السلام عليكم ورحمة الله.
الإعجاز العددي في القرآن: حقيقة أم وهم؟
إخواني الكرام، كنت الآن في زيارة عند أحد أصدقائي، فأخبرني أن ابنته كلفتها المعلمة بأن تأتي بأمثلة على الإعجاز العددي في القرآن الكريم. البنت بحثت في الإنترنت، ووجدت أمثلة كثيرة، مثلاً أن كلمة "يوم" تتكرر في القرآن ثلاثمئة وخمسة وستين مرة، وكلمة "شهر" اثني عشر مرة وهكذا، وأن تسعة وتسعين (الذي هو عدد أسماء الله الحسنى) ضرب ثلاثة وستين (عدد سنوات عمر النبي عليه الصلاة والسلام) النتيجة تعطي مجموع آيات القرآن، وما إلى ذلك من أفكار.
التحقق من المزاعم العددية
طيب، الأخ يقول لي: أنا قلت لها يا بنتي تعالي نشوف هذا الكلام أصلاً بداية صحيح ولا خطأ؟ قال: بحثنا في برنامج واسم هذا البرنامج "آيات". لو كتبت على الجوجل بلاي "آيات" (AYAT) بيطلع لك برنامج نافع جداً، ممتاز جداً. هذا البرنامج إخواننا ممكن تضع فيه "يوم" ويطلع لك كل الآيات التي فيها كلمة "يوم"، "شهر" يطلع لك كل الآيات التي فيها كلمة "شهر"، إما "شهر" هكذا أو "شهراً" أو "أشهر" وهكذا.
قال صاحبنا: كل المعلومات خطأ! كل المعلومات التي تتداول بكثرة على الإنترنت، وللأسف على لسان بعض مشاهير من يتكلمون عن الإعجاز العددي والإعجاز العلمي في القرآن عموماً، قال: كل المعلومات اللي دورت عليها طلعت خطأ.
كنت تعال يا صاحبي أنا وإياه، وبالفعل طلعنا هالبرنامج وبحثنا عن عدد الآيات اللي فيها كلمة "شهر" مثلاً، وبالفعل طلع الكلام باطل. العدد مش اثنا عشر كما يدعي البعض.
خطورة تداول المعلومات الخاطئة
فتصبح وكأنها حقيقة مسلمة. لأن يا جماعة البعض قد يقول: يا أخي ما تضرش، مش مش مشكلة، لأنه إذا ما كانش الكلام صحيح ما نفعش، مش حتضر. لا والله إخواننا تضر وتضر جداً.
بداية، تذكروا قول أبي بكر رضي الله عنه: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله كلمة بغير علم؟" ما بجوز الإنسان يتناقل شيئاً عن القرآن دون تثبت ولا تأكد. لأنه إذا ما نفعش بضرش، مو خل الناس يحبوا كتاب الله. لا يا جماعة، هذا الكلام ينقلب أحياناً شكاً وإلحاداً. لهالدرجة؟ آه والله لهالدرجة، شكاً وإلحاداً.
الآن إذا كان الطالب ناقد سيقول: طيب وماذا يعني سويت؟ هل يستطيع أديب أن يؤلف كتاباً ويطابق بين عدد كلمات الليل وكلمات النهار مثلاً؟ آه يستطيع. هل يستطيع أديب أن يأتي بكتاب ويجعل عدد كلمات "شهر" اثنا عشر؟ نعم يستطيع. فهذا ليس مما يتحدى الله به البشر حتى نقول عنه إعجاز.
تأثير المزاعم الباطلة على الإيمان
المشكلة للولد اللي يفكر بهذه الطريقة قد لا يقول للمعلمة ولا الأستاذ: يا أستاذ أنا مش مقتنع. لا، يلقى في صدره أن أدلة ديننا من هذا النوع، أدلة ديننا ضعيفة.
صاحبي هذا يقول: ونحن نبحث وإذا بي أجد، يعني بين المقالات التي تتكلم عن الإعجاز العددي وسبحان الله أشوف عدد مرات كلمة النهار ومرات كلمة الليل، قال: وأنا نحن نبحث وإذا بي أقع على مقال لملحدين. هؤلاء الملحدون يسخرون من المسلمين ويكذبونهم، للأسف يكذبونهم بحق هذه المرة، والأسف الشديد يكذبون من يدعي هذه الدعوة الباطلة، وإلا فالإسلام من هذه الدعوة بريء.
قال: فهم يشككون بأسلوب حقيقة يهز إيمان الإنسان السطحي اللي مش عارف هو أصلاً باني إيمانه على إيش.
نداء إلى المعلمين والمعلمات
ولهذا يا كرام أنا أقول لأخواتنا المعلمات وإخواننا المعلمين: بالله عليكم اتقوا الله، اتقوا الله. نحن نأتي بأبنائنا إليكم كي تحصنوهم وتعلموهم وتربوهم، فبيكون دليلكم من جوجل؟ يعني ابنة أخي هذه ذهبت إلى المعلمة، المعلمة قالت: لا، المعلومة صحيحة، تعالي شوفي جوجل. يا جماعة جوجل هذا مصدر؟ جوجل هذا دليل إسلامنا؟ علمنا؟
قل: "هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين". بدنا برهان ودليل وحجة، ونحن والحمد لله لسنا بحاجة للتخريف ولا للكذب ولا لهذه المزاعم الباطلة. فعندنا من الأدلة المقنعة ما يشفي ويكفي لكل ذي عقل سليم، كما فصلنا ونفصل في رحلة اليقين بفضل الله تعالى، وكما سنأتي بالتفصيل الطويل الممتع بإذن الله على مسألة ثبوت أن القرآن من عند الله عز وجل.
فتوى الإسلام سؤال وجواب حول الإعجاز العددي
فيا جماعة خلينا نكون دقيقين ونتحرى وما نتناقل هذا الكلام. وأنصحكم جداً جداً بقراءة فتوى على موقع الإسلام سؤال وجواب. الله يفرج عنك يا شيخ محمد المنجد ويجعل كل هذا الكلام في صحيفة أعمالك. IslamQA، بيطلع لك الإسلام سؤال وجواب. اكتب: "الإعجاز العددي". الإعجاز العددي يناقش المسألة بطريقة تأصيلية واضحة أنه ليس هناك شيء اسمه إعجاز عددي، وأن كثيراً مما يزعم أنه صحيح أو يزعم أنه عدد ورود كلمة نهاره ليله أيام ويوم كذب للأسف الشديد. وحتى لو صح فهذا يعني مسألة لطيفة من اللطائف ولا تسمى إعجازاً، وقد أغنانا الله عز وجل عن مثل هذا بأدلة واضحة قاطعة ساطعة لمن أراد الهداية.
أهمية التحري وتجنب الفصام الفكري
حبيت أشارككم هذه الفائدة وأذكر إخواني وأخواتي المعلمين والمعلمات أن أولادنا أمانة في رقابكم. ديروا بالكم يا جماعة أحياناً عدم التحري زي ما حكينا يؤدي إلى الشك والإلحاد.
وديروا بالكم كمان بعض الناس من المنظرين، من اللي بيقولوا: ينبغي أن تفصل قناعاتك الدينية عن قناعاتك العلمية. يعني بمعنى آخر تعيش سكيزوفرينيا، تعيش حالة من الفصام. للأسف وقعوا في هذا الزلل لماذا؟ لأنهم تأثروا بمثل هذه الفتاشات أو بمثل هذه الأباطيل. بعضهم ظن في يوم الأيام أنه نعم فيه إعجاز عددي وبنى عليها إيمانه، فلما اكتشف أنه ليس شيء من هذا صحيح اهتز إيمانه، وبالتالي صار يقول: إيش الحل؟ الحل أفصل قناعاتي الإيمانية عن قناعاتي العلمية. وكأن هذه التخريف أو هذه الأباطيل قناعة دينية، وليست قناعة دينية ولا منسوبة إلى الدين، وإنما منهجنا: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين".
هذا ما أحببت أن نشارككم إياه في هذه العجالة. وبارك الله فيكم وتقبل منا ومنكم. ولكل من يقول السلام عليكم وعليكم السلام ورحمة الله، ولكل من يقول جزاك الله خيراً وإياك يا أخي ويا أختي. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.