→ عودة إلى مرئيات

كلمة في نصرة الأخت أسماء

١ أكتوبر ٢٠٢٢
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

هذه كلمة مناصرة للأخت الممرضة أسماء أبو جامع. ولمن لا يعرف قصتها، فهي ممرضة تخرجت قبل سنة من كلية التمريض بالجامعة الأردنية، حافظة لكتاب الله تعالى ومعروفة بدينها وأخلاقها فيما نحسبها. طُلب منها في المستشفى الذي تعمل به أن تتخلى عن لبس الجلباب وتقتصر على لباس محتشم حسب رأي مديرة التمريض.

رفضت أسماء وأصرت أن من واجبها الشرعي أن ترتدي الجلباب، وأنها لا تخالف به قواعد السلامة الصحية ولا مهنية عملها. ثم مع الضغط فضلت أن تقدم استقالتها. تفاعل معها الشعب الأردني المحب لدينه والقريب من الفطرة، وعُرض عليها الضغط على المستشفى ليرجعها، وعُرضت عليها فرص عمل أخرى. لكن أسماء رفضت لأنها أرادت أن تركز في هذه المرحلة على نصرة قضية الحجاب الصحيح والسعي في الحفاظ على حق كل المسلمات اللاتي ممكن يتعرضن لما تعرضت له.

هنا لنا أربع وقفات إخواني:

وقفة أولى: الثبات على الحق ورفض المساومة

أولاً، نقول لأختنا أسماء جزاك الله خيراً على ثباتك وصبرك واعتزازك بهذه الشعيرة من شعائر دين الله، ألا وهي الحجاب الصحيح. وجزاك الله خيراً على أنك ما سكتِّ وما فكرتِ بحالك فقط، بل حولتِ القضية إلى نصرة للحجاب الصحيح ولمن يرتدينه من الفتيات.

وقد كان من أفضل ما حرصت أسماء على تكراره في حديثها عن الموضوع أن الجلباب فرض شرعي، يعني الأصل أن ترتديه الفتيات جميعاً. لأننا كثيراً ما نسمع في مثل هذه الحالات من يأتي ليناصر البنات المحجبات فيقول: "هذه حرية شخصية، وما بيطلع لحد يمنع البنت تلبس الحجاب أو الجلباب ما دامت اختارته".

لا يا كرام، الحجاب ليس حرية شخصية بل فريضة ربانية. إن شعار الحقوق والحريات هذا يستخدمه النظام الدولي والأمم المتحدة لاستعباد الإنسان باسم حقوق الإنسان. نحن كمسلمين ننظر لأنفسنا وللإنسان عموماً على أنه عبد لله وحده، والحق هو ما وصفه الله بأنه حق بغض النظر عن أهواء الإنسان، والكرامة والعزة هي في اتباع أمر الله، بينما كل ما خالف أمر الله فهو باطل ومعصية، والمعصية لا تأتي إلا بالذل والعبودية لغير الله.

قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}.

أختنا أسماء لم تستخدم هذا الشعار الذي نسمعه أحياناً أن الحجاب أو الجلباب حرية شخصية، بل كانت واضحة أنه فريضة ربانية. وقالت كلاماً يا ليت كل بنات المسلمين يسمعنه، قالت: "المبادئ لا تتجزأ، والثوابت لا تتغير، والقيم لا تُباع ولا تُشترى، والعوض والرزق مكتوب ومعلوم عند رب العالمين. أخواتي البنات أرجوكم لا تتنازلوا عن حقوقكم مشان أي شيء، والله ربنا عظيم وبيعوض".

وقفة ثانية: عدم التشتت عن القضية الأصلية

ثانياً، ضروري في مثل هذه المواقف يا كرام ما نتشتت في مداخلات وتعليقات تصرفنا عن القضية الأصلية. يعني بعض الفتيات كتبت في الرد على أسماء بما معناه: "الجلباب مش هو بس الحجاب أو اللبس الشرعي، ممكن تلبسي بلاطين عريضة جداً وشيء ساتر فوقها" إلى آخرين من هذا الكلام الذي يفرض على النساء ما يرتدينه وما لا يرتدينه دون مراعاة لأمر رب العالمين، وإنما تحقيقاً لأهواء ورغبات أصحاب رأس المال، وهو الأمر الذي أوصل المرأة إلى مواصيل متدنية جداً في المجتمعات الغربية.

وهذا مدخل خطير يجب التصدي له. فتح هذا الباب مدخل لمنعك أنتِ يا اللي مش شايفة أنه الجلباب هو اللباس الشرعي الوحيد، منعك من أنك تلبسي لباسك هذا اللي أنتِ شايفته شرعي أو مساومتك عليه، بل ومدخل بالتدريج لمنع الحجاب في النهاية.

وقفة ثالثة: مناصرة الأخت المحجبة واجب على الجميع

ثالثاً، يمكن الفتيات غير المحجبات أو اللواتي لا يرتدين الجلباب، الواحدة منهن تتعاطف مع أسماء لكن تقول في نفسها: "ما رح أدخل في الموضوع، كيف أناصر أسماء وأنا نفسي مش لابسة جلباب؟" لا يا أختي، أن تلبسي اللباس الشرعي هذا واجب، ومناصرتك لأخواتك اللواتي يردن التمسك باللباس الشرعي هذا أيضاً واجب. إذا قصرتِ في الواجب الأول فهذا لا يعني أن لا تقومي بالواجب الثاني، ولا يعني أن مناصرتك لأختك غير مقبولة، بل هي مقبولة إن شاء الله تؤجرين عليها.

وأنتِ بحاجة لرحمة الله وعفوه عن ذنوبك، ومناصرتك لأخواتك مدعاة لأن يعينك الله على التزام أمره وينعم عليكِ بالمحبة لشعائر دينه والتسليم لأمره بما في ذلك الحجاب الصحيح. فلا تخلي نفسك تصد عن هذا الواجب على اعتبار أنك مقصرة، ولا تسمحي لأحد يعترض عليكِ بهذا الاعتراض.

وفي الوقت ذاته، هذا الذي حصل مع أسماء ويحصل مع غيرها لازم يخليكِ تدركي أنكِ لما ما تلتزمي بالحجاب الشرعي بيعطي المجال لبعض أصحاب رأس المال أنهم يطالبوا الملتزمات بالتخلي عن بعض شعائر الدين بحجة أنها مخالفة للعرف العام في المجتمع، وأنه ليش ما تلبسي زيك زي غيرك من البنات المحجبات. فتخليكِ يا أختي عن بعض الضوابط ضرره عام ومش محصور فيكِ.

وقفة رابعة: رسالة لأصحاب المؤسسات والشعب المسلم

رابعاً، نقول لأصحاب المؤسسات والمستشفيات: يا ترى أنتم تابعون للحرب العالمية ليس على الإسلام فقط، بل وعلى الفطرة الإنسانية والأخلاق؟ معروف عن بعض أصحاب الأعمال الانشغال بنماء المال والأرباح والمشاكل المالية والإدارية، بحيث أن نصرة قضايا المسلمين والتصدي لأعداء الفطرة والدين هذا كله للأسف مصطلحات يمكن سمع فيها سماعاً فقط من سنوات. معقول بعد هذا يقبل بعضكم على نفسه أن يصبح جزءاً من منظومة التضييق على الدين والفطرة والأخلاق؟

وأقول ختاماً للشعب الأردني الكريم ولباقي الشعوب المسلمة: لم يحصل حادث من هذا النوع مع أي أخ أو أخت من أخواتكم المسلمات إلا وانصروهم. اتصلوا على المستشفى، قولوا لهم بملء الفم: "لا نقبل أن تضيقوا على أخواتنا أو تمنعوا شيئاً من شعائر ديننا".

لا تخلوا كثرة قضايانا كمسلمين تحبطكم إخواني، ولا يشغلكم بعضها عن بعض. كرامتنا ورفعتنا وحياة أرواحنا ونبض قلوبنا هو في أن ننصر كل قضية لديننا وإخواننا ما استطعنا، وكلما سمعنا نداء الرحمن: {كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ} لبينا إلى أن نلقى الله وهو راضٍ عنا، فيثيبنا بجنة لا تعب فيها ولا حزن ولا هم، ويقول لنا: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

والسلام عليكم ورحمة الله.