→ عودة إلى مرئيات

ماذا تقصدون بالصحوات؟

٩ فبراير ٢٠١٤
النص الكامل للمقطع

ماذا تقصدون بالصحوات؟

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي، بعيداً عن تفاصيل الأحداث، لازلنا مهتمين بمناقشة المفاهيم في خطاب موجه للعقلاء، علنا نقف معهم على أرضية مشتركة في خدمة الدين وتقديم مصلحته على الاعتبارات التنظيمية.

تصنيف المقاتلين: مجاهدون وصحوات

البعض يصنف المقاتلين إلى مجاهدين وصحوات، وذلك على ثلاث مراحل:

في الأولى، يعتبر أن إحدى الجماعات هي صاحبة المنهج النقي والمشروع الصحيح، وأنه إن وقعت منها أخطاء فهي أخطاء مسلك لا تطعن في نقاء منهجها، وبالتالي فهي الأولى بوصف المجاهدين.

ثم يفترض أنه إن وقع خلاف بين هذه الجماعة وجماعات أخرى، فإن الحق لا بد أن يكون مع جماعته، بينما لا بد أن الجماعات الأخرى إنما تقاتل جماعته لما افترضه من نقاء منهجها وإسلامية مشروعها ومنعاً لقيام دولة إسلامية.

ثم تأتي المرحلة الثالثة في إطلاق لفظ الصحوات على هذه الجماعات التي قاتلت من اعتبرهم المجاهدين الخلص، وتبرير مقاتلة هذه الصحوات بل والتحريض عليه.

تجاوز الجدل وتحديد مفهوم المجاهدين

وخروجاً من الجدل إخواني، لن أقف هنا عند المرحلة الأولى، لن أناقش ما إذا كانت الجماعة الفلانية نقية المنهج صحيحة المشروع أم لا. تعال نتجاوز هذه المرحلة أنا وإياك أخي، ونتفق على تعريف للمجاهدين أنهم كل من جاهد لإقامة دين الله في أرضه ورحمة بالمستضعفين. إنهم الأذلة على المؤمنين من عموم الناس ومن سائر الكتائب المجاهدة، الأعزة على الكافرين، فترى جل بأسهم على الكفرة المحاربين.

من هم هؤلاء؟ دعنا نتجاوز هذه المرحلة. قد تراهم ممثلين في جماعة، فلا أوافقك على ذلك أبداً لاختلاف مصادرنا ومتابعتنا ومعاييرنا.

خطورة التصنيف الجيني للصحوات

لكن بغض النظر، هل إن اعتبرت جماعة ما مجاهدين فلا بد من اعتبار غيرهم صحوات؟ وكأننا أمام صفة وراثية جينية، حيث يتم اكتشاف الأشخاص الحاملين لجين الصحوات والتعامل معهم على أساسه.

أليس أمامنا في ساحة الشام أصناف عديدة من الناس تتباين مواقفهم من إقامة الدولة الإسلامية والشريعة؟

أصناف الناس في ساحة الشام (14 صنفاً)

  1. صنف خبيث: اشتريت ذممهم من النظام الدولي ومن وكلائه في المنطقة، مهمته أن يحارب المشروع الجهادي ويحول دون إقامة دولة إسلامية، لا مهمة له غير ذلك ولا يجد أدنى حرج في تنفيذها.
  2. صنف ضعيف الإيمان جداً: يتلقى الرواتب من النظام الدولي وأذنابه مقابل وعود بمحاربة المنتسبين للجهاد أو بعضهم، لكن لا رغبة له في ذلك حقيقة، ويمكن أن يترك مقاتلتهم إن دفعوا له مثل ما يدفع الكفرة أو كفوا حاجته.
  3. صنف يعد الكفار بمحاربة المنتسبين للجهاد: ويأخذ على ذلك مقابلاً، لكنه في اللحظة التي يوضع فيها على المحك لن يفي بوعوده هذه، لأن نفسه تأبى وطنية أو نخوة أو ديناً أن يقاتلهم، فسيلتحق بهم أو يلقي السلاح ويهرب.
  4. صنف لديه تعميم ظالم على المنتسبين للجهاد: لا يفرق بين محسنهم ومسيئهم، لكنه إن احتواه عاقل بالكلمة الطيبة والإحسان فإنه يصبح في أيديهم كالخاتم وقد يفديه بروحه.
  5. صنف لا هم له إلا إسقاط النظام: ووقف قتل إخوانه وأخواته، وليس في ذهنه موقف واضح من شكل الدولة التي يجب أن تقام بعدها.
  6. صنف يريد إسقاط النظام ويردد ما يسمعه من الإعلام: أنه "فلنحترم الاقتراع"، لكنه لا يدرك أبعاد هذه العبارة ولا مخالفتها للشريعة، وقد يتخلى عنها بجلسة نقاش.
  7. صنف مقتنع بهذه العبارة ولن يتخلى عنها: لكنه ليس مستعداً للقتال في سبيلها، إنما يقاتل لإسقاط النظام فحسب.
  8. صنف مقتنع بالديمقراطية ومستعد للقتال في سبيلها: ويرى إقامة دولة إسلامية شكلاً من أشكال الدكتاتورية.
  9. صنف يمكن الارتقاء بقناعاته وإشراكه في المشروع الإسلامي: لكن شياطين الإنس في الدول الوظيفية الداعمة للثورة يهدمون كثيراً مما بنيناه بجلسة في الغرف المغلقة، لأنه عامي فاقد للحصانة العقدية والمنهجية، ومع ذلك فيمكن تحييده بالمخاجلة والمونة وبقايا المروءة، بحيث إن لم يساهم في بناء الدولة الإسلامية فإنه لا يساهم في هدمها.
  10. صنف يريدها دولة ديمقراطية ويدعو إلى ذلك تديناً: لأن نفسه استمرأت هذه الدعوة الباطلة أو تخليط وتخبط في فقه المصلحة والمفسدة، لكنه لا يقاوم الدولة الإسلامية إن أقيمت.
  11. صنف يدعو إلى الديمقراطية تديناً ومستعد لوضع يده في يد النظام الدولي لمقاومة الدولة الإسلامية.
  12. صنف ينادي بدولة إسلامية لكن لا مانع لديه من أن تكون تكراراً للنموذج الكاذب لإحدى الدول الوظيفية: التي تستند إلى المؤسسة الدينية وهي مع ذلك طيعة للنظام الدولي منفذة لأجنداته.
  13. صنف ينادي بدولة إسلامية لكن قطرية: لا تتجاوز الحدود المرسومة وتحافظ على العلاقات الحسنة مع دول الجوار والنظام الدولي، ويبرر ذلك بعدم القدرة على غيره.
  14. صنف تنص أدبياته الداخلية وتربية أفراده على إرادته دولة إسلامية خالصة بل خلافة عالمية: لا تعترف بحدود، ويحاول في الوقت ذاته تجنب استعداء العالم عليه، فتصدر منه تصريحات يصيب في بعضها ويخطئ في البعض الآخر، ويسكت أحياناً في غير موضع السكوت، لكن خط سيره العام الفعلي هو واجب الوقت محاربة الكفار وإغاثة المستضعفين.

الظلم في تعميم وصف "الصحوات"

وإذعان هذه الأصناف الـ 14 موجودة كلها في ساحة الشام، ولكل درجات مما عملوا. لذا فعندما تسألني أخي: "أنت تدافع عن الصحوات، تريدنا ألا نقاتل الصحوات؟" فمن هم الصحوات الذين تتكلم عنهم بالضبط؟ أي الأصناف الأربعة عشرة السابقة تحديداً؟

أليس من الظلم المبين والإثم المنكر العظيم أن نضع الـ 14 صنفاً السابقة في بوتقة واحدة ونعاملهم معاملة واحدة إن هم قاتلوا جماعة من الجماعات التي جعلها بعضنا مسطرة للحق والباطل؟ ولا نفرق بين دوافع هذا القتال: أهو عمالة وخيانة أم دفع صائل واسترجاع حق؟

أليس من الخلط البشع أن يوصف هؤلاء جميعاً أو أكثرهم بأنهم يقاتلون المجاهدين حقداً على الإسلام وينتهكون أعراضهم ويمثلون بجثثهم، مع أن هذا لا يصدر إلا عن الصنف الأول؟

ليس الهدف هنا تبرير هذا القتال ولا عدم تبريره، إنما فرز المفاهيم التي إن بقيت مختلطة فستؤدي إلى مزيد من التهييج الأعمى في حلقة مفرغة من القتل وردة الفعل على القتل.

أليس من الظلم معاملتهم جميعاً وكأنهم مصابون بجينات الصحوات، واعتبار عدوى الصحوة تسري ليستوي فيها الـ 14 صنفاً، بدليل أن أحد الأصناف التقطت له صورة مع الصنف الآخر، ولأن صنفاً اتحد مع صنف كان قد جلس مع صنف تلقى دعماً من شر الأصناف؟

قد يقول قائل: "نحن على استعداد لمقاتلتهم جميعاً"، ويرى في ذلك بطولة وشجاعة. ليس من حقك أن تقاتلهم جميعاً، فالتفريق بينهم ليس حنكة سياسية وعسكرية فحسب، بل وواجب شرعي قبل كل شيء.

واجب التفريق بين الأصناف

ليس من حقك أن تقاتل وتستعدي من يمكن تحييده أو استمالته بالمال، نعم بالمال، بل هؤلاء لهم سهم المؤلفة قلوبهم من زكاة المال، حكماً غير منسوخ طالما أن الداعي إليه موجود. عن أنس قال: "وقد كان الرجل يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها".

ليست مهمتنا اكتشاف حاملي جين الصحوات ومحاربتهم جميعاً، بل مهمتنا أن نفض الناس ما استطعنا عن شر الأصناف، وأن ندفعهم دفعاً باتجاه المشاركة في بناء المشروع الإسلامي أو على الأقل تحييدهم عن هدمه، ولا يجوز لنا أن نستعيض عن ذلك بقتالهم ما استطعنا.

وبهذا لا يبقى في عداوة المشروع الإسلامي إلا الصنف الأول والثامن والحادي عشر، وحتى أفراد هؤلاء سيتناقصون. وحتى هؤلاء نسعى في تأجيل المعركة معهم ما أمكن لئلا يشغلنا عن واجب الوقت من دفع الكافر الصائل ونجدة المستضعفين.

التحذير من خطأ التصنيف

إخوتي، لا بد من التذكير بأننا لا نهون من خطر ما يسمى بالصحوات، بل نعلم أنه مشروع يهدم الجهاد ويمنع من إقامة الدولة الإسلامية الممكنة. لكن في الوقت ذاته نعلم أن زج أصناف في وصف الصحوات بغير حق لا يقل خطراً، ومن يفعل ذلك فإنه يهدم الجهاد كما يهدمه من هم صحوات حقاً.

كما أن استنكارنا لوصف بعض هذه الأصناف بالصحوات لا يعني أبداً أننا نقرهم على كل شيء، ولا أننا نراهن على سلامة مآلهم في المستقبل، لكن مهمتنا هي دفعهم بالاتجاه الصحيح في الوقت الذي تحاول القوى العالمية جرهم للعمالة.

وهنا أيضاً أمر مهم جداً، كما يجب التورع عن الخلط بين هذه الأصناف، فإنه يجب على الخيرين من هذه الأصناف أن يتمايزوا عن أهل الباطل ويؤكدوا براءتهم منهم ويوضحوا مواقفهم لئلا يعطوا للشيطان ذريعة أن يستزل غيرهم في الخلط بينهم.

التزام المنهج النقي

من تابع العبد الفقير علم اعتنائه بنقاء المنهج ووضوح الرؤية في مسألة الخلافة الإسلامية وإقامة الشريعة ونبذ الديمقراطية والكفر بالطواغيت. نشرنا في ذلك السلاسل والكلمات والمقالات وفندنا الحجج والشبهات وشنعنا على الدعوة إلى إقرار الدساتير الشركية والمشاركة السياسية في الأنظمة الوضعية، وحذرنا من سيكولوجيا الانحراف التي تحرف العمل الإسلامي عن الشريعة.

لكن هذا كله إخوتي يحتم علينا التفريق بين الأصناف المذكورة ومعاملة كل منها بما تمليه علينا شريعتنا الغراء التي ندعو الناس إلى إقامتها.

أسأل الله أن يهدينا جميعاً لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله.