السلام عليكم إخواني الكرام. هذه الكلمة لا تُفهم إلا وحدة واحدة، فالذي سيشاهدها عليه أن يكمل إلى النهاية، وإلا فلا يشاهدها من الأساس. إذا مش ناوي تكمل، فنصيحة انسحب من الآن.
أقول إخواني، من تابعني من 40 يومًا، يوم انطلق طوفان الأقصى، يعلم أني كنت من أشد المؤيدين له والفرح به والمدافعين عنه. الآن بعد المعطيات الجديدة، بعد الدمار والقتل الذي رأيناه، هل سنبقى على نفس الموقف؟ أم يمكن للإنسان أن يغير موقفه إذا تجرد عن تأثير العاطفة واستمع للغة العقل والواقع؟
هل يمكن أن يكون ما حصل في طوفان الأقصى هو أن مجموعة من المسلمين جرت شعبًا أعزل إلى مواجهة غير متكافئة؟ أليس علينا حينئذ أن نفكر بعمق وهدوء فيما إذا كان هذا العمل انتصارًا بالفعل، أم أنه قد يهدم أكثر مما يبني ويضيع مكتسبات أكثر مما يحققها؟
مهم جدًا أن نعرف إجابات هذه الأسئلة: نؤيد أو نعارض مبدأ الجهاد بإمكانيات متواضعة في هذا الزمان، حتى نعلم إذا كان هذا العمل نموذجًا يُحتذى، أم أنه يجب كف المسلمين عنه وتحذيرهم من القيام بمثله.
سأعيد النظر في موقفنا من طوفان الأقصى من عدة نواحٍ:
- مشروعية العمل في دين الله تعالى.
- نتائج هذا العمل عبر الأربعين يومًا الماضية.
- فقدان حالة الاستقرار النسبي التي كان أهل غزة يتمتعون بها قبل الطوفان.
- اعتراض بعض أهل غزة على هذا العمل بعدما ظهرت نتائجه.
- المواقف السابقة المتعلقة بالمشروع الإيراني.
- مواقف بعض النشطاء من الطوفان وما أشاروا إليه من أنه لا ينبغي الإقدام على فعل من هذا النوع دون وجود قوة مادية كافية.
فنقول وبالله التوفيق:
مشروعية طوفان الأقصى
هل كان طوفان الأقصى عملاً مشروعًا؟
لا أظن أحدًا يخالف في أنه كان من حيث الأصل عملاً مشروعًا. ولعلي أستطيع أن أقول بثقة: كل المسلمين في أرجاء الأرض فرحوا به، حتى من عنده فرح مشوب بالخوف من عواقب هذا الطوفان، إلا أنه أيضًا فرح به في البداية.
الطوفان كان مشروعًا لأنه، كما وصفه أحد الإخوة، معركة يلتقي فيها خيرة عباد الله فيما نحسبهم في صفوة أرض الله ضد شر الدواب عند الله، في أظهر معركة بين الحق والباطل، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
طوفان الأقصى عمل مشروع لأن الله تعالى قال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}. ولأن الله تعالى قال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}. وأظن أنه لا ينكر عاقل أن الإخوة المجاهدين قد أعدوا ما استطاعوا بالفعل.
وهو مشروع لأننا نتكلم عن عدو احتل أرضًا للمسلمين وسفك دماءهم ودنس مقدساتهم، ففرضية الجهاد في هذه الحالة ليست محل اجتهاد أو نقاش أو إبداء آراء من حيث الأصل.
وهو عمل مشروع لأن إخواننا الذين أطلقوا طوفان الأقصى، وهم أصدق عندنا من كل الكفار والمنافقين وأبواق الإعلام الكاذب، أخبروا بأن الصهاينة كانوا يعدون العدة لغزو غزة، فبادرهم المجاهدون غزوهم في عقر دارهم وأوقعوا فيهم الخسائر، فكان في هذا من حيث الأصل حماية من هذا الخطر القادم.
إذاً، دعونا نتفق على أن العمل في أصله مشروع.
إعادة النظر في طوفان الأقصى بناءً على نتائجه
لكن لحظة، حتى تحكم على عمل بأنه مشروع أم لا، انظر إلى نتائجه. أها، هذا يأخذنا إلى النقطة الثانية: إعادة النظر في طوفان الأقصى بناءً على نتائجه عبر الأربعين يومًا الماضية.
هل يحق لجماعة من المجاهدين أن يقوموا بعمل تكون نتيجته قتل آلاف المسلمين وتهديم البيوت وتشريد ساكنيها وموتهم موتًا بطيئًا في المستشفيات وهلاكهم جوعًا وعطشًا؟
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل هذه هي النتيجة الحتمية لطوفان الأقصى؟ أم أنه كان يمكن للأمور أن تسير بخلاف ذلك، وتحدث انتفاضة عارمة في بلاد المسلمين تقتلع الكيان الصهيوني وتزلزل أركان النظام الدولي وأذنابه في بلاد المسلمين؟ أم لا، مش ممكن؟
إذا مش ممكن، لماذا جاءت كل دول الكفر تنجد الكيان الحقير؟ وثارت ثائرة النظام الدولي بشكل هستيري، وأعلن الحرب صريحة دون أي محاولة خداع لمشاعر المسلمين، ورمى كل مواثيقه في الزبالة؟ إذا مستحيل، فلماذا يتصرف الكيان بهذا الجنون ويضحي بحياة مئات الأسرى رغم الضغوط الشديدة من أهلهم؟
كان يمكن للأمور أن تسير بخلاف ما جرى، وكان يمكن لطوفان الأقصى أن يجرف من طريقه كل الأوساخ في المنطقة. طيب، ما الذي منع ذلك؟ منعه حراس يعينون قوى الكفر على الاستفراد بأهلنا في غزة، وشعوب لم تتهيأ ولم تستعد كما استعد إخوانها في غزة. فلا تلم من قام بما عليه بجريرة من لم يقم، ولا تقيم طوفان الأقصى بنتائجه غير الحتمية.
فالعمل إما أن يكون مشروعًا أو غير مشروع. وإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقول: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}، فكيف لإخواننا أن يعلموا الغيب حتى يقوموا بطوفان الأقصى أو لا يقوموا؟
أصيب المسلمون بمصيبة في معركة أحد، فهل هذا يعني أن خروجهم للمعركة كان خطأ؟ طبعًا لا. لما تناقش هذا الموضوع، تذكر إحصائيات من موقع "ستاتيستا" وغيره تبين أن النفقات العسكرية لسبع دول عربية خلال عام 2021 بلغت 88 مليار دولار. 88 مليار دولار! وتذكر أن هذه أموال الأمة، أموال الشعوب المسلمة التي يجب أن يدافع بها عن الأمة دون أي اعتبار لحدود وضعها المحتل. فالواجب هو السؤال عن حكم حرمان المسلمين من نصرة إخوانهم بالأسلحة التي اشتريت بأموالهم، لا توجيه اللوم لمن قام بفريضة الجهاد بالإمكانيات البسيطة المتاحة.
اللي بيسمعنا لحد الآن قد يظن أننا نقول: صحيح أن طوفان الأقصى بدأ بنصر، لكنه بعدها ضاع هذا النصر. أبدًا أبدًا! بل إذا كانت الأفعال تقاس بالنتائج، فنتائج طوفان الأقصى من أعظم المكتسبات في تاريخ الأمة الإسلامية: من إحياء أجيال من الشباب الضائعين، وتكريس عقيدة الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين، وغيظًا للكافرين، وإيقاع الخسائر فيهم، ولا زالت تسطر في ذلك البطولات، وظهور المنافقين وأعداء الدين على حقيقتهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، ودخول أناس في الإسلام، ومعرفة كثير من الشعوب بحقيقة الكيان الغاصب وبحقيقة للناس.
وأحسب أن هذا كله في ميزان حسنات أهل غزة الصابرين ومجاهديهم بإذن الله. الذين قتلوا ويقتلون من إخواننا في غزة هم شهداء إن شاء الله. والذين يصيبهم الأذى في أهلهم وأجسادهم وأملاكهم ويصبرون، فالله يعوضهم بخير منه. فهم لم يخسروا، إنما الذي يخسر ويحل عليه غضب الله هو القادر على نصرتهم ولا يفعل، وشر منه من يمنع من نصرتهم.
فقدان حالة الاستقرار النسبي في غزة
يا أخي ماشي، لكن مقابل هذا كله انظر إلى خسارة حالة الاستقرار النسبي التي كان أهل غزة يتمتعون بها قبل الطوفان. أها، هذه النقطة الثالثة التي ذكرناها في البداية: حالة الاستقرار النسبي. يعني الناس كانوا عايشين، صحيح في ضيق شديد وغزة عبارة عن سجن كبير، لكن كانوا عايشين بيأكلوا بيشربوا بيصلوا وآمنين نسبيًا.
الذي كان يتابع شأن غزة قبل الطوفان كان يعلم أنها على حافة خطر، خطر كبير على دينها وفطرة أبنائها وأخلاقهم. الطعام والمعونات كانت تدخل لكن من خلال الأمم المتحدة وتفريخها والـ NGOs التابعة للدول الغربية، والتي كانت تقدم هذه المعونات مسمومة بسموم سيداو والنوع الاجتماعي، والعمل على السلخ التدريجي لأهل غزة عن دينهم.
بتاريخ 20/9/2023، يعني قبل طوفان الأقصى بحوالي أسبوعين فقط، كنا قد نشرنا كلمة بعنوان "أخلاقيات الأونروا وأهل غزة"، أبين فيها أن الأونروا عممت كتابًا على معلمي غزة خلاصته باختصار شديد: بدكم يا أهل غزة تتقبلوا نشر الفاحشة والشذوذ ومحاربة الفطرة في أبنائكم، بل وتدرسوها يا معلمي غزة لأبنائكم غصب عنكم، وبتحطوا دينكم وقرآنكم على جنب أيها المعلمون وتقولون سمعنا وأطعنا للأمم المتحدة ودينها الجديد. والذي يظن أننا نبالغ يروح يسمع الكلمة يشوف مدى وقاحتهم في النصوص التي اقتبسناها من كلامهم حرفيًا.
غزة كانت أكثر مكان في فلسطين يتعرض لمحاولات الابتزاز والتدجين من قبل المؤسسات والجمعيات التي رأيناها في بداية الحرب تخرج كالفئران بعدما بذلت جهدها للتخريب الديني والأخلاقي، ليستكمل مرسلوها من الدول الغربية التخريب العمراني والقتل والتهجير.
غزة كانت مجوعة محاصرة، يُجرم من تبرع لها من المسلمين حتى لا يصل لها الفتات إلا من خلال هذه الجمعيات الخبيثة، مع كثير من الابتزاز لتتمكن مؤسسات سداوية مثل "ري فورم" و"سواسية" وشخصيات طاعنة في الشريعة تروج للشذوذ أمثال زينب الغنيمي، حتى يتمكنوا من عقد فعاليات خبيثة تروج للشذوذ والتحول وقاذورات سيداو، مما وثقته قنوات على تليجرام بالصوت والصورة مثل قناة "غزة تقاوم شذاذ الآفاق" وقناة "الحراك الجماهيري لإسقاط سيداو". وكان هذا من أسباب إجرائي لمسابقة "فلسطين تتصدى للحرب على الفطرة" التي كانت موجهة لغزة في المقام الأول ثم لفلسطين.
غزة ما كانت بخير من التآمر عليها، كانت تتعرض لابتزاز قذر، وكان أهلها والمصلحون فيها ومجاهدوها مقهورين من هذا العبث الذي كانت وتيرته تتصاعد في السنوات والشهور الأخيرة. جاء طوفان الأقصى فغسل كل هذا الوسخ، أخرج كل الفئران من غزة ومعهم قاذورات الجندرة ومحاربة الشريعة التي لا تطيقها بيئة غزة ولا تستطيع أن تأكل الخبز مسمومًا بهذه القاذورات. وأبناؤنا في غزة الذين كان يمكر بهم لينشأوا على الكفر والشذوذ هم الآن أبطال يفدون دينهم بأرواحهم.
لذلك لما تشوف من يقول: عن أي نصر تتحدثون؟ الناس كانوا يأكلون ويشربون، الأبناء كانوا يذهبون إلى المدارس. فقل له: وماذا عن صلاح فطرتهم وأخلاقهم وآخرتهم؟ لا تكن من الذين يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.
ثم ماذا لو لم ينطلق طوفان الأقصى؟ وماذا لو استسلم أهل غزة لمحاولات الإفساد؟ هل كانوا سيأمنون على دنياهم؟ حتى على هذه الدنيا؟ الصهاينة المجرمون الذين يستمتعون بأن يعلنوا الآن لأهل غزة عن ممرات آمنة، ثم إذا سلكها أهلنا قصفهم فيها بمنتهى الإجرام، ورأينا من ذلك مقاطع تشيب الرأس.
الصهاينة المجرمون الذين صوروا جنديًا لهم يتظاهر بأنه يساعد العم بشير الحجي ذو 79 عامًا وهو في طريق النزوح خارجًا من بلدته، ثم أعدموه بطلقات في رأسه وصدره. هل كانوا سيتركون غزة من شرهم لو لم ينطلق طوفان الأقصى؟ هل نسينا حين أطلقت بارجتين ذهب حيتها أبوها وأشقائها الخمسة وعويل تلك البنت على أهلها لازال في أذهاننا يوم لم يكن هناك قتال ولا طوفان أقصى؟ وهؤلاء مجرمون لا يتركون من شرهم أحدًا.
اعتراض بعض أهل غزة
لكن لحظة، حتى بعض أهل غزة اعترض على طوفان الأقصى بعدما حصل القتل والدمار، ورأينا ذلك على شاشات قناة العربية مثلاً. نعم، هذا متوقع. وأهل غزة ليسوا خيرًا من المجتمع النبوي. المجتمع النبوي كان فيه أبو بكر وعمر وشجعان الصحابة، وكان فيه من يكره المواجهة بحيث عندما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى بدر كانوا: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}. وكان في المجتمع النبوي ضعفاء الإيمان، وكان فيه المنافقون الذين يقولون: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا}.
وأنا هنا مش هدفي أنتقص من الذين أظهروا ضيقًا وألمًا وتمنوا لو أن الأمر ما كان من أهلنا المكلومين في غزة، الله يعينهم ويعيننا على نصرتهم. لكن لا يشك عاقل أن مجتمع غزة بمجموعه ضرب أروع الأمثلة التي أذهلت الناس ودعت كفارًا إلى اعتناق الإسلام. لكن هناك وسائل إعلام خبيثة لا تقع إلا على ما تريد توظيفه لضرب مبدأ الجهاد.
مواقف حماس والمشروع الإيراني
بتعرف يا أياد، ممكن نسلم معك بكل هذا الكلام لولا غصة في الحلق، ألا وهي مواقف حركة حماس فيما يتعلق بالمشروع الإيراني وحزب اللات والأنظمة التي سامت المسلمين سوء العذاب. تمام، هذا يأتي بنا للنقطة الخامسة وقبل الأخيرة.
للعلم إخواني، أنا من أشد الناس رفضًا لهذه المواقف وبيانًا لعدم شرعيتها ولخطورتها. لكن لا تنسوا أن الصهاينة يستهدفون مسجد إحياء السنة في حي الصبرة في غزة بصاروخ قتل أكثر من 50 مصليًا كانوا يصلون المغرب والعشاء جمعًا خوفًا من الغارات أول أمس. فهذه حرب ليست محصورة بحماس، هذه حرب إسلام وكفر.
الآباء الذين يتحملون فقد أبنائهم وأزواجهم، الأطفال الذين يتحدون أعداءهم، العجوز اللي بتقول: "طول ما الشباب يعني المجاهدين بخير احنا بخير". هؤلاء جميعًا هل هم يضحون من أجل المشروع الرافضي؟ بل لا يخطر ببالهم أبدًا. والحمد لله أن المشاريع الخبيثة كلها ظهرت على حقيقتها في هذه الأحداث حين خذلت أهل غزة.
كنا ولا زلنا وسنبقى نستنكر أي موقف يثني على ظالم أو معاد للسنة، وأي موقف يجزئ قضايا المسلمين. فقضية المسلم الفلسطيني ليست منفصلة عن قضية السوري أو العراقي. أمة واحدة، والحدود بيننا لا قيمة لها، لأننا نؤمن بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم". ونسأل الله أن يطهر بهذا الطوفان أعمال ومواقف وصحائف من أخطأ في هذا الأمر، وألا نرى منهم هذه المواقف بعد اليوم.
والأمر ذاته نقوله فيما يتعلق بالموقف من الديمقراطية والوطنية وحال الدولتين والشرعية الدولية إلى آخره. هذه كلها ليست هي المعاني التي تحرك الرجال على الأرض الآن ولا تمثل مواقفهم. هل أهلنا في غزة يقاتلون ويضحون ويصبرون وطنية أو من أجل الديمقراطية؟ بل نحسب أن عامتهم يفعلون ذلك لتكون كلمة الله هي العليا، وأنهم يعلمون أن سيادة كلمة الله وشريعة الله تتضمن حقوقهم وعزهم وكرامتهم واسترداد أرضهم.
قد يكون عند بعضهم اختلاط بين هذه المقاصد الوطنية والشرعية، فدورنا أن نذكرهم ونذكر أنفسنا بتمحيص النية لله وإرادة نصرة شريعة الله وإقامة حكمه في الأرض، لا أن نتخلى عنهم مبررين بوجود الأخطاء ونقول مقالة المنافق الأول: {قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا}.
طيب ماذا لو سارت الأمور مستقبلاً مسارًا غير حميد بتوظيف طوفان الأقصى لتنازلات لا أقول فيها تخفيف عن أهلنا، وإنما شرعنة للدخول في نفق غير مشروع لا يعود عليهم بخير دنيا ولا آخرة؟ لكل مقام مقال. واجب الوقت الآن هو نصرتهم، لا أن نتخلى عنهم ونبرر لأنفسنا بأن ذلك قد يحصل.
مواقف بعض النشطاء من الطوفان
سادسًا وأخيرًا إخواني، ماذا عن مواقف البعض من الطوفان وما أشاروا إليه من أنه لا ينبغي الإقدام على فعل من هذا النوع دون وجود قوة مادية كافية؟
أما من كان من أصحاب المروءة والفهم، وبيننا وبينه قواسم مشتركة من الخطاب الشرعي الصحيح، فلعل فيما تقدم من كلام كفاية وإقناع له. ونقول له أيضًا: متى بدأت المعركة بين الإسلام والكفر، يتوقف الاستدراك واللوم والتحليل في الجدوى، لأن هذا من الإرجاف والتخذيل والتثبيط وتشتيت الجهود. كل الجهد يجب أن ينصب الآن على نصرة إخوانك وكف الأذى عنهم. كل اللوم بل والتخطئة والتخوين يجب أن يوجه لمن يستطيع نصرتهم لكنه في الحقيقة يعين أعداءهم عليهم. أي تشتيت الآن هو حبل نجاة للمنافقين والمتآمرين يزيح الأنظار عنهم ويتخذونه ذريعة لمحاصرة الدين بحجة أن هناك رفضًا شعبيًا لما فعلوه. فاتق الله أيها اللائم فيما تقول.
في المقابل، هناك صنف من الناس يسب من قام بطوفان الأقصى ويدعو عليهم، وفي الوقت ذاته يثني على أسياده المتآمرين على المسلمين ويتأدب معهم، وقد ترى له لحية وشماغ ويدعي أنه يستند في مواقفه هذه إلى الشريعة. هذا صنف من الناس شابه المنافقين في كل شيء: خذلوا رسول الله والمؤمنين في أحد بعدما قيل لهم: {تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا}. وشرعنوا أعمال من تآمروا على المسلمين وحالفوا أعداءهم عليهم: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} يعني في موالاة أهل الكتاب. ثم لما أصابت المسلمين مصيبة قالوا: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}. ونسبوا المصائب إلى رسول الله ومن معه: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِندِكَ}. طبعًا هذا ليس تشبيهًا لأي حركة أو جماعة بنبي الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، وإنما بيان لعداوة المنافقين للحق وأهله في كل زمان ومكان.
الخاتمة: الثبات والنصرة
فيا إخواني، لا تتراجعوا عن نظرتكم الأولى، اثبتوا على الحق في نصرة إخوانكم. واعلموا أن أعداء الله رأوا عقيدة الجهاد والعزة الإسلامية تبنى في نفوس الشعوب المسلمة، فكل قصف على الأرض يريدون به بالتوازي قصف هذه العقيدة وهدم بنيانها في نفوسكم حتى لا تكون نموذجًا يُحتذى، لأنها خطيرة على كل المجرمين الذين يصدون البشرية عن سبيل الله ويبغونها عوجًا.
فاثبتوا ولا تسمعوا للمرجفين والمنافقين ولا ضعفاء الإيمان الذين لا يقين لهم بكل المعاني الإيمانية: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}.
نسأل الله أن ينصر إخواننا ويخفف عنهم ويدحر عدوهم ويجعل تدميره في تدبيره. والسلام عليكم ورحمة الله.