→ عودة إلى مرئيات

الموقف من أحداث لبنان

٢٥ سبتمبر ٢٠٢٤
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم.

مقدمة: الموقف الشرعي من أحداث لبنان

بالنسبة لهجوم الصهاينة على جنوب لبنان، أود أن ألخص الموقف الذي يراه شرعياً في نقاط.

حجم الأحداث وأولويات الأمة

أولاً: إخواني، حجم الأحداث عموماً أكبر من أن نقف عند الموقف الشعوري وسؤال: هل نفرح ونشمت أم نحزن ونتعاطف فيما يخص مناطق ما يعرف بحزب الله؟ والظاهر أن الدور آتٍ على العديد منا نحن المجتمعات التي تتساءل هذا التساؤل. فبقاؤنا في وضع المتفرج العاجز هو نذير خطر يجب أن يجعل أولويتنا السعي لرفع حالة الوهن والعجز وانتظار الدور للذبح.

غياب النصير واللجوء إلى الله

ثانياً: العربدة الصهيونية في المنطقة، والمدعومة من دول العالم، لا يقابلها أي نصير لنا من الناس، ولا إيران التي يعوّل عليها البعض. وقد ظهر جلياً تجنبها لخوض حرب شاملة حتى ولو كان الثمن أن تخذل أولياءها. وإن كانت قد خذلت حلفاءها العقديين والسياسيين في لبنان، فكيف يُرتجى منها خير لأهل السنة وقد أمعنت فيهم قتلاً في ساحات أخرى؟

أمام ذلك إخواني، ليس لنا إلا اللجوء إلى رحمة الله. وقد أوضح سبحانه مواصفات من يستحقون رحمته فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

شروط استحقاق رحمة الله

فأول شرط هو الإيمان وتولي المؤمنين. فالفرقة والنزاع وتبادل الشتائم والاتهامات بناءً على اختلاف موقفنا الشعوري مما يحصل في جنوب لبنان، هذا قطعاً لا يحقق حالة الولاية ولا أمر الله سبحانه، بل هذا يحرمنا الأمل الوحيد في النجاح وفي أن نكون أهلاً لمكر الله لنا أمام مكر الأعداء الشديد.

أمور يجب الاتفاق عليها وأمور تقبل الاختلاف

ثالثاً: هناك أمورٌ يجب الاتفاق عليها، وأمورٌ تقبل الاختلاف فيها. أمورٌ يُعذر بعضنا بعضاً فيها بلا إنكار، وأمورٌ أخرى ننكر على المخطئ فيها.

وأنّ الذين قتلوا أهل السنة في سوريا وعذّبوهم وشاركوا في أسرهم وانتهاك أعراضهم هم أيضاً أعداءٌ للمسلمين، ولا يمسح جريمتهم في سوريا ما يظهرونه من عداءٍ للصهاينة في فلسطين. فالمسلمون تتكافأ دماؤهم.

جرائم حزب الله بحق أهل السنة

ونحن لا نحتاج هنا التذكير بجرائمهم الماضية، فإن لم تكن تتذكر ما فعله ما يسمى بحزب الله في القصير وغيرها في سوريا، فإن جرائم هذا الحزب لا زالت حاضرة حتى أنهم أثناء القصف عليهم في جنوب لبنان راحوا يقصفون أهلنا في إدلب وأسالوا دماء مسنيهم ونسائهم وأطفالهم الليلة قبل الماضية.

فهم المشاعر المختلفة

لذلك فمن الأمور التي يجب أن نتفق عليها أن فرح من يفرح بالألم الذي يصيب هؤلاء ممن تسمّوا بحزب الله وشماتته بهم، أن هذا ليس موالاة للصهاينة ولا انحيازاً لحكام العرب ولا غباءً سياسياً ولا قلة مروءة ولا استهانة بمعاناة أهلنا في غزة وباقي فلسطين. كل هذه الدعاوى سوء ظن بأخيك المسلم وتحميل لموقفه ما لا يحتمل.

فرح الشامت ليس موالاة للصهاينة

فرحه بما أصاب المجرمين دافعه الأصيل هو الرحمة بإخوانه في سوريا وإشفاقه عليهم وقهره على ما أصابهم.

ألم القصف الشامل

لكن في الوقت ذاته نذكّر من يفرح بما يصيب المعتدين من حزب إيران بالصورة الكلية وما فيها من آلام كثيرة تشوب هذا الفرح الألم، لأن هذا القصف لا يطال حزب إيران بلبنان فحسب، بل ويطال أهلنا من أهل السنة أيضاً. وقد تم اغتيال بعض دعاة أهل السنة وعامتهم في هذا القصف. كما أنهم قد يطالوا أناساً من غير أهل السنة لكنهم ليسوا معادين للمسلمين ولا يحاربونهم ولا يرضون عما يفعله المجرمون الحاقدون في سوريا. فهؤلاء الذين لا يناصبون المسلمين العداء، هدايتهم وتألفهم أحب إلينا من أن يُقتلوا على أيدي الصهاينة.

ضرر لبنان عموماً

ثم الألم أننا ننتظر ضرب الظالمين للظالمين بدل أن نكون نحن كمسلمين من ينتصر للمظلومين ويأخذ بثارهم. أيضاً مما يؤلم في هذه الأحداث أن هذا الذي يحصل بجنوب لبنان يضر بلبنان عموماً ويثقل كاهلها فوق ما هي مثقلة مدمرة أصلاً. موجات النزوح هذه مع فقر البلد واستباحة الصهاينة للبنان طولاً وعرضاً يعني الإضرار بأهلها عموماً وتكرار المآسي التي نراها في غزة، فرج الله كربها.

تأثير على غزة

ومما يؤلم سادساً أن الصهاينة كانوا في انشغال جزئي بالجبهة الشمالية وهذا يعطي متنفساً ولو ضعيفاً جداً لإخواننا في غزة الذين يتمنون أن يأتي الصهاينة المجرمين ما يشغلهم من أي مكان. فكسر الصهاينة لشوكة حزب إيران تساعدهم في التفرغ للإجرام بأهل غزة وفلسطين. فما يصيب حزب إيران في لبنان يأتي في هذا السياق، ولو كان في سياق جرائمهم بحق أهلنا في سوريا لسهل على عامة المسلمين اتخاذ موقف شعوري موحد مما يصيبهم.

حزن البعض ليس رضا عن حزب الله

وهذا يأتي بنا للموقف المقابل: لا يجوز لك أن تسيء الظن بمن يحزن لما يحصل في جنوب لبنان، لأن حزنه هذا لا يعني أنه راضٍ بما فعله ويفعله حزب إيران بأهلنا في سوريا، ولا يعني أن العقيدة تهون عليه وأنه راضٍ بسب الصحابة والشركيات المعروفة. كل هذا سوء ظن وتحميل للموقف ما لا يحتمل إذا كان الأمر مقصوراً على الحزن وليس الدفاع عن حزب إيران في لبنان ومواقفه وانحرافه العقدي.

اختلاط المشاعر وتصحيح المفاهيم

رابعاً: إخواني، لأجل هذا كله لا عجب أن تختلط المشاعر في مثل هذا الموقف، ليس في هذا فصام ولا تيه، بل الموقف داعٍ إلى اختلاط المشاعر. إنما يطغى علينا الألم لأن الأمور في هذا الهجوم تسير في المحصلة لصالح الصهاينة ووفق مخططاتهم. مساعدة الناس على ترتيب أفكارهم وفصل المشاعر المشتبكة عن بعضها وتفهمها.

التعامل مع عوائل النازحين من حزب الله

خامساً: إخواني، سؤال وردني من إخوة في لبنان: ما موقفنا من عوائل حزب إيران النازحين من الجنوب إلى مناطقنا؟ ونحن نعلم أن أبناءهم الآن في سوريا يقهرون أهل السنة. فالناس عندنا اختلفوا فيهم بين داعٍ إلى الغلظة على هؤلاء العوائل وداعٍ إلى احتضانهم ومواساتهم.

فأقول: أنتم إخواني في لبنان أقدر على معرفة أحوال أعيان هؤلاء. قد يكون منهم من ينفع معه الإحسان وتوصلون إليه رسالة واضحة أننا نحسن إليكم ديانة لوجه الله تعالى وننتظر منكم أن تكفوا أبناءكم وإخوانكم عن العدوان على أهلنا في سوريا، ويغلب على ظنكم أنه ينفع ذلك معهم. ومنهم من قد يُعرف عنه خبث الطباع ولا يزيده الإحسان إلا طغياناً، فيلزمكم أن تجعلوا نصب أعينكم ما يخدم دعوة هؤلاء ويخدم إخوانكم في العقيدة من أهل السنة في لبنان وسوريا وفلسطين.

الخاتمة: لا ملجأ إلا بتحقيق رحمة الله

ختاماً نعود إلى ما بدأنا به: الأحداث أكبر بكثير من أن نقف عند الموقف الشعوري، وليس أي منا في مأمن من أن يأتيه الدور، ولا ملجأ إلا بتحقيق مواصفات استحقاق رحمة الله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

إذن الإيمان وتولي المؤمنين ونصرتهم بكل ما نستطيع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكافة أشكاله السياسية والاجتماعية والعسكرية وتحمل تبعات ذلك، وطاعة الله في كافة مناحي الحياة، لعل الله سبحانه يرحمنا وينجينا.

اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أولياؤك ويذل فيه أعداؤك واجعل لنا في هذا العز نصيباً.

والسلام عليكم ورحمة الله.