السلام عليكم ورحمة الله
كيف تنجو مصر؟
إخواني، الصورة المستقبلية لمصر تبدو قاتمة إن لم يستدرك من يفترض أن يكون أمانة لأمتهم من المنتسبين للعمل الإسلامي. لذا، سنعرض مكامن الخطر في هذه الصورة، ثم نقدم الحل الذي نراه الحل الوحيد في هذه المرحلة وفي كل مرحلة.
الخطر الحقيقي
بداية، ليس الخطر في التآمر من العلمانيين والفلول وعملاء أمريكا وأذنابها. هؤلاء أناس تكفل الله أن يدافع عنه ضدهم ويقينا مكرهم ويقلبهم خاسئين ويجعل نفقاتهم حسرات عليهم ويجعلنا نعلو عليهم ونغلبهم. فالخوف منهم إنما هو وسواس شيطان: "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه" أي يخوف المؤمنين من أوليائه. فإن أحسست بهم وخطروا ببالك، فاتفل عن يسارك ثلاثًا واستعذ بالله من الشيطان الرجيم وستنساهم بإذن الله.
لكن إخواني، هذا الدفاع الرباني مشروط بشروط: "إن تنصروا الله ينصركم"، و"وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا"، "فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم"، و"ومن يتوكل على الله فهو حسبه".
الخطر الحقيقي في أن عامة المنتسبين للعمل الإسلامي لم ينصروا الله، ولا صبروا على المحجة البيضاء، ووهنوا في دينهم، ودعوا إلى السلم والتوافق مع أعداء الشريعة، وتوكلوا على ذكائهم وفقه مصالحهم المنعزل عن نور الوحي. فوكلهم الله إلى أنفسهم، وفقدوا معيته وحصانته سبحانه.
الخطر هو في جعل مسلمات التوحيد القطعية محل نظر وموازنة. فللمرة الأولى يجتمع عامة المنتسبين للعمل الإسلامي على حشد شعبهم باسم الدين للتصويت على دستور يجعل التشريع للبشر من دون الله، ويدعونهم إلى إقرار الشرك في التشريع من باب المصلحة وارتكاب أخف الضررين. وهذا تخبط وخلط في تطبيق القواعد الشرعية، وتحريف خطير للدين سيرى مشايخ السلفية آثاره المشؤومة في دعواتهم. هذا إيغال في الذنب وعمق فيه بدلاً من التوبة منه. وليس هذا مقام البسط والتوضيح، فالتوضيح مبثوث في كلمات ومقالات كثيرة، لكن نحن هنا نتكلم عن النتيجة النهائية.
الخطر هو في أن الناس الآن يطالبون بالدفاع عن الرئيس وقراراته باسم الشريعة، وفي أن الشريعة يتاجر بها جهلاً أو عمدًا عندما يدعى الناس إلى انتخاب الرئيس باسم الشريعة والدفاع عنه وعن شرعيته باسم الشريعة، ثم سياسات الرئيس بعد ذلك لا علاقة لها بالشريعة من قريب أو بعيد. هذا هو الخطر أن المعسكر الإسلامي فقد المناعة، وحينئذ فجراثيم العلمانيين والفلول والعملاء تؤذيه ولا بد.
الحل
ما الحل إذن؟ ليس الحل بالاستزادة من كأس التنازلات فهو مالح لا يرتوي الشارب منه. ما نعانيه في مصر الآن آثار معاصٍ، فلا بد لها من توبة لا أن نُغل فيها.
سأذكر الحل وأعلم أن هناك من سيصفني بالسفاهة على هذا الحل، ويشرفني أن أوصف بما وصف به الأنبياء من قبل وللسبب ذاته.
الحل يا دكتور مرسي وأيتها الدعوة السلفية والأحزاب، الحل حتى تنقذوا بلادكم وإسلام الناس فيها وصورة من ينتسب إلى العمل الإسلامي، الحل حتى تمسحوا الخطايا التي ما رسموها في العمل السياسي بعد الثورة، الحل حتى تتحول قصتكم من أبأس قصة لتجربة وصفت بالإسلامية توشك أن تدفن الأمل في قلوب الأمة إلى أجمل أنموذج بإذن الله تعالى، الحل حتى تكفروا عن خطيئتكم بالحديث المذعور عن تطبيق الشريعة وكأنه سيدمر البلاد ويهلك العباد، وكأنكم أرحم بالناس من خالقهم.
الحل هو أن يطل الدكتور محمد مرسي على شعبه، مؤيدًا في هذه الخطوة بالعلماء والأحزاب، فيقول لشعبه بصدق، بصدق لا متاجرة بالدين، أن يقول لهم: "أنتم يا شعب مصر شعب رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. لذا، فاستجابة لأمر الله أولاً، ولأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وخروجًا بالبلد من هذا المأزق العصيب، واستجلابًا لعون الله ورحمته، فإني أعلم أن لا حصانة لي أنا محمد مرسي ولا لقراراتي ولا للإعلانات الدستورية، وأن كل أمر من أمر الجاهلية الحديثة تحت قدمي هاتين موضوع. وأعلن بعد ذلك إذعاني لشريعة الإسلام كما أنزلت على محمد بكافة تفاصيلها وجزئياتها، لا أترك منها شيئًا ولا أعرض أمر الله على البشر ليردوه أو يقبلوه. فالقوانين الآن كلها كما أمر الله، والتطبيق بحسب الوسع والطاقة، وقد شرحت ذلك في كلمة: هل نطالب العاملين للإسلام بأكثر من طاقتهم؟ فإن ارتضيتموني يا شعبي بعد ذلك رئيسًا فليكن، وإلا فيشرفني أن أوذى في سبيل الله".
هذا هو الحل وهذا هو الطريق المستقيم، على أن يفعل الدكتور مرسي ذلك لأنه أمر الله وبنية التوبة الصادقة، لا لأن ذلك حل مرحلي ومخرج له من أزمته طبعًا. وكأني أرى ابتسامات المستهزئين الذين يرون في كلامي هذا سطحية مفرطة وسذاجة وجهلاً بالواقع وموازين القوى وأنظمة الحكم.
معالجة المخاوف والاعتراضات
ما الذي يمنعكم يا دكتور مرسي وأعوانه من إعلان كهذا؟ الخوف على أنفسكم أم على الشعب المصري؟ تعالوا نناقش بعقلية من يؤمن بالله وسننه.
إن خفتم على أنفسكم أن يثور الناس عليكم، فهل ترضون أن تتركوا البلاد تدخل في متاهة من أجلكم؟ ألا ترضون لأنفسكم بمصير كمصير الأنبياء الذين قتلهم أقوامهم من قبل، وكمصير مؤمن سورة ياسين الذي قال: "يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين"؟
أم أنكم تخافون على شعبكم؟ شعبكم إما أن يؤيدكم ويناصركم على هذا، فهنيئًا لكم حينئذ، أن تكون مصر باكورة المجد، وينفرط العقد على أعداء الإسلام، وتخوض الأمة معركتها الواضحة ضد أعدائها الصرحاء، ويكون فعلكم حينئذ كفعل صلاح الدين إذ أنهى حكم العبيديين وحرر الأقصى.
أو أن عامة شعبكم سيثور عليكم، وهذا ما لا نتوقعه ولا نظنه في شعب مصر. فإن فعل الشعب ذلك فهم حينئذ لا يستحقونكم يا دكتور مرسي ومن معه. إن ثار عليك شعبك لأنك تريد تطبيق الشريعة فشعبك لا يستحقك. قال ابن الأثير في الخليفة العباسي الصالح أبي نصر محمد بن أحمد: "قال ولم أزل مذ ولي الخلافة أخاف عليه قصر المدة لخبث الزمان وفساد أهله، وأقول لكثير من أصدقائنا وما أخوفني أن تقصر مدة خلافته لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته". فكذلك كان حكم تسعة أشهر فقط.
أو أن النزاع يا دكتور مرسي وأعوانه سينشب بين مؤيديكم ومعارضيكم على هذا القرار؟ إن وقع الأذى حينئذ على أناس مدافعين عن الشريعة فهو حينئذ في سبيل الله. نحن لا نحب القلاقل ولا نحب الاقتتال الداخلي، لكن ليس الاستقرار على تنحية الشريعة خيرًا منه، فهذا يؤذن بعقوبة جماعية من الله عز وجل. عندما خرج مانع الزكاة والمرتدون على الشريعة في عهد أبي بكر رضي الله عنه، حصل اقتتال داخلي في الوطن الواحد، لكنه كان ثمنًا لا بد منه لمنع ضياع الدين. ولا نرى إلا أنكم إن نجحتم في إظهار صدق توبتكم وإقامة الشريعة ونصرة الدين بحيث لا يتشكك الناس في صدقكم هذه المرة، لا نرى إلا أنهم سينصرونكم على كل وسواس خناس من الإنس.
أم أنكم تخافون من النصارى الذين يخشاهم بعضكم كخشية الله أو أشد خشية؟ هل تطبيق الشريعة يعني إلقاء النصارى طعامًا للأسماك؟ أليس لهم حقوق في الشريعة؟ أأنتم أعلم بحقوقهم أم الله؟
أم أنكم يا دكتور مرسي ومشايخ السلفية، بغض النظر عن ردة فعل الناس، ترون البلاد غير مهيأة للشريعة وأن الشريعة لا تصلح لها في الوقت الحاضر؟ أبشركم حينئذ أنكم قد انتهيتم حيث بدأ حسني مبارك. أبشركم حينئذ أنكم قد انتهيتم حيث بدأ حسني مبارك، بدلاً من التمادي في وحل العملية السياسية.
بدائل الوضع الراهن
في المقابل، إن بقي الحال على ما هو عليه، فلسنا نرى إلا أحد مصيرين: إما أن يقع التوافق مع أعداء الشريعة، مع تقديم مزيد من التنازلات من طرفكم، فيرضوا عنكم بعد أن تتبعوا ملتهم، فأذنوا حينئذ بحرب من الله. وإما أن تقع حرب أهلية، ولكنها ليست حربًا من أجل الشريعة، بل حرب بين ضلال وأضل منه، حرب من أجل دستور يجعل السيادة للبشر على حكم الله. وهذا هو الخطر أن تقحموا البلاد والعباد في حرب باسم الدين وليس للدين فيها نصيب. أن تقحموا البلاد والعباد في حرب التبست فيها الأمور حتى أمكن بعضهم أن يقول: "لستم سدنة الدين ولا نحن كفرة".
حتى لو كان مناوئو الرئيس كفرة كلهم مستحقين للقتل، ماذا عن أهلهم الذين لا يعادون الشريعة ويرون ذويهم قتلوا في نظرهم لا من أجل الشريعة بل في تنافس على الدنيا؟ أتدخلون في ثارات مع هؤلاء أيضًا؟ وماذا عن من سيقتل منكم ومن مناصريكم؟ إذا صعدت أرواحهم إلى بارئهم فسألهم: "في أي شيء قتلتم؟" أيقولون: "قتلنا يا رب من أجل دستور يجعل كلمة الشعب هي العليا على أمل أن نجعل كلمتك العليا بعد حين من خلال النضال الدستوري البرلماني وخوفًا من كتابة دستور أكثر شركية منه"؟ هذا هو الخطر الحقيقي أن تدخل البلاد في حرب القاتل والمقتول فيها ليس في سبيل الله.
دعوة للعمل
يا من تعترض على هذا الطلب، اسأل نفسك: هل هذا الطلب حق أم ضلال؟ فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ هل مطالبة الدكتور مرسي بتطبيق الشريعة ضلال بينما إقرار هذا الدستور على ما هو عليه حق؟
أيها الدكتور محمد مرسي، افعلها وأعلن تطبيق الشريعة بصدق. وحينئذ سيفترق الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. وحينئذ سننصرك والله سننصرك وندافع عنك ونفديك. نعلم أن قلوبًا قد أشربت الديمقراطية بعدما ادعتها مطية، لكننا نقول ما نقول معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.
وأقول لمن يسألني: هل ننزل في المليونيات المؤيدة لقرارات الرئيس؟ إن أقام الرئيس دين الله بصدق فافدوه بأرواحكم وأبنائكم وأموالكم، وإلا فادخروها لأن الزبد سيذهب جفاءً، الزبد سيذهب جفاءً، وسيكون عليكم بعد ذلك مهمة إصلاح ما أفسدوه.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهدي الدكتور محمد مرسي والأحزاب في مصر لإقامة دينه وإنقاذ مصر من الخطر وإحياء الأمل في الأمة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله.