السلام عليكم ورحمة الله إخواني الكرام.
إحباط الطلاب من أحداث غزة: تشخيص المشكلة
من الملاحظ أن كثيراً من طلاب الجامعات أصابتهم حالة من التجمد مع أحداث غزة، وكذلك طلاب الثانوية والإعدادية، من من عنده انتماء لأمته. فالواحد فيهم إذا تابع الأخبار يحس بالإحباط والقهر، وإذا ابتعد عن الأخبار يحس بأنه يخون إخوانه في غزة وفلسطين ويخذلهم.
شوفوا يا إخوانا، ما يحصل لا شك أنه يولد إحساساً بالقهر لدى كل من عنده إيمان وحياة في قلبه، أن ترى إخوانك يفعل بهم هذا كله وأنت لا تستطيع أن تقاتل إلى جانبهم وتبذل في ذلك مالك ووقتك ونفسك. وحقيقةً أنا لدي إحجام نفسي عن نشر الكلمات، مع أني ألقى إخوة يقولون: "انشر ما يصبرنا ويرفع معنوياتنا". ومع ذلك أجد إحجاماً للقهر الذي نحس به تجاه هذه الأحداث.
التماسك في وجه اليأس
ومع ذلك يا كرام، علينا أن نلملم شتاتنا ونتماسك ولا نجلس محبطين يائسين. فيقيناً ليست هذه هي العبودية التي يستخرجها الله منا بمثل هذه الظروف.
الذي شجعني على نشر هذه الكلمة موقفان:
الموقف الأول: طلاب الطب في البلاد المنكوبة
الأول أن أحد أصدقائي من طلاب الطب في إحدى البلاد المنكوبة قال لي: "نحن نتلقى محاضراتنا عن بعد، ومع أن في دفعتنا ثلاثمائة طالب طب، إلا أنه لا يفتح المحاضرة إلا عشرون منهم". وعندما نشرنا استبياناً وجدنا أن هؤلاء الطلاب اجتمعت عليهم هموم بلدهم مع هموم غزة. ولك أخي أن تتصور ما المستقبل الذي ينتظر البلد إذا كان هذا حال طلاب الطب فيه.
الموقف الثاني: طالبة الطب في غزة
والموقف الثاني أرسله لي أحد الإخوة منشوراً على مجموعة طبية، عبارة عن صورة محادثة تسأل فيها طالبة طب أول أمس أحد الدكاترة وتقول له: "السلام عليكم دكتور". ردّ عليها الدكتور: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، في أي جامعة أختي؟" فأجابت الطالبة: "من الجامعة الإسلامية بغزة، ما في دوام عنا بسبب الحرب، ولسه كنا بدنا نبدأ الجراحة بس إجت الحرب. المفروض إلنا ثلاث أسابيع بدوام الجراحة، ما بنطلع ولا بنيجي، أوقاتنا حرفياً بالضيع. فحكيت أفتح إشي أدرسه ينسيني التفكير وترقب شوي لعل الله يزيح هالغمة".
شوفوا إخوانا، هذه الأخت في غزة تحت القصف، تتوقع القصف في أي لحظة، ومع ذلك تريد أن تطور نفسها في مجال دراستها في الجراحة. هذه الأخت تذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها".
الإيجابية والاستبشار في أقدار الله
ربنا عز وجل يريد منا أن نكون إيجابيين، أن نكون مستبشرين. ونبينا صلى الله عليه وسلم يعلمنا أنه إذا بدأت في أمر نافع لا تتركه حتى لو ستقوم الساعة، أتمه، تابع فيه. لذلك أحببت أن أهمس بهذه الكلمات لإخواني الطلبة في أي علم نافع، الطب وغيره.
كل ما يحدث يا إخواني إنما هو ضمن أقدار الله عز وجل. وحتى تعلم قيمة هذه القناعة لما نقول: "هذا كله ضمن أقدار الله"، علشان تعرف إيش معنى "كله ضمن أقدار الله"، تصور الحالة البديلة. تصور حالة أن يكون شيء في هذا الكون يجري بخلاف إرادة الرب الذي تعبده، حاشاه! حينئذ يحق لك أن تقلق وأن تخاف. لكن الأمر ليس كذلك، بل كل شيء يحصل هو بقدر الله الحكيم، قدره لحكمة: {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}.
فتحتاج أن تفكر: ما أحسن العمل الذي يحبه ربي مني في مثل هذه الظروف؟ ما هي العبوديات التي يستخرجها الله تعالى مني بهذه الأمة المسلمة؟
دور الطلاب في معارك الأمة المستمرة
أثناء هذا التدافع، لا تخوض الأمة معركة واحدة في قضية واحدة، وإنما تشهد الأمة معارك مستمرة لن تتوقف. وهذا يجعل من واجب الشباب ألا يصيبهم التجمد والتحجر وهم في انتظار ما ستسفر عنه نتيجة معركة من المعارك. إياك أن يصيبك التجمد والتحجر وأنت في انتظار نتيجة معركة من المعارك.
تقصيرنا فيما نحن فيه كطلاب جامعات أو حتى أي طلاب علم، أي طلاب علم نافع في الجامعة، رحب، لأنني كما ذكرت مراراً لا ينبغي حصر العلم النافع في الجامعات. تقصيرنا كطلاب علم نافع إنما يساهم في إضعاف أمتنا على جبهات أخرى في معارك أخرى: معركة الوعي والتعلم والاحتراف لسد الثغرات في جسم الأمة وبنيانها، معركة إغناء الأمة عن الحاجة إلى غيرها حتى تتمكن من مقاطعة أعدائها وبضائعهم وأدويتهم.
إذا بقينا محبطين متجمدين، فسنبقى عالة على الأمم في غذائنا ولباسنا وأدويتنا وفي سائر أمورنا.
تحويل الألم إلى إتقان وعمل
حوّل ألمك على إخوانك إلى إتقان وجد في دراستك وإخلاص في نيتك، راجياً أن إذا فتح باب لنجدة إخوانك في غزة وفلسطين أنك تنجدهم بما تعلمت كطبيب أو ممرض أو مهندس أو إعلامي أو غيره. وإذا هيأ الله معركة أخرى، رجوت بتعلمك وإتقانك أن يكون لك دور فيها.
يريد أعداء الأمة أن يشعروك بالعجز لتستسلم. ومن أكثر ما أثار جنونهم أن طوفان الأقصى رفع معنويات المسلمين وبدد عنهم اليأس والإحباط وأشعرهم بالقدرة. ومن أهم أهدافهم في تدمير غزة الآن، من أهم أهداف أعدائنا في تدمير غزة أن يدمروا هذه الحالة الإيمانية المعنوية لدى المسلمين، لأنهم يعلمون جيداً خطرها عليهم وعلى استعبادهم للشعوب.
فإياك يا أخي الشاب، لو عمل إخواننا في غزة مثل ما يعمل بعضنا من إحباط ويأس وجلوس، لما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه. وإنما بذلوا المستطاع ضمن إمكانياتهم حتى هيأ الله لهم الأسباب.
دروس من الصمود والتحدي
خذ العبرة من الأسرى الستة، متذكرينهم؟ الأسرى الستة الفلسطينيين اللي هربوا قبل عامين في 9/2021 من سجن جلبوع في شمال فلسطين، مع أنه من أشد السجون حراسة، حراسة مشددة، ومع ذلك استطاعوا أن يحفروا نفقاً ويخرجوا منهم.
مرة أخرى، مكاننا المناسب أنا وأنت هو النصرة الكاملة لإخواننا بأنفسنا وأموالنا. طيب، إذا لم نستطع، علينا أن نستنفذ وسعنا وطاقتنا في نصرتهم من مكاننا بما نستطيع، وفي الوقت ذاته لا نهمل الثغر الذي يقف عليه كل منا.
أحسب أن هذه المعركة الحالية هي بداية النصر بإذن الله، حتى وإن مررنا بمخاض أليم يثبت الله فيه الذين آمنوا، يثبِّت الله فيه الذين آمنوا. لذلك فأمتك تحتاج علمك في المعارك القادمة التي ستتوَّج بالنصر والرفع والسناء والتمكين بإذن الله.
شعورك بقيمة ما تقوم به يجعلك تواصل عملك مهما كانت الظروف، وكلك رجاء أن يستعملك الله في معركة من معارك الإسلام الكبرى، عدا عما يستعملك فيه في المدى المنظور من نفع أمتك وإغنائها عن أعدائها. وتذكَّر قول نبيِّك صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز".
خاتمة: الموازنة بين الدراسة والنصرة
ختاماً إخواني الشباب، لا تشغلك نصرة إخوانك في غزة بما تستطيعه عن إتقان دراستك أو عملك، ولا تشغلك دراستك عن نصرة إخوانك. واحتسب أجر إتقان الدراسة والعمل، وانوِ به العبادة لله تعالى، راجياً ببركة هذه العبادة أن يستعملك الله في النصرة الكاملة للمسلمين ولو بعد حين.
والسلام عليكم ورحمة الله.
[No continuation needed. The previous response completed the entire transcript.]