السلام عليكم إخواني.
مقدمة: موقف في المسجد الحسيني
من المواقف التي علقت بذاكرتي من سنوات طويلة موقف حصل في المسجد الحسيني في عمان بعد إحدى الصلوات. نادى أحد المصلين: "يا جماعة هذا سراق أحذية". طبعاً الناس هجموا على هذا السراق وصاروا يضربوه، اللي يضربه بإيده، اللي يضربه برجله، اللي يضربه بحذائه. وأي واحد جرب أن يسرق حذاءه وما يلاقيهوش بعد الصلاة ويضطر يروح حافي - مثل ما حصل معي - أو يروح بأحد الشباشب، بيعرف كم هو مؤلم بالفعل. لكن أنا أحس أن الذين يضربون هذا الشخص كثير منهم كان ينفس عن غضبه وعن مشاكله في هذا الشخص.
موقف ابنتي سارة والتعليقات المتشنجة
ما مناسبة هذا الكلام؟ مناسبة أنه اليوم صباحاً بنتي سارة بتقول: "يا بابا في واحد كان يتكلم عن أخطاء في حجاب النساء وينبه عليها في التعليقات، يا بابا عمال بيعلقوا بطريقة غريبة، يعني بيسبوا عليه، بيشتموا، بيستهزئوا به". فاستغربت البنت، يعني لماذا هذا الحقد في التعامل مع هذا الشخص اللي عمال بيتكلم بحرام وحلال؟
طبعاً يا إخواني معروف أن هناك مواضيع الآن من يتكلم فيها يتلقى هذه الركلات والصفعات والشلاليت الإلكترونية. وأنا يعني تحمست أتكلم عن هذا الموضوع خاصة أن الموقف ما حصلش معي، حصل مع أخ أنا ما أعرفهوش أصلاً. فاسمحوا لنا نتساءل: لماذا هذه العصبية وهذا التشنج عند مناقشة هذه المواضيع؟
لماذا هذه العصبية في مناقشة القضايا الشرعية؟
ألا يدل ذلك على أنه حقيقة أعداؤنا وأذنابهم والمنافقون استطاعوا يغيروا في طريقة تفكيرنا ويستجيشوا عواطفنا بحيث هناك مواضيع إذا فتحت نتكلم بلا وعي وبعصبية مفرطة وبتشنج غريب، خاصة مواضيع مثل حجاب المرأة، الاختلاط، ضوابط التعامل بين الجنسين؟ لاحظوا طريقة الرد والمناقشة في هذه المواضيع كيف تكون متشنجة وعصبية وما فيش فيها منطقية ولا موضوعية. لماذا يا إخواني؟ لماذا؟
حق الله في التعامل مع المسلمين
هل يا ترى نحن نحفظ حق الله عز وجل في تعاملنا مع إخواننا المسلمين؟ يعني أنا لما أتعامل مع أخي المسلم اللي عمال بينصحني، بغض النظر حتى يا سيدي لو كانت نصيحته فيها أخطاء، وحتى لو كان اختار الموضوع غير المناسب في وقت ما. أنا بالنسبة لي هذه المواضيع مؤخراً لا أتكلم فيها كثيراً لسبب لأني أرى أن كثيراً من المسلمين والمسلمات بحاجة نرجع معهم للوراء إلى قضايا عقدية أولى، وهي التي حقيقة الخلل فيها سينتج مشاكل أكثر بكثير من الأخطاء في الحجاب وما إلى ذلك.
تعظيم التوحيد وحق النبي صلى الله عليه وسلم
لكن مع ذلك يا جماعة، لو واحد نفترض أنه أخطأ ولنفترض أنه تشدد يا سيدي، ألا يدل ذلك على أننا لا نعظم التوحيد الذي يحمله هذا الشخص؟ أنا لما أتعامل مع أخي المسلم بتسامح وود واحترام وتقدير، أنا أعظم حق الله سبحانه وتعالى، أنا أعظم التوحيد الذي يحمله هذا الشخص، أنا أراعي وأكرم النبي عليه الصلاة والسلام عندما أعامل أحد أتباعه وأعامل فرداً من أفراد أمتي. أنا أعمل بكرم إكراماً لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. أأمل أتعامل بهذه الفظاظة والغلظة مع أخي المسلم؟ فهل يا ترى أكون ممتثلاً لقول الله عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]؟ {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}.
أشداء على الكفار رحماء بينهم
وفي الآية الأخرى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]. ذليل نعم، مطلوب منك أن تكون كمسلم ذليل، ذليل مع إخوانك المسلمين. تتصور اللفظ القرآني ما أجمله! {أَذِلَّةٍ} مش بس متسامحين وعطوفين، {أَذِلَّةٍ}، نعم تذلل لأخيك المسلم. على قدر ما حتكون ذليل على المسلم حتكون عزيز على الكافر. {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}.
التناقض في التعامل مع المسلمين وغير المسلمين
إحنا يا جماعة لما نتعامل بهذه العصبية والتشنج والحدة فيما بيننا، نحن بصراحة لا نعظم التوحيد الذي يحمله هذا الشخص. أعود وأقول: افترض أنه كان غلطان يا سيدي، عظم إيمانه، عظم إسلامه، عظم أنه يعبد الله كما تعبده، أنه تابع لمحمد كما أنت. اللهم صل وسلم على نبينا محمد.
الغريب يا جماعة أنه كثير منا اللي بيتكلم بهذا التشنج مع إخوانه المسلمين، لما يجي الموضوع لموت أحد الملحدين أو لأعياد غير المسلمين ولكريسماس وما إلى ذلك، يتحول إلى حمل وديع وحمامة سلام وإنسان إنساني ورحيم وودود وإتيكيت خالص يعني. سبحان الله العظيم! لماذا هذا الحول النفسي في التعامل يا جماعة؟
وإذا كنا لا نعظم حق الله في التعامل فيما بيننا، لا نعظم التوحيد الذي نحمله في صدورنا، ما بعظمش هذا الإسلام الذي يحمله أخي المسلم وأتعامل معه بهذا التشنج، فلماذا أتوقع أن يكرمني الله عز وجل وأن ينقذ أمتنا مما هي فيه؟ إذا إحنا مش حنراعي حق الله سبحانه وتعالى، لا تتوقع من الله سبحانه وتعالى أن ينقذنا ويرفع شأننا. إذ إحنا يا جماعة نهون على أعدائنا من الكفار، ونهون على المنافقين، ونهون على أذناب الكفار، أمنهون على الناس ثم نتعامل فيما بيننا بهذه الغلظة؟
قصة المشركين وطلبهم من النبي صلى الله عليه وسلم
يا جماعة إخواني تذكروا هذه الآية العظيمة. أنا أضعكم أول شيء في سياقها، أعطيكم مناسبتها. سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام جاءه المشركون وقالوا: "يا محمد تحب أن نسمع منك؟ طيب ماشي، ولكن إحنا مش معقول الواحد فينا يجلس مع صهيب الرومي وبلال الحبشي وهؤلاء الفقراء. إذا عاوزنا نسمع منك يعني اعمل لنا مجلساً خاصاً". فقال الراوي: "فوقع في نفس رسول الله ما وقع". إيش اللي وقع؟ يعني وكأن النبي عليه الصلاة والسلام يعني بدأ يفكر في الموضوع: "إيش فيها إذا أنا جعلت مجلساً خاصاً لهؤلاء غير الذي يجلس فيه فقراء وبسطاء ومستضعفو المسلمين؟"
آية سورة الأنعام: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم"
طيب في ظنكم يا إخواني لو أن الرسول عليه الصلاة والسلام استشار هؤلاء المستضعفين من الصحابة، هل كانوا سيسمحون؟ والله أنا أتصور كانوا سيسمحون. هو أصلاً لو فعل ذلك يعني سيكون يفكر فيهم أنه يريد تخفيف الأذى عنهم في هذه المرحلة المكية العصيبة على هؤلاء المستضعفين. فكان أتوقع أن يقولوا: "نعم يا رسول الله، ما فيش مشكلة يا رسول الله، يعني يكون في مجلس خاص، إحنا مش حنجيك في هذه الساعة، إحنا حاضرين".
لكن الله سبحانه وتعالى لم يسمح بذلك. أنزل الله عز وجل آية تتلى في سورة الأنعام. انظروا هذه الآية ما أجملها. قال الله تعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52]. الله أكبر! تخصيص مجلس للكفار لا يأتي إليه هؤلاء المسلمون المستضعفون اعتبره الله طرداً لهم ونهى رسوله أن يفعل ذلك. "ولا تطرد" يعني يا محمد "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه". هؤلاء ناس مخلصون، هؤلاء مشوش إنهم ينطردوا ولا تخصص مجالس يقال لهم لا تأتوا إليها. {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}. إذا فعلت ذلك يا محمد ستكون ظالماً. فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يقبل عرض قريش في وقت هو في أمس الحاجة أن يجلس معهم ويكلمهم لعلهم يسمعون منه. فانظر يا أخي، انظر كيف أن الله سبحانه وتعالى لم يأذن أن يجلس النبي مع هؤلاء ويمنع المؤمنون من حضور هذه المجالس. شوف حق المؤمن كم هو عظيم!
حديث أبي بكر رضي الله عنه مع أبي سفيان
أما الحديث فحديث رواه مسلم. يعني عمل بلمح على أبي سفيان وبيسمعوا كلام يعني أنت كان لازم تقتل بالسيف يا أبا سفيان. كان وقتها كافراً. فأبو بكر رضي الله عنه يعني رأى هذا الكلام يقال لرجل وجيه من وجهاء قريش فقال: "أتقولون هذا لسيد قريش وكبيرهم؟" بس حكى لهم الكلمتين دول بس: "أتقولون هذا لسيد قريش وكبيرهم؟" بعدين أبو بكر راح للنبي عليه الصلاة والسلام وذكر له ما حصل. فقال له رسول الله: "يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، إنك إن أغضبتهم فقد أغضبت ربك عز وجل". الله أكبر على الكلمتين هذول! بس "أتقولون هذا لسيد قريش وكبيرهم؟" على هذول الكلمتين الرسول لم يسمح له أن يقول لإخوانه المسلمين كلام يمكن أن يكون قد أغضبهم علشان واحد كافر. "يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، إنك إن أغضبتهم فقد أغضبت ربك عز وجل". أبو بكر راح على طول للصحابة وقال: "يا إخوتاه، أغضبتكم؟ أنا زعلتكم يا جماعة؟" قالوا: "لا يا أخانا، يغفر الله لك". ما زعلوش منه خلاص والحمد لله.
تصور يا جماعة لما يجي نتكلم مثلاً مسألة أعياد النصارى ونذكر حكم ما نراه حكماً شرعياً - أنا أو غيري يعني - ويأتي من يعلق بطريقة متشنجة وعصبية جداً: "أنتم سبب التخلف، أنتم أنتم". يصير سب ويشتم ويتهجم ويستهزئ. على رسلك يا أخي! زعلان أوي ليه يعني؟ ليش زعلان بهذا الشكل؟ ولماذا تستهزئ بإخوانك المسلمين وتحزنهم وتشتمهم ولا تراعي حق الله فيهم ولا تراعي حق محمد فيهم؟ لماذا؟ علشان غير المسلمين! ألا تلاحظون أن صار في عندنا انحراف شديد في طريقة التفكير يا جماعة؟ مش مشكلة حقيقية هذه يا إخواني.
دعوة للتأمل ومراعاة حق الله
فهذه دعوة أن نراعي حق الله في أخوتنا الإيمانية. وأن نتعامل بهدوء مع كل من يحاول أن يصلح. طيب يا إخواني المشكلة يعني مرات نتلاقى: "أنتم السبب، أنتم رجعتونا إلى الوراء". قد يكون ترى المتكلم - ما بتكلمش عن نفسي - لكن أحياناً ممكن يكون المتكلم إنسان ناجح، دكتور ومعه شهادات علمية، ورجل طيب وبار بوالديه، وجار جيد، وأب جيد، وأستاذ جيد، ومن كله ما شاء الله، وتكلم وضحى في سبيل الله، وحاربه الظالمون في سبيل دعوته. لما يجي يتكلم في أحد هذه المواضيع: "أنتم مش لاقيين إلا هذا الموضوع؟ أنتم سبب التخلف". أي الله أكبر يا جماعة! لماذا هذه العصبية واللا موضوعية؟ هي فقط دعوة للتأمل ودعوة أن نراعي حق الله في التعامل فيما بيننا. ومرة أخرى أقول: إذا هنَّا على أعدائنا فبلاش نهون على بعضينا كمان.
بارك الله فيكم وجزاكم خيراً والسلام عليكم.