→ عودة إلى مرئيات

ما الموقف الذي يرضي الله تجاه شيرين وغيرها ؟

١٦ مايو ٢٠٢٢
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

إخواني الكرام، هذه الكلمة هي للذين حضروا حلقة "المسلم والمواقف المنسجمة". لماذا؟ لأنها أسست لأرضية مشتركة للنقاش. ذكرنا فيها أحد عشر قاعدة أساسية، واضح أننا متفقون معكم عليها كمتابعين، حيث لم يكن عليها اعتراض.

في كلمتنا اليوم سنطبق هذه القواعد على موضوع الصحفية شيرين أبو عاقلة والجدل الذي دار حول جواز أو عدم جواز الترحم عليها. لكن قبل الجواب عن هذه الأسئلة، تعالوا نحلل لماذا حصل هذا الخلاف الشديد بيننا نحن المنتسبين لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، القائلين أن مرجعيتنا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

تحليل الخلاف

هل معقول الكتاب الذي وصفه الله بأنه تبيان لكل شيء، ومبين ونور وهدى وبصائر، يحتمل هذا الخلاف في الفهم؟ ما بين قائل أن ترحم الدعاء لشيرين بدخول الجنة جائز، وقال أنه تكذيب لصريح القرآن.

هل بالفعل كل من تجاوزوا الحدود في التعزية يستهينون بالتوحيد ولا يعظمون الله؟ ولا ممكن يكون هناك إشكالية هم مش منتبهين لها؟ إذا ساعدناهم في حلها قالوا سمعنا وأطعنا لأمر ربنا وتتحد الكلمة وتتوجه الجهود لما ينفع.

حقيقة إخواني، المشاكل التي تبدو كارثية هي قابلة للحل إذا عولجت بحكمة وهدوء وأزيحت الأغشية عن البصائر، على الأقل للمتواضعين للحق.

سياق الحادثة

جريمة قتل الاحتلال لشيرين جاءت ضمن سياق احتقان المسلمين عاطفياً. هذا الاحتقان ولد ردود أفعال جامحة. الكلام عن حكم الترحم هو كمعالجة صورة ملتقطة ومقطوعة من السياق. فلا معلش، خلينا نرجع نفهم ما الذي يحصل، وما الغليان العاطفي والنفسي الذي يسيطر على كثير من الناس.

ونعيد صياغة السؤال بدل "ما حكم الترحم" إلى "ما الموقف الذي يرضي الله عنا تجاه شيرين وكل من يعيش بيننا من غير المسلمين؟" ما الموقف الذي يحبه رب العالمين القائل: "ألا له الخلق والأمر"؟

خلقنا بنفوس فيها عاطفة جياشة وفطرة طيبة، وفي الوقت ذاته أمرنا بضبط الانفعالات الناتجة عن هذه العاطفة، علشان نصل في النهاية لموقف شرعي ينسجم فيه حبنا لله وتعظيمنا لله تعالى وحقه، وفي الوقت ذاته إنسانيتنا وعاطفتنا تجاه من يحسن إلينا ويشاركنا بعض قضايانا. وبعد ذلك نتحدث عن موضوع الترحم والدعاء بدخول الجنة.

هذا سيكون مدخلنا للموضوع، لأنه واضح أن المسألة مش جهل ببعض الآيات والأحاديث ولا الحاجة لبيان الحكم في المقام الأول، وإنما تفهم الدوافع والأسباب. وإلا فأي دليل شرعي ستكون النفس متأهبة ومستعدة لإعادة تأويله بما يناسب الموقف المتخذ مسبقاً.

قهر الأمة وذلها

شيرين كانت جزءاً من قضية فلسطين. فلسطين التي تمثل قهر الأمة وذلها. عضو من جسد الأمة تم فصله عنها وتسليمه لحفنة من شرار الخلق، يعبثون بمقدساتنا ويعتقلون أبناءنا ويقتلون النساء على الحواجز بدم بارد، ويمطرون أبناء غزة بالقنابل ويحدثون فيهم الحروق والإعاقات. وهذا كله في قلب العالم الإسلامي، عالم الأكثر من مليار مسلم.

ونحن نعلم أن هؤلاء هم أجبن خلق الله، لكنهم يسرحون ويمرحون وسط حراسة ومساعدة وتطبيع من المتحكمين في دول المسلمين، ونظام عالمي محتقر لنا ومساهم في هذا كله، كما ظهر في أزمة أوكرانيا.

خذلان الشيوخ

كمية من مشاعر القهر والذل والغضب يضاف إليها خذلان كثير من الشيوخ. كثير منهم ما بين الساكت أو محبط سلبي، أو بعيد عن هموم الأمة، أو حتى مطبلات منافق. ودعاة صادقون مهمشون، وكثير منهم في السجون.

في هذا السياق جاءت شيرين تنقل جزءاً من جرائم المحتل، مخاطرة بحياتها وسط الرصاص، وهي تعلم أنها تعرض نفسها للخطر، وتخدم قضية تهمنا كمسلمين وتهم أبناء دينها، وارتبط اسمها بهذه القضية لسبعة وعشرين عاماً. المحتل المجرم وجه رصاصة لرأس شيرين وفجره بكل احتقار واستهانة وتحد وإجرام. القهر، الشعور بالذل والمهانة والخذلان والغضب هذا كله تحول إلى تعاطف مع شيرين.

الاحتلال الفكري

طبعاً هذا كله بالإضافة إلى أن المسلمين يعيشون احتلالاً فكرياً من الغرب الذي رحل عن بلادهم، لكن ترك وراءه أذناباً يفرضون علمنة في المناهج الدراسية والإعلام والتعليم والتقنين. فصارت هذه عوامل هدم عقدياً وفكرياً وعاطفياً ونفسياً. وبالتالي لما بنشحن عاطفياً لا تتحول العاطفة الجامحة إلى عمل نافع يواجه الظلم الذي نتعرض له، بل تحولت هذه العاطفة إلى صراع نفسي داخلي ومعركة شعواء فيما بيننا لتزيدنا فرقة وضعفاً وهواناً، ويتمكن الأعداء منا أكثر. فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.

إعادة توجيه العاطفة

نحتاج هنا أن نعيد توجيه العاطفة بالشكل السليم بما ينسجم مع عقيدتنا ويساعد في رفع الظلم.

الحاجة لشرع الله

أول إعادة توجيه هي أن تزيدنا هذه الحادثة يقيناً بحاجتنا وحاجة البشرية إلى إقامة شرع الله في الأرض. تصور يا جماعة لو أن شيرين كانت في ذمة المسلمين في دولة تقيم شرع الله تعالى. ابن حزم الأندلسي رحمه الله حكى إجماع العلماء على ماذا؟ قال: "من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة".

يعني المطلوب منا نحرك الجيوش ونقاتل ونعرض أنفسنا للتلف حتى نحمي من استأمننا الله ورسوله عليهم من غير أهل ديننا. مش بكتب كلمتين على السوشيال ميديا وبطلع سوبر هيرو، وبدهم تعب إيش اللي ترحم ومش ترحم وعمل فيها بطل الإنسانية، وشن الغزوات الإلكترونية المقدسة على من يعارض ترحمي. أنا هنا أتكلم عن قتال حقيقي وتضحية حقيقية وبذل الدماء والأرواح وترك أيتام وأرامل علشان واحدة مش من ديننا.

طيب لو واحد منا قتل وهو يدافع عن من أوجب الإسلام الدفاع عنهم، سيكون شهيداً. شهيد بحق، مش شهيد الوطن ولا شهيد الإنسانية ولا شهيد الواجب ولا كل هذه التسميات، بل شهيد عند الله لأني دافعت عنه طاعة لله وحفظاً لذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد نقلت لكم نص الفتوى بذلك في حلقة "لو كان الأوكرانيون في نظام إسلامي".

وحتى من غير وجود نظام إسلامي، لو واحد من المسلمين دافع عن شيرين ضد المحتل المجرم من قبيل "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً" ثم قتل، فهو في سبيل الله. يعني المسلم لما يطيع الله عز وجل يكون أنفع لشيرين وغير شيرين من أبناء دينها الذين يمكن الواحد فيهم يعني يكتب كلمتين "ولروحك السلام" ثم بعد ذلك يجلس يشرب شاي وانتهى الموضوع.

لذلك يا كرام، بدل ما يكون سؤالنا "ما حكم الترحم؟" السؤال اللازم يطرح هو: "لماذا حصلت هذه الجريمة؟" وما موقفك كمسلم؟ ما واجبك كمسلم حتى لا تتكرر هذه الجريمة؟ علشان أنفسنا تشحن بالهمة لإعلاء كلمة الله، كلمة التوحيد، ليقمع المجرم وتعصم الدماء. لازم ما نستغرق في هذه الحادثة الجزئية وننسى الصورة الكلية أن هناك الآلاف ممن يتعرضون يومياً للظلم والقتل نتيجة لتخلفنا عن قيادة البشرية وعن إعلاء كلمة الإسلام.

التعاطف مع شيرين

شيرين قدمت وضحّت أي نعم، وإحنا لما بنقدر أنها قدمت فهذا لا يعني أننا نجعلها أيقونة وقدوة لبناتنا. فعندنا قدواتنا من المسلمات اللي قدموا وضحوا أكثر من شيرين، ومش بس غطوا الحدث بل كانوا جزء من الحدث وقدموا وضحوا لتكون كلمة الله العليا، وبدون أي رواتب من أي شبكة إعلامية. ومع ذلك نتعاطف مع شيرين اللي خدمت قضية هي قضيتنا كلنا كمسلمين، وحتى لو كانت قامت بما قامت به من قبيل الوطنية أو الإنسانية.

المطعم هذا مات مشركاً، والشرك محبط للعمل. ومع ذلك النبي عليه الصلاة والسلام حافظ له الجميل. فلما انتصر النبي في معركة بدر ووقع في يديه أسرى قال كما في البخاري: "لو كان المطعم ابن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له". شو بعد سنوات حافظ له الجميل! يعني لو طلب مني أخلي سبيل هؤلاء الأسرى لأطلقت سراحهم علشانه. بيعلمنا النبي الوفاء عليه الصلاة والسلام.

قال الله تعالى: "ومع هذا كله علينا أن نتذكر أن الإعلام يضخم ما يريد ويهمش ما يريد ويصنع أيقونات ورموزاً. فبتلاقي كل عاطفتنا اتجهت اتجاه هذه الأيقونات فبيحصل مبالغات وتجاوز لما يرضي الله". لا أغضب لما حصل مع شيرين، وفي الوقت ذاته تذكر أن هناك مئات أو آلاف الحوادث الشبيهة يومياً في أنحاء الأرض لإخوانك المسلمين وغيرهم من المظلومين.

يمكن حد يقول لي: "طب اشمعنا لما بنتك سارة رحمة الله عليها توفيت والناس حكوا عنها ولا زالوا بيتكلموا عنها، ليش ما قلت هذا الكلام وما قلت لهم ديروا بالكم من المبالغة؟" بل قلت لهم والحمد لله، وبعد أيام قليلة من وفاتها نشرت مقالاً بعنوان "بنتي ليست أهم من بنات المسلمين" أذكر الناس فيه أنه الله يجزيكم الخير، لكن معلش تذكروا أن هناك أطفال يموتون يومياً مع معاناة أكبر بكثير من معاناة ابنتي، فتذكروهم.

"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين". نعم، هناك عاطفة جياشة تجاه جريمة المحتل بقتل شيرين، وضبط هذه العاطفة هو من الابتلاء. وهذه نقطة مهمة جداً يا إخواني. الله يقدر مثل هذه الأحداث ابتلاءً للمؤمنين ليرى هل نغلب هذه العاطفة حتى وإن أدى ذلك إلى معصيته سبحانه؟ أم نضبطها ونغلب عليها محبة الله وتعظيم الله وطاعة الله، بل ونحولها إلى عمل النافع؟

بعد هذه المقدمة، دعونا ندخل على ما يجوز وما لا يجوز في التعاطف مع هذه الحادثة، وفي بالنا طوال ذلك أننا نريد تحويل الحدث والتعاطف معه إلى سبب لتمسكنا بديننا حتى نرفع كلمة الله ونمنع تكرار هذه الجرائم. وأنا أرجو أن ما حصل والخلاف وظهور المشاكل العقدية والفكرية في الأيام الماضية، والتي أثارت ردوداً وتوضيحات من أجمل ما يكون من إخوة كثر جزاهم الله خيراً، أنا أرجو أن هذا كله بداية خير ولعله ينطبق عليه "لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم". مناسب لإحياء العقيدة في نفوس المسلمين وتعظيم توحيد الله ودعوة غير المسلمين، فرصة لتقويم المسيرة وإعداد العدة لأسباب النصر.

وأذكر مرة أخرى: لا تسمعنا بنفسية المتأهب للرد الذي عنده موقف مسبق ويريد أن يفهم الأدلة بحسب هذا الموقف، بل دع الأدلة هي التي تشكل موقفك. اتفقنا يا كرام؟ ويلي تدعو معي: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".

ما يجوز وما لا يجوز في التعاطف

طيب بسم الله. كبرى الحقائق القرآنية هي توحيد الله تعالى، وأنه لا نجاة في الآخرة إلا بهذا التوحيد مع العمل الصالح، وأن الله لا يغفر الشرك، وأن الشرك محبط للعمل.

توحيد الله وخطورة الشرك

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ}. قال الله تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}. أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم.

لاحظ هذه الآيات كيف تبين كفر من قال أن الله هو المسيح أو أن الله ثالث ثلاثة، يعني على اختلاف طوائفهم، وتبين أن هذا المشرك قد حرم الله عليه الجنة وأن مأواه النار. ثم تدعو هؤلاء المشركين إلى التوبة والاستغفار من هذا الشرك، وتقول: "والله غفور رحيم". إذن رحيم بمن؟ بمن يتوب من هذا الشرك. وإلا لأصبح معنى الآية: "أفلا يتوبون إلى الله من شركهم هذا ويستغفرونه والله غفور رحيم بهم سواء تابوا أم لم يتوبوا"، فلا داعي للتوبة. والقرآن يجل عن هذا الكلام المتضارب.

يعني أنتم تملكون مفاتيح الجنة والنار؟ تصور لو كنت حضرتك في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وتُليت عليك هذه الآيات، فقلت له أنت يعني يا رسول الله تملك مفاتيح الجنة والنار؟ قد تقول: "لا لا، رسول الله كان يتلو آيات الله". طيب وأنا برضو أفعل نفس الشيء. هو أنا لما أذكرك بآيات الله بكون بدّعي أني أمتلك مفاتيح الجنة والنار؟

كبرى الحقائق القرآنية أن الله لا يقبل من أحد إلا الإسلام الذي هو توحيد الله والانقياد له والإيمان برسله. قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}. وقال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. والإسلام المذكور في هذه الآيات هو دين كل الأنبياء عليه السلام. فالأنبياء كلهم موحدون مسلمون، وكل أتباع نبي وحد الله وآمنوا برسله أجمعين فهم مسلمون. لذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "أن أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد". والحديث رواه البخاري. بينما عيسى عليه السلام بريء ممن أشرك مع الله وكذب بمحمد صلى الله عليه وسلم.

الآيات المحكمات والمتشابهات

طيب لكن هناك آية يقول الله فيها: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. أيوا، هذا يأخذنا لقاعدة مهمة جداً في معالجة موضوعنا اليوم وفي التعامل مع القرآن بشكل عام.

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}. هناك آيات محكمة واضحة لا تحتمل التأويل، وهناك آيات ممكن تحتمل أكثر من معنى. قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}. إذن سلوك أنك تأخذ آية متشابهة وتفسرها على كيفك بدل ما تفهمها على ضوء الآيات المحكمة، هذا سلوك الذي في قلبه زيغ وانحراف ومرض.

الآية المذكورة انظر في سياقها وردها إلى الآيات الكثيرة المحكمة كما فعل المفسرون، ستجد أن لها أحد معنيين: إما أنها تتحدث عن المؤمنين بالأنبياء في زمانهم الذين اتبعوهم وماتوا على التوحيد قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنها عمن كانوا على النصرانية أو اليهودية أو من الصابئين ثم آمنوا بالتوحيد وبالنبي عليه الصلاة والسلام ودخلوا في الإسلام.

وسياق الآية يؤيد هذا المعنى، لأن الآية التي قبلها ختمت بقول الله تعالى في بني إسرائيل: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ}. فممكن حد يقول هل يعني هذا أنه لا توبة لهم بجرائمهم وآثامهم هذه؟ فأتى الجواب أنهم إن آمنوا وعملوا الصالحات هم وغيرهم فباب التوبة مفتوح لهم ولغيرهم.

بل حتى لو لم تنظر في السياق، نفس الآية لاحظ ماذا قال ربنا فيها: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا}. هذان هما الشرطان: إيمان معتبر بالله واليوم الآخر وعملوا الصالحات. طيب هو إيمان أهل الكتاب الذين رفضوا دعوة الإسلام إيمانهم بالله مش إيمان معتبر؟ لا مش معتبر.

الدليل: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا}. يعني كالذين آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد، أو آمنوا بموسى وعيسى وكفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام. ما حال هؤلاء يا رب؟ {أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}.

لاحظ: {أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا}. يعني لم ينفعهم أنهم آمنوا بوجود الله ولا أنهم آمنوا ببعض الأنبياء. مش نص مؤمنين ولا ثلاث أرباع مؤمنين، بل {أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا}. قال الله بعدها: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُولَٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}. غفوراً لهؤلاء ورحيماً بهؤلاء الذين يؤمنون إيماناً حقاً بوحدانية الله وبكل رسله.

أيضاً الآية التي يستدلون بها اشترطت "وعمل صالحاً"، والعمل الصالح لا يكون مقبولاً مع الشرك. قال تعالى: {تلاحظ نفس الآية التي يستدلون بها وسياقها وكل محكمات القرآن والسنة تدل على أنه لا يعذر يهودي ولا نصراني إذا لم يؤمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن}. لذلك لم يقل أحد من المسلمين العقلاء عبر القرون أن هذه الآية تعني أنه كلهم حصل بعضه، وأنه يجوز لليهود والنصارى أن يؤمنوا بالله واليوم الآخر ويكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ويكونوا مع ذلك من أهل الجنة. وإلا فلماذا الدعوة إلى الإسلام؟ ولماذا {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.

فلما واحد يترك كل هذه الأدلة ويستدل بآية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ} على أنه ما بيلزمكش تؤمن بمحمد ولا بالقرآن ولا بتوحيد الله، فهذا من الذين في قلوبهم زيغ ومرض وانحراف، فيحرفون الكلمة عن مواضعه. الذي يأتي بعد هذا كله ويقول بل يجوز الترحم بمعنى أن يغفر الله الشرك ويدخل المشرك الجنة، هذا مش حنون لا، بل هو يكذب الله ورسوله. مش حنون مش رحيم، بل يكذب الله ورسوله.

الله يقول لك: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} وأنت تقول: "لا يا رب هناك أمل أن تغفر له". الله يحكي عن عيسى قوله: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} وأنت تقول: "لا يا رب ممكن يدخل الجنة وما يكون مأواه النار". الله يقول يعني أنت يا محمد والأنبياء من قبلك: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وأنت تقول: "لا يا رب مش لازم الشرك يحبط العمل إذا كان الإنسان طيب ولا يؤذي الآخرين ويخدم القضية الفلسطينية". أو يمكن أنت شايف أن شيرين إنجازاتها أهم من الأنبياء فحتى لو أشركت لن يحبط الله عملها.

على فكرة هذه الآية: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ماذا قال الله بعدها؟ {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ۝ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. سبحان الله كيف جاءت {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} بعد التحذير من الشرك. فأساس كل مشكلة وأساس كل شرك في هذه الدنيا هو عدم قدر الله حق قدره. وهي مشكلتنا أيضاً اليوم مع الذين يترحمون على المشركين بعد كل هذه البينات. ما قدروا الله حق قدره.

الرد على شبهة "ورحمتي وسعت كل شيء"

طيب أين قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}؟ مش هذه آية برضو؟ لا، هذه المرة اللي بيستدل بهذه الطريقة مش بيتبع المتشابه، لا هو بيعمل ما هو أسوأ وهي أنه يقول: "قال الله تعالى: فويل للمصلين" والسلام عليكم. السلام عليكم. قال الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة" انتهى الدرس ونشوفكم على خير إن شاء الله.

تعالوا ونقرأ الآيات. قال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

الذين يتبعون الرسول النبي الأمي. قال الله بعد هذه الآيات مباشرة: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

في الأيام الماضية خطباء ودكاترة الشريعة استدلوا بقسم من الآية "ورحمتي وسعت كل شيء" على طريقة "فويل للمصلين" بالضبط بالضبط. وهذا والله من خيانة العلم وخيانة الدين. أوعوا بكرة، أوعوا إياكم بكرة تصير هذه وجهة نظر أخرى ورأي معتبر. لا والله، بل هذا تضليل للناس وتحريف لمعنى كلام رب العالمين. ولا ينفعك أبداً أن تأخذ بهذا التحريف لأنه وافق هواك وحنيتك غير المنضبطة بتعظيم الله وتقول: "حطها برقبة عالم واطلع سالم". فهذا هو نفس ما حذر الله منه بقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}. والذي فسره سيدك النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم، فكانت ذلك هي عبادة العامة للأحبار والرهبان.

قال الله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. طيب مش إبليس شيء برضو؟ هل يعني هذا أن رحمة الله ستسع إبليس وسيدخل إبليس الجنة؟ هل قتلة شيرين داخلين في كل شيء فتسعهم رحمة الله؟ هل يجوز أن نترحم عليهم؟ الذين قاموا بمجزرة حي التضامن التي رأينا بشاعتها من أسابيع، مش هؤلاء أيضاً من كل شيء فممكن تشملهم رحمة الله؟

رحمة الله واسعة الكافرة في الدنيا. في الحديث الذي رواه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى، إنهم يجعلون له نداً ويجعلون له ولداً وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم". خد بالك، شيرين ليس لها منة على الله. كل ما كانت فيه من نعم فمن الله رزقها وعافاها وأعطاها لواحد وخمسين عاماً. أما في الآخرة: {وَإِنَّ كُلَّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}.

خطورة الترحم على الكافر

كلنا إخوان عندنا خطوط حمراء إذا تجاوزها الشخص فهو لن يستحق منا الترحم بعد وفاته. لكن الفارق أن المؤمنين يؤمنون بأن هذا الخط الأحمر هو الشرك بالله، بينما البعض لسان حالهم: "يغلط في حقي واحد يغلط في حقي فالله لا يرحمه، يشتم ربي ويقف مع قضيتي فألف رحم عليه". ولا يا أذى الله، لا لا مين جاب سيرة شتم الله؟ هو حضرتك مش عارف في الحديث الذي رواه البخاري قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: يشتمني ابن آدم، يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني وما ينبغي له. أما شتمه فقوله إن لي ولداً". ادعاء أن عيسى ابن الله هذه شتيمة لله. وأنت تقول: "لا معلش حتى ولو الذي يشتم الله سيدخل جنة الله لأنه لم يؤذيني أنا ولم يؤذي أي إنسان".

إذا ثبت لنا بالدليل القطعي أن لنا رباً عظيماً متصفاً بالكمال، فكيف نقدم حينها حق إنسان ناقص يظهر افتقاره في كل لحظة من لحظات حياته لربه، فيأكل هذا الإنسان ويشرب ويأتي بلازم ذلك من دخول الخلاء ويمرض ويموت، فنجعل حق هذا الإنسان أعظم من حق الله رب الأرباب سبحانه وتعالى المتصف بالكمال من كل وجه؟

الترحم على من مات كافراً جريمة في حق الأحياء، لأن هذا الترحم يعني أنه لا داعي أن يؤمنوا بالله ورسوله مدام الكل مرجو له الرحمة. الآخرة يا أخي نار نار عذاب عذاب. أنتم ما عندكم قلوب؟ عندنا قلوب ورحمة أكثر منك، ومع هذه الرحمة عندنا تعظيم لحق رب العالمين. عندنا نرحم لأننا نقتدي بنبينا القائل: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". ولهذا نرحم الكافرين والمشركين والملحدين وندعوهم لدين رب العالمين. ولذلك دعوت غير المسلمين وأدعوهم وأتعاون مع إخوة وأخوات لترجمة محاضراتي وسلاسل ومقالات للغات كثيرة حتى تصل لغير المسلمين. نعمل السلاسل الدعوية مثل رحلة اليقين التي أعلم أن كثيراً من الشباب اللي وقعوا في الردة عادوا إلى الإسلام بعد ما شاهدوها بفضل الله.

مش بننام عن دعوتهم ونغشهم ونخادعهم بالترحم على من مات منهم. وبعدين لما واحد منهم يموت تطلع حنيتنا مرة واحدة وبنصير نترحم عليهم أن الإسلام مش ضروري لنجاتهم والاستهانة بحق الله وتكذيب كلامه وكلام رسوله. الإسلام جماع دين الأفعال الجادة مش المجاملات الكاذبة. أنت بترحمك هذا، بترحمك هذا بتلبس حتى على المسلمين، بتضلل حتى أولادك. صلي يا بابا خمس صلوات، صوم رمضان، تحجبي يا بنتي. ليش يا بابا أتحمل المشقة في هذه الأشياء علشان أدخل الجنة يا ابني؟ طيب يا بابا فلان مات كافراً وأنت ترحمت عليه، مش بس ما كانش يصلي ولا يصوم ولا ما كانتش محجبة، لا ما كانتش مسلمة حتى ومع ذلك قلت يمكن الله يرحمها. ماذا ستقول لابنك ولا لبنتك في هذه الحالة؟ لما تقول لابنك: "لا تزني يا ابني، لا تشرب الخمر، لا تتعامل بالربا، لا تعق والديك". ليش يا بابا؟ "علشان ما تدخلش النار". طيب يا أبي مش الشرك أسوأ من كل هذه الذنوب؟ بلى. طيب ما أنت ترحمت على اللي مات مشرك ورجوت له أنه ما يدخلش النار. فأنا برضو رح أبقى أعمل كل هذه الذنوب وأرجو ألا أدخل النار.

أنتم متصورين يا جماعة ماذا يعني رجاء الجنة لمن مات كافراً بالإسلام؟ يعني نقض عرى الدين وأن يصبح الدين تافهاً ثانوياً لا قيمة له، لا يحدد مصيراً ولا ينجي من عذاب. بعد اللخبة اللي حصلت في الأيام الماضية، امسك المصحف واقرأ أي صفحتين من القرآن. إذا دخل عليك فيروس "الفيروس بتاع الجنة للجميع" شوف كيف تصبح الآيات بلا معنى. حتى تعرف أن بعض الذين يصرون على خوض معركة الترحم هذه يخوضونها مش عن جهل ولا عاطفة ولا هم سائلين بشيرين ولا بمصيرها، وإنما بيتاجروا بمقتلها وبيستغلوا الحدث لتميع عقيدة المسلمين التي هي سر وحدتهم وقوتهم. يميعوها تحت ستار العاطفة والرحمة. فبلاش تجري وراهم، بلاش تخليهم يخدعوك ويضحكوا عليك.

أنت لما يدخل عليك فيروس "الرحمة للجميع" وتقف بين يدي الله وتصلي وتقرأ الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ۝ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. وإحنا طول عمرنا بنقول المغضوب عليهم اليهود والضالون النصارى. آمين. طيب ما هو ليش الله يهدينا الصراط المستقيم إذا كان كل الطرق تؤدي إلى الجنة؟ ليش نريد صراط غير صراط أولئك وهؤلاء؟ ما إحنا كلنا يرجى لنا الرحمة في النهاية. أنتم فاهمين يا جماعة إيش يعني هذا الفيروس؟ فيروس "الرحمة للجميع".

من له مصلحة في الزج بموضوع الترحم على شيرين وإدخالها الجنة والدفاع عنها بفجاجة أكثر من أدعياء الدين الإبراهيمي الجديد الذين يريدون تذويب الإسلام؟ ولذلك تراهم ينشطون ويتباذؤون في نشر فجورهم هذه الأيام مستغلين التعاطف مع الحادثة. من له مصلحة في تمييع إسلامية قضية فلسطين أكثر من الاحتلال؟ الذي هاجم جنازة شيرين بشكل فج مريب متعمد أمام الكاميرات بشكل لا يمكن أن يكون عفوياً ولا سقط سهواً، بعدما رأينا في رمضان وصلاة العيد في الأقصى وأنحاء العالم الإسلامي ما يسر كل مؤمن ويغيظ كل كافر ومنافق.

إحنا مش عمال بنطالبك تقتل الرحمة اللي في قلبك، وإنما أن تضم إليها تعظيم الله وأن تقدره وتقدر توحيده حق قدره علشان يتعدل الميزان. وأن تظهر رحمتك بالخلق في الوقت المناسب مش بعد فوات الأوان.

الرد على شبهة "الأعمال الصالحة"

طيب الأعمال الصالحة لشيرين ونصرة القضية الفلسطينية. "إنما الأعمال بالنيات". حتى لو المسلم ما كان قاصد وجه الله بأعماله الصالحة فلن تقبل منه. ومع ذلك فالله يعجل للكافر ثوابه في الدنيا. أما الآخرة فتذكروا أنه محدش فينا مهما عظمت إنجازاته بيدخل الجنة بعمله بل برحمة الله. حتى النبي صلى الله عليه وسلم. وحتى يستحق الإنسان الرحمة الأخروية فلها شروط أولها التوحيد.

الرد على شبهة "ربما أسلمت"

طيب مش يمكن تكون شيرين أسلمت ولم تخبر أحداً بإسلامها؟ صحيح ممكن، لكن أيضاً مش يمكن أبوك المسلم يكون كفر في سره ولم يخبر أحداً بكفره؟ وبالتالي لازم ما تصليش عليه عندما يموت. نحن إخواننا لنا بالظاهر في الإسلام والكفر. وهذا الاعتراض فصلت جوابه في كلمة خاصة بعنوان "مش يمكن تاب؟".

شيرين كانت ترى المقدسيين والمقدسيات مرابطين مضحين بأنفسهم وأموالهم وأوقاتهم في سبيل حماية مقدسات الإسلام، ورأت صلاتهم وصيامهم ورباطهم وتلاوتهم القرآن. هل هذا أثر فيها وجعلها تسلم؟ والله أنا أتمنى ذلك، والله أتمنى ذلك، لكن مع ذلك لنا بالظاهر.

الرد على شبهة "تخفيف العذاب"

طيب ماذا عن الدعاء لها بالرحمة بقصد تخفيف العذاب؟ أيوه، سؤال: هل غاب هذا المقترح عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهاه الله عن الاستغفار لأبي طالب؟ خاصة وأن الدعاء عبادة والعبادات توقيفية. لازم يكون في دليل. لتكون حضرتك بتزاود على رحمة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}. كاد يهلك نفسه عليه الصلاة والسلام من رحمته بالمشركين. فلو أن هناك فرقاً بين النهي عن الدعاء بالرحمة والدعاء بالمغفرة لكان أولى الناس بالتفريق النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع يديه يسأل الرحمة لعمه ولأمه. ولفعل ذلك كل الصحابة في موتاهم الذين ماتوا على الشرك.

وعلى رأي أخينا الدكتور أيمن البلوي: هل اقتراح الترحم بمعنى تخفيف العذاب هو من مسائل الاكتشافات العلمية علشان حضرتك تتصور أنك اكتشفت ما لم يكتشفه رسول الله ولا الصحابة ولا الأمة عبر 14 قرن؟ ابن كثير في البداية والنهاية في فصل وفاة أبي طالب قال: "ولولا ما نهانا الله عنه من الاستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طالب وترحمنا عليه". لاحظ: "وترحمنا عليه". فلا تظن أن هذا لم يخطر ببالهم. تفكر في حكمة الله عز وجل أن قدر لأبي طالب أن يموت على الشرك وينهى الله نبيه عن الاستغفار له ليعلم الخلق إلى يوم القيامة أن المشرك لا يغفر له وليعلم عظم ذنب الشرك.

الرحمة في القرآن والسنة

آيات القرآن يا جماعة واضحة في جعل الرحمة مقابل العذاب. يعني أحد المصيرين: إما العذاب وإما الرحمة. ولو كان الذي في درجة أخف في جهنم يعتبر في رحمة الله، فمعنى ذلك أن كل أهل النار في رحمة الله إلا الذين في الدرك الأسفل من النار. هل هذا يتناسب مع الآيات التي تصف أهل جهنم أنهم في الخسران المبين والعذاب الأليم والعذاب المهين والعذاب الشديد؟

قال الله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۝ مَن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}. هنا القرآن يعرف لنا من المرحوم يوم القيامة، هو الذي يُصرف عنه هذا العذاب. قال الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. لاحظ الفريق الثاني فقط في رحمة الله. وقال تعالى: {يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ ۖ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}. فجعل الرحمة مقابل العذاب. قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إلى أن قال تعالى: {أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}. في المقابل قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. هل الموت من أهل الكتاب لم يكفر بلقاء الله؟ طيب وماذا عن {كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ}؟ يعني هم إذا كفروا بآيات الله وصدقوا بلقائه فلهم أن يطمعوا في رحمة الله. فالآيات واضحة في حصر الرحمة الأخروية بالمؤمنين وفي عدم الترحم على الكافرين.

أما في السنة ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي وغيره: "كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم يرجون أن يقول لهم يرحمكم الله، فيقول لهم النبي: يهديكم الله ويصلح بالكم". يعني كان اليهود يتظاهرون بالعطاس عند النبي عليه الصلاة والسلام ليدعو لهم بالرحمة. هم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه رسول الله ويريدون بركة دعائه لهم. لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يدعو لهم كما يدعو للمسلمين "يرحمكم الله" بل يقول: "يهديكم الله ويصلح بالكم". هذا مع أن اليهود كانوا أحياء وكان من المحتمل أن يسلم أحدهم فيرحمه الله كما يرحم المسلمين. فكيف بمن مات على غير الإسلام ولا مجال لهدايته بعد ذلك؟

الرد على شبهة "الزواج من كتابية"

طيب يا أخي معقول الإسلام يسمح بالزواج من نصرانية ثم لا يسمح لي أن أترحم عليها إذا ماتت؟ نعم معقول. من مقاصد الإسلام في إباحة الزواج من الكتابية أن تتأثر بزوجها ويحبب الإسلام إليها ويقنعها به، لا أن يتأثر هو بها. ولذلك لاحظ أن الإسلام لم يبح زواج المسلمة من النصراني أو اليهودي. تصور لما زوج المسلم يدعو زوجته النصرانية إلى الإسلام صباحاً مساء، فتسأله: "طيب إذا مت على النصرانية هل ستدعو لي بالرحمة يا حبيبي؟" "طبعاً طبعاً يا حبيبتي أم عيالي كيف ما أدعو لك بالرحمة؟" "خلص إذن لا داعي لدينك تدعو لي بالرحمة والله يستجيب لك إن شاء الله وندخل الجنة مع بعض". معقول الزوجة النصرانية تنجب ولداً ويكون مسلماً كأبيه ثم إذا ماتت حرام على هذا الولد يترحم على أمه؟

الرد على شبهة "استغفار إبراهيم لأبيه"

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}. {وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ}. في الحديث الذي رواه مسلم: "زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي". لم يترحم عليها مع أنه بكى عليه الصلاة والسلام إشفاقاً على أمه. "لا مش معقول أم النبي ولا يترحم عليها مش رح آخذ بالحديث". طيب وإذا لم تأخذ بالحديث أين تذهب من قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}. مش ترحم عليه.

فهذه الآية تحتمل أن تكون من العام المخصوص، يعني ليست عن كل الآباء. والعام المخصوص مثل بعض الناس قالوا عن بعض الناس أنهم جمعوا لكم. أو أن الآية عامة لكن خصصت بالآيات التي تمنع الدعاء للكافرين. وتحتمل أيضاً أن الدعاء بالرحمة للوالدين الكافرين هو في الدنيا فقط. فإذا توفاهم الله منع من الدعوة لهما. كل هذا ممكن دون ما تعارض الآيات بعضها ببعض. مش محتاج تعارض الآيات بعضها ببعض. بس معلش عبال ما الأولاد يطفوا ساعة الأذان وسكر الباب ببعض علشان صوت العصافير عمال بيوصل يمكن بزاج الناس لو سمحتي.

الرد على شبهة "صلاة النبي على النجاشي"

طيب مش النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يصلوا على النجاشي حين مات مع أنه كان نصرانياً؟ فبكى وقال: "إن هذا والله والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة". ولما النبي أمر بالصلاة عليه قال: "مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة". أصحمة. إذا هو أخوهم. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.

خاتمة

أطلت عليكم إخواني وجاء موعد صلاة العشاء. وأعلم أنه لا زالت هناك تساؤلات. ما سنفعله في الأيام القادمة هو الإحالة على مقالات ممتازة كتبت في الرد على الشبهات التي أثيرت. كتب إخوة فضلاء ما شاء الله عليهم. الله يجزيهم الخير وينفع بعلمهم. ثم إن شاء الله نعقد جلسة للمناقشة ولسماع آرائكم واعتراضاتكم وتساؤلاتكم.

وختاماً أذكركم وأذكر نفسي بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}. فرقان صافية. تريك الأمور على حقيقتها. وتذكر قول الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. وإذا كانت حادثة قد استفزتنا فتذكروا أن أقوى سلاح نتسلح به في معركتنا مع أعدائنا هو معية رب العالمين. القائل: {فَلَا نُرِيدُ أَن نَّتَعَاطَفَ بِطَرِيقَةٍ تُغْضِبُ رَبَّنَا وَنَخْسَرُ بِهَا مَعِيَّتَهُ سُبْحَانَهُ}.

أسأل الله عز وجل أن يجمع قلوبنا على الحق وعلى ما يرضيه وأن يجعل فيما حصل ويحصل خيراً لنا لأمة الإسلام وأن يعيننا على دعوة غير المسلمين ليدخلوا معنا جنة رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.