→ عودة إلى فن حسن الظن بالله

الحلقة 4 - لا تكن حبشرطيا مع الله

٢٣ فبراير ٢٠١٢
النص الكامل للمقطع

لا تكن حبشرطيا مع الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخواني أخواتي، نتكلم اليوم عن الفائدة الثانية من فوائد التجربة التي مررت بها. وضعتني هذه التجربة أمام حقيقة أن عليّ أن أحب الله عز وجل بلا شروط.

قبل أن أشرح، أود أن أسألكم عن رأيكم في الطائفة التالية. إنها طائفة من أبناء المسلمين اسمها "الطائفة الحبشرطية".

تعريف الطائفة الحبشرطية

ماذا تقول هذه الطائفة عن الله عز وجل في قاموسها؟ تقول: الله سبحانه وتعالى هو الذي فرض علينا الوجود في هذه الحياة الدنيا، وفرض علينا واجبات، ومنعنا من محرمات، وبيديه إسعادنا أو إشقاؤنا. لكن نفوسنا تستثقل بعض الواجبات وتهوى بعض المحرمات. لذا، فإن علينا أن نتعامل مع الله بموازنة، بحيث نفعل من الواجبات المقدار الذي يضمن استمرار نعم الله علينا مع أقل قدر من الثقل في نفوسنا. ونفعل أيضاً من المحرمات بالمقدار الذي يحقق رغباتنا، لكن دون تعريضنا لقطع نعم الله أو نزول عقابه.

ترى، هل تعريف الطائفة الحبشرطية لعلاقة الإنسان بربه تعريف سليم؟ هل هكذا ينبغي أن يسلم المسلم نفسه وعاطفته لله رب العالمين؟

من هي الطائفة الحبشرطية؟

هل عرفتم من هي الطائفة الحبشرطية؟ إنها في الواقع كثير من جموع العالم الإسلامي. إن هناك صفات في نفوسنا تبدو خطورتها عندما نشخصها ونعبر عنها بعبارات لا مجاملة ولا مداهنة فيها. قد نستنكرها ونستغربها، لكن الحقيقة المرة أنها موجودة في نفوسنا وبدرجات متباينة.

لذا، فقبل أن نربط الحبشرطية بالبلاء وبعنوان هذه الحلقة، دعونا نتعمق في تحليل النفسية الحبشرطية لنرى إن كانت مختبئة في ثنايانا ولأية درجة.

نفسية الحبشرطي وتعامله مع ربه

إن الحبشرطي يتذاكى ويجري التجارب في تعامله مع ربه سبحانه وتعالى. يحاول أن يصل إلى نقطة الموازنة التي يشبع فيها رغباته دون أن تقطع عنه النعم الدنيوية. إذا ضم إلى حياته وأدخل في حياته معصية وأمراً مما حرم الله، فإنه يترقب. فإن استمرت نعم الله ولم ينزل العقاب، فإنه يستنتج أنه ما زال ضمن نقطة الموازنة، ويعتبر هذا المحرم أحد المكتسبات، أشبع رغبته دون قطع النعمة.

وأما إذا أدت هذه المعصية إلى قطع نعمة من النعم أو نزول عقاب، فإنه يستنتج أنه قد تجاوز نقطة الموازنة، فيعود أدراجه يتخلص من المحرم. قال تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ}. {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}.

المصيبة أن نفسية الحبشرطي تتبرمج مع مرور الزمن على هذه الموازنة، بحيث يستقر في حسه أن النعم التي هو فيها من حقه وأنه يستحقها. {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي}. يعني أنا أستحق هذه الرحمة، أستحق هذه النعم، أستحق رفع البلاء لأنني أديت ما عليّ وفقاً لهذه الموازنة.

انهيار الحب المشروط

فإن الحبشرطي يحب الله تعالى طالما أنه يمكن استمرار نعمه ودفع نقمه في نظره بهذه الموازنة والمد والجزر. لذلك سميناه الحبشرطي، أي أنه يحب الله عز وجل حباً مشروطاً، مشروطاً باستمرار النعم، مشروطاً باستمرار المصالح الدنيوية.

خاصة بما يكره، فتخلص الحبشرطي من هذا الذنب كالعادة، وأعلن حالة الاستنفار القصوى: تضرع، دعاء، استغفار، طاعات. لكن الله عز وجل شاء أن يستمر البلاء ويشتد. سوف يعتمل في نفسية الحبشرطي تساؤل: لقد أديت ما عليّ أن أفعله، فلماذا لم يفعل الله تعالى المتوقع منه وفقاً لعادة الموازنة التي تكرست في نفسية الحبشرطي؟ فإن من حقه عندما يتخلص من المعصية ويجتهد في الطاعات أن يرفع البلاء ويعود المصروف اليومي الذي كان يأخذه من الله عز وجل.

فإذا حصل خلاف المتوقع، فإن محبته المشروطة لله عز وجل، هذه المحبة المشروطة، سوف تنهار. ولا عجب أن تنهار، لأنها أسست على شفى جرف هار، وانبنت على فهم متشوه لعلاقة الإنسان بربه سبحانه وتعالى.

الخلاصة والخاتمة

إذن خلاصة الحلقة: لا تكن حبشرطياً، لا تبنِ محبتك لله على النعم الدنيوية. إذن على أي شيء نبني حبنا لله عز وجل حتى لا ينهار هذا الحب في أي لحظة من لحظات حياتنا؟ هذا ما سوف نعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله.