارفارد للآية الكريمة
ثانياً إخواننا، هارفارد عندما كتبت ترجمة هذه الآية على أحد مداخلها، لم تكتبها على أنها كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. وإنما على أنها إحدى الاقتباسات التي يؤمن بها بعض الناس. وكتبتها، كتبت الآية تحت مقولة لعالم اللاهوت النصراني أوجستين، ومعها عشرات الاقتباسات لأشخاص منوعين. فنحن المسلمين لا يعنينا أن يُدرج أي كلام من كلام الله ضمن الحكم والمقولات البشرية.
خطورة بناء الإيمان على آراء الآخرين
ثالثاً يا كرام، افترض أن هارفارد في يوم من الأيام قالت عن القرآن أنه أفضل كتاب للعدالة. طيب، وكان ماذا؟ ومن ثم ماذا؟ وإيش يعني؟ وسوت؟ وبماذا يهمنا هذا؟ هل أنت كمسلم تبني إيمانك على ما تقوله هارفارد؟ هل مجموعة من البشر في هارفارد هم من يحكم ويقرر أن كتاب الله في المرتبة الأولى أم الثانية أم في الثالثة ولا في العاشرة؟
طيب، إذا حضرتك بنيت يقينك في دينك على مثل هذه الأخبار، أو حتى قلت: "لا لا، أنا مش باني يقيني على هذه الأخبار، بس بصراحة بتزيد إيماني". إيش حيكون حالك يا أستاذ إذا في يوم الأيام راحت هارفارد خلت كتاب هندوسي ولا بوذي في المرتبة الأولى وأخرت مرتبة القرآن؟ ولا لو طلعت هارفارد دراسة تنتقد أحكام إسلامية وتقول أنها غير عادلة ولا إنسانية؟ إيش هتعمل حضرتك؟ هترتد؟ هتسيب دينك؟ هتشك في دينك؟
تسييس المؤسسات الأكاديمية
رابعاً إخواني، الحفاوة الشديدة بمثل هذه الأخبار يعني وكأننا نعتبر هارفارد وغيرها من المؤسسات الأكاديمية جهات نزيهة، محايدة، مصدقة علمية. وهذا طبعاً باطل تماماً. الجامعات مسيسة، والعلم الرصد التجريبي (الساينس) مسيس، والدراسات الاجتماعية مسيسة، خاصة كل هذا مسيس خاصة خاصةً فيما يتعلق بالأخلاق والموقف من الإسلام والأيديولوجيات وما إلى ذلك. وقد أثبتنا ذلك في حلقات كثيرة من رحلة اليقين مثل حلقة "تزييف العلم: الشذوذ مثالاً".
القيم الغربية وموقفها من الإسلام
خامساً يا إخواننا، الآن الغرب قيامه العليا المطلقة الحاكمة هي الحرية والمساواة، ولا يسمح بالحريات المطلقة. فلا تتوقعوا أن يعتبروا القرآن مقدماً في المرتبة الأولى حسب مقاييسهم الباطل التي بيّنا بطلانها في مواطن كثيرة.
شهادات الأعداء: بين الإنصاف والتلغيم
سادساً يا كرام، يمكن حد يقول: "إحنا فرحانين من باب: والفضل ما شهدت به الأعداء، وشهد شاهد من أهلها". تأكدوا تماماً يا كرام أن الشهادات المنصفة للإسلام تأتي كفلتات من أفراد، لا كدراسات ولا نتائج معلنة من مؤسسات كبرى. وحتى شهادات الأفراد كثيراً ما تكون ملغومة، فيها ثناء على شخص النبي مثلاً عليه الصلاة والسلام باعتباره شخصاً ذكياً، مؤثراً، قيادياً. والرسالة المبطنة أنه استطاع أن يجمع الأتباع حوله بقوة شخصيته وشدة إقناعه، لا لربانية رسالته، ليس لأن الإسلام حق.
مثل هذه الرسائل المبطنة واضح جداً في كلام أمثال الكاتبة كارين أرمسترونغ في وثائقية "محمد: The Legacy of the Prophet" (محمد: ميراث نبي). كان واضحاً تماماً أنها تريد أن توصل للناس رسالة: محمد عظيم، محمد ذكي، محمد شخصية جذابة. ونبي؟ لا طبعاً مش نبي. إذن الإسلام جذب الأتباع وأقنع الناس ليس لأنه دين الله ولا لأنه يوافق الفطرة، لكن لقوة شخصية محمد.
طيب، سمعت بالكتاب الذي كتبه اليهودي مايكل هارت بعنوان "The 100: A Ranking of the Most Influential Persons in History" (المئة: ترتيب لأكثر مئة شخصية مؤثرة في التاريخ). من أول شخص؟ محمد صلى الله عليه وسلم. وإحنا كمسلمين فرحانين، تصور مايكل هارت الكاتب الأمريكي اليهودي يقول عن نبينا أنه رقم واحد. سوات يا حبيبي؟ ومن ثم ماذا يعني؟ وليش مبسوط حضرتك أوي؟
هل تعلم أن مايكل هارت هذا هو نفسه الذي في عام 2007 أو 2009 (الآن ناسي بصراحة، لكن يعني بعد كتابة كتابه هذا بفترة طويلة) دعا لمؤتمر لحماية الميراث اليهودي النصراني للولايات المتحدة من تأثير الفئات الأخرى كالمسلمين. عام المؤتمر تحت عنوان: "الميراث اليهودي المسيحي لأمريكا والهوية الأوروبية". تعالوا يا مشاركين شاركوا بكلمات كيف نحمي هذه الهوية المسيحية اليهودية عشان يزق الأجندة اليهودية في الهوية الأمريكية.
تحذير القرآن من الاغترار بآراء الآخرين
سابعاً يا كرام، أنت عندما تبني إيمانك على ما يقوله الآخرون عن دينك، فإن ذلك يمكنهم من زعزعته بالخطة القديمة المعروفة التي كشفها القرآن وقال: {وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران: 72].
إيوا، تروح حضرتك تبني إيمانك على ما يقوله هؤلاء، إذن خلاص يصير يزدروا دراسات وعبارات رنانة وكلام عاطفي، فأنت تنبسط، ترتفع معنوياتك: "شايفين يا ناس، شايفين عالم إسلامنا عظيم، قرآننا عظيم!" بعدين ينتقدوا إسلامك فتنهار معنوياتك، ينهار إيمانك. {آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
فرجائي إخواني، بلاش هذا الاهتمام بما يقوله الآخرون عن ديننا؟ بلاش نتناقل هذه الأخبار بلا توثق فيضحك علينا الملحدون ويهزون إيمان الناس. لم يقولوا: "شايفين المسلمين كيف بيكذبوا علشان ينصروا دينهم؟"
أذكر للأسف في يوم الأيام كنت في التكساس ميديكال سنتر في المكان كنت أعمل في بحثي في أمريكا، وداخل على مصلى في الميثوديست هوسبيتال، فكان في كتيبات موجودة في مكتبة المصلى، من ضمنها كتاب عن الإسلام وما يقوله الآخرون عن الإسلام. مسكت الكتيب تصفحته، كان من الأشياء المؤلمة كاتبين: "قال رجل هندي..." بعدين مديح للإسلام. الله أكبر! أصبحنا نبحث عن رجل هندي ما، رجل سريلانكي ما، رجل في أدغال إفريقيا ولا في أمريكا الجنوبية ولا في ألاسكا ولا في المحيط المتجمد، القارة المتجمدة الجنوبية التي ليس فيها سكان فيما أعلم، نبحث عن أي أحد يمدح إسلامنا. الله أكبر يا جماعة، الله أكبر! فين العزة بالإسلام؟
أتألم جداً عندما يشيع خبر: "المغني الأمريكي الفلاني أسلم!" آه. بعدين يجي مرافق المغني (المغني نفسه ما يستنظفش يرد على هذه الادعاءات) مرافقه الشخصي يقول: "لا، لم يسلم ولكنه عبر عن تعاطفه مع المسلمين وحقوقهم". الله أكبر يا جماعة، وصلنا إلى هذا الحد! والله الشيء محزن، والله الشيء محزن يا جماعة.
الاعتزاز بالإسلام
يعني خلينا نعتز بإسلامنا، وتذكر قول الله تعالى: {مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء: 15]. نتذكر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر: 15-17].
اعتزوا بدينكم يا إخواننا. والسلام عليكم ورحمة الله.