→ عودة إلى مرئيات

بأي ذنب قتلت-حتى لا تتكرر مأساة بتول

٣ مايو ٢٠١٤
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مأساة بتول حداد

بتول حداد، طالبة هندسة نصرانية أردنية في الثانية والعشرين من عمرها، أسلمت. فعلم أبوها بإسلامها، فاقتادها إلى خارج بيتها وعذبها بشكل وحشي، تكسيراً ليديها ورجليها، وطعناً بسيخ في بطنها، ثم قتلها بصخرة على رأسها، كما في شهادة ابن عمها الذي أسلم قبلها.

تداعيات الجريمة

هذه الجريمة طعنة في كرامة وعزة المسلمين جميعاً، وخصوصاً في الأردن. هذا الإرهاب سيجعل المسلمين والمسلمات المتخفين بإسلامهم يحسبون ألف حساب قبل أن يظهروا دينهم، بل وقد يظهرون شعائر شركية خوفاً على حياتهم.

أيعقل هذا في بلد من بلاد المسلمين؟ أيعقل أن تعج المساجد في صلوات الجمعة بملايين المصلين، وعلى قرب منهم فتاة لا تستطيع أن تصلي أمام أهلها، ولا أن تظهر محبتها لدينها؟ أيعقل أن يتسمى عشرات الآلاف في هذا البلد باسم محمد، ولا تستطيع هذه الفتاة وأمثالها أن تظهر حبها لمحمد صلى الله عليه وسلم؟

سداً لطريق على من يريد أن يلفلف الموضوع ويضيعه في غمرة الجدل، لسنا هنا ندعو إلى ردود فعل انتقامية ولا إلى ما يسمونه أعمال شغب، بل أخشى أن البعض قد يفتعل مثل هذه الأعمال حتى ينصب التركيز الإعلامي عليها وعلى استنكار ما يسمونه بالعنف الطائفي، فينسى دم أختنا بتول تماماً، ويلقى الخوف في قلوب النصارى المقتنعين بالإسلام فينصدوا عنه بعد ما كادوا يقبلون عليه.

لسنا دعاة فتنة، بل الفتنة هي في هذا الإرهاب المستخف بكرامة المسلمين. الفتنة هي ما عرفها الله تعالى بقوله: {والفتنة أكبر من القتل}، أي فتنة الناس عن دينهم. ليس الخياران المتاحان هما الفوضى أو السكوت عن الأمر وإهماله، لا بل الحديث الآن عما يجب فعله لمنع تكرار مأساة بتول.

علينا أن نضغط لينال هذا الأب المجرم عقوبته الشرعية هو وكل من أعانه على الجريمة، وإلا فسيستهين غيرهم ويجرمون جريمتهم. علينا أن نسعى لتوفير حماية علنية واضحة للمسلمين والمسلمات الجدد تمنع تكرار مثل هذه الجريمة. إن كنا مسلمين حقاً، فرابطة الإيمان أولى عندنا من رابطة الدم واللحم، فلا بد من توفير الحماية لبناتنا وأخواتنا هؤلاء.

رسائل إلى المعنيين

رسالة إلى شيوخ العشائر والوجهاء

أين أنتم يا وجهاء؟ وبماذا نفعتم الأمة؟ وما فائدة وجاهتكم؟ ألم تسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة"؟ وقال: اقرأوا إن شئتم: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}. ليس المهم أن تكون وجيهاً عند الناس، المهم الوجاهة عند الله تعالى القائل في وصف موسى عليه السلام: {وكان عند الله وجيها}.

ليست الوجاهة بالتصدر في المجالس والتكلم في الجاهات والبحث عن كرسي في مجلس النواب أو الأعيان. الوجيه حقاً يقول: كيف يفعل هذا بمسلمة في بلدي وأنا حي؟ الوجيه حقاً يعتبر نفسه أباً لكل مسلمة مظلومة في بلده على الأقل. كل حادثة كهذه في بلدك أيها الوجيه هي صفعة ولطمة في وجهك، وإثبات لزيف وجاهتك إن قصرت في محاولة رفع الظلم.

المطلوب حصول تعاقد بين مجموعة من العشائر على حماية أخواتنا هؤلاء من أيدي الغدر.

رسالة إلى الدعاة في الأردن

لا عذر لكم أن تسكتوا عن هذه الجريمة محافظة على وضعكم ودعوتكم. عن أي دعوة نتكلم إخواني ونحن ندعو الناس إلى الإسلام، ثم إن أسلموا قتلوا، وخاف من يريد الإقبال على الإسلام بعدهم؟ ألم نكن نحن الدعاة ننكر على دعاة في مصر ونقول: أين هم من وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة؟ عار على علماء مصر! ها قد ابتلانا الله تعالى بكاميليا أردنية لينظر أننصر دينه أم نسكت.

رسالة إلى الشعب الأردني

أمتنا واحدة والحدود تراب. وأخواتنا في سوريا والعراق وفلسطين اللواتي يتعرضن لمثل ما تعرضت له بتول لسنا أهون علينا. هل أقل من أن تنكروا المنكر بألسنتكم وتقولوا للمسلمات المستخفيات بإسلامهن: أعلني إسلامك يا أختي ومارسي دينك ولا تخافي، فحولك ستة ملايين مسلم هم جميعاً إخوتك وعزوتك. عار على رجولة رجالهم إن لم ينصروك. بئست الحياة إن لم يؤوك ويحموك ممن يريدون قتلك أو فتنتك عن دينك.

يا شعب الأردن، في مصر اعتقلت الكنيسة أيام مبارك عدداً كبيراً من النصارى والنصرانيات اللواتي أسلمن. جاءت الثورة المصرية وانتهت الثورة المصرية، وجاء ما قيل عنه حكم الإسلاميين وذهب، وبقي هؤلاء الأخوات والإخوة في سجون الكنيسة، لا يجرؤ أحد على إخراجهن. دولة داخل الدولة، بل كان البعض يغازل كبار النصارى ويتملق لهم، ووقف دقيقة حداد على الهالك المتعصب شنودة الذي سجن أخواتنا.

انظروا إلى حال مصر الآن، والله إنا لنحسب أن أحد أسباب ما فيه مصر الآن هو خذلان شعبها ودعاتها إلا من عصم ربي، خذلان الشعب والدعاة لأخواتهن المأسورات. قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئ يخذل مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته". قد يأتي الدور علينا ونحتاج نصرة الله لنا فيخذلنا بخذلاننا لأخواتنا.

في مصر كانت وفاء قسطنطين الضحية الأولى، أسلمت فاعتقلتها الكنيسة. تحمس المسلمون واستنكروا ثم فتروا، فتجرأ باب شنودة على غيرها وغيرها. ثم عندما طلب منه إخلاء سبيل كاميليا شحاتة تجنباً لغضب المسلمين، قال: "الناس حتنسى كاميليا زي ما نسيت وفاء قسطنطين، ودي أحسن حاجة في الشعب المصري". معولاً على قصر ذاكرة الشعوب وسرعة برود حماستهم. إن نسينا بتول حداد وفترت حماستنا، فستزيد الجرأة على المسلمات الجدد ونصل لوضع لا نتصوره. أفبعد ذلك أن هدى الله أحداً إلى الإسلام دون جهد منا قصرنا في حمايته؟

رسالة إلى المسؤولين

بلغتكم أنتم تتكلمون عن السلم المجتمعي وأبناء الوطن الواحد. المسلمون في هذا البلد عاش بينهم النصارى قروناً ولم يؤذوهم من أجل دينهم، بينما ها هو الحقد الأعمى عند هذا الأب وأمثاله يهدد السلم المجتمعي بين أبناء الوطن الواحد الذي تتكلمون عنه. وليست هذه أولى حادثة. تقولون دين الدولة الإسلام، ها هي فتاة تعيش في هذه الدولة اختارت الإسلام، فأين حمايتكم لها ولمن على دربها؟

رسالة إلى ما يعرف بمنظمات حقوق المرأة

سمعنا صوتكم كثيراً تطالبون بما اعتبرتموه حق المرأة في التحلل من ضوابط الشريعة. أليس لبتول حداد ومن على دربها ممن يردن إعلان إسلامهن حقوق عندكم؟ أم أن المرأة لا حق لها عندكم إلا في معصية الله تعالى ولا حق لها في طاعته؟ سمعنا نحيبكم على جرائم الشرف، فما بالنا لا نراكم عندما يعتدى على شرف المسلمين جميعاً بل والبشرية بمثل هذه الحادثة؟

رسالة إلى نصارى البلد

نطالبكم بموقف واضح مستنكر لهذه الفعلة ومتبرئ من فاعلها. الكلام العام عن الوحدة الوطنية ونبذ الفتنة لا يجدي في هذا المقام. جريمة هذا الأب مسيئة لكم، فلا يتوقع منكم الصمت المطبق. لنا زملاء ومعارف نصارى نتعامل معهم بالعدل والإحسان الذي أمر الله به في حق من لم يحاربنا في ديننا، ونتوقع منكم وقفة في مثل هذا المقام.

خاتمة

بتول أخت لنا جميعاً معاشر المسلمين. هي نحسب أن الله اصطفاها وأنه تعالى سيكرمها وينسيها آلام لحظات من العذاب بصبغة في الجنة. لكن قصتها ابتلاء لنا جميعاً، هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، لينظر من يرضى لنفسه بحياة الأنعام، وفي المقابل من يستجيب لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله}.

اللهم اغفر لبتول وارحمها وعافها واعف عنها وأكرم نزلها ووسع مدخلها واغسلها بالثلج والماء والبرد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.