→ عودة إلى مرئيات

لماذا غير الملتزمين أكثر سعادة مني؟

٨ مايو ٢٠٢٢
النص الكامل للمقطع

لماذا غير الملتزمين أكثر سعادة مني؟

الدكتور ابن تيمية رحمه الله كان يقول: "إن في الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة". والإمام إبراهيم بن أدهم رحمه الله كان يقول: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجلدونا عليه".

لكن يا دكتور، السعادة... يعني الواحد مثلاً يأتي من عبادة هو مستمر عليها، الحمد لله، من فترة. الصلاة شيء أساسي في حياته كمسلم، لا يتعاشى عنها خالص، ويكثر من النوافل، الحمد لله. لكن يا دكتور السؤال هنا: يعني مثلاً الواحد ما بيحسش بالسعادة اللي هي... عاوز يحس مثلاً بطعم الحياة. يعني الواحد مثلاً، كثير من المشايخ يقولون إن الشخص المسلم أكثر سعادة من الشخص غير المسلم. مع أنه مثلاً الواحد يكون زعلان وكده، وجنبي واحد مثلاً نصراني في درس الكيمياء أو درس الفيزياء، قاعد يهزر وفيه هدوء. هذا الموضوع صراحة يعصب الواحد وكده.

كم سن يا علاء؟ 16 سنة. آه، أنت دخلت البرنامج مع أننا حكينا لحد الـ 15. كيف سجلت؟ كيف دخلت وأنت 16؟ أنا سجلت بس جاء الرابط على الإيميل. طيب، على كلٍ أهلاً وسهلاً بك يا علاء.

تعريف السعادة والحياة الطيبة

الآن مسألة السعادة هذه. إذن علاء يقول لنا إنه يعني إحنا متوقعين أن الواحد لما يكون بيصلي ويتقرب إلى الله سبحانه وتعالى يكون أكثر سعادة من الناس الساهين عن الله، أو الناس الذين أصلاً ليسوا مسلمين، الذين كفروا بالله وأشركوا بالله. لكننا لا نجد ذلك أحياناً.

الجواب له أكثر من شيء. أول حاجة: إيش تعريف السعادة؟ وما تعريف الحياة الطيبة؟ لاحظوا القرآن وعد المؤمنين بالحياة الطيبة. هذا الكلام عنها، عن النشوة. الحياة الطيبة أن يكون الإنسان راضياً مطمئناً، ما عنده جزع، أن يكون صابراً في الضراء، شاكراً في السراء. هناك أعمال قلوب من الأنس بالله والشوق إلى الله والرضا بالقضاء والقدر. يكون في حالة من الثباتية في قلبه، يبتهج بالمبهجات ويحزن للمحزنات. هذه حياة طيبة.

بعض الناس لما يسمع سعادة أو حياة طيبة يتصور حالة من الفرح الغامر والنشوة وما إلى ذلك، وهذه ليست بالضرورة هي الحياة الطيبة. قد ترى أحياناً بعض أهل المعاصي بالفعل وهو يغني، وهو يسمع أغاني، وهو يرقص، وهو يعمل شغلات حرام، وهو يقيم علاقات محرمة، قد يكون مبتهجاً أثناء ذلك. لكن هذه ما هيش حياة طيبة، خاصة أن مثل هذا إذا حُرم من الأشياء التي تسره، تلقاه ينتكس نفسياً. وبالتالي فهو على شفى جرف، ما يكون عنده طمأنينة، ما يكون عنده سكينة، ما يكون عنده رضا في الضراء وصبر في الضراء وشكر في السراء. فهذه ما هيش حياة طيبة.

فيكون عنده حالة من القلق. "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكة". لا يغرنكم أبداً. قد تجد ممكن واحد يكون نعم في مرحلة الشباب مهيص ومزقطط ومبسوط وما إلى ذلك، لكن تعال شفه لما يتعرض لمرض، لما يقال له: "أنت معك سرطان"، "أنت معك مثلاً شلل أو بداية رح يصيبك شلل"، "عندك وهن عضلي"، "عندك كذا وكذا وكذا". الانتكاسة تكون سريعة جداً، تلاقيه يهوي مباشرة. وبالتالي لا يغرنكم كثرة ضحكات الناس الساهين الغافلين عن الله.

أهمية الأخذ بالأسباب والنجاح في الحياة

أحياناً بتلاقي الواحد فيهم بيعلي صوته بالضحك، بمعنى بتلاقيه مثلاً هو كطالب مش عمال بيدرس، هو كموظف مش عمال بيقوم بعمله، كصاحب مصلحة لا يأخذ بالأسباب في إنجاح مصلحته أو تجارته أو عمله. في العلاقات الاجتماعية لا يستطيع إقامة علاقات بشكل مناسب مع الناس، وسريع الغضب منهم والنفور عنهم، ما بيحاولش يعمل صداقات، لا يتحمل الإساءات من أصدقائه وبالتالي يفقد أصدقائه بسرعة. وفي الوقت ذاته بتلاقيه ما بيسمعش أغاني، ما بيشوفش مسلسلات، وبيقرأ قرآن، وبيروح المسجد، ويظن أنه خلاص هكذا هو اسمه متدين ومطيع لله سبحانه وتعالى، وأنا أتوقع أن الله يجعلني سعيداً في حياتي. لا لا، معلش، السعادة أيضاً لها أسبابها، أنت لازم تأخذ بأسبابها.

إذن، إنسان كان مقصراً في الأخذ بالأسباب والقيام بأدواره الوظيفية في الحياة، طالباً كان أو صاحب عمل، وكذلك العلاقات الاجتماعية، فعليه أن يتوقع أن يكون عنده نوع من الحزن ونوع من الكآبة. لأن أصلاً الأخذ بالأسباب والنجاح فيما تتصدى له في حياتك، النجاح في أعمالك، هذا جزء من تدينك، جزء من دينك. لكن إحنا أحياناً نحصر التدين في زاوية معينة: ما نسمع شيء، ما نشوف شيء، ما نسويش. الإيمان ليس فقط تخلية كما نقول، تخلية وتحلية. تتخلص من المحرمات وتحل محلها الأعمال الصالحات.

الفهم الشامل للتدين

يعني مثلاً كثير من الشباب يعتبر حاله متدين وهو لا يقرأ ولا يتثقف ولا يتعلم من دينه ما يعمر قلبه، لا يحفظ القرآن، لا يتدبر القرآن كفاية. وبالتالي بيخلف عنده نوع من الفراغ. قلبه كان مشغول بالمحرمات، راح تطهر منها، شالها لوجه الله تعالى، بعدين ما ملأش هذا الفراغ. فمتوقع يحس بنوع من الملل، نوع من الجفاء.

أنشئ مشروعاً، سآخذ بالأسباب إلى أقصاها، ويكون دمث الخلق وطيب الخلق مع الآخرين، وحريص على هداية الناس ورحيم بهم، ويقيم علاقات اجتماعية، ويقرأ في دينه ويتثقف ويتعلم القرآن والسنة، ويتفكر في القرآن. لا لا، هذا لا بد أن تكون حياته طيبة حتى لو تعرض للبلايا.

فإذا هذا ملخص جوابي على أن أولاً نحن موعودون كمؤمنين بالحياة الطيبة إن أطعنا الله. وطاعة الله ما هيش بس ما تسمع شيء، ما تشوف شيء، ما تسويش. لا، عليك أن تملأ هذا الفراغ بكثير من أشكال الطاعات اللي تسد فراغ قلبك. وشق ثاني أنه لا يغرك ما تراه من سعادة الآخرين من غير المسلمين أو من عصاة المسلمين الغافلين عن الله تماماً، فهذه ليست الحياة الطيبة، هذه سعادة مؤقتة مهددة. تمام يا علاء؟

التأكيد على الأخذ بالأسباب

دكتور، وأعيد التأكيد على موضوع الأخذ بالأسباب. أنا أقول للناس مرات أنا بصراحة بتضايق لما أرى بعض الطلاب كاتب على ورقة الامتحان: "بسم الله الرحمن الرحيم". معقول؟ أمعقول؟ هل تعلمون لماذا؟ يكون هذا الطالب يتغيب عن المحاضرات، لما يكون قاعد في المحاضرة بيكون سرحان، بسأله سؤال ما بيجاوبش، ما بيدرسش. وبيجي يوم الامتحان يكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم"، وبيتوقع أنه هذا الكلام حيخليه ينجح في الامتحان. لا لا لا، هذا تقصير. تقصير وأنت تأثم على تقصيرك. إذا كنت عمال بتضيع أيامك ولياليك وبتضيع فلوس أهلك، وفي النهاية مش عمال بتأخذ بالأسباب وتتوقع لأنك أنت شخص محترم وطيب أن يعينك الله، هذا تواكل.

سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام كان سيد من يأخذ بالأسباب، وهو النبي المؤيد من ربه. ولذلك فإحنا علينا أن نفهم التدين ونفهم طاعة الله فهماً متوازناً دقيقاً إذا أردنا الحياة الطيبة.