→ عودة إلى مرئيات

مش ممكن تاب قبل ما يموت |

٣١ ديسمبر ٢٠١٩
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله. مساكم الله بالخير يا كرام. أرجو أن تكون الصورة واضحة والصوت واضحًا.

أود أن أتكلم بكلمة، لكن بداية اسمحوا لي أن أسألكم سؤالًا. افترض أنه مات لي قريب، فقلت: "لن أصلي على هذا القريب، ولن أدعو الله له بالرحمة والمغفرة لأنه أدراني، يمكن يكون كفر قبل ما يموت. ولن أدفنه في مقابر المسلمين لأنه يمكن يكون كفر قبل ما يموت."

ما رأيكم بهذا الطرح يا إخوة؟ هل هو طرحٌ علمي أم تخبيص بالمصطلح المحلي؟ يعني تخليط؟ أظنكم تتفقون أن هذا طرحٌ غير علمي.

الأصل في الإسلام: الأخذ بالظواهر

لماذا؟ لأننا في الإسلام مأمورون أن نأخذ الناس بظواهرهم. يعني لسنا مكلفين أن ننقب عن قلبه ونتهمه بخلاف ظاهره. طيب ممتاز تمام.

وكذلك إذا مات إنسان على الكفر أو الإلحاد، فإنه ليس لنا أن نقول: "طب إيش دراني؟ مش يمكن تاب قبل ما يموت؟ مش يمكن بيطلع لي أستغفر له وأصلي عليه وأدفنه في مقابر المسلمين لأنه تاب قبل ما يموت؟"

نقول لك: لا. نفس الحديث الذي تستدل به هو ما نستدل به: "أفلا شققت عن قلبه؟" أنا ما بيطلع لي أقول عن مسلم أنه لربما مات على الكفر، أنا لا أدري ربما قبل وفاته. "أفلا شققت عن قلبه؟" نحن ليس لنا في البواطن، وإنما لنا الظواهر.

وكذلك من مات على الكفر أو الإلحاد والإفساد، فإننا ليس لنا أن نشق عن قلبه لنقول لعله تاب قبل أن يموت، وإنما نأخذ بظاهره.

الرد على الاعتراضات الشائعة

أنا أتصور الآن بعض من يسمعني محموء أوي، وجهه محمر، ويريد أن ينطلق بالتعليقات التي سمعناها، الأسطوانة المشروخة إياها، ويقول: "أنتم قساة القلوب، تريدون إدخال أكبر عدد من الناس في النار، أنتم وكأن الله أعطاكم مفاتيح الجنة والنار، أنتم وكأن الله وكلكم لتدخلوا الناس إلى النار." نفس النغم إياها التي تنبئ عن نفسية تتصرف بردود الأفعال والعقد والفوبيا من التطرف والتشدد التي عمل عليها الإعلام.

فنقول لك يا أخي: لا. المسألة مش أنني أقمت عرسًا. لو أنك رأيتني أقمت احتفالًا وهذا الاحتفال عنوانه "احتفالًا بدخول فلان وفلانة إلى النار"، كنت حتقول لي: "إيش سواد القلب يا أخي اللي عندك هذا؟ ولماذا تريد الناس أن يدخلوا النار؟" لكن ليست هذه قضيتنا.

أنا لا، والسبب الثاني للحذر والتحذير من التطبيع مع النتاج الفاسد لأولئك الذين يموتون على الكفر في الظاهر.

الأحكام الشرعية المترتبة على الإيمان والكفر

طيب تعالوا للسبب الأول. نحن يا إخوانا الأصل أننا مسلمون، وبالتالي عندما ترى مسلمين يخالفون الحكم الشرعي في مواقفهم، فعليك أن تنبههم. والله من عنده ردود أفعال وتشنج وعقد نفسية وفوبيا من التشدد، وبالتالي أصبح يعمم تعميمات جائرة لأنه متعقد مما رآه من بعض الناس الغلاة والتكفيريين بالفعل، والله هذا مشكلته. لكن نحن إخوانا ليس عندنا هذه العقد النفسية والحمد لله، وإنما نحتكم إلى قال الله وقال رسوله، لأننا نؤمن بهيمنة الإسلام على تصرفاتنا كلها.

نحن لا نتخذ مواقف عاطفية أو عقائدية، وإنما مواقف شرعية. الإمام الشافعي في كتابه "الرسالة"، والإمام أبو حامد الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين"، الاثنان نقلا، وغيرهما طبعًا، نقلوا الإجماع على أنه لا يجوز للمكلف أن يقدم على عمل حتى يعرف حكم الله فيه. ما بيطلع لكش تقوم بأي شيء، بأي تصرف، بأي تعبير حتى تعرف حكم الله في هذا الشيء الذي تقوم به. "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا." أنت ستحاسب على كل شيء تفعله وتقوله.

طيب الآن نحن كمسلمين نعلم أن الحكم على الناس بأنهم ماتوا على الكفر أو الإيمان له نتائج يبنى عليه أحكام شرعية يا جماعة. يعني الإنسان الذي يموت على الإسلام يدعى له بالرحمة والمغفرة، والذي يموت على الكفر ممنوع ندعو له بالرحمة والمغفرة. الذي يموت على الإسلام يصلى عليه، والذي يموت على الكفر لا يصلى عليه. الذي يموت على الإسلام يدفن في مقابر المسلمين، والذي يموت على الكفر لا يدفن في مقابر المسلمين. الذي يموت على الإسلام يورث ابنه المسلم، والذي يموت على الكفر لا يورث ابنه المسلم.

هذه أحكام شرعية يا جماعة! المسألة مش لعب. هناك أحكام شرعية تنبني على القناعة بأن إنسانًا ما مات على الكفر أو الإلحاد أو مات على الإسلام. فهذه النقطة الأولى أن علينا أن نتخذ موقفًا شرعيًا بناءً على ما ظهر من حال الناس أنهم ماتوا على الكفر أو الإسلام.

التحذير من التطبيع مع نتاج الكفار

النقطة الثانية يا إخواننا هي أننا نلاحظ أن هناك تطبيعًا مع نتاج الناس اللي بيموتوا على الكفر، تطبيعًا مع نتاجهم. يعني بتلاقي إنسان نشر وألف ونذر حياته للتشكيك في الإسلام أو لتغيير معالمه. الآن لم يكتشف أن هذا مات على الكفر أو الإلحاد وما إلى ذلك. بتلاقي من سيقول: "لا لا لا، وأنا يعني رأيت من أواخر أيامها أنها كانت تفكر في العودة للإسلام، وبالتالي مش يمكن تكون تابت؟ ما تقولوش هي ملحدة."

أنا لا يعنيني حقيقة هي أين ستكون الآن في الجنة ولا في النار. يعنينا شيء واحد: أن علينا بعد اتخاذ الموقف الشرعي أن علينا أن نحذر ونحذر وننفر عن نتاج هؤلاء الذين يموتون على الكفر في الظاهر. أما تلاقي أن الناس بدأوا ينتبهوا أن هناك من ختم له بسوء ومات على الكفر، وبالتالي نحذر من نتاجه وكتبه وأشريطته وفيديوهاته وأعماله الأدبية بين قوسين، فالناس يكون بدأ يتشكل عندهم الوعي، يأتي من يقول: "لا لا لا أنا حسيت أنه يمكن هو أراد أن يعود إلى الإسلام."

يعني سبحان الله، تلاقي الواحد منهم لما ترك الإسلام وألحد، أو الواحدة يعني عرفت أمة لا إله إلا الله وأمة الشرك بالله أنها ألحدت والأسباب التي ألحدت من أجلها وبدأت تنشط في نشر إلحاد، وبعدين عايزني أتخذ موقف بناء على مراسلات خاصة الله أعلم بصدقها وشيء لم تصرح به. أنا يا إخوانا لا يعنينا، يعنينا اتخاذ موقف شرعي؟ ويعنينا التنفير عن نتاج الذين يموتون على الكفر في الظاهر، التنفير عن نتاجهم مش نطبع مع النتاج هذا، مع نتاجهم الأدبي أو نتاجهم وفيديوهاتهم وما إلى ذلك، نطبع وننشر الضلال تحت مسمى "مش يمكن تاب قبل ما يموت". هذا عذر سمج.

الجزم بكون شخص من أهل النار

طيب بعد هذا، هل يا ترى نجزم لفلان وفلانة أنه من أهل النار؟ هنا بالفعل هناك خلاف من أهل العلم. من قال: "لا نجزم لكافر مات على الكفر في الظاهر أنه من أهل النار إلا ما نص عليه الكتاب والسنة كأبي جهل وأبي لهب. أما من يموت في أيامنا فليس لك أن تقول فلان بعينه في النار، وإنما تقول قاعدة عامة يظهر أن فلانًا مات على الكفر." رقم اثنين: "كل من مات على الكفر وقد قامت عليه الحجة فهو في النار." طيب تمام. طيب الاستنتاج: "لا ما تستنتج شيء، لا تحكم لأعيان الناس بالنار، وإنما أعط قاعدة عامة ولا تحكم على أشخاص بنفسهم بالنار."

طيب وفريق آخر قال: "بل نقول أن فلانًا وفلانة في النار حتى ممن لم ينص عليهم الكتاب والسنة." وهناك فريق توسط، وأنا والله أعلم أراني أميل إلى هذا الرأي الثالث. إيش هو الرأي الثالث إخوانا؟ أنه قد يعلم من حال إنسان أنه مات على الكفر بالفعل، يعني حضرت وفاته ويدعى إلى الإسلام ويأبى ويرفض، فنأخذ بالظاهر أنه مات على الكفر. لا يصلى عليه، لا يدعى له بالرحمة والمغفرة، وأيضًا لا يدفن في مقابر المسلمين ولا يورث ابنه المسلم وبنته المسلمة إلى آخره من الأحكام. لكن أن نجزم أنه من أهل النار، لا نجزم أنه من أهل النار ما دام قد خفي علينا حالهم قبل وفاته.

وقد يشهد لهذا الرأي المتوسط آية: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم." نزلت في من؟ في أبي طالب. أبو طالب حضره النبي صلى الله عليه وسلم وآخرون، حضره أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، والنبي يحاول أن يستخرج منه كلمة "لا إله إلا الله"، والآخران يأمرانه أو ينفرانه عنها، فكان آخر ما قال أبو طالب: "بل أنا على ملة عبد المطلب." خلاص واضحة واضحة. وبالتالي نزل قوله تعالى: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين." خلاص المسألة بينة واضحة: "من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم."

فهذه المسألة إخوانا ثمرتها يعني أقل بكثير المسألة الأولى. مسألة الحكم على الناس بظواهرهم وبالتالي بناء الأحكام الشرعية من الاستغفار والدفن والصلاة، هذه مسألة مهمة. مسألة التنفير عن نتاجهم الفاسد، مش نقول والله لا وصح أنه كتبه كان فيها إلحاد ولا كفر بس هو يبدو أنه تاب في آخر أيامه حتى نطبع مع كتبه أو مع فيديوهاته. هذه مسألة مهمة.

أما مسألة أين هو الآن، بصراحة مسألة ليس لها ثمرة مهمة، ليس لها ثمرة فقهية مهمة. طبعًا لو كان أبوك ولا أخوك ولا حد بيعز عليك يعني سترجو أنه يا ريت يكون قبل وفاته مات على الإسلام وأنا لا أعلم. ماشي، أرجو ذلك يا سيدي، لكن لا يبنى عليه أحكام فقهية. فهذه المسألة لا يبنى عليها أحكام فقهية القطع أو عدم القطع لإنسان بالظاهر مات على الكفر. هذه لا يبنى عليها أحكام فقهية.

الخاتمة

أنا بالنسبة لي أحب الخير للناس وأحب أن كل من أخالفهم ممن هم على وجه الأرض الآن أن ينطقوا بلا إله إلا الله ويموتوا عليها ويدخلوا الجنة، لأن دخولهم الجنة لن يضيع مقعدي، لن يأخذ مكاني في الجنة، ولن أنتفع بدخولهم إلى النار. لكن في النهاية جماعة المسألة أحكام شرعية وليس عقد نفسية وردود أفعال عاطفية.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى، وأن يهدي من خلقه من أحب سبحانه وتعالى له الهداية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.