السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مقدمة
أحبتي الكرام، هذه الكلمة موجهة لكل من يريد لإخوانه وأخواته في سوريا الخير والعزة والتمكين، ووقف المذابح والنصر على المجرمين. لمن لم يختره الله بعد لحمل السلاح والقتال دفاعًا عن المستضعفين، لكنه مع ذلك يريد أن يقدم لهم من مكانه شيئًا. في هذه الكلمة نحاول أن ننبه إلى بعض الأخطاء التي قد نقع فيها، خاصة على صفحات الإنترنت.
واقع الجهاد في الشام
أحبتي الكرام، نحن مستبشرون بأن الله تعالى أراد بهذه الأمة خيرًا، فالجهاد في سوريا التفت حوله قلوب الأمة، وما عاد بإمكان الإعلام المغرض أن يلوث كلمة جهاد ومجاهدين، بل أصبح عوام المسلمين يتكلمون بها ويعتزون علنًا دون خوف.
لكن الحرب على إخواننا شرسة، تمالأ عليهم مجرمو الشرق والغرب، والخونة والمنافقون من بني جلدتنا يدعمون النظام المجرم سرًا وعلانية، ويمنعون وصول السلاح إلى المجاهدين، ويحتوون بعض الفصائل المقاتلة لشراء كلمتها المستقبلية، ويبثون الدعوات المشبوهة المتلبسة بزي العلم، ويفتتون الجماعات الجهادية بشتى الأساليب، ويحاولون عزل الفصائل النقية الساعية إلى إقامة شريعة الرحمن.
أمام هذه الحرب الشرسة، لا عذر لنا عند الله إن لم ننصر إخواننا، خاصة وأنها معركة الأمة جمعاء لا معركتهم وحدهم.
أخطاء المناصرين غير المقصودة
لكن الواقع إخواني أن بعضنا بدلًا من نصرتهم قد يكون معينًا عليهم، خنجرًا في ظهورهم، حملًا على كواهلهم، وهو لا يشعر، بل يظن نفسه أنه يحسن صنعًا. هذا الكلام ينطبق على بعض من يدافع عن إخوانه المجاهدين، وعلى بعض من ينتقدهم.
التعصب والتفريق
أخي الحبيب، أنت من مكانك قد تساهم في تفرق المجاهدين وإضعافهم عندما تتعصب لفصيل معين من المجاهدين، وتجعل ولاءك وبراءك عليه، وتقلل من جهود الفصائل الأخرى أو تسيء الظن بهم. هذا كله يسهم في إيغار الصدور، بينما يقول الرحمن عز وجل: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ}. فكيف في هذا الوقت وشياطين الإنس والجن تنزغ؟
كيف وإخواننا يخوضون معركة غير متكافئة أبدًا، فليس لهم إلا توحيد الكلمة والاعتصام بحبل الله جميعًا لينتصروا على عدوهم: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.
تشويه الصورة
أنت من مكانك يا أخي، بالنقر على أزرار جوالك، قد تساهم في تشويه صورة إخوانك التي عجزت قوى الكفر عن تشويهها، وتظن نفسك تدافع عنهم. ونربأ بك أن ينطبق قول من قال: "عدو عاقل خير من صديق جاهل".
هل سمعتم بيانًا لجبهة النصرة تنتقد فيه الجبهة الإسلامية مثلًا، أو تجمع أنصار الإسلام، أو غيرهما من الفصائل التي تعلن إرادتها إقامة دولة إسلامية والاحتكام إلى شريعة الرحمن؟ هل سمعتم بيانًا لأي من هذه الجبهات تدعي فيه أنها وحدها على خير ومن دونها مشكوك في أمرهم؟ بل ما رأينا منهم وخاصة من قياداتهم إلا التوازن والتعاون فيما بينهم والتنسيق في العمليات، لأنهم رجال ربتهم فريضة الجهاد وصقلت أخلاقهم وجردت من حظوظ النفس فيما نحسبهم والله حسيبهم.
فهل يقبل منك يا أخي، يا من تناصر أيًا من هذه الفصائل عن بعد، أن تنتقص من الفصائل الأخرى أو تشكك فيها، مع أن من تناصر لم يفعلوا مثل ذلك، وهم أدرى بواقع هذه الفصائل الأخرى وأعلم بفوائد ومضار نقدها؟
أعلم أن أكثر إخواننا المناصرين محسنون منضبطون في تعليقاتهم، لكن هناك من يتسرع ويبالغ، وقد يكون تسرعه ومبالغته لأنه يشعر في نفسه بالإثم لقعده عن الالتحاق بهم، يشعر بالضعف فيعوض ضعفه بالقوة المفرطة في التعصب لهم والرد على من ينصحهم أو ينتقدهم.
دور الجهات المدسوسة
علينا ألا ننسى إخواني أن هناك جهات مدسوسة وجهودًا متعمدة بشبكات الإنترنت مكرسة لإحداث الفتنة في ثوب المناصرة لفصيل على حساب فصيل، واستدراج مناصري الفصائل الأخرى لردود أفعال توغر الصدور: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}.
أخي يا من تمدح فصيلًا مجاهدًا، أنت محسوب في عيون الناس على هذا الفصيل، وقد تبدو بالنسبة لهم وكأنك تتكلم باسمه، فإن استخدمت أسلوبًا منفرًا فقد تصد الناس عن الفصيل الذي تحبه، إذ قل من يفرق بين المنتسب لفصيل وإخوانك المجاهدون في خضم المعركة.
بينما ننقر أزرار جوالاتنا، هم يضغطون على الزناد، فوقته أثمن من أن يتتبع أخطاء مناصريه ويصوبها أو يتبرأ منها، لكن هذه الأخطاء في النهاية تنفر وتؤثر وتعكر.
قطع شريان الحياة
أنت من مكانك أيها الحبيب قد تتسبب في قطع شريان الحياة عن إخوانك، لا تنسى أن الفصائل النقية ليس لها دعم مادي في حربها إلا من جيوب الأفراد المحبين. فهل ترضى لنفسك يا أخي أن تسيء إلى صورة أي منها بما قد ينفر هؤلاء الأفراد، أو يوهمهم بأن تبرعاتهم قد تصل إلى من يسيء توظيفها، وهم يرون جدلًا غليظًا أو إطلاقات خطيرة متسرعة محسوبة في النهاية على المجاهدين بغير ذنب منهم؟
هذا الكلام موجه لمن يقول: "إذا فرغ المجاهدون من قتال النظام فستكون معركتهم التالية مع الجيش الحر" هكذا بتعميم، بينما يعلم إخواننا المجاهدون في سوريا أن الجيش الحر طيف متنوع، فيه البر وفيه الفاجر، وفيه من يؤمل كمالته للحق أو على الأقل تحييده.
ونصيحتنا هذه أيضًا لمن يتكلم بنبرة تشعر بأن المجاهدين سيضطرون لتطويع من يخالفهم من الشعب بالسلاح، بينما قيادات المجاهدين تتحبب إلى الناس وتقول لهم: "أهل الشام فديناكم بأرواحنا". فبأي حق يا أخي تطلق من مكانك إطلاقات خطيرة كهذه تخوف الناس من مستقبل الجهاد في سوريا، بينما إخوانك وأولياؤك المجاهدون ما صرحوا بهذا التصريح ولن تدبهم لتصرح به؟ بأي حق يا هداك الله تهدم ما يبنون؟
خطر الكلمة
إخواني، الكلمة في أيامنا هذه لها أثر خطير، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت. نقول هذا الكلام لمن يتكلم بما لا يعرف، ويحدث بكل ما سمع. يقال له: "ما رأيك بالفصيل الفلاني؟" فيقول: "لست متأكدًا، لكن سمعت أنه يسعى لدولة مدنية ولا يريد تطبيق الشريعة، ويبدو أنه مدعوم من تركيا، وربما أريد من تأسيسه تشتيت الجهاد عن مشروع الخلافة". سبحان الله! هذا سوء ظن احتياطًا، بينما يقول رب العزة سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}. فكيف في هذا الوقت الحرج العصيب؟ كيف ورب العزة يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.
التعامل مع أخطاء الأفراد والفصائل
في المقابل إخواني، إساءة بعض أنصار المجاهدين ليست مبررًا لنا أن ننتقد المجاهدين أنفسهم، فلا أن نحسب أخطاء أنصارهم عليهم، إذ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}. وحتى إن وقعت أخطاء سلوكية من أفراد أي فصيل جهادي، فليس هذا مبررًا لانتقاد الفصيل بالعموم. ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أعظم الناس فرية الشاعر يهجو القبيلة بأسرها". فما بالكم بمن يعمم على فصيل المجاهد يذود عن الأعراض ويفض المستضعفين بالأرواح؟
العبرة إخواني بالأدبيات والمواثيق المعلنة وببيان القادة، أما الأفراد فلا بد أن يخطئوا مع ضعف التواصل بالقيادات وتشكل هذه الفصائل في ظروف طارئة لم تهيئ التثقيف الطويل في حواضن تربوية. قد وقعت أخطاء كبيرة في العهد النبوي حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة: "أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟" وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد". فهل نتوقع العصمة لشباب التحقوا بالجهاد بعدما عاشوا عقودًا في ظل النظام النصيري؟
دعوة للمنتقدين
أخي يا من تنتقد فصيلًا من المجاهدين عن بعد، بالله عليك كن صريحًا مع نفسك، تصور أن قيادة هذا الفصيل أرسلت إليك قائلة: "قد وصلتنا انتقاداتك يا أخي، فنرجو منك أن تهاجر إلى سوريا وتساعدنا على تعديل سلوك أفرادنا، ولك منا السمع والطاعة ما دمت تستدل بقال الله وقال رسوله". وستذكر الله ورسوله، ومن قيادات الفصائل من يعرضون ذلك على طلاب العلم بالفعل. أسألك بالله هل ستقبل وتلبي النداء؟ أترك الإجابة لك.
أهمية الوحدة والتعاون
كلامنا هذا كله إخواني عن الفصائل التي أعلنت مقصدًا سليمًا: الدفاع عن المظلومين وإقامة دين الله في الأرض. هؤلاء لهم منا التأييد والموالاة والنصح الرفيق، ليس الحديث عن كل من رفع السلاح إذ منهم من يسيء بالفعل وينبغي تبرئة الجهاد في الشام منه.
ثم أحبتي الكرام، لا بد لنا أن نعترف بأنه لا يمكن لفصيل جهادي بمفرده أن يقوم بالمشروع الإسلامي في سوريا ويواجه قوى الكفر والنفاق. لا جبهة النصرة وحدها، ولا الجبهة الإسلامية السورية وحدها، ولا الكتائب الموقعة على ميثاق حزب التحرير وحدها، ولا الكتائب النقية في الجيش الحر وحدها.
إذا استقرت هذه الحقيقة في نفوس مناصري الفصائل، فإنهم لن يستخدموا في خطابهم لغة الاستحواذ، وأن لا خيار للفصائل الأخرى إلا الانضواء تحت لواء الفصيل الذي يؤيدونه. بل سيعملون حينها على جمع الكلمة وتأليف القلوب والحوار الهادئ البناء، ما دام الهدف شرعيًا مشتركًا. سيعملون على الوصول إلى أكبر قدر من الاتفاق والتخلص من الأخطاء بتجرد وتواضع للحق حيث كان.
ترتيب الأولويات وفن الولاء والبراء
قد آن لنا إخواني أن نحسن ترتيب أولوياتنا ونتقن فن الولاء والبراء، فنكسب من يمكن كسبه، ونحيّد من يمكن تحييده. وإن أراد عدونا أن يعزل المجاهدين عن جسد الأمة، عزلنا هو ومن دار في فلكه. أضى أن ينفذ مشروعه في هذه الأيام العصيبة، إذ المسلمون يذبحون والأعراض تغتصب والعالم يجتمع لحرب الإسلام في سوريا.
ليس هذا هو الوقت المناسب أبدًا لتحميل أي فصيل إرث التجارب الجهادية السابقة بصوابها وخطاها، وتكليفه بتبريرها أو الدفاع عنها. ليس هذا هو الوقت المناسب أبدًا لإقصاء فصيل لموقفه من خبر الآحاد أو لبعض فتواه الفقهية حتى وإن اختلفنا معه فيها.
في مثل هذا الوقت، لا بد من موالاة كل مسلم بقدر، بما يظهر من تسليم لله وسعي إلى إقامة شرع الرحمن عز وجل في الأرض. نوالي من صح لديه هذا المقصد العظيم وصحت وسائله، ونناجح من هذا المقصد لكن أصابه غبش في وسائله. ونتعاون مع من يشترك معنا في الهدف المرحلي من الدفاع عن المسلمين، حتى وإن لم يعلن بعد مشروعه لما بعد هذه المرحلة. بل ونترك خيط صلة مع من زلت أقدامهم في المشاريع الدولية، لكنهم لا زالوا يقاتلون إلى جانب المجاهدين، رجاء أن يردهم الخير في قلوبهم في الأيام القادمة عند تمايز الصفوف أكثر فأكثر.
نداء أخير
فيا أيها الأخ المحب للمجاهدين، إن كنت لذلك أهلًا فناصر، وإلا فلا تكن سهمًا في كنانة أعداء الأمة وأنت لا تشعر. إن لم تنصرهم فلا تحاربهم، وإن لم تعنهم فلا تعن عليهم، كفاهم ما هم فيه بالله عليك. ولأن تترك الحديث عن سوريا وتصلح ذاتك، أعذر لك عند الله من أن تتخبط فتسيء. فإما أن تعينهم بعلم أو الزم الدعاء لهم، فهو أعذر لك عند الله.
وختامًا، فهذه دعوة لتيجان رؤوسنا، أمل الأمة، إخواننا المجاهدين الساعين لإقامة دين العدل والرحمة في ربوع الشام، دعوة لهم أن يتوحدوا ويجمعوا كلمتهم، وحينئذ فأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
اللهم انصر عبادك المجاهدين، وأعنا على نصرهم، وجنبنا كلمة تؤذيهم يا رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله.